كتاب الحج (للشاهرودي) المجلد 1

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى

تاريخ وفات مؤلف: 1394 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 5

ناشر: مؤسسه انصاريان

تاريخ نشر: ه ق

نوبت چاپ: دوم

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: شاهرودى، ابراهيم جناتى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

ملاحظات: اين كتاب از روى نسخه اى كه در سال 1381 ه ق در چاپخانه قضاء در نجف اشرف به چاپ رسيده افست شده است

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[شرح] كتاب الحج [من العروة الوثقى]

[الفصل الأول في وجوب الحج]

[ركنية الحج]

قوله قده: (من أركان الدين الحجّ و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية من الرّجال و النّساء و الخناثى.

لا ينبغي الارتياب في وجوب الحج على كل أحد بعد تحقق جميع شرائطه من الزّاد و الرّاحلة و تخلية السّرب و غير ذلك من الشرائط الآتية، لعموم قوله تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) «1». و للنصوص الكثيرة الواردة في المقام- منها:

(1)- في الصحيح عن أبان عن الفضل أبي العباس عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه تعالى (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ) قال: هما مفروضان «2».

(2)- في الصحيح عن عمر بن أذينة قوله- عليه السلام- في جواب السّائل عن قول اللّه عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ.) يعنى به الحجّ و العمرة جميعا لأنهما مفروضان «3».

و نحوهما ما في باقي الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- في ذلك مضافا الى الإجماع عليه، بل في الجواهر: (بإجماع المسلمين بل ضرورة من الدّين يدخل من أنكره في سبيل الكافرين).

[في وجوبه مرّة واحدة]

قوله قده: (و لا يجب في أصل الشّرع إلا مرّة واحدة في تمام العمر.

يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

______________________________

(1) سورة آل عمران، الآية 91.

(2) المروي في الوسائل ج 2، الباب الأول من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) المروي في الوسائل ج 2، الباب الأول من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 3

(الأول)- الإجماع قديما و حديثا، قال في المنتهى: (ان عليه إجماع المسلمين).

و في الجواهر: (إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين). و في التهذيب: (انه لا خلاف فيه بين المسلمين).

و فيه: ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الكاشف قطعيا عن صدور الحكم

عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى. و في المقام يحتمل أن يكون مدركه الأخبار و الأصل، فالعبرة حينئذ بالمدرك دون الإجماع.

(الثاني)- أنه ليس مقتضى الإطلاقات كتابا و سنة إلا لزوم تحقق الطبيعة في الخارج، و الطبيعة إنما تتحقق بالإتيان بها مرة واحدة، فلا شك لنا في أن المطلوب من أمره بها هو صرف الوجود منها، بحيث لو أتى بها في أي سنة من سنوات عمره يحصل بها غرض المولى لتحقق صرف الوجود من الطبيعة بأول الوجود منها، فيكفي إتيانها مرة واحدة إلا إذا قام دليل تعبدي على وجوبها ثانيا و لم يثبت، فإذا أتى بها أولا ثم شك في وجوبها ثانيا فبمقتضى الأصل يحكم بعدم وجوبها.

(الثالث)- الأخبار الخاصة الواردة في المقام- منها:

1- في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ما كلّف اللّه العباد الا ما يطيقون، إنما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات. الى أن قال: و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك «1».

2- في خبر فضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- قال: إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك، لأن اللّه تعالى وضع الفرائض على أدنى القوة. «2».

3- في خبر محمد بن سنان أن أبا الحسن على بن موسى الرّضا- عليه السلام- كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة، لأن اللّه تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوة، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا، ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث

2

(3) الوسائل ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 4

4- عن دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- إنه قال: و أما ما يجب على العباد في أعمارهم مرة واحدة فهو الحج، فرض عليهم مرة واحدة لبعد الأمكنة و المشقة عليهم في الأنفس و الأموال، فالحج فرض على الناس جميعا إلا من كان له عذر «1».

5- عن عوالي اللئالي عن الشهيد قال: روى ابن عباس قال: لما خطبنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- بالحج قام إليه الأقرع بن حابس: أفي كل عام؟ فقال: لا، و لو قلت لوجب، و لو وجب لم تفعلوا، إنما الحج في العمر مرة واحدة، فمن زاد فتطوع «2».

6- عن العوالي أيضا عنه- صلى اللّه عليه و آله- انه قال: كتب عليكم الحج، فقال الأقرع بن حابس: كل عام يا رسول اللّه؟ فسكت، ثم قال: لو قلت لوجب ثم إذا لا تسعون و لا تطيقون و لكنه حجة واحدة «3».

فما أفاده الأصحاب من (أنه لا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة) متين، و قد ظهر مما ذكرناه ضعف ما نقل عن الصدوق في العلل: من وجوبه في كل عام على أهل الجدة [1] فإنه على فرض ثبوته شاذ و مخالف لاتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و مقتضى الأخبار المتقدمة و الأصل.

هذا و لكن قد ورد في بعض الأخبار ما يدل على أنه يجب في كل سنة، على أهل الجدة و هي بظاهرها معارضة بما تقدم من الأخبار- منها:

1- في خبر على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السلام- قال: إن اللّه عز و جل فرض الحج

على أهل الجدة في كل عام، و ذلك قوله عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ.

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ) قال: قلت: فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال:

لا، و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر «4».

______________________________

[1] الجدة- الغنى و الثروة.

______________________________

(1) المستدرك ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) المستدرك ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

(3) المستدرك ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

(4) الوسائل ج 2، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 5

2- في خبر حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إن اللّه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام «1».

3- في صحيح أبي جرير القمي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: الحج فرض على أهل الجدة في كل عام «2» الى غير ذلك من الروايات.

فهذه الروايات بظاهرها تدل على وجوب الحج في كل عام على المتمكن منه، فإذا تقع المعارضة بينها و بين الأخبار المتقدمة، و يمكن الجمع بين الطائفتين بوجوه.

(الأول)- حمل الطائفة الثانية من الأخبار الدالة على وجوبه في كل عام على أهل الجدة على الوجوب الكفائي كما هو خيرة (الوسائل)، حيث قال فيها في ذيل الروايات:

(و الأقرب ما قلناه من الوجوب الكفائي). و الشاهد على ذلك الأخبار الواردة الدالة على عدم جواز تعطيل الكعبة- منها:

1- في صحيح حماد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: كان على- صلوات اللّه عليه- يقول لولده: يا بنى! انظروا بيت ربكم، فلا يخلوا منكم، فلا تناظروا

«3».

2- و في رواية [حنان بن] سدير عن أبيه قال: ذكرت لأبي جعفر البيت، فقال: لو عطلوه سنة واحدة لم يناظروا «4».

3- في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين في وصيته للحسن و الحسين- عليهما السلام- أوصيكما بتقوى اللّه. الى أن قال: اللّه اللّه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا «5».

4- و عن دعائم الإسلام عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أنه قال: إذا تركت أمتي هذا البيت أن تؤمه لم تناظروا «6» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل ج 2، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(3) الوسائل ج 2، الباب 4- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(4) الوسائل ج 2، الباب 4- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(5) الوسائل ج 2، الباب 4- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(6) المستدرك ج 2، الباب 4 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 6

و يشهد على ذلك أيضا الأخبار الدالة على أن الناس لو تركوا الحج لوجب على الإمام- عليه السلام- كما في بعضها، و على الوالي كما في آخر: أن يجبر الناس على الحج و المقام عنده و زيارة الرسول- صلى اللّه عليه و آله- و المقام عنده و لو لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال- منها:

1- في صحيح عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو عطل الناس الحج لوجب على الامام- عليه السلام- أن يجبرهم على

الحج إن شاؤا و إن أبوا، فإن هذا البيت إنما وضع للحج «1».

2- في صحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو أن الناس تركوا الحج، لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، و على المقام عنده، و لو تركوا زيارة النبي- صلى اللّه عليه و آله- لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، فإن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و يشهد ايضا على ذلك ما ورد: أن الناس لو تركوا الحج انزل عليهم العذاب- منها:

1- في خبر أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: أما أن الناس لو تركوا حج هذا البيت لنزل بهم العذاب و ما نوظروا «3».

2- و في رواية حسين الأحمسي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو تركوا الناس الحج لما نوظروا العذاب، أو قال: انزل عليهم العذاب «4».

تقريب الاستدلال بها على الوجوب الكفائي، هو أن قضية عدم جواز تعطيل الكعبة مطلقا حتى لو فرض في سنة لم يكن بين الناس مستطيع صرورة أو غيره ممن يجب عليه الحج و لو بنذر أو شبهه كما هو مقتضى إطلاق هذه الأخبار. و وجوب إجبار الناس على الوالي، كذلك، هو وجوب الحج كفاية في كل عام على المسلمين، لكي لا تخلو الكعبة من زائر، و لو

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2، الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج 2، الباب 4 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(4)

الوسائل ج 2، الباب 4 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 7

لم يفعلوا لأنزل عليهم العذاب.

غاية الأمر أنه كسائر الواجبات الكفائية يسقط بقيام من به الكفاية به في كل سنة و لا يسقط بدونه.

و يمكن المناقشة فيه، بأن الأخبار الواردة في عدم جواز تعطيل الكعبة لا تدل على وجوب الحج في كل عام كفاية، إذ عدم التعطيل كما يحصل بالحج، كذلك يحصل بالعمرة، فلا تتم دلالة تلك الأخبار على المطلوب.

و دلالة الأخبار الدالة على أن على الوالي إجبار الناس على الحج لو تركوه، و ما دل على أنهم لو تركوا الحج انزل عليهم العذاب!! قابلة للمناقشة أيضا.

لإمكان أن يقال: إنه لا يتفق عادة في سنة عدم وجود مستطيع صرورة في الأقطار حتى يثبت كون الأخبار في مقام البيان من هذه الجهة و يتحقق الإطلاق، فيحتمل كون وجوب الإجبار و نزول العذاب لأجل تركهم حجة الإسلام الواجبة عينا في تمام العمر مرة واحدة فبتركها يجب على الوالي إجبارهم عليه و ينزل العذاب عليهم لو لم يحجوا.

(الثاني)- حمل الطائفة الثانية من الأخبار الدالة على وجوبه في كل عام على أهل الجدة على الوجوب البدلي، بأن على الواجد بمقدار ما يحج به، الحج في العام الأول، فإن تركه ففي العام الثاني و هكذا و بالجملة فوجوبه في كل عام يكون على البدل و مترتبا على تركه في العام السابق، و هو خيرة الشيخ «قده» في التهذيب و العلامة «ره» (في المنتهى) على ما هو المحكي عنهما.

و فيه: أنه لا شاهد له فلا يصار اليه.

(الثالث)- حمل الطائفة الثانية على الاستحباب، كما حمله الشيخ «قده» على ذلك و هو خيرة المعتبر حيث قال:

(إن هذه الروايات محمولة على الاستحباب لأن ظاهرها مخالف لإجماع المسلمين كافة). و استحسنه في المدارك، و وافقهم صاحب الجواهر «قده» و استغرب حملها على الوجوب الكفائي الذي جعله صاحب الوسائل أقرب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 8

فإذا أوجه الوجوه حملها على الاستحباب لما عرفت في الوجهين الأولين من الإشكال و الشاهد على ذلك الأخبار الدالة على استحباب الحج في كل سنة،- منها:

1- عن ابن أبي عمير، قال: سمعت جعفر بن محمد- عليهما السلام- يقول:

قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- تابعوا بين الحج و العمرة، فإنهما ينفيان الفقر، كما ينفى الكير [1] خبث الحديد «1».

2- في مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السلام-: من حج حجة الإسلام فقد حل عقدة من النار من عنقه، و من حج حجتين، لم يزل في خير حتى يموت، و من حج ثلاث حجج متوالية ثم حج أو لم يحج، فهو بمنزلة مد من الحج «2».

3- مرسلته ايضا قال: روى أن من حج ثلاث حجج، لم يصبه فقر أبدا، و أيما بعير حج عليه ثلاث سنين جعل من نعم الجنة «3».

4- عن دعائم الإسلام، عن على- عليه السلام- و ان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- قال في حديث: أيها الناس عليكم بالحج و العمرة فتابعوا بينهما، فإنهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء الدرن [2]، و ينفيان الفقر، كما تنفى النار خبث الحديد «4».

5- عن على بن الحسين عن أبيه عن على بن أبي طالب- عليه السلام- قال:

قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- تابعوا بين الحج و العمرة، فإنهما ينفيان الخطايا و يجلبان العبد الى الرزق «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم

السلام- و قد عقد في الوسائل بابا لهذا الحكم و ذكر فيه جملة كثيرة من الروايات.

______________________________

[1] زق- ينفخ فيه الحداد.

[2] الدرن- الوسخ.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 13

(3) الوسائل- ج 2، الباب 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 14

(4) المستدرك- ج 2، الباب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(5) المستدرك- ج 2، الباب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 9

و كيف كان فالأخبار الدالة بظاهرها على وجوب الحج في كل سنة لا تصلح لمعارضة الأخبار الدالة على وجوبه بنحو صرف الوجود و عدم وجوبه أكثر من مرة واحدة، و ذلك لأن الأخبار الدالة على عدم وجوبه إلا مرة واحدة، نص في ذلك، و الطائفة المعارضة لها ليست نصا في الوجوب فيمكن حملها على إرادة الاستحباب أو غيره.

و من المحتمل أن يكون المراد من لفظ الفرض الواقع في منطوق الروايات معناه اللغوي و هو الثابت، و معلوم أن الثبوت أعم من ان يكون بنحو الوجوب أو بنحو الاستحباب فصلاة الليل مثلا ثابتة على المسلمين، مع أنها ليست بواجبة.

[المسألة الأولى]
[في فورية وجوب الحج]
اشارة

قوله قده: (لا خلاف في ان وجوب الحج بعد تحقق الشرائط فوري.

قد تطابقت الفتاوى قديما و حديثا على وجوب البدار إليه في أول عام الاستطاعة كما في الجواهر و المدارك و المنتهى و التذكرة و محكي الناصريات و المختلف و شرح الجمل و غيرها، و هذا مما لا ينبغي الشك فيه من حيث الفتوى و لكن يقع الكلام في دليله

و يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:
(الأول)- الإجماع

كما ادعاه صاحب التذكرة و المنتهى، و فيه: أنه قد ذكرنا أن المعتبر من الإجماع هو التعبدي لا المدركى منه، و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية، فالعبرة حينئذ بها لا بالإجماع، و على فرض تسليم القطع بعدم استناد المجمعين في الحكم على تلك الوجوه.

نقول: إن من الواضح عدم كون الإجماع بنفسه حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة و لذا لم يلتزم بذلك أحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فالاعتماد عليه لا بد ان يكون من جهة كونه موجبا لحصول الاطمئنان بالحكم بل ربما يكون موجبا لحصول العلم بان المجمع عليه هو الواقع، و لو لم يكشف عن الحجة المعتبرة عندهم التي كانت حجة لنا ايضا لو ظفرنا بها، و لا عن سيرة أصحاب الأئمة- عليهم السلام- التي تكون كاشفة عن إمضاء الإمام- عليه السلام- كما ادعى هذان الوجهان في وجه حجيته، و نحن قد أثبتنا في محله عدم تمامية ما افادوه «قدس اللّه تعالى أسرارهم» من الوجهين أما عدم كشفه عن الحجة المعتبرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 10

عندهم «1» فلضرورة انه لو كان ذلك في البين لبان و لكان يصل إلينا يدا بيد، للقطع بعدم الداعي لهم إلى إخفائها و عدم نشرها، بل

الأمر بالعكس جزما، لما علم من اهتمامهم بضبط الروايات و كتبها و نشرها، بل أمر الإمام- عليه السلام- لهم بذلك، فكيف يرضى المنصف بان ينسب إليهم انهم كتموا رواية معتبرة يحتاج إليها عامة المكلفين بل اوصى كل منهم الى صاحبه بالكتمان، و عدم ضبطها بالكتب، لئلا تصل الى الطبقات المتأخرة؟! فإن هذا مما يعلم بفساده. فمن عدم وصولها منهم إلينا نقطع بعدم وجودها عندهم، فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بكشفه عنها.

و أما عدم كشفه عن السيرة العملية للوسائط و المشايخ الكاشفة كشفا قطعيا عن عمل أصحاب الأئمة- عليهم السلام- فلأن المجمعين لم يدركوا جميع الوسائط حتى يطلعوا على أعمالهم. نعم، قد اطلعوا على أصولهم و كتبهم و رواياتهم، و هذا كما ترى أجنبي عما نحن بصدد إثباته من كشف الإجماع عن السيرة العملية المتصلة بزمان الامام- عليه السلام-، فالوجه في الاستدلال بالإجماع المحصل بل المنقول منه مع بعض الضمائم انما يكون من جهة كونه موجبا لحصول الاطمئنان بل ربما يوجب العلم بكون المجمع عليه هو الواقع. نظير انه ربما يتفق من التتبع في أحوال الرجال العلم بوثاقة الراوي مع عدم تمامية مدرك توثيقاتهم، فعليه يصح لنا ان نقول: بأن الفتاوى التي صدرت منهم في عدة من المسائل التي لم يوجد على طبقها مدرك عدي الإجماع، يحصل لنا الاطمئنان أو العلم بصحتها من ذلك الإجماع، و قد اطلع بعض المتتبعين على كثير من الفروع المسلمة التي لا مدرك لها سوى الإجماع.

ثم انه لو سلم كشف الإجماع عن السيرة العملية، و حصول العلم بأن أصحاب الأئمة- عليهم السلام- كانوا يأتون بالحج في أول عام الاستطاعة لقلنا إن استقرار السيرة العملية على الإتيان بالحج فورا لا يدل

على وجوب الفورية، لأن الفعل مجمل فلعله كان لاستحبابها أو لدواع أخر كالاستعجال في الاستراحة عن ثقل التكليف به فتدبر [1].

______________________________

[1] المؤلف: و لكنه دام ظله قرّب في بعض مباحثه أخيرا كون الإجماع كاشفا عن سيرة أصحاب الأئمة- عليهم السلام- الكاشفة عن إمضاء الإمام- عليه السلام- و توضيحه يحتاج الى بيان و تفصيل يضيق به المقام هنا،

______________________________

(1) بعد القطع بعدم فوتها قبل التصنيف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 11

(الثاني)- أن فورية وجوب الحج هي التي تقتضيها الأوامر الواردة في الشريعة،

و ذلك بتقريب أنه لا ينبغي الارتياب في أن فعلية كل حكم تابعة لفعلية موضوعه، فتكون نسبة الحكم إلى الموضوع كنسبة العلة إلى معلولها من حيث الترتب، فمع تحقق الموضوع جامعا للشرائط حدوثا بالوجدان و بقاء كذلك أو بالأصل يتحقق الحكم و لا ينفك الحكم ايضا عن البعث أو الزجر. و لا يخفى أن الحكم الفعلي البعثى أو الزجرى يقتضي الانبعاث أو الانزجار فعلا بحكم العقل، فلا ينفك الانبعاث أو الانزجار الفعلي عن فعلية الحكم، و لا يتأخر عنها، و إلا لزم الخلف، فحينئذ يجب فورا.

و ليس مرادنا بما ذكرنا من فعلية الانبعاث دلالة الأمر على الفور، حتى يقال إنه لا يدل على الفور و لا التراخي، كما ذهب إلى ذلك المحققون من الأصوليين، بل يدل على نفس الطبيعة من دون لحاظ خصوصية من خصوصياتها لا بمادته و لا بهيئاته، بل المراد هو أن العقل حاكم بلزوم الانبعاث من بعث المولى و لزوم الإطاعة و عدم جواز الإهمال.

و فيه: مضافا الى عدم التزام أحد به في غير المقام: أن فورية الانبعاث تابعة لكيفية البعث، فربما يكون مطلوب المولى من البعث إلى شي ء هو البعث إلى الإتيان به فورا فيحكم العقل بلزوم الانبعاث فورا، و إلا لزم

الخلف. و اخرى، يكون مطلوبه البعث إلى شي ء مطلقا بدون نظر الى الإتيان به فورا أو تراخيا، فحينئذ لا يحكم العقل بلزوم الانبعاث فورا، و كون مطلوب المولى فيما نحن فيه الفور أول الكلام فلا يمكننا إثبات الفورية بهذا الدليل.

(الثالث)- كون فورية وجوب الحج من مرتكزات المتشرعة قديما و حديثا،

بحيث يذمون تارك الحج في عام الاستطاعة مع عدم عذر مسوغ لتأخيره عن ذلك العام، و لا يرون لأحد ان يتسامح في المشي و المسير الى الحج بعد اجتماع شرائطه، و يسمى هذا الوجه بالإجماع الارتكازي.

و فيه: أولا- أن دعوى القطع بارتكازية ذلك في أذهانهم بحيث لا يجوزون التأخير بعد تحقق الموضوع حدوثا بالوجدان، و بقاء الى آخر الأعمال بالأصل عن عام الاستطاعة أول الكلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 12

و ثانيا- بعد تسليم القطع بثبوت هذا الارتكاز نقول: أن كونه ناشئا عن سيرة مستمرة إلى زمان الامام- عليه السلام- غير معلوم لاحتمال نشوه عن انس ذهنهم بالفتاوى قديما و حديثا، لتطابقها على وجوب البدار إليه في أول عام الاستطاعة كما عرفت آنفا.

(الرابع)- الأخبار الواردة في ان من بذل له المال للحج فليحج،

فإنها تدل بظاهرها على الفور، فنتعدى عن مورد البذل الى غيره بتنقيح المناط.

و فيه: أولا- أن دلالة الأمر الوارد في الاستطاعة البذلية على الفور أول الكلام، لأن وزان تلك الأخبار الواردة في الاستطاعة البذلية وزان أوامر الحج في الاستطاعة الملكية بلا فرق بينهما. نعم، يمكن الفرق بين المقامين، بأن يقال: إن الغالب في الاستطاعة البذلية، هو ارادة الباذل فورية الحج، و مع عدم قرينة على ارادة فوريته لا فرق بين الاستطاعة الملكية و البذلية في عدم وجوب الفور أو وجوبه أصلا.

و ثانيا- أنه على فرض التسليم فغاية ما يستفاد من تلك الأخبار هناك هو ثبوت الفور في حق المبذول له، و أما ثبوته في حق غيره- و هو من استطاع بغير البذل- فلا يستفاد منها ذلك، و لا يمكن لنا التعدي عن موردها الى غيرها، إلا إذا قام دليل تعبدي من الخارج على جواز التسرية، و هو لم يثبت، فلا بد من

الاقتصار على موردها.

و أما القول: بأنه يمكن التعدي عن موردها الى غيره بتنقيح المناط القطعي فلا يمكن المساعدة عليه، لأنه غير قطعي، بل غاية ما يحصل به، هو الظن و هو لا يغني عن الحق شيئا فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا لاحتمال خصوصية في الحج البذلى دون غيره.

نعم، إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي منه الى غيره و لكنه مجرد فرض لا واقع له لعدم علمنا بالملاكات و موانعها كما لا يخفى.

(الخامس)- أن التأخير إلى سنة أخرى بلا عذر

- مضافا الى أنه في معرض الفوت، لاحتمال عدم التمكن من إفراغ ذمته في العام القابل- يوجب صيرورة صاحبه متهاونا و غير معتن بأمر المولى و تاركا للحج من غير عذر، مع أنه لو جاز التأخير عن العام الأول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 13

من الاستطاعة، لجاز التأخير عن العام الثاني منها ايضا، و هكذا حتى يظن بالفوت، كما هو قضية اتحاد حكم الأمثال بعد ان لم يكن لنا دليل على الفور في العام القابل ايضا.

و فيه: أن احتمال الفوت لو لم يكن عقلائيا لا اعتبار به، بل و كذا لو كان احتمال كل من الفوت و الدرك عقلائيا، و لم يحصل الاطمئنان بالفوت، لم يلزم المبادرة. نعم، مع الاطمئنان بالفوت لو أخر و لم يأت به في العام الأول، مع كونه واجدا لجميع شرائط الوجوب الى آخر أزمنة المناسك في العام الأول و اتفق عدم تمكنه أصلا كان مستحقا للعقوبة، بل و كذلك ايضا لو انكشف عدم بقاء شرائط وجوبه أو انكشف عدم حصول الفوت، و ذلك لتحقق ما هو المناط في استحقاق العقوبة في جميع هذه الصور- كما قد

حقق في محله.

و أما كون الترك في العام الأول تهاونا أو عدم اعتناء بأمر المولى، فمجرد دعوى لا شاهد عليها بعد عدم نهوض دليل على وجوب الفور، كما هو محل الكلام.

- و أما- دعوى صدق كونه تاركا للحج بمجرد التأخير عن العام الأول- مع فرض عدم العلم باستلزام التأخير للفوت- فممنوعة جدا.

و اما استلزام جواز التأخير عن العام الأول، لجواز التأخير عن العام القابل ايضا، باتحاد حكم الأمثال، فلا ضير فيه مع فرض عدم دليل على الفور في العام القابل، و لو متسكعا، فنلتزم بجواز التأخير عن العام القابل كالعام الأول.

و اما مع فرض ثبوت الدليل على المسارعة في العام القابل- إذا بقيت الشرائط في العام الأول إلى آخر أزمنة المناسك- فالملازمة ممنوعة لوجود الفارق و هو الدليل على ما هو المفروض.

(السادس)- ما ورد من اخبار التسويف الدالة على حرمة التسويف بلا عذر

- منها:

1- في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) «1». قال: هذا لمن كان عنده

______________________________

(1) سورة آل عمران الآية 97.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 14

مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذ ترك الحج و هو يجد ما يحج به. «1».

2- في الصحيح عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج في كل عام، و ليس يشغله عنه الا التجارة أو الدين؟ فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «2».

و نحوهما ما في الأخبار الواردة، و

قد عقد في الوسائل بابا واسعا للروايات المستفاد منها ذلك، و قد ذكر فيه جملة وافرة من الروايات، و ان كان غير واحد منها مما لا يمكن الاستشهاد بها، كالاخبار الناهية عن التسويف الى ان يموت.

و كيف كان، فالظاهر منهما كما ترى هو حرمة التسويف بلا عذر، و دلالة الأول أوضح من الثاني، فتأخير الحج من دون عذر يعذره اللّه حرام، فيجب الإتيان به فورا.

و يمكن المناقشة فيه بأن يقال: انه و ان كان لا إشكال في دلالة هذه الأخبار من حيث الكبرى- و هي حرمة التسويف و ان الشارع لا يرضى بالتسويف في الحج، لما فيه من الأهمية- الا انه يقع الكلام في الصغرى، و هي هل يصدق ذلك العنوان بمجرد التأخير عن العام الأول من الاستطاعة، كما يصدق بالتأخير في سنوات عديدة قطعا كي تنطبق الكبرى عليه أولا، فإن ثبت صدقه بمجرد التأخير عن العام الأول تدل تلك الأخبار على المدعى و إلا فمع الشك في الصغرى لا يمكن التمسك بالكبرى.

و لكن الإنصاف ان إنكار صدق التسويف بالتأخير و لو عاما واحدا في غير محله، فالأقوى تمامية هذا الدليل

السابع- الأخبار الدالة على وجوب الاستنابة فيما إذا لم يتمكن من الحج لعذر

من كبر أو مرض أو هرم أو غير ذلك من الأعذار، و الظاهر منها- على ما سيأتي في ذلك الباب- هو وجوب الاستنابة عليه. فلو لم يكن الحج واجبا فورا في أول عام الاستطاعة- فلم وجب التجهيز؟ فمن امره- عليه السلام- به يستكشف ان وجوبه فوري

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2، الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 15

لأنه لا معنى للأمر بالاستنابة،

إذا جاز التأخير مع احتمال التمكن من الإتيان به مباشرة في العام القابل.

و فيه: ان تلك الروايات لا تشمل المحل المفروض، و هو ما إذا كان أول عام استطاعته، كي يستدل بها على وجوب البدار إليه في أول عام الاستطاعة، لانصرافها عنه، لأن موردها هو ما إذا تحققت شرائط الوجوب لشخص و استقر الحج عليه، و هو لم يتمكن من الإتيان به مباشرة لعذر يعذره اللّه فحكم الامام- عليه السلام- بوجوب ان يجهز رجلا ليحج عنه و لا كلام لنا في ذلك، و أما من كان أول عام استطاعته، و لم يستقر الحج عليه فلا تشمله الروايات، لانصرافها عنه.

و الحاصل: أن من استقر عليه الحج، و لم يتمكن من الإتيان به فورا لعذر- من كبر أو مرض- فمقتضى هذه الروايات وجوب الاستنابة عليه لسقوط قيد المباشرة حينئذ، و أما من لم يستقر عليه الحج، فلا يجب عليه التجهيز بل يصبر الى العام القابل، فإن بري ء من مرضه اتى به بنفسه، و الا فيستنيب، فيكون المفروض خارجا عن موردها. و سيأتي البحث عن هذه الجهة مفصلا إنشاء اللّه تعالى في مبحث النيابة.

(الثامن)- الروايات الدالة على حرمة نيابة من كان واجدا

بمقدار ما يحج به من الزاد و الراحلة و غيرهما من الشرائط في الحج عن غيره، و من الظاهر أن منع الشارع عن نيابته دليل على أن وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري. و مال الى الاستدلال بها على فورية الحج: صاحب الجواهر «قده».

و فيه: أن غاية ما يستفاد من تلك الأخبار، هو عدم جواز نيابة من اشتغلت ذمته بالحج، قبل أن تفرغ ذمته من الحج الواجب عليه، فلا يجوز له أن يقع أجيرا لشخص.

لاشتغال ذمته بوجوب الحج عن نفسه، فيجب عليه أن يفرغ

ذمة نفسه أولا بمقتضى تلك الروايات.

و أما دلالتها على وجوب الإتيان بحج نفسه فورا، فهو أول الكلام، و من الممكن أن يكون الملاك في عدم جواز النيابة له شيئا آخر غير الفورية.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 16

مضافا الى عدم تمامية دلالة الروايات المشار إليها على حرمة نيابة من اشتغلت ذمته بالحج كما سيأتي في محله إنشاء اللّه تعالى.

(التاسع)- الأخبار الدالة على ان تركه كفر

- منها:

1- عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في ذيل رواية معاوية ابن عمار: و من ترك فقد كفر، و قال: و لم لا يكفر فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «1».

2- في صحيح حماد في وصية النبي- صلى اللّه عليه و آله- لعلى- عليه السلام- قال:

يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة الى أن قال: و من وجد سعة فمات و لم يحج، يا على تارك الحج و هو مستطيع كافر، لقول اللّه تبارك و تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ) «2» يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا «3» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و تقريب الاستدلال بهذه الأخبار أنها تدل على ان ترك الحج كفر و التأخير عن العام الأول من الاستطاعة بدون عذر يعذره اللّه مستلزم للترك، لعدم علمه ببقائه إلى العام القابل، على أنه مع علمه ببقائه إلى العام القابل ايضا يصدق عليه انه تارك للحج فعلا فتشمله الأخبار، فيجب الإتيان به فورا.

لكن التحقيق أن ترك الحج و ان أطلق عليه الكفر في هذه الأخبار بالمعنى المناسب لترك الواجب إلا أن كون التأخير عن عام الاستطاعة

هو ذلك الترك الموجب للكفر- و لو ببعض معانيه- ممنوع جدا، حتى مع الشك في البقاء الى العام القابل، فضلا عن الظن بالبقاء و التمكن منه في العام القابل، مع العزم على الإتيان به فيه، بل ربما يحصل لبعض القطع بذلك و لو كان حصوله من جهة العادة و المتعارف. و بالجملة التأخير عن العام الأول ليس من

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(2) سورة آل عمران الآية 91.

(3) الوسائل ج 2، الباب 7 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 17

الترك المستلزم للكفر بالمعنى المناسب مع عدم إنكار أصل وجوب الحج، فلا يبقى مجال للاستدلال بمثل هذه الروايات على وجوب الفورية كما لا يخفى.

(العاشر)- أنه لا إشكال في الجملة في عدم جواز تفويت الاستطاعة الشرعية

بعد تحققها، و القدر المتيقن من ذلك هو عدم جوازه حين خروج القافلة الأولى، و هو إجماعي و منه يستكشف أن وجوب الحج فوري، إذ لو لم يكن فوريا لم يكن وجه لحرمة تفويت الاستطاعة، فله تفويت الاستطاعة في هذه السنة و الحج في سنة أخرى، و فيه: أن من يقول: بحرمة تفويت الاستطاعة، فإنما يقول بذلك لأجل قوله بالفورية، و اما ان لم نقل بها فلا منع عن التفويت، فإثبات الفورية بعدم جواز التفويت مستلزم للدور.

(الحادي عشر)- ما دل على حرمة الاستخفاف بالحج.

فعن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون: الإيمان هو أداء الأمانة، و اجتناب جميع الكبائر، مثل قتل النفس، الى ان قال:. و الاستخفاف بالحج «1».

تقريب الاستدلال بهذا الحديث انه صريح في حرمة الاستخفاف بالحج، فهو دليل على الفورية، لأن في تأخيره نوعا من الاستخفاف، فلا بد من الإتيان به فورا، لئلا يلزم من تأخيره الاستخفاف.

و يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كان لا إشكال في دلالته من حيث الكبرى، بل مع قطع النظر عن هذا الحديث ايضا نقول ان حرمة الاستخفاف بالحج مما لا يمكن إنكاره، فإن الاستخفاف بكل واجب من الواجبات- من الصلاة و الحج و غيرهما- حرام؛ من دون اختصاص ذلك بالحج، فالكبرى مسلمة في جميعها، لكن الكلام في الصغرى، لان صدق الاستخفاف- بمجرد التأخير عن العام الأول، خصوصا مع العزم على الإتيان به في العام القابل- قابل للمنع فانطباق الكبرى عليه غير معلوم. نعم، إذا كرر منه ذلك في كل عام؛ من دون عذر يعذره اللّه و أخره سنة بعد سنة؛ فلا إشكال في صدقه. هذا و لكن لا يبعد

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب

جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 33

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 18

دعوى تمامية هذا الدليل، و القول بصدقه بمجرد التأخير عن العام الأول.

هذه غاية ما يمكن ان يستدل بها على فورية وجوب الحج، و هذه الوجوه و ان كان غالبها قابلا للمناقشة، لكنه قد عرفت تمامية بعضها؛ و يكفي ذلك في إثبات المطلوب، فثبت أنه لو خالف و أخر مع وجود الشرائط بحيث يعد مستطيعا شرعا بلا عذر، يكون عاصيا.

[في أن المعاصي كلها كبيرة و منها ترك الحج]

و إذا ثبت كون تأخيره معصية، ثبت كونه كبيرة، لما قد حقق في محله: من أن المعاصي كلها كبيرة، و لكن بعضها أكبر و أنكر و أبغض عند اللّه تعالى من بعض، كما ورد في خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: ان أكبر الكبائر الشرك باللّه، و عقوق الوالدين، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما، و الربا بعد البينة، و قتل المؤمن.] «1». و لذا قيل: (ان المراد بالصغيرة؛ الصغيرة بالإضافة إلى الأهم منها)؛ فترك كل واجب صغيرة بالإضافة إلى ترك الواجب الأهم منه، و كذلك فعل كل حرام صغيرة بالإضافة إلى فعل الحرام الأهم منه، كما جمع بين ما ورد في ضابط الكبيرة من انها ما أوعد اللّه تعالى عليها النار، و بين الرواية المصرحة بأن ترك كل واجب كبيرة و الروايات التي وردت في تعداد الكبائر: وعد فيها بعض ما ليس مما أوعد اللّه تعالى عليه النار؛ بأن المراد من الكبائر التي ذكر في ضابطها كونها مما أوعد عليها النار الكبائر التي وعد سبحانه و تعالى، انه لو تركها العبد، كفر عنه المعاصي و السيئات الأخر لأجل اجتنابه

عن تلك الكبائر، و الشاهد على ذلك الأخبار الواردة- منها:

1- رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قول اللّه عز و جل «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ» قال: من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النار إذا كان مؤمنا كفر عنه سيآته، و أدخله مدخلا كريما، و الكبائر السبع الموجبات قتل النفس الحرام؛ و عقوق الوالدين: و أكل الربا؛ و التعرب بعد الهجرة؛ و قذف المحصنة؛ و أكل مال اليتيم؛ و الفرار من الزحف «2».

2- رواية على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام- قال:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 35

(2) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 32

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 19

سألته عن الكبائر التي قال اللّه- عز و جل-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ؛ قال:

التي أوجب اللّه عليها النار «1».

3- خبر محمد بن فضيل عن أبي الحسن- عليه السلام- [إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ] قال: من اجتنب الكبائر ما أوعد اللّه عليه النار، إذا كان مؤمنا كفر اللّه عنه سيئاته «2».

و قال الصدوق «ره»: (الأخبار في الكبائر ليست مختلفة؛ لأن كل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة الى ما هو أصغر منه؛ و كل كبير صغير بالنسبة إلى الشرك باللّه).

و بالجملة تأخير الحج عن عام الاستطاعة بدون عذر يعذره اللّه معصية كبيرة، كما صرح به جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- منهم المحقق «ره» في الشرائع، فذكر فيها (أن التأخير كبيرة موبقة). و في الجواهر في شرح قول المصنف: «قده» (كبيرة موبقة)

قال:

(كما صرح به غير واحد، و ان حج بعد ذلك، لكونه كذلك في نظر أهل الشرع، و لما رواه عن الفضل بن شاذان). و في المسالك: (بلا خلاف في ذلك عندنا). و في المدارك بعد ما ذكر ما في الشرائع و فورية وجوب الحج و غيرهما من الأحكام، قال: (هذه الأحكام كلها اجماعية على ما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر) و غيرهم من الفقهاء.

فظهر بما ذكرنا أن التأخير كبيرة، و لكنه ليس مما أوعد اللّه عليه النار، و قد وعد اللّه سبحانه و تعالى بأن من اجتنب مما أوعد عليه النار يكفر عنه المعاصي التي ليست كذلك، فعليه تكون معصية التأخير مما وعد اللّه تعالى تكفيرها بإتيان الحج، و لو في آخر عمره بل و لو بعد موته بنائبه، لو استفدنا كون عدم إتيانه بنفسه و بمباشرته و لا بنائبه مما أوعد عليه النار، فيكون الاجتناب عن ترك الحج مطلقا، اما بالإتيان به في حال حياته بنفسه أو بنائبه. و لو بعد موته كفارة لمعصيته التأخير عن عام الاستطاعة المحرز حدوثها بالوجدان و بقائها بالأصل إلى زمان اعتبار بقائه.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 21

(2) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 20

[المسألة الثانية في وجوب تهيئة ما يتوقف عليه الحج]

قوله قده: (لو توقف ادراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدمات من السفر و تهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحج في تلك السنة.)

قد اتفقت الآراء على ذلك قديما و حديثا و هو مسلم من حيث الفتوى و لكن يقع الكلام في أنه كيف تجب المقدمة بدون وجوب

ذيها مع أن ذا المقدمة لم يجب بعد، فان وجوب ذيها بالنسبة إلى وجوبها كالعلة بالنسبة إلى معلولها. و من المعلوم أنه لا انفكاك بين العلة و المعلول زمانا و لو آنا واحدا، فبملاك استحالة تقدم المعلول على علته يستحيل وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها لأن وجوبها ناش عن وجوب ذيها.

و لا يخفى أن هذا الاشكال انما يتوجه بناء على عدم الالتزام بالواجب المعلق، و اما مع الالتزام به فلا إشكال أصلا، لأن المفروض وجوب الحج بمجرد تحقق الاستطاعة حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل لتحقق موضوعه، فوجوب المقدمة ليس مقدما على وجوب ذيها كي يلزم المحذور.

و منشأ هذا الاشكال هو ما يقال: من أن ظرف المتعلق لا بد ان يكون متحدا مع ظرف الحكم و موضوعه. و استحالة التفكيك الزماني بينها، كما انه لا إشكال في لزوم اتحاد ظرف الموضوع مع ظرف الحكم و استحالة التفكيك الزماني بينهما. (بدعوى) أن قضية البرهان الذي أقاموه على استحالة التفكيك الزماني بين الحكم و موضوعه هو امتناع التفكيك الزماني أيضا بين الحكم و متعلقة، فيتوجه الأشكال المتقدم بناء على القول بذلك. و قد فصلنا الكلام في ذلك في الأصول في طي بيان الأدلة التي ذكروها في تصحيح الواجب المعلق و كذلك في صحة الشرط المتأخر عن المشروط زمانا من الشروط التي كانت بوجودها الخارجي دخيلة في وجود المشروط لا بوجودها العلمي و لا بنحو آخر من أنحاء وجودها و بينا- ايضا عدم تمامية ما قربناه في مقام الرد على من استدل على صحة الواجب المعلق، و كذلك الشرط المتأخر بوقوعه في التدريجيات من انحلالية الخطابات المتعلقة بالمركبات التدريجية، فتتعدد الخطابات و تتدرج في الوجود حسب تعدد اجزاء المركب

و تدرجها في الوجود، فهناك خطابات ضمنية مترتبة بعدد الأجزاء- بعدم صحة التدرج و الانحلال الى خطابات ضمنية، ضرورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 21

فعلية وجوب اجزاء المأمور به و تعلق الأمر بها دفعيا لا تدريجيا كيف و كل جزء قيد للأجزاء الأخر على ما هو معنى الارتباطي و المأمور به هو المقيد؛ فلا يمكن القول بانحلال الأمر في مثل الصلاة الى أوامر ضمنية متدرجة وجود اجزائها حسب تعدد متعلقاتها باجزائها، فضلا عن الارتباطي الذي يكون مثل الصوم و أمثاله مما لم يؤخذ الزمان قيدا للمتعلق، و لو قلنا بالانحلال فيه فاللازم كون الزمان مفردا، فكل آن صوم على حدة و هذا مما لا يمكن التفوه به و على هذا يجوز للقائل بالواجب المعلق ان يقول: بأن أدل الدليل على إمكانه هو وقوعه في المركبات التدريجية وجود اجزائها.

و هذا هو الوجه في التزام بعض المنكرين للواجب المعلق و الشرط المتأخر- بوقوعهما في المركبات التدريجية الوجود- قائلا: بمساعدة العرف و الاعتبار ايضا عليه (و ان أوردنا عليه): بأنه إذا جاز التفكيك بين زمان الحكم و الموضوع و زمان المتعلق بآن ما جاز التفكيك بينهما بزمان طويل ايضا بلغ ما بلغ لاستحالة التخصيص في الأحكام العقلية كأن يقال:

(اجتماع النقيضين أو الضدين محال عقلا) إلا في مورد خاص و انتفاء الوجود و العدم في مرحلة ذات الماهيات أجنبي عن ارتفاع النقيضين- فلا تغفل. و إذا قام البرهان و حكم العقل الضروري- الذي هو المعيار و الميزان في تمامية البرهان النظري و عدمها- باستحالة تعدد زمان فعلية الحكم و متعلقة كحكمه باستحالة التقدم و التأخر بالنسبة إلى الحكم و موضوعه، فكما انه يستحيل التخصيص بالنسبة إلى الحكم و

موضوعه كذلك يستحيل ذلك بالنسبة إلى الحكم و متعلقة. و لذا قالوا: (بأن ظرف الحكم و موضوعه و متعلقة واحد لا انفكاك بينها بحسب الزمان» و انما الترتب بينها بحسب الرتبة دون الزمان). (و الحاصل) انه لما التزموا باستحالة التفكيك بحسب الزمان بين الحكم و متعلقة كاستحالة التفكيك بين الحكم و موضوعه أوقعوا أنفسهم الزكية- رضوان اللّه تعالى عليهم- في الأشكال و صاروا بصدد اقامة الدليل على وجوب المسير قبل الموسم و وجوب إيجاد ما يتوقف عليه إتيان المناسك في أوقاتها من المقدمات التي لا يمكن تحصيلها الا قبل الموسم، مع انهم التزموا بأن فعلية الوجوب- كوجوب الحج و الصلاة و الصوم و غيرها- من الواجبات الموقتة موسعة كانت أم مضيقة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 22

مشروطة بوقت خاص و قد استراح من هذه الإشكالات من لم يلتزم- بمساواة المتعلق مع الموضوع في استحالة التخلف زمانا و منع من جريان برهان لزوم الخلف و المناقضة بالنسبة إلى الحكم و متعلقة كما هو كذلك جزما بالنسبة إلى سائر الشروط و القيود الوجودية، ضرورة ثبوت الأمر بذلك المقيد و ان لم يكن أوجد المكلف بعد تلك القيود اختيارا- مع بقائها على دخلها في حال الاختيار قطعا، و بداهة عدم صحة المقيد مع انتفاء قيده- فيكون عدم صحة الإتيان بالمتعلق الموقت قبل الوقت كعدم صحة المتعلق المقيد بغيره من القيود مع عدم رعاية قيده اختيارا. لا يقال: نعم، حال قيد الوقت- و ان كان كحال سائر القيود في عدم صحة المقيد بدونه- لكن الفارق بينه و بينها اختياريتها و تمكن المكلف من إيجادها، بخلاف الوقت لأنه خارج عن اختياره و لا يمكنه تحصيله، و لذا لا يكون

في حيز الخطاب، فلا يتعلق الخطاب بالمتعلق الا بعد وجوده كي يصير مقدورا للمكلف، فقبل الوقت المضروب للعمل لا وجود للحكم كما لا وجود له قبل وجود موضوعه. لأنه يقال: لا شك في أن الخطاب لا يتعلق الا بالمقدور، و من البديهي- أن الإتيان بالمتعلق في وقته مقدور و المعيار فيها هو المقدورية في وقت الواجب، فما لم يكن الوقت دخيلا في موضوع الحكم فلا مانع من فعلية الحكم بمجرد تحقق موضوعه الذي أخذ في لسان الدليل، كالاستطاعة التي فسرت في الاخبار بأمور ليس منها الموسم، و ظاهر الآية الشريفة، و كذا أخبار وجوب الحج على المستطيع كون الاستطاعة تمام الموضوع، فما لم يثبت دخالة شي ء آخر بدليل خاص لا نقول بدخالته فيه. فمهما تحقق الموضوع جامعا للشرائط يتحقق الحكم لاستحالة التخلف، و كذلك الحال في غير الحج من الصوم و غيره من العبادات، الا فيما إذا قام دليل تعبدي على أخذ الوقت قيدا في الموضوع، و لا يكون صرف عدم مقدورية جر الزمان كاشفا عن دخله في الموضوع.

فان قلت: فما فائدة فعلية الحكم قبل مجي ء وقت الواجب؟ قلت: فائدته وجوب تحصيل الأمور التي لها دخل في وجود الواجب و لا يمكن تحصيلها في وقت الواجب، و عدم تطرق الأشكال المعروف المبتني على القول بإمكان ثبوت الخطاب المولوي بالنسبة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 23

إلى ماله الدخل من المقدمات في مرحلة الإطاعة و الامتثال الذي لا مجال للتصرف فيه الا بنحو الإرشاد على ما سيجي ء بيانه في طي الاستدلال على وجوب المقدمات المفوتة إنشاء اللّه تعالى.

فان قلت: ان لازم فعلية الوجوب قبل وقت الواجب هو اشتغال ذمة المكلف بالمأمور به، فعلى هذا لو مات

قبل الوقت يجب تداركه مع انه لا يمكن التفوه بذلك. قلت:

لا يقولون بذلك لأنه بموته قبل وقت الواجب يكشف عن عدم وجود الموضوع له واقعا و قد مر في محله أن المعتبر بقاء الشرائط إلى وقت صحة الإتيان بالمأمور به بتمامه و كماله، و أن إحراز الموضوع و شرائط الوجوب يكون من حيث الحدوث بالوجدان و من حيث البقاء بالأصل، فمع الشك في بقاء الشرائط لا يكون في البين الا الحكم بترتب الأثر ظاهرا بحسب الاستصحاب، فلو انكشف الخلاف و عدم بقاء شرط من الشرائط يكشف عن عدم اشتغال ذمته بالحج واقعا (و ان أبيت) إلا عن دخل الأمور الغير الاختيارية في موضوع الخطاب و ان كان لها دخل في متعلق الخطاب ايضا. فعليه ينحصر دفع الاشكال المعروف المبتني على إمكان الخطاب المولوي بما لا مدخلية له في موضوع الخطاب و لا في متعلقة، و أن فائدته مجرد التمكن من الامتثال فقط بما ذكروه في دفعه من الوجهين:

(الأول)- التشبث بالخطاب المتمم للخطاب الأول، كما هو قضية عدم إمكان الوصول الى المطلوب بإنشاء واحد، و توقفه على تعدد الخطاب و الإنشاء بالتقريب الذي ذكر في محله، و بين ايضا- أن هذا القسم من الخطاب المتمم الذي لا ينتج إلا نتيجة الخطاب التولدى الذي لا يتعلق الا بما له دخل في حصول التمكن من الإتيان بالواجب في وقته، و ليس في متعلقة مصلحة- كغيره من المتمم للقصور الشمولي أو المتمم للقصور في المحركية، و هذا أجنبي عن تعدد الواجب و تعدد حكمه لأن المعيار في وحدة الحكم و الواجب و تعددهما هو تعدد الملاك و وحدته لا تعدد الإنشاء و وحدته و بين أيضا- في محله- أن

غير المتمم الشمولي لا يتصور فيه النفسية أصلا، فعلى هذا لا يبقى مجال أصلا لما قيل: من أن لازم نشو هذا الخطاب من اقتضاء حفظ الغرض و استيفاء المصلحة الملزمة كون المقدمة واجبة نفسية، كما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 24

لا يبقى مجال لتوهم تعدد الواجب ايضا لمكان وحدة الملاك. هذا كله بناء على ما هو المعروف من تصوير الخطاب المولوي بالنسبة إلى المقدمات الوجودية و الا فلا مجال لاستكشاف الخطاب المتمم أصلا، فينحصر الجواب بالوجه الثاني. و لكن غير خفي أن هذا الوجه على فرض تمامية ثبوتا و قيام الدليل عليه إثباتا أيضا إنما يفيد قبل وقت ذي المقدمة في خصوص المقدمات المفوتة و هي التي لها دخل في قدرة المكلف على فعل المأمور به في وقته بحيث لولاها لما كان قادرا عليه دون مثل «صوم ثلاثة أيام في الحج» الذي شرع بعد دخول شهر ذي الحجة إلى يوم عرفة؛ و عين وقته الفضلي من اليوم السابع الى يوم عرفة تارة بقوله- عليه السلام- آخرها يوم العرفة؛ و اخرى بقوله- عليه السلام-: أنها يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم العرفة- في صورة العلم بعدم وجدان الهدى في أيام الذبح كما هو واضح. و لا يمكن الجواب عن هذا الإشكال إلا بالالتزام بالواجب المعلق و عدم كون وقت الواجب شرطا للحكم أو الالتزام بتعدد الموضوع و منع كون الصوم بدلا عن الذبح؛ فيكون حال الواجد للهدي و فاقده كحال المسافر و الحاضر لا مثل المتمكن من الطهارة المائية و غير المتمكن منها الذين لا يكونان كالمسافر و الحاضر بل يكونان من باب الأبدال الاضطرارية و مبدلاتها (و من هنا ظهر) عدم صلاحية

الوجه الثاني الآتي لدفع الإشكال في موارد تقدم البدل على المبدل على القول باستحالة الواجب المعلق- فلا تغفل.

(الثاني)- حكم العقل و لا بأس بتمهيد مقال فنقول: اعلم أن الشرائط مختلفة لأن بعضها من الشرائط العامة و بعضها من الشرائط الخاصة و لا شك في أن الشرائط العامة للتكليف ايضا مختلفة، لدخالة بعضها في أصل تحقق الملاك و الخطاب معا كالبلوغ و العقل، و دخالة بعضها في تحقق الخطاب دون الملاك كالقدرة- فإنه بدونها لا يعقل الخطاب لقبح خطاب العاجز مع وجود الملاك فيه- و دخالة بعضها في تنجز الخطاب بدون دخله في شي ء من الملاك و الخطاب كالعلم لتمامية الملاك و الخطاب بدونه غايته عدم تنجز الخطاب، و لذا لا يترتب العقاب على الترك في الجهل القصورى و بالجملة فلا يكون العلم من قيود التكليف على حذو قيدية البلوغ و غيره من الشرائط العامة و الخاصة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 25

فقد ظهر مما ذكرنا- من عدم دخل القدرة في الملاك و تماميته بدونها- لزوم حفظ القدرة عقلا فيعاقب على تفويتها بتعجيز نفسه بعد دخول الوقت عن إتيان الواجب، إذا المفروض تمامية الملاك و الخطاب الموجب لمطالبته لزوما في وقته و قد فوت الواجب على نفسه بسوء اختياره. نعم، بعد التعجيز لا يتوجه اليه الخطاب لعدم قدرته لكن قد حصل منه ترك الامتثال الذي هو تمام الموضوع لحكم العقل باستحقاق العقاب. فعلى هذا إذا تحقق له جميع شرائط الصلاة في الوقت مثلا و بعد القدرة عليها عجز نفسه- كما إذا عجز نفسه في الوقت عن الطهارة المائية و الترابية بسوء اختياره- فلا شك في أنه يعاقب- و كما إذا كان قادرا على الإتيان بالصلاة

قائما و عجز نفسه عن القيام فيها- و ذلك لجريان القاعدة المعروفة و هي قاعدة: (الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا و ان كان ينافيه خطابا).

هذا كله فيما إذا عجز نفسه في الوقت، و اما إذا عجز نفسه قبل دخول الوقت فقد يقال بصحة عقابه ايضا- كالفرض الأول- لجريان تلك القاعدة، إذ المفروض تمامية الملاك في ظرفه و عدم قصور فيه، فتفويته و لو بتفويت قدرته قبل الوقت تفويت له بالاختيار.

ان قلت: الملاك الغير المطالب ليس لازم الاستيفاء. قلت: هذا الملاك و ان كان كذلك فعلا بل العمل إذا جي ء به في هذا الزمان لم يكن فيه ملاك، لكن المفروض أن ملاك العمل في وقته تمام، فالخطاب في ظرفه ثابت الا ان يكتف العبد المولى بتعجيز نفسه بسوء اختياره حتى لا يتمكن له من توجيه الخطاب اليه من جهة قبحه، فهو ايضا يعد عند العقل تاركا للامتثال الذي هو تمام الموضوع لحكم العقل باستحقاق العقاب، فعلى هذا إذا كان قبل أو ان الموسم قادرا من تحصيل جميع المقدمات للحج- من الخروج و غيره- و عجز نفسه باختياره فالتكليف غير متوجه اليه لكنه يعاقب لأنه فوت القدرة اختيارا و بعد ما عرفت من أن القدرة ليست دخيلة في الملاك، فالعقل حاكم بلزوم حفظها و الإتيان بالمقدمات المفوتة قبل وقت الواجب، فعلى هذا لا فرق في نظر العقل بين ان يعجز

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 26

المكلف نفسه عن الحج في أيام الموسم و بين ان يعجز نفسه قبل ذلك بتركه السير، فإنه في كلا المقامين يستحق العقاب على ترك الحج.

و لكن مع ذلك يقع الكلام في إثبات عدم الفرق بين الصورتين بنظر العقل- اعنى تفويت

المقدمة بعد دخول وقت الواجب و تفويتها قبله- فحكم العقل في الأول بحرمة التفويت و استحقاق العقاب به مما لا ينبغي الريب فيه لجريان ما مر من القاعدة، و اما حكمه بحرمة التفويت في الفرض الثاني فمحل تأمل، و ذلك لأن في الأول تحقق الخطاب فتحقق موضوع الإطاعة و الامتثال، فالعقل يلزمه على الإتيان بالمقدمات لكي يحصل امتثال التكليف الفعلي في الوقت و اما في الثاني- فليس خطاب في البين- فلا يكون للامتثال و الإطاعة موضوع كي يحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمة قبله من باب لزوم الإطاعة، فلا يجرى فيه القاعدة.

نعم. بناء على تمامية هذا الوجه لا مجال لاستكشاف الخطاب المولوي بالتقريب الذي تقدم ذكره في بيان الوجه الأول، لأنه بعد ان كان العقل حاكما بوجوب تحصيل المقدمات المفوتة قبل زمان الواجب- لأجل حفظ غرض المولى- لا نحتاج في إثبات وجوبها إلى إثبات أمر من الشارع، لأن الأمر انما هو لازم لأجل الانبعاث و التحريك الى نحو العمل، و هو على الفرض حاصل بحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة الناشئ عن حكمه بلزوم الإطاعة الذي هو في سلسلة معلولات الأحكام، و لا يوجب أمر المولى إذا كان زيادة في الانبعاث، و إذا فرضنا ثبوت الأمر من طرف الشارع فهو انما يكون للإرشاد الى ما حكم به العقل لا مولويا، كما هو الشأن في مقام الإطاعة و العصيان الذي هو ميدان العقل. نعم، على تقدير عدم استقلال العقل في مفروض المقام لا بد من الالتزام بما مر من استكشاف إنشاء آخر متعلق بالمقدمات المفوتة، و ان كان قبل دخول وقت الواجب، و ذلك لأنه لو لم يجعل إنشاء آخر لزم منه فوت الغرض و عدم حصول

الملاك، فلا بد من إنشاء آخر متمم للجعل الأول فرارا عن لزوم لغوية إنشاء أصل الحكم و لكن التحقيق أنه إذا قلنا بتصوير الخطاب المولوي المقدمي بالنسبة إلى المقدمات فهو و الا فحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة- و لو كان قبل وقت الواجب مع فرض عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 27

إمكان الوصول الى ذلك الواجب إلا بالإتيان بها قبل وقته- غير قابل للإنكار، و ذلك لأن موضوع الحكم ثابت حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل، و الموسم الذي هو ايضا دخيل في الحكم و ان لم يتحقق لكنا نعلم بأنه سيتحقق، فعلى هذا لما تحقق الموضوع فالعقل حاكم بلزوم الإطاعة و الامتثال، و بان من ترك هذه المقدمات يعد تاركا لامتثال المولى الذي لا إشكال في كونه تمام الموضوع لحكمه باستحقاق العقاب و لا يفرق بنظره في حكمه بوجوب الإتيان بالمقدمات بين قبل دخول وقت الواجب و بعده، لأنه على المفروض نعلم ان امتثال التكليف و الإطاعة هنا منحصر بذلك.

و مما ذكرنا ظهر أن ما مر من محالية وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ليس بصحيح، و تنظير ذلك بالعلل و المعلولات التكوينية ليس على ما ينبغي، فإن علة لزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة قبل وقت الواجب انما هي إلزام الشارع على الوجه الأول و إلزام العقل على الوجه الثاني بذلك، و الغاية من إلزام الشارع أو العقل بذلك هو عدم فوت الواجب و الغرض، فالذي ينبغي انما هو تنظير ذي المقدمة و ملاكه بالعلل الغائية التكوينية، و كما لا محذور في تأخر حصول العلل الغائية التكوينية زمانا في الخارج و انما يقارن العلم بها مع زمان المعلول كذلك الأمر فيما نحن فيه.

قوله قده: (لو

تعددت الرفقة و تمكن من المسير مع كل منهم اختار منهم أوثقهم سلامة و إدراكا.

وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك، ذهب صاحب المدارك (ره) الى جواز التأخير عن الرفقة الأولى بمجرد الاحتمال من التمكن من السير مع رفقة أخرى و لم يشترط الوثوق حيث قال ما لفظه: (و لو تعددت الرفقة في العام الواحد قيل وجب السير مع أولها، فإن أخر عنها و أدركه مع التالية، و الا كان كمؤخره عمدا في استقراره) و به قطع جدي في الروضة، و جوز الشهيد في الدروس التأخير عن الأولى ان وثق بالمسير مع غيرها و هو حسن، بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى. و أطلق العلامة في التذكرة جواز التأخير عن الرفقة الأولى، لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب، و ينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 28

قبل أشهر الحج، و قبل تضيق الوقت الذي يمكن إدراكه فيه لأنه الأصل، و لا مقتضى للخروج عنه- انتهى. و وافقه على ذلك صاحب المستند (ره) حيث قال: (و ان احتمل المسير مع كل واحد منها يجوز التأخير إلى الأخير وفاقا للمدارك).

و قد أشكل صاحب الجواهر (ره) على صاحب المدارك (قده) على قوله: (و ينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج ما لفظه:) ثم إن ما ادعاه من القطع انما يستقيم لو كان وجوب قطع المسافة لتعلق الخطاب المنجز و هو باطل، و إلا لزم جواز التخلف عن الوفد الخارج قبل أشهر الحج مع الانحصار و عدم استقرار الحج في الذمة بالتمكن من الخروج قبلها و سقوطه عن البعيد

إذا كان بحيث لا يمكنه قطع المسافة في تلك المدة، و اللوازم كلها باطلة فكذا الملزوم، فتجب اناطة التكليف بالخطاب المعلق، و لا يختلف الحال بدخول أشهر الحج و عدمه كما هو ظاهر. ضرورة كونه حينئذ كباقي أفراد الواجب الموسع الذي يتضيق بخوف الفوات و منه محل الفرض باعتبار عدم الوثوق برفقة أخرى فيجب التقديم و هو المطلوب.)

و لا يخفى أن ما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) من القول بالواجب المعلق متين كما برهنا عليه آنفا، و لكن ما استشهد (ره) به على ذلك من قوله: «و إلا لزم جواز التخلف.»

غير صحيح، فان ما ذكره (ره) من اللوازم انما يتجه إذا كان الوجه في وجوب المقدمات المفوتة قبل الموسم منحصرا في القول بالتعليق، و اما بناء على ما مر من إمكان إثبات وجوبها بحكم العقل أو استكشاف إنشاء آخر فلا يلزم من إنكار التعليق ما ذكره من اللوازم كما لا يخفى. ثم بعد ذلك استدل صاحب الجواهر (ره)- على وجوب الخروج مع الوفد الأول و لو كان قبل أشهر الحج مع عدم الظن بالتمكن من الخروج مع الوفد اللاحق- بالتجري.

(و فيه): منع صدق التجري ما لم يكن مطمئنا بعدم تمكنه من الخروج مع الوفد اللاحق، كما أن التعليق ايضا لا يدل على وجوب خروجه مع الوفد الأول مع فرض عدم الاطمئنان بعدم تمكنه من الخروج مع الوفد اللاحق. فتحصل أنه لا دليل لنا على أنه لو أخر الخروج معه مع احتمال تمكنه من الخروج مع الوفد اللاحق كان عاصيا و مستحقا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 29

للعقاب. نعم، لو أخر و اتفق عدم تمكنه من الوفد اللاحق كان عاصيا و معاقبا بالنسبة إلى

تأخيره الحج عن تلك السنة، فالعقل يحكم بعدم تأخيره عن الوفد الأول حذرا عن ان يتفق عدم تمكنه من الوفد اللاحق، فيتحقق المعصية و يستحق العقاب لاستناد حصول تأخير الحج الى اختياره الا ان يكون مطمئنا بالتمكن من الخروج مع الوفد اللاحق فله التأخير، و لو أخر و اتفق عدم تمكنه كان معذورا لانه أخره عن اطمئنان.

[الفصل الثاني في شرائط وجوب الحج]

[الأول الكمال بالبلوغ و العقل]
اشارة

قوله قده: (أحدها- الكمال بالبلوغ و العقل.

اما اشتراط العقل فيه فمما لا ينبغي الارتياب فيه. و يدل عليه- بعد اتفاق جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- الأخبار العامة الدالة على اشتراط العقل في جميع التكاليف. و اما اشتراط البلوغ فكذلك مما لا ينبغي التكلم فيه و يستدل له بعد دعوى الإجماع عليه كما في التذكرة و المعتبر: (عليه العلماء كافة). و في الجواهر: (إجماعا بقسميه و نصوصا). و في المستند: (إجماعا محققا و محكيا مستفيضا). بعموم الأدلة العامة الدالة على اعتبار البلوغ في مطلق الواجبات و عدم وجوب شي ء منها على الصبي. و خصوص الروايات الواردة في المقام.

1- في خبر إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السلام-: عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «1».

2- خبر شهاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: في حديث قال: سألت عن ابن عشر سنين يحج قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «2».

[في أن حج الصبي لا يجزي عن حجة الإسلام]

قوله قده: (و لو حج الصبي لم يجز عن حجة الإسلام.

قال في المنتهى: (لا نعرف فيه خلافا). و في الجواهر: (إجماعا بقسميه). و يدل على ذلك الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- منها:

1- خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: لو

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 12- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب 12- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 30

أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام «1».

2- خبر ابان بن الحكم

قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «2».

و لا تهافت بين القول بمشروعية عبادات الصبي و القول بعدم إجزاء حجه إذا اتى به عن حجة الإسلام كما لا يخفى.

[المسألة الأولى]
[في استحباب الحج للصبي المميز]
اشارة

قوله قده: (يستحب للصبي المميز أن يحج، و ان لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام.

استحباب الحج للصبي المميز مما لا ريب فيه و لو لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام، و قد نفى عنه الخلاف، و ظاهر التذكرة و المنتهى: (أنه لا خلاف فيه بين العلماء). و قد ادعى عليه الإجماع، كما في المستند و غيره. و لكن يقع الكلام في دليله بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق على ذلك قديما و حديثا، و ما يمكن ان يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول)- ما عرفته من الإجماع- و فيه: ما تكرر منا من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف قطعيا عن صدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى منه، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه فلا عبرة به و انما تكون العبرة بها ان تمت.

(الثاني)- مقتضى الإطلاقات الدالة على ثبوت الأحكام لكل من البالغ و غيره، و قد حقق في محله أن الإطلاقات الأولية- الواردة في الشريعة الإسلامية كتابا و سنة- تشمل الصبي كشمولها للبالغ لكن رفع منه الإلزام من جهة الامتنان ففي فعله محبوبية كالمحبوبية الثابتة في فعل البالغ غاية الأمر أنه لا يكون ملزما بإتيانه.

هذا و لكنه غير خفي أن هذا لتقريب إنما يتم على القول بإطلاق المادة، أو الالتزام

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 13- من

أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2، الباب 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 31

بالتركيب في مفاد الهيئات، أو الالتزام بالمراتب، و قد زيف التمسك بإطلاق المادة في محله، كما انه قد حقق في محله: بأن المفاهيم بأسرها من ابسط البسائط، فضلا عن معاني الهيئات و أثبتنا أيضا: عدم إمكان إنشاء المراتب حتى على القول: بأن مفاد الهيئة هو الطب فضلا عن القول: بأن المنشأ بالهيئة نفس النسبة بين الفعل و العبد حتى على القول بالإخطار دون الإيجاد في موطن الاستعمال الذي لازمه اتحاد موطن التحقق و التحصل.

(الثالث)- ما سيأتي- إنشاء اللّه تعالى- من الأخبار الدالة على استحباب إحجاج الصبي الغير المميز، بتقريب انه إذا كان إحجاج الصبي الغير المميز مستحبا فحج الصبي المميز مستحب بالأولوية القطعية، بل بعض تلك الاخبار شامل له، فلو نوقش في القطع بالأولوية كفانا منها ما يكون شاملا لحج المميز.

و هو ما في صحيح زرارة عن أحدهما قال عليه السلام: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير، فإنه يأمره أن يلبى و يفرض الحج؛ فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه، و يطاف به، و يصلى عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه «1».

و ما عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد عليه السلام يقول: الصبي إذا حج به، فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «2».

أما شمول صحيح زرارة لحج الصبي فلقوله- عليه السلام-:

(فإنه يأمره ان يلبى و يفرض الحج، فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه.) فان هذا صريح في أنه انما يحج بالصبي ان لم يقدر على ان يحج بنفسه و الا حج بنفسه.

و أما شمول خبر ابان بن الحكم له فبقرينة قوله- عليه السلام- في ذيله: (و العبد إذا حج به.) فان مراده من إحجاج العبد هو امره بالحج كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 13- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 32

(الرابع)- مقتضى الأخبار الدالة على أن الصبي (لو حج لم يجز عن حجة الإسلام) حيث أن الظاهر منها هو أن أصل المطلوبية و الاستحباب ثابت في فعله الا أنه لا يحسب المأتي به حجة الإسلام، و ذلك لان الإمام- عليه السلام- لم ينف أصل حجه لكي يقال:

بعدم ثبوت الاستحباب في حقه بل نفى كونه حجة الإسلام، فيستكشف من تلك الاخبار أن حجه حج و يترتب عليه الأجر و الثواب و لكن لا يجزى عن حجة الإسلام.

(الخامس)- ما دل على أنه يكتب له الحسنات فعن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه قال- عليه السلام-: ان أولاد المسلمين موسومون عند اللّه شافع و مشفع فإذا بلغوا اثنى عشر سنة كتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات. «1» فإن ظاهر قوله- عليه السلام- (كتبت لهم الحسنات) استحباب فعله و مطلوبيته عند الشارع، و الا فلا وجه لصيرورة فعله منشئا لكتب الحسنات له.

(السادس)- ما أفاده في المستند من الاخبار الدالة على رجحان الحج و استحبابه فإنها بإطلاقها أو عمومها شاملة للصبي كشمولها للبالغين، و لا

يمكن تخصيصها أو تقييدها بأدلة «رفع القلم عن الصبي» لاختصاصها بالتكاليف الإلزامية لأنها الموجبة للكلفة و الثقل، فإن قضية تعدية الرفع بكلمة المجاوزة كون المرفوع ذا مشقة و ثقل، و عليه فيختص المرفوع في حديث (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) بالتكاليف الإلزامية، إذ لا كلفة في غيرها، فعمومات استحباب الحج و كذا سائر المستحبات باقية على عمومها. و بالجملة استحباب الحج للصبي المميز مما لا ريب فيه.

انما الكلام في أنه هل يكون مستحبا حتى إذا كان مستلزما للعسر أو الحرج عليه أولا. يمكن ان يقال: باستحبابه عليه و ان كان عسريا أو حرجيا عليه، و ذلك لأن أدلة نفى العسر و الحرج مسوقة للامتنان و حصول الامتنان انما هو في رفع الحكم الإلزامي، و اما الاستحباب فلا امتنان في رفعه، فان الحكم الاستحبابي لا يوجب إلزاما على العبد حتى يكون رفعه فيما

______________________________

(1) الوسائل- ج 1، الباب 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 33

إذا استلزم العسر أو الحرج عليه امتنانا، فلا يرتفع الاستحباب في حق الصبي بأدلة نفى العسر أو الحرج. (و بعبارة أخرى) الامتنان إنما هو في الترخيص فكل حكم ينافي الترخيص يكون في رفعه الامتنان، و أما الاستحباب فلا ينافي الترخيص كما لا يخفى، فليس في رفعه الامتنان حتى يقال بارتفاعه فيما إذا صار موجبا للعسر أو الحرج عليه.

نعم، لو كان العسر أو الحرج في نفس الأعمال أمكن تقريب ارتفاع الاستحباب (بدعوى) أنه لم يجعل في الشرع حكم حرجي كما هو ظاهر قوله تعالى: «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «1» فتأمل. هذا كله في صورة ما إذا كان حجه مستلزما للعسر أو

الحرج عليه.

و أما إذا كان ذهابه الى الحج موجبا لإلقاء نفسه في التهلكة فالظاهر عدم شمول أدلة التشريع له.

[في عدم توقف حجه على إذن الولي]

قوله قده: (هل يتوقف ذلك على إذن الولي أولا.

فيه وجهان، و الأقوى في النظر عدم اعتبار إذن الولي في استحباب الحج عليه و صحته، للأصل و العمومات، وفاقا للمصنف «قده» و صاحب المستند (ره) و غيرهما، و لم يقم دليل خاص تعبدي على اعتباره في ذلك، كما لا دليل على اعتباره في سائر عباداته من الصوم و الصلاة و غيرهما.

نعم، إذا كان سفره مستلزما للخطر عليه- أو موجبا لهتكه أو هتك عشيرته أو مؤمن آخر أو نحو ذلك- كان على الولي أن يمنعه عن الحج إلا أن ذلك كله خلاف الفرض، لأنها عناوين ثانوية و لا دخل لها بالعناوين الأولية التي هي محط البحث و النزاع. و نسب الى المشهور القول باشتراط إذن الولي. بل ربما يستظهر من عبارة بعض أنه لا خلاف فيه بين الخاصة، و يستدل على ذلك بوجهين:

(الأول)- أن الحج عبادة متلقاة من الشارع مخالفة للأصل، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن و هو الصبي المأذون له. و ليس مثله من الشك في اعتبار قيد وجودي أو عدمي في الأعمال المشروعة حتى يقال بجريان الأصل لو لم يكن في البين إطلاق و لو كان مقاميا لكي يعول عليه في رفع الشك.

______________________________

(1) سورة البقرة: آية 180.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 34

و فيه: أنه قد حقق في محله عدم الفرق في جريان الأصل و التمسك بالإطلاقات المقامية بين ان يكون الشك في دخل شي ء في المتعلق أو متعلق المتعلق، و بين الشك في موضوع الخطابات.

(الثاني)- أن الحج ليس كسائر العبادات لانه مستلزم لصرف المال و

أما غيره من باقي العبادات فغير مستلزم لصرف المال، و هذا هو الفارق بينها و بينه فنقول باعتبار إذن الولي في مفروض البحث دون سائر العبادات إذ جواز التصرف المالي منوط بإذن الولي دون غيره كالصلاة و الصوم و نحوهما. و يمكن المناقشة في ذلك بوجوه:

(الأول)- أن حجه ليس مستلزما لصرف ماله مطلقا إذ قد يبذل مصارف حجه بعض أقاربه أو أصدقاء أبيه أو شخص آخر، فلا يكون حجه مستلزما لتصرفه في ماله كي يقال باعتبار الاذن، فالدليل أخص من المدعى.

(الثاني)- أنه سلمنا استلزامه لصرف ماله مطلقا إلا أنه لا مانع منه بعد إذن الشارع له كما هو قضية الإطلاقات الواردة في المقام فلا حاجة حينئذ إلى إذن الولي (و بعبارة أخرى) أن ثبوت الاستحباب مطلقا مستلزم لجواز صرف المال. و قد دل الدليل على الاستحباب كذلك كما ذكرنا فلا بد من كون الصبي مأذونا في التصرف في ماله بمقدار يحج به و إلا فلا معنى لتشريع الاستحباب في حقه بعد توقفه على صرف المال لعدم تمكنه من أداء هذا المستحب الا بذلك.

لا يقال: ان التصرف يسوغ له باذن وليه فلا يلزم لغوية جعل الاستحباب في حقه لأنه يقال: ان اذن الولي للطفل في كل تصرف مالي موقوف على كون ذلك التصرف غبطة له على ما ثبت في محله و إلا فلا يجوز له الإذن أصلا، و من المعلوم عدم كون الحج غبطة دنيوية للصبي غالبا، و لا دليل على تقييد إطلاق دليل الاستحباب بالفرد النادر و هو كون الحج مصلحة له فمقتضى إطلاقه اذن الشارع للصبي في التصرف في ماله بمقدار يحج به، و معه لا حاجة الى اذن الولي بل يدفع احتمال اعتباره

بهذا الإطلاق فتأمل.

(الثالث)- انه إذا حج بمال نفسه، فان كان صرف ماله في الحج ذا مصلحة دنيوية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 35

له فلا يحتاج الى الاذن و الا فلا يفيد الاذن.

و فيه: أنه انما يتم ذلك بناء على استقلال الصبي في التصرف في ماله في صورة المصلحة و الغبطة، و لكنه ليس الأمر كذلك حتى مع المصلحة و الغبطة لأن مجرد كون التصرف غبطة غير مسوغ له ذلك لقوة احتمال عدم أهلية الصبي شرعا للاستقلال في التصرف المالي و ان كان غبطة له.

فيما ذكرنا في الجواب عن الوجه الأول و الثاني ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك، و المعتبر؛ و المنتهى؛ و التذكرة؛ و التحرير؛ و الدروس؛ و المسالك؛ و الجواهر؛ و غيرهم ممن ذهب الى اعتبار الاذن في صحة حجه و استحبابه عليه.

[المسألة الثانية]
[في استحباب إحرام الصبي الغير المميز على الولي]

قوله قده: (يستحب للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز.

هذا هو المشهور بين الأصحاب بل في الجواهر: (و يمكن تحصيل الإجماع عليه) و كيف كان فلا إشكال في أصل مشروعيته. و يدل عليه جملة من الأخبار الواردة في المقام- منها.

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مر يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه «1».

2- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال قلت له: إن معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال: مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها فأتتها فسألتها كيف تصنع؟ فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و

جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثم تزوروا به البيت، و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة «2».

3- صحيح زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه، و يطاف به، و يصلى عنه. قلت: ليس لهم

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 36

ما يذبحون. قال- عليه السلام-: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه «1».

4- عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر «2».

و الظاهر من النصوص و الفتاوى ان المراد بالإحرام به جعله محرما بفعله لا انه ينوب عنه في الإحرام. و من هنا صرح غير واحد بعدم الفرق في الولي بين كونه محلا أو محرما كما افاده صاحب الجواهر (ره).

و على كل حال فكيفيته أن ينوي الولي الإحرام بالطفل بالعمرة أو الحج. فيلبسه ثوبي الإحرام، و يقول: اللهم إني أحرمت هذا الصبي- إلى آخر الدعاء الذي يستحب عند النية، و يأمره بالتلبية و ان لم يكن قابلا للتلبية يلبى عنه، و بجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكن منه، و ينوب عنه في كل فعل لا يتمكن

منه.

و في القواعد و غيره: أن كل ما يتمكن الصبي من فعله- من التلبية و الطواف و غيرهما- فعله، و الا فعله الولي عنه، و يطوف به، و يسعى به بين الصفا و المروة إن كان قادرا عليه و الا يفعله الولي به كحمله للطواف و السعى بين الصفا و المروة، و يقف به في عرفات و منى، و يأمره بالرمي و ان لم يقدر يرمى عنه، و هكذا يأمره بصلاة الطواف و ان لم يقدر يصلى عنه و هكذا جميع الأعمال و ذلك لدلالة الأخبار المتقدمة على ذلك.

ثم اعلم ان مقتضى إطلاق هذه الأخبار هو استحباب إحجاج الصبي مطلقا و ان كان مولودا من يومه فضلا عن من قضى من عمره سنة. الا أن هذه الإطلاقات تقيد بما دل على اشتراط الاثغار في استحباب الإحرام بالصبي على فرض تماميته من حيث السند. و هو رواية محمد بن فضيل قال: سألت أبا جعفر الثاني- عليه السلام- عن الصبي: متى يحرم به

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 13- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 37

قال: «إذا اثغر» «1» و مقتضى هذا التقييد اختصاص الاستحباب المزبور بما إذا اثغر الصبي لا مطلقا و ان كان مولودا من يومه.

و توهم عدم الوجه في هذا التقييد لكونهما مثبتين على نحو مطلق الوجود (فاسد) لان ذلك انما يصح فيما إذا لم يكن الدليل المقيد في مقام التحديد و الا فلا محيص عن التقييد كما قد حقق في محله. و من الواضح أن قوله:- عليه السلام-: «إذا اثغر» وارد في مقام التحديد فضابط

التقييد منطبق على المقام كما لا يخفى.

ثم انه ان أريد بالإثغار صيرورته (ذا ثغر) فالخارج من الإطلاقات هو ابن ستة أشهر فما دونه، و ان أريد به (هو سقوط ثناياه) فالخارج ابن خمس سنوات أو ست، فعلى الأول لا يشرع الإحجاج قبل ستة أشهر و على الثاني لا يشرع الإحجاج قبل ست سنين، و مع الشك يمكن ان يحج بالصبي الذي صار ذا ثغر و لم يسقط ثناياه بعنوان الرجاء.

و لا يخفى أن مقتضى ما مر من صحيح عبد الرحمن (ان معنا صبيا مولودا) هو حمل الاثغار في هذا الحديث على المعنى الأول، فإن الظاهر من قول الشخص (معى صبي مولود) أنه صغير جدا، و إذا كان ابن خمس سنوات أو ست سنوات لا يقال: معى صبي مولود فإنه مستهجن عرفا.

ثم انه لا يخفى أن هذا كله إنما يتم بالنسبة الى ما يمكن الجمع بين رواية محمد بن فضيل و بين الروايات السابقة (بالإطلاق و التقييد) و أما في صحيح حجاج المتقدم المصرح فيه بأن (معنا صبيا مولودا) فلا يمكن الجمع بينه و بين رواية محمد بن فضيل بالإطلاق و التقييد لمكان المعارضة، فيمكن حمل القيد المذكور فيه- و هو الاثغار- على تأكد الاستحباب، و لكن بناء على ذلك لا يبقى مجال للتفاصيل التي ذكرناها من انه ان أريد بالإثغار صيرورته ذا ثغر فالخارج من الإطلاقات هو ابن ستة أشهر فما دونه، و ان أريد به هو سقوط ثناياه فالخارج منها هو ابن خمس سنوات. إلخ و ذلك لشرعية الحج في حقه مطلقا و لو كان مولودا من يومه. و لكن هذا الجمع- و هو حمل القيد اى الاثغار على تأكد الاستحباب- مما لا

______________________________

(1)

الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 38

شاهد له فتبقى المعارضة بين رواية محمد بن فضيل و بين صحيحة حجاج على حالها، فالمرجع حينئذ هو المطلقات فان ثبت شمولها للصبي المولود من يومه فيحكم باستحبابه له و الا فلا فليتأمل.

[في حكم الصبية]

قوله قده: (بل و كذا الصبية و ان استشكل فيها صاحب المستند.

القدر المتيقن من الاخبار هو الصبي و الكلام في أنه هل تشترك الصبية معه في الحكم و يمكن الاستدلال على اشتراكها معه في الحكم بوجوه:

(الأول)- قاعدة الاشتراك. و فيه: أن القاعدة ان تمت فإنما هي مختصة بالأحكام الواردة بلسان الخطاب الى الذكور فيتعدى عن ذلك و يقال بثبوت تلك الأحكام للنساء ايضا و اما إذا ورد خطاب متوجه إلى الولي على الذكر فلا يتعدى منه الى الأنثى.

(الثاني)- أن الذكر و الأنثى على ما تفحصنا في سائر الأحكام المتعلق بهما يكونان متوافقين غالبا. و فيه ما لا يخفى.

(الثالث)- مرسلة دعائم الإسلام عن على- عليه السلام- انه قال في الصبي الذي يحج به و لم يبلغ قال: لا يجزى ذلك عن حجة الإسلام و عليه الحج إذا بلغ، و كذا المرأة إذا حج بها و هي طفلة «1» و لكن لإرسالها و عدم جبرها ليست صالحة لأن يعتمد عليها.

(الرابع)- موثق يعقوب حيث سأل المعصوم- عليه السلام-: ان معي صبية صغار و انا أخاف عليهم البرد فمن اين يحرمون؟ قال- عليه السلام-: ائت بهم العرج فليحرموا منها «2» وجه الاستدلال إطلاق السؤال و الجواب بناء على قراءة (يحرمون) مجهولا كي يكون واردا في الإحجاج و الا فليس مربوطا بما نحن فيه.

[المسألة الرابعة]
[في المراد من الولي الشرعي]

قوله قده: (المشهور على ان المراد بالولي في الإحرام بالصبي الغير المميز الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو وكيل أحد المذكورين لا مثل العم و الخال و نحوهما و الأجنبي. نعم الحقو بالمذكورين الام و ان لم تكن وليا شرعيا للنص

______________________________

(1) المستدرك- ج 2، الباب 11- من أبواب

وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 39

الخاص فيها.

لا ينبغي الارتياب في ان المراد بالولي في إحرام الصبي الغير المميز و كذا اذنه في حج الصبي المميز- بناء على اشتراط الاذن فيه- هو الولي الشرعي كما افاده المصنف (قده) أما ولاية الأب على الصبي شرعا فواضح. و اما الجد فقد ادعى عدم الخلاف في مشاركته مع الأب في الحكم. و يمكن ان يستدل على ذلك بالإجماع- كما ادعاه بعض الفقهاء- و بأولوية ثبوت الولاية فيما نحن فيه من ثبوتها في باب التزويج الذي لا خلاف فيه و قد ورد نفوذ نكاح الجد معللا بان البنت و أباها للجد، و بقوله- عليه السلام-: (أنت و مالك لأبيك) فإنه يدل على أن الشخص و ماله لأبيه. و لكن لا يخفى عليك ان جميع هذه الوجوه قابلة للمناقشة.

و اما الحاكم فإذا أمكن إثبات الولاية المطلقة له من الأدلة كولاية الإمام بحيث يجوز له جميع التصرفات بأنحائها. فتثبت له الولاية في إحرام الصبي و اما إذا لم يمكن إثبات ذلك و قلنا باختصاص الولاية بحفظ نفسه و أمواله لا في جميع شؤونه و أطواره فليس له احجاجه و لا الاذن في حجه.

و أما الوصي فليس له ولاية الا على حفظ نفس الصبي و ماله و اما جواز كل تصرف مطلقا فلا فليس له الإحجاج و لا الاذن فيه الا ان تكون الوصية كذلك لدوران سعة ولايته و ضيقها مدار تعيين الموصى فلا بد من ملاحظة كيفية وصيته التي هي المعيار و عليها الاعتبار.

و أما الوكيل فكذلك فلا بد من ملاحظة تعيين الموكل فيه، فان

و كله في خصوص حفظ نفس الصبي و ماله فلا يجوز له الإحجاج و لا الاذن فيه، و ان وكله على نحو الإطلاق جاز له ذلك.

و أما الأعمام و الأخوال و الأقارب فليس لهم ذلك من جهة عدم دليل تعبدي على ثبوت الولاية لهم.

و ألحقوا بالمذكورين الأم لمصحح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سمعته يقول: مر رسول اللّه برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 40

يا رسول اللّه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم و لك اجره «1» و لا شك ان إثبات الأجر لها متفرع على ان تكون من جهة أنها تحج به و إلا فلا وجه لثبوت الأجر لها بدون تحقق الإحجاج، فثبت جواز الإحجاج لها بنفسها أو بالاذن.

و فيه: أن ثبوت الثواب للام أعم من ثبوت الإحجاج لها، و الرواية انما تكون ناظرة إلى الصحة و إثبات الأجر و الثواب لها، و ذلك لا يمكن جعله دليلا على إثبات الولاية للأم على الصبي في الإحجاج فلعل ما فيه من ثبوت الثواب للام يكون نظير ما ورد في بعض الأخبار من أن الولد كل ما اتى بشي ء- من العبادات و المثوبات- كتب لأبويه الثواب و يرحمهما اللّه من أجل ما فعله الولد.

[في عدم اختصاص استحباب إحجاج الصبي للولي]

قوله قده: (لا يبعد كون المراد الأعم منهم و ممن يتولى أمر الصبي و يتكفله و ان لم يكن وليا شرعيا.

و يشهد له إطلاق قوله- عليه السلام- في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و هو: (انظروا من كان معكم من الصبيان.) حيث ان ظاهرها عدم الاختصاص بالولي بل جواز الإحجاج لكل من يتولى

امره من الولي و الأقارب و غيرهم كما اختاره في المستند الا انه لما ثبت بالأدلة عدم جواز التصرف في نفسه و لا في ماله إلا بإذن الولي فلا بد لغير الولي من الاستيذان منه في ذلك، فيكون نظير تجهيز الميت الواجب على كل أحد لكن مع وجود ولى الميت لا بد من الاستيذان منه بحيث لا يجوز لأحد تولى أموره بدون اذن وليه.

و بالجملة أصل الاستحباب ثابت لكل أحد الا أنه ان كان المحج به غير الولي فلا بد له من الاستيذان منه.

ثم ان ما ذكرنا من ثبوت أصل الاستحباب لكل أحد و اعتبار اذن الولي من دليل خارجي انما يصح إذا لم نقل بانصراف الإطلاق إلى الأولياء و لا يبعد القول بذلك، و على فرض تسليم عدم الانصراف انما يتجه بناء على كون الإطلاق مسوقا لبيان هذه الجهة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 20- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 41

و الحق خلافه لكونه واردا مورد حكم أخر و هو أصل استحباب الإحرام به من الميقات و كذا احجاجه و يشهد بعدم إطلاقه من هذه الجهة ليشمل غير الولي ما في ذيل الصحيحة من قوله عليه السلام: (و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه) فليتأمل.

[المسألة الخامسة النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي]

قوله قده: (النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي إلا إذا كان حفظه موقوفا على السفر به أو يكون السفر مصلحة له.

لا إشكال في أنه يشترط في تصرفات الأب و الجد و منها الإحجاج أن تكون غبطة للصبي و مصلحة له في ماله أو نفسه فلا يجوز شي ء من التصرفات التي لا غبطة فيها للصبي.

و

بالجملة المعيار في جواز كل تصرف يرجع الى الصبي هو كونه مصلحة له و بدونها يكون حراما. و المراد من الغبطة هي المصلحة الدنيوية، فلا بد حينئذ من كون إحجاجه و صرف ماله و كذلك اذنه للحج مع توقفه على صرف المال من نفسه ذا مصلحة دنيوية للصبي كما إذا كان بقاؤه في المحل و عدم خروجه مفسدة له و ضررا عليه.

و اما إذا لم يترتب على احجاجه أو اذنه في الحج مصلحة دنيوية فلا بد من احتساب الزائد على نفقته الحضرية على الولي بخلاف الصورة الأولى فإن جميع المال الذي يحج به يكون على الصبي.

فإن قلت: ليس للصبي مال حتى يكون ما يحج به عليه لما ورد: (من أن مال الولد لوالده).

قلت: هذا باطل قطعا و ذلك لضرورة أن الصبي يملك كالبالغ للروايات الواردة في الأبواب المتفرقة، كالبيع، و استحباب الزكاة في ماله، و الخمس، و غير ذلك من الأحكام المتفرعة على مالكيته، فيكفي دليلا على مالكية الصبي ترتب هذه الآثار، و الا فلا معنى لجعل تلك الأحكام له، فمن جعلها يستكشف ان الصبي يملك هذا و لا يجوز للولي التصرف في مال الصبي كيف ما أراد، و قد دلت الروايات على قصر جواز اكله من مال ولده على مواقع الضرورة كخبر الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: (ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر اليه) فلو كان له التصرف كيفما شاء لم يكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 42

وجه لهذا التقييد، فدلالته على عدم جواز تصرفه كيفما أراد، واضحة و عليه يحمل ما ورد من (أن مال الولد لوالده) فتأمل.

(فائدة): ما ذكرنا

من كون الزائد على المؤنة الحضرية على الولي انما هو فيما إذا حج به أو أذن له في الحج و اما إذا حج الصبي بنفسه بدون اذن الولي فليس شي ء من نفقة حجه على الولي بل جميعها من ماله لما تقدم من أنه مأذون التصرف في ماله بمقدار مؤنة الحج من قبل الشارع بمقتضى إطلاق أدلة الاستحباب من دون احتياج إلى اذن الولي.

[المسألة السادسة يجب على الولي]
[الهدي]

قوله قده: (الهدى على الولي.

لا كلام لنا في ذلك و الظاهر انه لا فرق في كون الهدى عليه بين احجاجه و اذنه في الحج، و يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- ما عرفت من انه يشترط في تصرفات الولي في ماله كونها غبطة دنيوية للصبي و لا غبطة دنيوية في الإحرام الموجب للهدي- و إن فرضنا كون أصل سفره و إخراجه من محله غبطة و مصلحة له- لا مكان إخراجه من محله و إدخاله إلى مكة بدون الإحجاج و لا أمره بالحج لئلا يلزم عليه هدي الصبي، فإذا أحجه أو أذن له في الحج فيجب عليه هديه لا محالة.

(الثاني)- مصحح إسحاق بن عمار: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام؟ قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1» (بدعوى) ظهوره في كونه من مال الولي لا من مال الصبي كما هو قضية إطلاق التشبيه تكليفا و وضعا فتأمل.

ثم أنه انما يكون الهدى على الولي إذا حج به أو أذن له فيه، و أما إذا حج الصبي بنفسه بدون اذنه فلا دليل على كونه على الولي و لا يشمله مصحح إسحاق.

[و كفارة الصيد]

قوله قده: (و كذا كفارة الصيد.

هذا هو المشهور بينهم قديما و حديثا، و يدل عليه قوله- عليه السلام- في ذيل صحيح

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 43

زرارة المتقدم: «و إن قتل صيدا فعلى أبيه».

[و اما الكفارات الأخر]

قوله قده: (و اما الكفارات الأخر.

الأقوى عدم وجوب الكفارة بارتكاب شي ء من محظورات الإحرام على الصبي غير الصيد كما حكى: عن التحرير؛ و المختلف؛ و المنتهى؛ و غيرهم. و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- دعوى انصراف أدلة الكفارات عنه. و فيه: منع الانصراف، بعد فرض كونه محرما و ممنوعا عن ارتكاب ما يحرم على المحرم فإطلاق أدلة الكفارات شامل له لأن موضوعها هو المحرم- سواء كان بالغا أم لا.

(الثاني)- ما قد يترائى في بادئ النظر من كون إحرام الصبي صوريا لا حقيقيا حتى تجب الكفارة عليه بارتكاب شي ء من محظورات الإحرام، فلذلك يحكم بعدم ثبوت الكفارة عليه إذا ارتكب أحد محظورات الإحرام، و لكنه خلاف ظاهر الروايات إذ المستفاد منها هو كونه محرما حقيقة فيترتب عليه جميع آثار الإحرام.

(الثالث)- خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام.

و سألته عن الصبيان هل عليهم إحرام و هل يتقون ما يتقى الرجال؟ قال: يحرمون و ينهون عن الشي ء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم ان يصنعه و ليس عليهم فيه شي ء «1» هذا الخبر يحتمل أن يكون واردا في حج الصبي بنفسه و يحتمل أن يكون واردا في الإحجاج، و ذلك لأنه إذا قرئ «يحرمون»- بالبناء للفاعل- فهو وارد في حج الصبي، فيدل على صحة إحرامه و لزوم اتقائه من محظورات الإحرام، و لكنه مع ذلك إذا أتى ببعض المحرمات لا

تلزم الكفارة. و أما إذا قرئ «يحرمون»- بالبناء للمفعول- كما هو الظاهر بقرينة قوله: «ينهون» فيكون مورده الإحجاج، فيحكم بعدم ترتب الكفارة على فعل الصبي المحرم الذي يحج به.

و بالجملة المدعى هو عدم لزوم الكفارة مطلقا من دون فرق بين الحج و الإحجاج، و هذا الخبر ظاهر في خصوص الإحجاج فهو مثبت لبعض الدعوى لإتمامها فيكون أخص من المدعى

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 18- من أبواب المواقيت الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 44

(الرابع)- قوله عليه السلام: (عمد الصبي و خطأه واحد) و لا شك في كون خطإ الصبي كخطإ البالغ في عدم ترتب الكفارة على ما صدر عنه خطأ من الأفعال المحرمة الموجبة للكفارة على البالغ إذا صدرت عمدا إلا الصيد كما يأتي في محله- إنشاء اللّه تعالى- و عليه فلا تترتب الكفارة على ارتكاب الصبي لشي ء من محظورات الإحرام لكون عمده خطأ كما دل عليه النص و لذلك تمسك الحلي (ره) في السرائر على عدم ثبوت الكفارة على الصبي و لا على الولي: بهذا الخبر. و قال: لأن (عمده خطأ) فكل ما يصدر عنه عمدا بمنزلة الصادر عن البالغ خطأ في عدم ترتب الكفارة عليه، و أما تضمين الصبي في باب الضمانات فلدلالة أدلة الضمان على عدم الفرق فيه بين البالغ و الصبي و العمد و الخطأ لصدق الإتلاف الموضوع للضمان في قوله:- عليه الصلاة و السلام- (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) على الجميع كما هو واضح.

و أما قولنا في باب الجنايات بأن ضمانها على العاقلة فلدلالة قوله: (عمده كخطأه تحمله العاقلة) و بالجملة يفرض في كل باب عمد الصبي كالخطإ، فإن كان يترتب على الخطأ أثر- كما في

البابين المتقدمين و هما باب الجنايات و باب الضمانات- فلا شبهة في أنه يترتب على عمده ايضا ذلك الأثر، و اما إذا لم يكن الخطأ ذا أثر- كما في المقام- فلا يترتب على عمده أثر أيضا لأن عمد الصبي كخطأه، فكما لا كفارة في ارتكابه محظورات الإحرام غير الصيد خطأ كذلك في ارتكابه لها عمدا، إلا إذا قلنا بانصراف هذا الحديث الى باب الجنايات- كما ذكره الأصحاب في ذلك الباب أيضا- فحينئذ يحكم بثبوت الكفارة على الصبي بمقتضى الإطلاقات الدالة على ثبوت الكفارة على المحرم و لكن الانصراف ممنوع أولا، و على فرض ثبوته بدوي ثانيا، فإذا ارتكب عمدا شيئا من محظورات الإحرام فلا كفارة فيه غير الصيد.

لا يقال: ان القول بعدم ترتب الكفارة مساوق للقول بعدم صيرورته محرما و الا فلا بد من ترتيب أحكام المحرم التي منها وجوب الكفارة عليه.

فإنه يقال: يكفي في ترتب حكم الإحرام عليه انه يجنب عن المحظورات. و عدم ترتب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 45

الكفارة في غير الصيد لأجل دليل تعبدي لا ينافي كونه محرما و وجوب منع الولي له عن ارتكاب محرمات الإحرام. و بالجملة فقد ظهر مما ذكرنا انه لا كفارة في فعل الصبي لا عليه و لا على الولي.

ثم لو سلمنا ثبوت الكفارة فهل هي على الولي أم على الصبي؟ الأقوى هو الثاني لأن مقتضى الإطلاقات وجوب الكفارة على المحرم دون غيره فتثبت على الصبي لا على الولي إلا إذا قام دليل تعبدي على ثبوتها على الولي.

و يمكن الاستدلال على وجوب الكفارة على الولي بوجهين:

(الأول)- أنه السبب في ترتب الكفارة فعليه أدواؤها. و فيه: أن سببيته ان كانت فإنما هي في صورة الإحجاج لا

مطلقا، بل لا يكون الولي سببا مطلقا لا في الإحجاج و لا في الحج، اما في الثاني فظاهر و أما في الأول فلأنه ليس سببا في ارتكابه لمحظورات الإحرام كي يقال بثبوتها عليه لسببيته في ذلك بل يكون سببا في تلبسه بالإحرام. و غاية ما يستفاد من أدلة الإحجاج هو وجوب منع الولي له عن ارتكاب ما لا يسوغ للمحرم ارتكابه، فلو كان مانعا و لكنه ارتكب في الإحرام لغفلة الولي بعض ما يوجب الكفارة فليس هو السبب، و على فرض كونه السبب لا وجه لأن تكون الكفارة عليه لأن ما يستفاد من أدلة الكفارات هو ثبوتها على المحرم الذي ارتكب المحظور، فالمعيار في ترتبها هو الارتكاب في حال كونه محرما، فعلى فرض تسليم سببية الولي في ارتكاب الصبي لا يمكن القول بثبوت الكفارة عليه لعدم تحقق موضوعه- و هو الارتكاب في حال الإحرام- فإن المحرم المرتكب هو الصبي لا الولي.

(الثاني)- قوله عليه السلام: (عمد الصبي كخطأه تحمله العاقلة) و فيه: أن غاية ما يدل عليه هذا الحديث هو ان كل ما يكون خطأه على العاقلة فعمد الصبي فيه أيضا يكون عليها، و ليس في المقام ما يدل على ان الكفارة في صورة الخطأ على العاقلة حتى يقال أن عمد الصبي كذلك، فهذا الحديث مختص بباب الديات لوجود الأثر في خطأه فيها الثابت على العاقلة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 46

[المسألة السابعة في أدلة إجزاء حج الصبي إذا أدرك المشعر بالغا]
اشارة

قوله قده: (قد عرفت انه لو حج الصبي عشر مرات لم يجزه عن حجة الإسلام بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر فإنه حينئذ يجزى عن حجة الإسلام.

لا يخفى ان مقتضى القاعدة هو

عدم الإجزاء، و ذلك لان مقتضى إطلاق دليل الشرطية هو اعتبار البلوغ في جميع أجزاء الحج فلا يجزى حج الصبي و ان بلغ قبل المشعر عن حجة الإسلام، فما أتى به من أعمال الحج قبل البلوغ يكون مستحبا و أجزاء المستحب عن الواجب منوط بتعبد شرعي، إذ مقتضى القاعدة عدم الإجزاء كما لا يخفى.

هذا بالنسبة إلى الحج و كذا الكلام بالنسبة إلى العمرة، فلو اتى بجزء منها قبل البلوغ لا تجزى بمقتضى الأخبار و الروايات الدالة على اشتراط البلوغ فيها، فإن العمرة المتمتع بها- حسب ما يستفاد من الأخبار- ليست من العبادات المستقلة بل تكون تابعة للحج فتكون العمرة و الحج من قبيل الجزئين للصلاة، فيكون حكم كليهما واحدا فيعتبر البلوغ فيها بعين اعتباره في الحج كما يعتبر الطهارة في الركوع بعين اعتبارها في القيام. هذا كله بحسب القاعدة مع قطع النظر عن دليل خاص، و لكن المشهور بين الأصحاب ان الصبي لو تلبس بالحج تمتعا أو قرانا أو إفرادا ندبا ثم بلغ قبل الوقوف بالمشعر أجزأه عن حجة الإسلام بل هو حجة الإسلام.

و يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع

كما ادعاه في محكي التذكرة: و الخلاف؛ و غيرهما. و فيه: ما قلنا مرارا من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف عن رأى المعصوم- عليه السلام- لا المدركى منه، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، مضافا الى ان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه ليس بحجة فلا عبرة به.

(الثاني)- ما ذكره بعض المحققين (قده) من كون الإجزاء على طبق القاعدة،

تقريبه أن الفعل المأمور به بالأمر الندبي عين الفعل المأمور به بالأمر الإيجابي من دون تفاوت بينهما أصلا، لواجدية كل من الفعلين للملاك و المصلحة غاية الأمر ان الاختلاف في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 47

لون الأمر المتعلق بهما لا في أصل المصلحة و الغرض، فمقتضى القاعدة الإجزاء إذا بلغ بعد الفراغ عن الحج فضلا عما إذا بلغ في أثنائه، و لذا يحكم بعدم لزوم إعادة الصلاة إذا صلى الصبي و بلغ في أثنائها أو بعدها قبل خروج الوقت.

نعم بمقتضى الأخبار المتقدمة لا بد لنا من رفع اليد عن مقتضاها في خصوص ما نحن فيه فيما إذا بلغ بعد العمل، و اما إذا بلغ في الأثناء فنمنع شمول الإطلاقات المتقدمة له، فيثبت الإجزاء.

و هنا تقريب آخر لإثبات مدعاه، و هو أن الإطلاقات الأولية تشمل كلا من الصبي المميز و البالغ على نهج واحد، فالمطلوب من البالغ و غيره طبيعة واحدة، فلا فرق بينهما إلا في ارتفاع الإلزام عن غير البالغ بالأدلة الامتنانية و هذا لا يوجب تفاوتا في نفس الطبيعة المطلوبة من البالغ و الصبي. و عليه فإذا شرع في العمل قبل البلوغ و بلغ في الأثناء يجب عليه الإتمام، و حينئذ لا يبقى موضوع للأمر بها ثانيا فيجزي لا محالة. نعم إذا بلغ بعد العمل فقد عرفت انه لا

بد من الأخذ بالروايات المتقدمة و رفع اليد بها عن مقتضى القاعدة.

و فيه: مضافا الى ما يرد على خصوص التقريب الثاني من منع ارتفاع الإلزام و بقاء أصل الطلب بالأدلة الأولية- كما تقدم سابقا- أن تمامية القاعدة من أصلها ممنوعة، لعدم العلم بوحدة الطبيعة المطلوبة من البالغ و الصبي من حيث الملاك لعدم الإحاطة بالملاك لغير علام الغيوب، فيحتمل دخل البلوغ في أصل الملاك و المصلحة بحيث لو لم يرد دليل خاص على مطلوبية العمل من الصبي أيضا لاحتملنا عدم كون العمل قبل البلوغ ذا ملاك أصلا فضلا عن وحدة الملاك، فلا مجال لما افاده بعض المحققين (قده)- سواء قلنا بوجود الملاك في عمل الصبي أم لا- اما على الثاني فواضح و اما على الأول فلأنه و ان كان عمله ذا ملاك كعمل البالغ لكن لا سبيل لنا إلى إحراز وحدة الملاك الموجود في عمل البالغ و الصبي، فمن المحتمل تعددهما بالبلوغ و هذا لاحتمال جار في جميع العبادات من الصلاة و غيرها.

و قد يقال في وجه عدم لزوم إعادة الصلاة فيما إذا بلغ في أثنائها أو بعدها: أنه لحصول الاطمئنان بأنها طبيعة واحدة في حق البالغ و الصبي و العلم بأن الماهية المأمور بها البالغ عين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 48

الماهية المأمور بها الصبي. و اما في المحل المفروض فلم يحصل لنا الاطمئنان، بذلك، و ذلك للروايات المتقدمة الدالة على انه لو حج الصبي عشر حجج لا يكفي عن حجة الإسلام، فبهذه الروايات يستكشف ان العمل الصادر من البالغ غير العمل الصادر من الصبي و له ملاك غير ملاكه: بل لو احتملنا كونهما كذلك لكفى في عدم الإجزاء- فتأمل.

(الثالث)- الروايات الدالة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج،

مثل ما عن

جميل قال: من أدرك المشعر يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ «1» و غيره مما سيأتي من الأخبار في محله إنشاء اللّه تعالى.

بتقريب أن المستفاد منها ان كل من أدرك المشعر جامعا للشرائط فقد أدرك الحج، فإذا بلغ الصبي قبل الوقوف بالمشعر فقد أدرك الحج بالغا، فيجزي حجه عن حجة الإسلام بل هو حجة الإسلام.

و فيه: ان هذه الروايات ليست مسوقة لبيان أن المدار في إدراك الحج الواجب هو ادراك المشعر، بل هي مسوقة لبيان ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، فان كان واجبا فقد أدرك الحج الواجب و ان كان مستحبا فأدرك الحج المستحب، و إذا لم يكن بالغا من أول الأعمال فمن أين يثبت وجوب حجة كي يقال: بأنه أدرك حجا واجبا بإدراك المشعر.

هذا مضافا الى ان أخبار من أدرك الحج واردة فيمن فاته الحج و أتى مكة في وقت الوقوف بالمشعر فهي أجنبية عما نحن فيه فالحق ان هذه الروايات لا تدل على إجزاء حج الصبي الذي أدرك المشعر بالغا عن حجة الإسلام كما هو المدعى.

(الرابع)- الروايات الدالة على إجزاء حج العبد عن حجة الإسلام إذا أعتق قبل المشعر

فنتعدى عنه الى ما نحن فيه بتنقيح المناط- منها:

1- عن شهاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له؟

قال: يجزى عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج. «2»

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9

(2) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 49

2- عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج

«1». و نحوهما غيرهما مما سنذكره- إنشاء اللّه تعالى- في حج العبد، فنتعدى عن موردها الى المحل المفروض (بدعوى) تنقيح المناط.

و في القول بأن ملاكهما واحد- و هو حصول الكمال قبل الوقوف بالمشعر- فكما يحصل ذلك للعبد فيما إذا أعتق قبل المشعر كذلك يحصل للصبي إذا بلغ قبله- تأمل، بل إشكال ضرورة: توقف التعدي عن مورد النصوص و هو المملوك على أحد أمرين: اما العلة المنصوصة، و اما القطع بالمناط. و من المعلوم انتفاء كليهما.

اما الأول: فلعدم انطباق ضابط العلة المنصوصة التي يكون الأخذ بعمومها أخذا بظاهر اللفظ على المقام كما هو واضح.

(و اما الثاني): فلعدم سبيل الى القطع بالمناط بعد احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم، و مجرد اشتراك المملوك و الصبي في الكمال بالانعتاق و البلوغ لا يوجب العلم بكون مناط الحكم هو مطلق الكمال حتى نتعدى من المملوك المعتق قبل المشعر إلى الصبي الذي بلغ كذلك، و بدون العلم بالملاك لا يخرج التعدي عن المورد عن القياس المسدود بابه و الممنوع استشمامه.

هذا مضافا الى أنه لو القى الخصوصية و كان المناط فيه هو الشروع قبل الكمال- بصيرورة الفاقد قبل الوقوف بالمشعر كاملا- كان اللازم هو الالتزام بالإجزاء فيمن حج متسكعا ثم حصل له الاستطاعة قبل الوقوف بالمشعر، لأنه قبل المشعر صار كاملا- مع أنهم لا يلتزمون به و يقولون بعدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام، لفقدان الاستطاعة المعتبرة فيه حدوثا و بقاء من أول الأعمال إلى آخرها قبل الوقوف بالمشعر.

ثم انه لا يلزم مما ذكرنا ان يقال: أن الأصحاب عملوا بالقياس في المحل المفروض مع أنهم أجل شأنا من ذلك، بل كل من قال بالإجزاء إذا بلغ قبل الوقوف فاما أن يكون

مدركه غير هذا الوجه من الوجوه الأخرى، أو يكون ذلك و لكن حصل له القطع بوحدة المناط فعمل

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 17- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 50

بقطعه لا بالقياس و لا شك في ان الإنسان إذا اعتقد بشي ء و حكم على طبق اعتقاده لوضوح المناط عنده لا يعد ذلك قياسا، لكنا لم يحصل لنا القطع بوحدة المناط فلا يمكننا التعويل على هذا الوجه.

[المسألة التاسعة إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ]

قوله قده: (إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندبا فبان بعد الحج أنه كان بالغا فهل يجزى عن حجة الإسلام أولا؟ وجهان اوجهما الأول.

لا ينبغي الإشكال في أن الواجد لشرائط وجوب الحج- من الزاد و الراحلة و تخلية السرب و غير ذلك من الأمور المعتبرة فيه- إذا اعتقد فقدان بعض الشرائط كالبلوغ و غيره، فحج باعتقاد الاستحباب كان حجه مجزئا عنه، لما حققناه في الأصول من عدم لزوم قصد الوجه في تحقق الماهية المأمور بها، و ليس عنوان الوجوب و الاستحباب و عنوان حجة الإسلام من العناوين المنوعة حتى يقال: أنه إذا قصد الحج الندبي و كان عليه حجة الإسلام لا يجزى عنها، لكونه قاصدا لنوع مغاير للنوع الذي في ذمته.

نعم، إذا كان قصده للحج الندبي على نحو التقييد بأن يقول مثلا: إن كان هذا الحج ندبيا فأنا أحج و إلا فلا، فحينئذ لا يجزى ذلك عن حجة الإسلام. لكن هذا لا يصدر من عاقل، فان الشخص لا يعاند نفسه بأن يقصد الحج على فرض استحبابه و لا يقصده على فرض وجوبه عليه كما هو واضح.

و الحاصل: أن ما أتى به من الحج لا ينقص عن حجة الإسلام بشعرة، فالانطباق قهري

و الإجزاء عقلي. زائد و يأتي تمام الكلام في ذلك- إنشاء اللّه تعالى- عند ذكر المصنف لعين هذا الفرع في الشرط الثالث من شرائط حجة الإسلام إلى هنا.

[الشرط الثاني الحرية]
اشارة

قوله قده: (من الشروط الحرية فلا يجب على المملوك و ان اذن له مولاه و كان مستطيعا من حيث المال.

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، بل في الجواهر:

(للإجماع بقسميه منا و من غيرنا) و في محكي المعتبر: (ان عليه إجماع العلماء). و يدل عليه الروايات الواردة في المقام- منها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 51

1- عن فضل بن يونس عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال: ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق «1».

2- عن فضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن فقلت: يكون عندي الجواري و انا بمكة فآمرهن ان يعقدن بالحج يوم التروية فأخرج بهن فيشهدن المناسك أو أخلفهن بمكة؟ فقال: ان خرجت بهن فهو أفضل و ان خلفتهن عند ثقة فلا بأس، فليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق «2».

3- عن آدم بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: ليس على المملوك حج و لا جهاد و لا يسافر إلا بإذن مالكه «3».

4- عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: ان معنا مماليك و قد تمتعوا علينا ان نذبح عنهم؟ قال: فقال: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شي ء «4» حمله الشيخ «قدس سره» على عدم اذن مولاه له، و يحتمل حملها على نفي الوجوب عنه، و لكن أقرب المحامل هو الأول و دلالة هذه الأخبار على المدعى واضحة.

[في مالكية العبد و عدمها]

قوله قده: (بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه.

قد وقع الخلاف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في أنه هل يملك العبد مط أولا يملك مط، أو التفصيل بين بعض الأموال دون بعض، على

أقوال: قال في الشرائع: (العبد لا يملك، و قيل يملك فاضل الضريبة و هو المروي، و أرش الجناية على قول، و لو قيل يملك مط لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى كان حسنا).

و قال في الجواهر: (لا يملك عينا و لا منفعة مستقرا و لا متزلزلا، من غير فرق بين ما ملكه المولى و فاضل الضريبة و أرش الجناية و بين غيرها عند أكثر علمائنا كما في التذكرة.

بل في السرائر: عندنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالمحكي عن الانتصار، و كفارات المبسوط. بل في زكاة الخلاف، و نهج الحق الإجماع عليه. بل الأول منهما صريح في نفي

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(4) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 52

الملك لما ملكه مولاه. بل في شرح الأستاد: أنه المشهور في غاية الاشتهار بين المتقدمين و المتأخرين المدعى عليه الإجماع معبرا عنه بلفظه الصريح من جماعة، و بما يفيده بظاهره بعبارات مختلفة من نقلة متعددين كمذهب الإمامية و مذهب أصحابنا و عندنا. و في الرياض:

(أنه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا، و هو الظاهر من تتبع كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك الا نادرا).

و قال في الجواهر أيضا في شرح قول المحقق- طاب ثراه- (و قيل يملك فاضل الضريبة): خاصة التي يضربها عليه مولاه، الا انى لم أعرف القائل به بالخصوص، و ان نسب

الى الشيخ في النهاية، و القاضي، الا ان الذي عثرت عليه في الأول مع عدم اختصاصه بفاضل الضربة صريح في إرادة ملك التصرف، كما حكاه عنه في الدروس لا الرقية قال:

(المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، فان ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه بجميع ما يريده، و كذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها اليه و ما يفضل بعد ذلك يكون له جاز ذلك فإذا أدى الى مولاه صريبته كان له التصرف فيما بقي من المال، و كذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك، و حل له التصرف فيه، و ليس له رقبة المال على وجه من الوجوه،) و نحوه عن القاضي، و لذا نسبه إليهما في المحكي عن المهذب. نعم، قيل: ان القول بذلك محكي: عن الصدوق و الإسكافي حيث قالا: يملك العين لكن لا مستقرا و فيه: انه ايضا غير خاص بفاضل الضريبة).

و قال في الجواهر في شرح قول المحقق: «و أرش الجناية على قول»: (خاصة أو مع فاضل الضريبة خاصة «على قول آخر» لم أعرف القائل بكل منهما كالقول: بأنه يملك ما ملكه مولاه خاصة، أو مع أرش الجناية خاصة، أو مع فاضل الضريبة فقط، أو الثلاثة، و ان حكى جميع ذلك شيخنا: في شرحه بل و غيرها، فإنه قال- بعد ان حكى اخبار عدم الملك و استدل عليه-: فلا وجه للقول بأنه يملك مط و نسب إلى الأكثر في رواية، و الى ظاهر الأكثر في أخرى، أو يملك فاضل الضريبة فقط، أو أرش الجناية كذلك. و نسبا الى الشيخ و اتباعه، أو ما ملكه مولاه، و ربما عد منه فاضل الضريبة و ما

اذن له في ملكه، أو المركب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 53

منها على اختلاف أقسامه أو يملك ملكا غير تام أو التصرف خاصة. و يمكن ان يكون المراد من ذلك الأعم من القول و الاحتمال).

و قال أيضا في شرح قول المحقق- طاب ثراه-: «و لو قيل يملك مط لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى كان حسنا»: (بل ظاهر الشهيد في الحواشي اختياره و قد سمعت أن الأستاد حكى نسبته: إلى الأكثر في رواية، و الى ظاهر الأكثر في أخرى، لكن الذي عثرت عليه من ذلك ما في الدروس و المسالك ففي الأول اختلف في كون العبد يملك فظاهر الأكثر ذلك و في النهاية يملك ما ملكه مولاه. إلخ) و في المسالك: القول بالملك في الجملة للأكثر و هما معا ليس في الملك مط).

و منشأ الاختلاف في ذلك اختلاف الأخبار الواردة في المقام و قبل ذكرها و الخوض في ما يستفاد منها ينبغي التنبيه على انه لا مجال لإنكار قابليته العبد للمالكية عقلا، ضرورة:

عدم كونه كالبهائم، و هو من هذه الجهة كالحر، فدعوى الاستحالة من الدعاوي الغير المسموعة، فالمانع من القول بالمالكية- لو كان- لا بد و ان يكون من جهة أدلة التشريع فلا بد لنا من ملاحظتها كي يتضح الأمر فنقول- و من اللّه التوفيق-: ان مقتضى التحقيق هو مالكية العبد كما يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل أراد ان يعتق مملوكا له و قد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة فرضي بذلك، فأصاب المملوك في تجارته ما لا سوى ما كان

يعطى مولاه من الضريبة؟ قال: فقال: إذا أدى الى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثم قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: قد فرض اللّه على العباد فرائض فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها؟

قلت له: فللمملوك أن يتصدق مما اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كانت يؤديها إلى سيده؟

قال: نعم و أجر ذلك له. قلت: فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ فقال: يذهب فيتولى الى من أحب فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و ورثه.

قلت له: أ ليس قال رسول اللّه «الولاء لمن أعتق»؟ فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 54

مثله. قلت: فان ضمن له هذا الذي أعتقه جريرته و حدثه يلزمه ذلك و يكون مولاه و يرثه؟

فقال: لا يجوز ذلك لا يرث عبد حرا «1».

2- موثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر فيقول: حللني من ضربي إياك و من كل ما كان مني إليك و ما أخفتك و أرهبتك، فيحلله و يجعله في حل رغبة فيما أعطاه ثم أن المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد فأخذها المولى إحلال هي؟ فقال: لا. فقلت له: أ ليس العبد و ماله لمولاه؟ فقال: ليس هذا ذاك. ثم قال- عليه السلام-: قل له: فليردها عليه فإنه لا يحل له فإنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة «2».

3- في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه

السلام- قال: سألته عن المملوك الموسر أذن له مولاه في الحج هل عليه أن يذبح؟ و هل له أجر؟

قال: نعم فإن أعتق أعاد الحج «3». وجه دلالة هذا الحديث على المدعى هو إطلاق الموسر على العبد الظاهر في مالكيته.

4- صحيح زرارة عن أحدهما في رجل أعتق عبدا له و له مال لمن مال العبد؟ قال:

إن كان علم أن له مالا تبعه ماله و إلا فهو للمعتق «4».

5- صحيحة الآخر: سألت أبا جعفر- عليه السلام-: عن رجل أعتق عبدا و للعبد مال لمن المال؟ فقال- عليه السلام-: إن كان يعلم إن له مال تبعه ماله و إلا فهو له «5».

6- صحيحة الآخر ايضا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه و هو يعلم إن له مالا و لم يكن استثنى السيد المال حين أعتقه فهو للعبد «6».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3.

(3) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(4) الوسائل- ج 3- الباب 24، من أبواب كتاب العتق الحديث 2.

(5) الوسائل- ج 3- الباب 24، من أبواب كتاب العتق الحديث 4.

(6) الوسائل- ج 3- الباب 24، من أبواب كتاب العتق الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 55

7- صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

سألته: عن رجل أعتق عبدا له و للعبد مال و هو يعلم ان له مالا فتوفي الذي أعتق العبد لمن يكون مال العبد، يكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال- عليه السلام-: إذا أعتقه و هو يعلم

إن له مالا فماله له و إن لم يعلم فماله لولد سيده «1».

8- خبر إسحاق بن عمار عن جعفر- عليه السلام- عن أبيه: أن عليا أعتق عبدا فقال له: إن ملكك لي و لك و قد تركته لك «2».

9- صحيح سعد بن سعد عن أبي جرير قال. سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل قال لمملوكه: أنت حر ولي مالك. قال- عليه السلام-: لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول: لي مالك و أنت حر برضى المملوك فان ذلك أحب إلى «3». و هذه الأخبار- و إن كان بعضها مختصا بفاضل الضريبة أو غيره- لكنه يكفينا في إثبات المدعى إطلاق الباقي منها. و يمكن المناقشة في إطلاقها بأنها ليست مسوقة لبيان ما نحن بصدده بل هي مسوقة في مقام بيان حكم آخر، و هو أن مال العبد بعد عتقه له، أو لمولاه أو ان العبد الموسر لا يجزى حجة، فلا إطلاق لها من الجهة التي نقصدها هنا فتدل على مالكتيه في الجملة، و لكن يكفينا في إثبات المقصود- و هو مالكيته مط- إطلاق أدلة سببية الأسباب الموجبة للملك التي لم يفرق فيها بين الحر و العبد.

هذا، و في قبال ذلك كله أخبار أخر يمكن الاستدلال بها على عدم قابليته للمالكية- منها:

1- صحيح ابن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟ قال: لا. قال: قلت و على سيده؟ فقال: لا لأنه لم يصل اليه و ليس هو للملوك «4».

وجه الاستدلال به هو أن الظاهر من نفي الملكية لما في يده عنه هو عدم قابليته للمالكية لا نفي مالكية العبد لذلك المال بالخصوص، فان سؤال السائل لم يكن راجعا الى

______________________________

(1) الوسائل- ج 3- الباب 24- من أبواب كتاب العتق الحديث 6.

(2) الوسائل- ج 3- الباب 24- من أبواب كتاب العتق الحديث 7.

(3) الوسائل- ج 3- الباب 24- من أبواب كتاب العتق الحديث 5.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 56

تشخيص الصغرى و انما سأل عن الحكم الكلي الشرعي.

إن قلت: ان ما فيه من التعبير بقوله «في يده مال» دون «له مال» إيماء الى أن ذلك المال لم يكن ملكا له، فما فيه من تعليل عدم الزكاة عليه بعدم ملكيته له لا يدل على أن العبد ليس قابلا للمالكية بل خصوص ذلك المال لم يكن ملكا له، فذكر- عليه السلام- أنه ليس عليه الزكاة لعدم مالكيته له. و هذا كما ترى أجنبي عما نحن فيه.

قلت: قد دلت أخبار أخرى على عدم تعلق الزكاة بمال العبد إلا أن يعمل له فيه كما عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سأله رجل و أنا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال: لا و لو كان له ألف ألف درهم. «1»

و ما عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: ما تقول في رجل يهب لعبده الف درهم أو أقل أو أكثر. الى أن قال: قلت فعلى العبدان يزكيها إذا حال عليه الحول؟ قال: لا الا أن يعمل له فيها. «2»

و بالجملة لا إشكال في الجملة في عدم تعلق الزكاة بماله، و قد علل ذلك فيما مضى من صحيح ابن سنان بعدم مالكيته له، فهو دليل على عدم قابليته للمالكية و ليس

المقصود منه عدم مالكيته لخصوص ذلك المال الذي كان في يده، لعدم اختصاص عدم تعلق الزكاة بذلك المال، فالإنصاف أنه ظاهر في عدم مالكيته.

و لكن التحقيق: أنه لا يقبل المعارضة مع ما تقدم من الأخبار التي كانت في قوة التصريح بالمالكية، فمقتضى الجمع بينه و بينها أن يقال: ان المراد مما فيه من عدم المالكية هو تحجيره و عدم جواز استقلاله بالتصرف في ماله بدون اذن مولاه، و الشاهد على ذلك الأخبار الدالة على تحجير العبد كما عن عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لا يجوز للعبد تحرير و لا تزويج و لا عطاء من ماله إلا بإذن مولاه «3» فقوله- عليه السلام-:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 4، من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه. الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2- الباب 4، من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه. الحديث 6

(3) الوسائل- ج 3- الباب- 21- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 57

«من ماله» ظاهر في مالكيته لذلك المال لكنه محجور في التصرف الاستقلالي و جاز له التصرف باذن مولاه.

2- صحيح محمد بن قيس عن أبى جعفر- عليه السلام- انه قال في المملوك ما دام عبدا: فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا أن يشاء سيده «1».

و هذا الحديث كما ترى ليس له دلالة ظاهرة في نفى مالكيته، فإنه و ان كان قوله- عليه السلام- «لأهله» ظاهرا في كون ماله ملكا لأهله- لكن اضافة المال إلى الضمير الراجع الى العبد في قوله «ماله» ظاهر في كونه

ملكا له. و الإنصاف انه أيضا لا يخلو عن ظهور ما في عدم مالكيته و أن ماله لمولاه، لكن مقتضى الجمع بينه و بين ما تقدم من الأخبار الدالة على مالكيته حمله أيضا على نفى السلطنة على التصرف بدون إذن مولاه.

3- صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا- عليه السلام- عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم، أو متاع أ يجوز ذلك له؟ فقال: نعم إذا كانت أم ولده «2» ان قلت: انه لا يدل على نفى مالكيته، لأنه من المحتمل كون ما فيه من الهبة هبة لغير ذي رحم قبل التصرف فيجوز للواهب الرجوع.

قلت: لو كان كذلك جاز للواهب الرجوع- و لو فرض حرية الموهوب له- فيلزم أن يكون تقييده- عليه السلام- بقوله: «إذا كانت أم ولده» لغوا، فان الرجوع في الهبة جائز و لو كان وهبه لغير أم ولده كما لا يخفى.

نعم، يمكن المناقشة في دلالته بأن جواز أخذ المولى من مال عبده لا يستلزم عدم مالكية العبد له، بل تقرير الإمام- عليه السلام- لما ذكره السائل من هبة المال لام الولد دليل على قابليتها للملك، و الألم يصح الهبة كما لا يخفى، فهذا الحديث دليل على الخلاف.

و منها الأخبار الدالة على أن العبد إذا مات و ترك ما لا كان لمالكه:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 78 من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1

(2) الوسائل ج 3- الباب 1 من أبواب الاستيلاء.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 58

1- موثق عمار الساباطي عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه كيف يصنع بالخادم؟ قال: تخدم الباقي يوما و تخدم نفسها يوما

قلت: فان ماتت و تركت مالا؟ قال- عليه السلام-: المال بينهما نصفان بين الذي أعتق و بين الذي أمسك «1» 2- عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- ان مكاتبا اتى أمير المؤمنين فقال: ان سيدي كاتبني و شرط على نجوما في سنة فجئته بالمال كله ضربة واحدة فسألته أن يأخذه كله ضربة و يجيز عتقي فأبى علىّ، فدعاه أمير المؤمنين فقال: صدق. فقال له: ما لك لا تأخذ المال و تمضى عتقه؟ فقال: ما أخذ إلا النجوم التي شرطت و اعترض من ذلك لميراثه. فقال له أمير المؤمنين: فأنت أحق بشرطك «2» 3- عن محمد بن قيس عن أبى جعفر- عليه السلام- في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت عند موتها بوصيته فقال أهل الميراث: لا نجيز وصيتها له أنه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه «3».

و التحقيق عدم دلالتها على عدم مالكية العبد، لإمكان أن يكون ما فيها من الحكم- و هو إن مال العبد بعد موته لمالكه- حكما تعبديا من دون استلزام القول بأن العبد لم يكن مالكا لذلك المال من أول الأمر.

و منها الأخبار الدالة على منع العبد عن الإرث كما عن محمد بن حمران عن أبى عبد اللّه- عليه السلام-: لا يتوارث الحر و المملوك «4» و ما عن الفضيل بن يسار عن أبى عبد اللّه- عليه السلام-: العبد لا يرث و الطليق لا يرث «5» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و التحقيق عدم دلالتها أيضا على عدم قابليته للمالكية، و انما ثبت بها تعبدا أن الرقية مانعة عن الإرث، و لا يستلزم ذلك عدم قابليته للمالكية

كما لا يخفى. و يشهد لذلك ما في

______________________________

(1) الوسائل- ج 3، الباب 24- من أبواب موانع الإرث.

(2) الوسائل- ج 3، الباب 24- من أبواب موانع الإرث.

(3) الوسائل- ج 3، الباب 19- من أبواب موانع الإرث.

(4) الوسائل- ج 3، الباب 16- من أبواب موانع الإرث.

(5) الوسائل- ج 3، الباب 16- من أبواب موانع الإرث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 59

الحديث الثاني من إلحاق الطليق بالعبد في عدم الإرث مع أنه لا إشكال في مالكية الطليق.

و منها الأخبار الدالة على عدم إمضاء الوصية للعبد و عدم إمضاء وصيته:

1- صحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر- عليه السّلام- قال: قضى أمير المؤمنين في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصيته فقال أهل الميراث: لا يجوز وصيتها لأنه مكاتب لم يعتق، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه و يجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه. قال: و قضى- عليه السلام- في مكاتب أوصى له بوصيته و قد قضى نصف ما عليه فأجاز له نصف الوصية، و قضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصيته فأجاز له ربع الوصية. و قال في رجل أوصى لمكاتبته و قد قضت سدس ما كان عليها فأجاز لها بحساب ما أعتق منها «1».

2- ما ورد عنه أيضا عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قضى أمير المؤمنين- عليه السّلام- في مكاتب قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه، و قضى في مكاتب قضى نصف، ما عليه فأوصى بوصيته فأجاز نصف الوصية و قضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه فأوصى بوصيته فأجاز ثلث الوصية «2».

3- عن عبد الرحمن بن الحجاج عن

أحدهما عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث قال: قلت له: رجلا ترك عبدا لم يترك مالا غيره و قيمة العبد ستمائة درهم و دينه خمسمائة درهم فأعتقه عند الموت كيف يصنع فيه؟ قال: يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم و يأخذ الورثة مائة. قال: قلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مائة عن دينه؟ قال:

بلى. قلت: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى. قلت: أ ليس قد أوصى للعبد بثلث ماله حين أعتقه؟ قال: فقال: إن العبد لا وصية له إنما ماله لمواليه «3»

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 80- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 81- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1.

(3) الوسائل- ج 2، الباب 79- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 60

4- عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما انه قال: لا وصية لمملوك «1».

5- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألني أبو عبد اللّه- عليه السّلام- هل يختلف ابن أبى ليلى و ابن شبرمة؟ فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا و ترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك، فقال ابن شبرمة: أرى أن تستعيهم في قيمتهم فتدفعها الى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته، فقال ابن ابى ليلى: أرى أن أبيعهم و ادفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنه ليس له أن يعتقهم عند موته و عليه دين يحيط بهم، و هذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبد، و عليه دين كثير فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير، فرفع ابن شبرمة يده الى السماء فقال:

سبحان اللّه يا ابن ابى ليلى متى قلت بهذا القول و اللّه ما قلته إلا طلب خلافي! فقال أبو عبد اللّه: فعن رأي أيهما صدر؟ قال: قلت: بلغني انه أخذ برأي ابن ابى ليلى و كان له في ذلك هوى فباعهم و قضى دينه. فقال: فمع أيهما من قبلكم؟ قلت له مع ابن شبرمة و قد رجع ابن ابى ليلى إلى رأى ابن شبرمة بعد ذلك، فقال: أما و اللّه أن الحق لفي الذي قال ابن ابى ليلى و ان كان قد رجع عنه. فقلت له: هذا يتكسر عندهم في القياس. فقال: هات قايسني! قلت: انا أقايسك؟ فقال: لتقولن بأشد ما تدخل فيه من القياس. فقلت له:

رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره و قيمة العبد ستمائة درهم و دينه خمسمائة درهم فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال: يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم و يأخذ الورثة مائة درهم.

فقلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال: بلى: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى. قلت: أ ليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال:

أن العبد لا وصية له انما ماله لمواليه. فقلت له: فان كان قيمة العبد ستمائة درهم و دينه أربعمائة؟

فقال: كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم و يأخذ الورثة مائتين و لا يكون للعبد شي ء قلت: فإن قيمة العبد ستمائة درهم و دينه ثلاثة مائة درهم؟ فضحك فقال: من ههنا اتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا و لم يعلموا السنة إذ استوى مال الغرماء و مال الورثة أو

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم

- ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 60

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 78- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 61

كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته و أجيزت وصيته على وجهها فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء و يكون ثلثه للورثة و يكون له السدس «1» و التحقيق عدم دلالتها ايضا على نفى المالكية عنه، فان عدم إمضاء وصية العبد و كذا وصية الغير له حكم تعبدي ثبت من جانب الشارع و هو غير مستلزم لعدم مالكيته. نعم، قوله:

- عليه السّلام- في الخبر الأخير: «إنما ماله لمواليه» ظاهر في عدم مالكيته، و لكن هذا أيضا- في مقام الجمع- يحمل على ارادة عدم جواز التصرف له الا بإذن مولاه.

و منها الأخبار الدالة على أن من باع عبده و كان له مال فان كان المولى عالما به و لم يستثنه في البيع كان ذلك المال للمشتري و الا كان للبائع و هي:

1- عن جميل بن دراج عن زرارة قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرجل يشترى المملوك و له مال. لمن ماله؟ فقال: ان كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري، و ان لم يكن علم فهو للبائع «2» 2- عن زرارة عن ابى جعفر و ابى عبد اللّه- عليهما السلام في رجل باع مملوكا و له مال.

قال: ان كان علم مولاه الذي باعه ان له مال فالمال للمشتري، و ان لم يعلم به البائع فالمال للبائع «3» 3- ما عن أبى العلاء عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- عن أبيه قال: من باع عبدا و كان للعبد مال فالمال للبائع الا

ان يشترط المبتاع، أمر رسول اللّه بذلك «4» 4- ما عن سالم عن أبيه قال: قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله-: من باع عبدا و له مال فماله للبائع الا ان يشترط المبتاع «5» 5- ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا قال: فقال: المال للبائع إنما باع نفسه إلا ان يكون شرط عليه ان ما كان له من مال أو متاع فهو له «6» و الإنصاف ان هذه الطائفة من الأخبار أظهر ما في الباب من أدلة القول بعدم مالكيته

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 39- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(3) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(4) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(5) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(6) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 62

و لكن هي أيضا قابلة للحمل- في مقام الجمع- على ارادة كون تصرفاته في ماله متوقفة على اذن مولاه.

مضافا الى أنه يمكن الجمع- بين الطائفتين- بالترتب و الطولية ان يقال: ان العبد يملك ثم بعد ذلك ينتقل من ملكه الى ملك الولي ثم قد ظهر من جميع ما ذكرنا عدم التعارض بين الأخبار الواردة في المقام لقبولها الجمع، فلا يبقى مجال لحمل ما دل على مالكية العبد على التقية، لذهاب جماعة من العامة الى ذلك كما نقل مالك، و الشافعي في قوله القديم، و أهل الظاهر و احمد بن حنبل، فان الترجيح فرع المعارضة و قد عرفت عدمها.

مضافا الى ذهاب جماعة

أخرى منهم الى عدم مالكيته كأبي حنيفة، و الثوري، و إسحاق، و احمد، في إحدى الروايتين، و الشافعي في قوله الجديد، فحمل الطائفة الأولى على التقية ليس بأولى من حمل الطائفة الثانية عليها، ان لم نقل بأن حمل الطائفة الثانية عليها أولى لموافقتها لقول أبي حنيفة المعلوم شدة التقية منه.

و ايضا ظهر أنه لا وجه لترجيح الطائفة الثانية بموافقتها للكتاب، أعنى قوله تعالى:

[ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ وَ مَنْ رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ.] «1» و قوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ. «2»

فإنك قد عرفت عدم التعارض بين الأخبار الواردة حتى تصل النوبة إلى الترجيح بموافقة الكتاب، و الطائفة الثانية محمولة على ارادة نفى تسلط العبد في التصرف في أمواله استقلالا، و الآيتان الشريفتان ايضا لم تكونا ظاهرتان في المدعى حتى تكونا مرجحا أو مرجعا على تقدير تعارض الروايات و قد أثبتنا في بيع الفضولي عدم صحة الاستدلال بها على عدم مالكيته.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في إثبات مالكية العبد على الإطلاق، و لكن مع ذلك كله

______________________________

(1) سورة النحل:- الآية- 77.

(2) سورة الروم:- الآية- 27.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 63

فالإنصاف أن حمل بعض أخبار عدم مالكيته على الإطلاق كالطائفة الأخيرة من الأخبار على نفى التسلط بدون اذن المولى في غاية الاشكال.

و أما ما تقدم من الأخبار الدالة على مالكيته فكثير منها قابلة للمناقشة، فإن ما مر من الأخبار الدالة على أن من أعتق عبده و علم بأن له مالا و لم يستثنه كان المال لعبده و

الا كان للعتق لا يدل على مالكية العبد، لأن كون ماله له بعد العتق في خصوص صورة العلم حكم تعبدي، و من المعلوم أنه بعد العتق قابل للمالكية و لا يستلزم ذلك كونه قبل العتق أيضا قابلا لها كما لا يخفى.

نعم، ما فيها من نسبة المال الى العبد باللام ظاهرة في الملكية، و لكن حمل الطائفة الثانية على ارادة نفى التسلط الاستقلالي ليس بأولى من حمل ما في تلك الأخبار من نسبة المال الى العبد على ارادة ضرب من الاختصاص و الملابسة، ان لم نقل بأولوية الثاني لا ظهرية بعض اخبار نفى المالكية فيها.

فعلى هذا يمكن ان يقال: انه- و ان كان مقتضى إطلاق أدلة سببية الأسباب مالكية العبد على الإطلاق- لكنها مقيدة ببعض الأخبار التي هي كالصريح في نفى مالكية فنقول بمقتضى تلك الاخبار: أن كلما يكتسبه العبد فهو لمولاه و ليس هو مالكا له الا في موردين: (أحدهما) فاضل الضريبة، لصراحة ما مر من صحية عمر بن يزيد في مالكيته له فتقدم على اخبار عدم المالكية بالتخصيص. (و ثانيهما) ما وهبه المولى له أما عوضا عما أورده من الجنايات كما في موثق إسحاق بن عمار المتقدم الصريح أيضا في مالكيته له، أو مط كما يدل عليه صحيح محمد بن إسماعيل المتقدم لما فيه من تقرير ما فرضه السائل من هبة المولى مالا لام ولده. فهذان الخبران ايضا يقدمان على اخبار نفى مالكية العبد بالتخصيص.

فالمتحصل من الجمع بين جميع الأخبار هو قابلية العبد للمالكية فلو ملكه المولى شيئا ملكه، و كذلك يملك فاضل الضريبة و منافع ذلك يصير ملكا له بمقتضى أدلة سببية الأسباب للملك. و أما ما اكتسبه العبد بعمله فهو لمولاه بمقتضى

ظاهر كثير من الأخبار المقدم على إطلاق أدلة سببية الأسباب للملك بالأخصية.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 64

هذا، و يمكن أن يقال: ان الأخبار الدالة على نفى المالكية عنه و بعض الأخبار الدالة على قابليته لها كلتاهما قابلتان للحمل في مقام الجمع، و ليس حمل إحداهما بأولى من حمل الأخرى، فالمرجع إطلاق أدلة سببية الأسباب للملك التي لم تفرق فيها بين الحر و العبد، فتثبت مالكيته مط.

ثم أعلم انه استدل على عدم المالكية مع قطع النظر عن الأخبار بوجوه استحسانية يمكن المناقشة في جميعها قال في الجواهر: (و في الرياض انه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا، و هو الظاهر من تتبع كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلا نادرا للأصل في كثير من الموارد، مؤيدا بأنه مملوك فلا يكون مالكا لان مالكيته لغيره فرع مالكيته لنفسه، و بأن ما يكتسبه العبد من فوائد ملك المولى فيكون تابعا له، بل قيل: انه لا يعقل ملك المملوك على وجه يختص به دون مولاه لأن نفسه و بدنه و صفاته التي من جملتها سلطانه مملوكة، فسلطان السلطان غالب عليه. و اليه يرجع ما عن المختلف: من أنه لو ملك لما جاز للمولى أخذه منه قهرا و التالي باطل إجماعا).

و فيه: أن الأصل منقطع بما عرفت من الدليل على المالكية في الجملة أو مط، و التأييد- بأنه مملوك فلا يكون مالكا- صرف استحسان لا يصغى اليه، و أما عدم معقولية مالكيته فقد عرفت ما فيه، و أما غلبة سلطان المولى فإنما يوجب حجر العبد في تصرفاته و توقفها على رضى المولى دون عدم قابلية مالكيته كما لا يخفى، و كون ما يكتسبه العبد

من الفوائد ملك للمولى لا ينافي عقلا صيرورته مالكا فلا بد إذا من النظر الى الأخبار الواردة في المقام و قد عرفت أن المستفاد منها هو المالكية في الجملة أو مط.

و كيف كان لا يخفى أنه من التأمل في الروايات الواردة في هذه المسألة لظهر فساد ما توهم في المقام من عدم صلاحية الإطلاقات لدفع الشك الناشئ عن قابلية العبد للمالكية و عدمه، كما أنه لا مجال للتمسك بالأخبار التي تمسكوا بها للقول بعدم مالكيته مط، و هذا القول نسبه بعض إلى الأكثر و بعض الى المشهور و بعض ادعى الإجماع عليه، و كما أن من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 65

التأمل فيها، يتضح الحال في التفاصيل المذكورة في المسئلة و من أراد الاطلاع عليها فليراجع الجواهر و مفتاح الكرامة في باب لواحق بيع الحيوان.

(فائدة) لو قلنا بعدم قابلية العبد للمالكية- أصلا- أمكن ان يقال: إن الحرية في الحقيقة ليست شرطا على حدة بل اشتراطها راجع الى اشتراط الاستطاعة المالية، فعدم وجوب الحج عليه انما يكون من جهة عدم مالكيته للزاد و الراحلة لا من جهة كونه عبدا، لكن يمكن المناقشة في ذلك بأنه لو لم تكن الحرية شرطا على حدة للزم القول: بأنه لو بذل المولى لعبده جميع مصارف حجه وجب عليه الحج، لأنه حينئذ- و ان لم يكن مالكا لما يبذله له- لكنه يستطيع الحج بالاستطاعة البذلية، و هذا مناف لإطلاق أدلة عدم وجوب الحج على العبد، فيعلم من هذا أن الحرية شرط على حدة و ان قلنا بعدم مالكية العبد. نعم، لو قلنا بعدم مالكيته مطلقا فكون الحرية شرط على حدة أوضح.

[في اعتبار إذن المولى في صحة حج العبد]

قوله قده: (نعم لو حج بإذن مولاه صح بلا

إشكال.

لا ينبغي الكلام في ذلك و لكن يقع الكلام: في أنه هل يكون اذن المولى شرطا في صحة حجه فلو حج بدون إذنه لم يصح أولا؟ كأنه قد تسالم الأصحاب على اشتراطه فيها. و يمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

(الأول)- عموم أدلة عدم استقلاله في أموره قال اللّه تعالى: (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1» فكل ما صدر عنه بغير اذن مولاه فهو بمنزلة العدم و حرام عليه.

و يمكن المناقشة في ذلك: بأنه و ان دلت الآية الشريفة، و الروايات على أنه لا يقدر على شي ء، و لكنها منصرفة إلى الأفعال، و الأعمال التي تعد تصرفا في سلطنة المولى فالدليل أخص من المدعى.

و اما إذا لم يكن موجبا لتصرفه فيها، فلا مانع منه، لعدم شمول الأدلة الدالة على حرمة عمله بدون الاذن له، فإنه يمكن ان يتفق عدم كون حجه تصرفا في سلطنة المولى،

______________________________

(1) سورة النحل: الآية- 77.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 66

كما إذا ذهب مولاه الى الحج و خرج العبد معه ليخدمه في طريقه الى البيت و لبس مع مولاه ثوبي الإحرام، فلا مانع من ان يعمل كيفما شاء من الأعمال و الأفعال و الأقوال، فإذا لا يلزم من إتيانه بالحج تصرف في سلطنة المولى لا من نيته، و لا من تلبيته، و لا من لبسه ثوبي الإحرام، و لا من كل شي ء من اعماله. و لو لم نقل بهذا الانصراف للزم ان يكون جميع ما يصدر منه- من الأفعال و الأقوال و غيرهما- متوقفا على اذن مولاه- حتى مثل الصلوات على محمد و آل محمد، و الصلاة ركعتين مستحبا- فلا يجوز له أمثال ذلك إلا بإذن مولاه و لم يلتزم

به أحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فالأقوى جواز كل ما يكون من هذا القبيل له كالنظر الى السماء مثلا، و التكلم بكلام لا يضر مولاه و نحوها. و عليه ثبوت الوفاق و الاتفاق قديما و حديثا، و السيرة المستمرة كما لا يخفى.

و لكن التحقيق أن الحج ليس مثل الصلوات على محمد و آل محمد و نحوها، و ليست الإطلاقات الدالة على حرمة فعله بدون اذن مولاه منصرفة عنه لعدم كون الحج بأدون من الطلاق الذي حكم الامام- عليه السلام-: فيه بأنه ليس له الطلاق بدون اذن مولاه، مستشهدا بقوله تعالى: «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا. إلخ» فقال الراوي: «أ فشي ء الطلاق؟» قال- عليه السلام-: نعم، هذا و الإطلاقات انما تكون منصرفة عن الأمور التي تعد عرفا أمورا جزئية بحيث لا يقال لها شي ء، كالنظر الى السماء، و الى الأرض، و كمكالمته مع شخص، و كالصلوات على محمد و آل محمد، و كالأذكار و الأوراد الواردة في الشريعة، و نحو ذلك من الأمور. و اما الأمور الغير الجزئية- كالحج و نحوه مما ليس بأدون من الطلاق- فانصراف الإطلاقات عنها ممنوع.

(الثاني)- الأخبار الخاصة- الواردة في خصوص ما نحن فيه- منها:

1- عن آدم بن على عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال: ليس على المملوك حج و لا جهاد و لا يسافر إلا بإذن مالكه «1».

و لكن يمكن المناقشة في هذا الخبر: بأن القدر المتيقن من الاستثناء المتعقب به

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 15- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 67

- الجمل المتعددة- هو رجوعه إلى الجملة الأخيرة، خصوصا مع تغيير العبارة فيها حيث قال: (و لا يسافر) و لم

يقل: (و لا سفر) فان هذا يصلح للقرينية على رجوع الاستثناء المذكور فيه الى الجملة الأخيرة.

2- عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن المملوك الموسر اذن له مولاه في الحج هل عليه أن يذبح؟ و هل له أجر؟ قال: نعم. فإن أعتق أعاد الحج «1».

بتقريب: أن الظاهر من قوله: (المملوك الموسر اذن له مولاه في الحج) أنه كان اشتراط اذن المولى مسلما عنده و قرره الامام- عليه السلام- على ذلك. و هذا الحديث أيضا في الجملة قابل للمناقشة و بالتأمل تعرف.

3- عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: إن معنا مماليك و قد تمتعوا علينا ان نذبح عنهم؟ قال: فقال: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شي ء «2» هذا الحديث و ان كان ظاهره في بادى النظر بطلان حجه حتى مع الاذن لكن ظاهره غير مراد قطعا، فلا بد من حمله، و أقرب المحامل هو ان يقال أنه لا حج له بدون اذن المولى لا مع الاذن.

[في عدم إجزاء حج العبد و لو مأذونا]

قوله قده: (و لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام.

هذا هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (بالإجماع بقسميه منا و من غيرنا). و في محكي المنتهى: (و هو قول كل من يحفظ عنه العلم). و يدل عليه جملة من الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- عن مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو أن مملوكا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا «3».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(2) الوسائل- ج 2-

الباب 15- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 68

2- عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام قال: ان المملوك ان حج و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق فإن أعتق فعليه الحج «1» 3- عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «2» 4- عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام- قال: المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه اعادة الحج «3» 5- عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم- عليه السلام- عن أم الولد تكون للرجل و يكون قد أحجها أ يجزي ذلك عنها من حجة الإسلام؟ قال: لا قلت لها أجر في حجها؟ قال: نعم «4» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

[في إجزاء حج العبد مأذونا لو انعتق قبل المشعر]

قوله قده: (لو حج باذن مولاه ثم انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجة الإسلام.

قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر، و يدل عليه جملة من الروايات الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج «5».

2- خبر شهاب عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له؟ قال:- عليه السلام-: يجزى عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج

«6».

3- خبر عنه أيضا في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له أ يجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال: نعم «7».

4- عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- في مملوك أعتق يوم عرفة؟

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(3) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6.

(5) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(6) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(7) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 69

قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، و ان فاته الموقفان فقد فاته الحج و يتم حجه و يستأنف حجة الإسلام فيما بعد «1» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- و دلالتها على المدعى واضحة.

[يبقى الكلام في أمور]
[أحدها عدم اعتبار تجديد النية له بعد الانعتاق]

قوله قده: (هل يشترط في الاجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد الانعتاق، فهو من باب القلب أولا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى.

هذه المسألة مبتنية على أنه هل يكون عنوان حجة الإسلام من العناوين القصدية التي يكون قصدها دخيلا في تحقق الماهية المأمور بها، نظير عنوان غسل الجنابة أو لا؟ فعلى (الأول) لا بد أن يقال باشتراط تجديد النية كما لا يخفى و (على الثاني) لا بد من القول بحصول الاجزاء و لو لم يجددها. بل يحصل الانقلاب

قهرا، أو نستكشف من انعتاقه قبل المشعر أن حجه كان حجة الإسلام من أول الأعمال.

و تنقيح البحث أن يقال: إن في عالم الثبوت كما يمكن أن يكون عنوان حجة الإسلام من العناوين القصدية، كذلك يمكن أن لا يكون منها، ففي عالم الإثبات لا بد من الرجوع الى الإطلاقات ان كانت، و إلا فإلى الأصول العملية. فنقول: إن ما تقتضيه إطلاقات النصوص المتقدمة الدالة على أنه إذا أدرك المشعر معتقا حصل الاجزاء هو عدم وجوب تجديد النية، فإنه لو كان قصد العنوان الخاص- و هو عنوان حجة الإسلام- معتبرا في الاجزاء و قيدا في تحقق الماهية المأمور بها، لكان اللازم على الشارع البيان، و حيث لم يبين تقيدها بشي ء فيستكشف عدم دخالته في ماهية الواجب و أنه يتحقق و لو اتى به بدونه. و على فرض عدم تمامية الإطلاقات يمكن إثبات عدم اعتبار تجديدها بمقتضى الأصل العملي و هو البراءة، فبمقتضاها يحكم بعدم وجوب تجديد النية.

فالحاصل: أن الأقوى في تنظر هو عدم اشتراط تجديد النية، فبعد الانعتاق ينقلب ما تلبس به ندبا الى حجة الإسلام قهرا و ليس عليه تجديدها كما أفاده المصنف (قده) فإذا ظهر

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 70

ضعف ما ذهب اليه صاحب الدروس (ره)، و بعض آخر من وجوب تجديدها لما عرفت آنفا.

[الثاني في اعتبار الاستطاعة للعبد المعتق قبل المشعر]

قوله قده: (هل يشترط في الاجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلا؟ أقوال. أقواها الأخير لإطلاق النصوص و انصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام.

اختار الأول: صاحب الدروس (ره) حيث قال فيها: (و

لو أعتق قبل الوقوف اجزء عن حجة الإسلام بشرط تقدم الاستطاعة و بقائها) و اختار الثاني: صاحب كشف اللثام (قده) حيث قال: (و من المعلوم أن الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال). و اختار الثالث: صاحب المدارك- طاب ثراه- و قال بعدم اعتبار الاستطاعة أصلا لا سابقا و لا لاحقا، و جعله مما ينبغي القطع به، حيث قال: (و ينبغي القطع بعدم اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا لإطلاق النص) و وافقه المصنف (قده) و صاحب الجواهر (ره) حيث حكم: بأن النصوص ظاهرة أو صريحة في إدراك حجة الإسلام بذلك و إن لم يكن مستطيعا).

يمكن أن يقال ان صرف انعتاقه قبل المشعر لا يكفي في صيرورة حجه حجة الإسلام، بل لا بد من تحقق سائر الشرائط أيضا له، فلو أعتق قبل المشعر لكنه لم يكن مستطيعا و واجدا للمال و حج متسكعا لم يجز حجه عن حجة الإسلام، و ذلك لإطلاق قوله تعالى: (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.) «1» و لإطلاق النصوص الدالة على اعتبارها في حجة الإسلام الشامل لمن كان حرا و من انعتق قبل المشعر فكما نقول بعدم اجزاء حج الحر عنها فيما إذا حج متسكعا فكذلك نقول بذلك في العبد المعتق قبل المشعر، لإطلاق الأدلة الدالة على اعتبارها فيها فحال العبد المعتق قبل المشعر حال سائر المكلفين من الأحرار في جميع ما يعتبر في حجة الإسلام بلا فرق.

و أما ما ذكره المصنف (قده): من انصراف الإطلاقات- الدالة على اعتبارها فيها عن العبد المعتق قبل المشعر- فممنوع، و على فرض ثبوته بدوي يزول بأدنى تأمل.

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 71

و أما ما

ذكره المصنف (قده): من إطلاق النصوص- الواردة في اجزاء حج المعتق قبل المشعر- ففيه: أن تلك النصوص انما وردت في مقام بيان أنه و ان كانت الحرية من شرائط حجة الإسلام و يعتبر فيها من أول الأعمال إلى آخرها، لكن يكفي تحققها من حين الوقوف بالمشعر. و ليست في مقام البيان من حيث تحقق سائر الشروط و عدمه حتى يقال بمقتضى إطلاقها بالاجزاء مطلقا فما ذكره (قده)- من عدم اشتراط الاستطاعة في اجزاء حجة- ضعيف و لا يمكن المساعدة عليه. و يتلوه في الضعف القول بكفاية الاستطاعة من حين الانعتاق و هو القول الثاني الذي أفاده كاشف اللثام (قده) (و وجه الضعف) أن الدليل على اشتراط الاستطاعة في العبد المعتق قبل المشعر ليس إلا إطلاق أدلة اشتراط الاستطاعة في حجة الإسلام كما عرفت. و من الواضح: أن إطلاق أدلة اشتراطها إنما يدل على اشتراط ثبوتها من أول الأعمال إلى آخرها- بحيث لو فقدت في جزء منها لم يجز عنها لا من حين الانعتاق. فان قلنا بانصراف إطلاقها عن العبد المعتق قبل المشعر كما ذهب اليه المصنف قدس سره، فلا بد من القول بعدم اشتراط الاستطاعة في حقه حتى من حين الانعتاق و ان قلنا بعدم الانصراف فلا بد من القول باشتراطها من أول الأعمال إلى آخرها فعلى هذا لا يبقى مجال لما أفاده صاحب كاشف اللثام و هو القول باشتراطها من حين الانعتاق فظهر مما ذكرنا أن الأقوى في النظر هو القول الأول.

ثم لا يخفى: أنه يكفي في اجزاء حجه عن حجة الإسلام كونه مستطيعا من الميقات و لا يشترط استطاعته من البلد لأن طي الطريق الى الميقات ليس داخلا في الحج لا شرطا و

لا شطرا و انما هو مقدمة وجودية لا أثر لاقترانها بالاستطاعة و عدم اقترانها بها فيكفي تحققها من أول الأعمال كما لا يخفى. و لا فرق في جميع ما ذكرنا بين أقسام الحج من التمتع و القران و الافراد فإن الكلام في كل واحد منها عين الكلام في الآخر و دليل الاجزاء مطلق و يشمل جميع الأقسام الثلاثة.

[المسألة الأولى في جواز رجوع المولى عن إذنه و عدمه]

قوله قده: (إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به، ليس له أن يرجع في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 72

هذه المسألة مبتنية على أن إذن المولى شرط في صحة حجه، حدوثا فقط، أو حدوثا و بقاء؟ فعلى (الأول) ليس له الرجوع عن إذنه، و لا تأثير لرجوعه عنه، لوجوب الإتمام عليه لأن المفروض تحقق الشرط و هو الإذن حدوثا، و (على الثاني) له الرجوع و إذا رجع بطل حجه، لفقدانه شرط الصحة و هو وجود الإذن بقاء. و هل يبطل من حينه، أم من أصله؟ فيه احتمالان. و يتفرع عليهما أمران:

(الأول)- انه لو قلنا ببطلان حجه من أصله، بصرف رجوع المولى عن الإذن فلا يحرم عليه محرمات الإحرام لكشف رجوعه عن إذنه عن عدم كونه محرما من الأول و اما إذا قلنا ببطلان حجه من حينه فهو باق على إحرامه فيجب عليه الاجتناب عما يحرم على المحرم من محرمات الإحرام إلى أن يموت أو يعتق، فيأتي بتمام الحج أو يأذن له المولى فيتم إحرامه.

(الثاني)- أنه على القول ببطلان حجه من أصله لا يترتب على ارتكابه لمحظورات الإحرام كفارة. و اما على القول ببطلانه من حينه، فلا إشكال في ترتبها إذا ارتكبها لبقاء إحرامه. (و

من هنا) يشكل القول بجواز رجوعه عن إذنه، ان قلنا ببطلان حجه من حينه. لأن وجوب اجتنابه عن محظورات الإحرام حرج عظيم عليه، خصوصا لو قلنا بثبوت الكفارة عليه، لا على مولاه.

هذا كله بناء على شرطية الإذن في صحة حجه. و اما بناء على مانعية نهيه فبرجوعه عن إذنه لا يبطل حجه لكن لو نهاه تأتى فيه جميع الاحتمالات السابقة، من أنه يبطل حجه من حينه، أو من أصله، أو يكون حجه صحيحا و عليه الإتمام. هذه غاية ما يتصور من المحتملات في المسألة. و لنذكر أولا ما يقتضيه الأصل في المسألة، لنرجع اليه، عند الشك و عدم إمكان استظهار أحد الاحتمالات السابقة من الدليل فنقول:

لا إشكال في أنه مهما شككنا في وجوب الإتمام عليه، كان مقتضى الأصل البراءة.

سواء كان منشأ الشك في ذلك الشك في كون الاذن شرطا حدوثا فقط، أو حدوثا و بقاء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 73

أم كان منشأ الشك في أنه هل الإذن شرط في صحة حجه، أو المنع مانع عنها، كما أن مقتضى الأصل هو البراءة عن الحرمة و الكفارة، فيما إذا شككنا في أنه برجوعه عن إذنه هل يبطل حجه من حينه، حتى يقال ببقائه على إحرامه، و حرمة محظورات الإحرام عليه، و ثبوت الكفارة لو ارتكبها. أو يبطل من أصله حتى يقال بعدم حرمة محظورات الإحرام عليه، و عدم ترتب الكفارة على ارتكابها، لأنه يستكشف برجوع المولى عن إذنه، عن أنه لم يكن محرما من أول الأمر بناء على القول بارتباطية مناسك الحج و جزئية الإحرام للأعمال لا شرطيته لها كالوضوء للصلاة. و كيف كان فالأصل في المسألة متحد من حيث النتيجة، مع القول باشتراط الإذن

حدوثا و بقاء، و بأنه بمجرد رجوعه عن إذنه يستكشف بطلان إحرامه من أول الأمر بناء على القول بالجزئية كما تقدم. فان قام دليل تعبدي على خلاف الأصل، فترفع اليد عن مقتضاه، و إلا فلا بد من العمل على طبقه.

و ما يمكن أن يجعل دليلا على خلافه هو قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق). و لا شك في أنه مع قطع النظر عن لزوم إطاعة المولى على العبد كان المتعين عليه إتمام حجه، فلو رفع اليد عن ذلك من جهة إطاعة مولاه، كان ذلك إطاعة للمخلوق في معصية الخالق. فيجب عليه الإتمام، لأنه لا يزاحم رضى المخلوق مع رضى المولى الحقيقي فلا أثر لرجوع المولى عن إذنه لوجوب الإتمام عليه كما أنهم ذهبوا إلى عدم جواز رجوع من يشترط إذنه عن إذنه في بعض الفروع التي لم يرد فيه دليل تعبدي بالخصوص، بل الظاهر أن الدليل فيها منحصر في قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق)- منها:

1- ما إذا أذن شخص لأحد أن يدفن ميتة في ملكه و دفن، فليس له بعد الدفن الرجوع عن إذنه، لحرمة النبش المستلزم لهتك المؤمن.

2- ما إذا أذن لأحد أن يصلى في ملكه، فشرع في الصلاة، فليس له أيضا الرجوع عن إذنه لحرمة قطع الصلاة. و كيف كان فالدليل على خلاف الأصل في المحل المفروض منحصر في قوله: (لا طاعة للمخلوق. إلخ).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 74

و لكن هذا الدليل قابل للمناقشة. بيان ذلك: أنه لا إشكال في أن الظاهر من الأدلة العامة- الدالة على أن العبد كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ- أنه يجب عليه أن يكون كالمحبس في يد المولى

و ليس له الاكتفاء بصرف عدم منعه له عن العمل الفلاني ما لم يكشف ذلك عن رضائه به، بل اللازم عليه الاستئذان منه في غير ما مر استثناؤه سابقا من مثل الصلوات على محمد و آل محمد مما يكون الدليل منصرفا عنه. و كذلك الظاهر من تتبع الأخبار الخاصة- الواردة في المحل المفروض- أنه يكون إذن مولاه شرطا لصحة حجه، لا أن منعه مانع. هذا. و لو أغمضنا النظر عن قوله: (لا طاعة. إلخ) فلا إشكال في أن مقتضى الأدلة العامة اشتراط الإذن في صحة حجه حدوثا و بقاء لأن المستفاد منها هو وجوب كونه مطيعا لمولاه في جميع الآنات و عدم اختصاصه بآن دون آن كما لا يخفى. فمقتضى تلك الأدلة هو أنه مهما رجع المولى عن اذنه في عمل فليس له المضي فيه و إتمامه فلا بد له من رفع يده عنه سواء كان حجا أم غيره من الأعمال التي شرع فيها باذنه، و لا موجب للإغماض عن ذلك سوى قوله: (لا طاعة.)، و أنت خبير بأن صارفيته مستلزم للدور لأنه لو كان الإذن شرطا حدوثا و بقاء و رجع المولى عن أذنه في أثناء الأعمال لم يكن رفع يده عن إتمام الأعمال معصية للخالق، فكون ذلك معصية موقوف على عدم اشتراط اذنه بقاء فإثبات عدم اشتراط الإذن بقاء بذلك يستلزم الدور كما لا يخفى. و (بعبارة أخرى) أن الكبرى و هي أنه (لا طاعة.)

مسلمة لكن الصغرى ممنوعة لأن انطباقها على المورد غير معلوم، و على هذا فمقتضى القاعدة جواز رجوع المولى عن اذنه، و لكنه مع ذلك لا يمكننا القول به، لأن الظاهر تسالم الأصحاب على خلافه فلا أقل من الاحتياط.

هذا و

الحاصل: أن ما افاده (قده)- من عدم جواز رجوع المولى عن اذنه بعد تلبس العبد بالإحرام- إنما يتم بناء على القول بوجوب إتمام العمل عليه شرعا، و هو ايضا موقوف على القول بكفاية مجرد الإذن في صحة العمل حين شروعه فيه بحيث كان شروعه مع الاذن في العمل كافيا في صحة العمل و الحكم بوجوب الإتمام عليه و عدم دخل الإذن في صحة العمل في كل جزء، جزء منه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 75

و لكن انى لنا إثبات ذلك بعد عدم قيام دليل تعبدي عليه. و من الواضح أن مع عدم وجوب الإتمام عليه لا يبقى مجال للتمسك بمثل (لا طاعة. إلخ) و ذلك لعدم انطباق هذه الكلية على المورد كما لا يخفى.

نعم بناء على القول بأن المناسك عبارة عن اعمال مستقلة لا من المركبات الارتباطية فحينئذ كل عمل أتى به العبد مع الإذن يقع منه صحيحا و ما أتى به بدون الإذن فلا لعدم انطباق المأمور به عليه، فعليه لا موجب لإتيانه بتمام العمل بعد رجوع المولى عن إذنه.

و قياس المقام بالحج الفاسد- مضافا الى أن المراد منه هو الحج الناقص الفاقد للكمال كما هو قضية كونه حجة الإسلام و أن ما هو الواجب عليه في العام القابل إتيانه هو العقوبة و كفارة لما ارتكبه قبل أعمال منى بالتفصيل الذي سيأتي في محله- إنشاء اللّه تعالى- قياس محض بل هو قياس مع الفارق كما هو واضح.

هذا و لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر من قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق. إلخ)، هو أن كل عمل كان بطبعه الاولى و بعنوانه الأولى- أعنى مع قطع النظر عن اطاعة المخلوق- معصية لا يكون عنوان اطاعة

المخلوق مجوزا له. مثلا، ترك صوم شهر رمضان أو ترك الصلاة الواجبة مع قطع النظر عن اطاعة المخلوق معصية، فإذا صار ذلك معنونا بعنوان اطاعة المخلوق كما إذا أمر المولى بتركهما لم يكن هذا العنوان مجوزا للترك و مخرجا له عن كونه معصية. و من المعلوم أيضا- أن العبادات على أنحاء ثلاثة:

لأنه (تارة): تكون واجبة ابتداء و استدامة، كالصوم في شهر رمضان و الصلوات الخمس اليومية. و (اخرى): لا تكون واجبة لا ابتداء و لا استدامة كالصلاة المستحبة.

و (ثالثة): لا تكون واجبة ابتداء، و لكن تجب استدامة و إتماما، كما في الحج لأنه بالنسبة الى حالة الشروع مستحب و بالنسبة الى حالة البقاء و الاستمرار واجب.

فان كانت العبادة من النحو الأول، فلا إشكال في أنه يتأتى فيها قوله: لا طاعة. إلخ، لما عرفت من أن كل عمل كان بطبعه الأولى واجبا فعنوان إطاعة المخلوق لا يغيره عن ذلك فيجب عليه الإتيان بها استدامة من دون اعتبار إذن أحد فيها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 76

و إن كانت من النحو الثاني: فلا إشكال في أنه لا يتأتى فيها قوله- عليه السلام-: (لا طاعة. إلخ) فلو ترك الصلاة الاستحبابية إطاعة لمولاه لم يكن ذلك تقديما لرضى المخلوق على رضاء الخالق.

و إن كانت من النحو الثالث: فلا إشكال في أنه بالنسبة الى حالة الشروع ملحق بالقسم الثاني و أما بالنسبة الى حالة البقاء و الاستمرار فهو ملحق بالقسم الأول، لأن الإتمام يكون بطبعه الاولى واجبا، و قد عرفت أن كل ما يكون بطبعه الاولى واجبا لا يغيره عن ذلك عنوان اطاعة المخلوق. إذا عرفت ذلك، فنقول:

لا إشكال في أنه لو لا لزوم إطاعة المولى على العبد لكان عليه

إتمام حجه فإتمام حجة عليه بطبعه الأولى أي مع قطع النظر عن لزوم الإطاعة واجب و تركه بطبعه الأولى معصية، و قد دل قوله (لا طاعة. إلخ) على ذلك. و بينا: دلالتها على ذلك فثبت أن انتفاء اذن المولى بل و صدور النهى منه لا يكون مجوزا لأن يرفع يده عن إتمام حجه، و لا يرد على هذا التقريب ما ذكرناه سابقا من لزوم الدور، فإن وجوب الإتمام بطبعه الأولى و مع قطع النظر عن إطاعة المخلوق مما لا ريب فيه، و لا يكون متوقفا على شي ء حتى يستلزم الدور.

و لكن هذا التقريب إنما يتم لو سلمنا كون الإذن شرطا حدوثا و بقاء و كان ارتفاع الاذن في الأثناء موجبا لبطلان العمل من حينه و أما لو قلنا: إن الاذن شرط حدوثا و بقاء و لكن كان ارتفاعه في الأثناء كاشفا عن البطلان من أصله، فلا يتأتى هذا التقريب، و ذلك لأن الكبرى و هي وجوب الإتمام بطبعه الأولى و ان كانت مسلمة و لكن الكلام في الصغرى و من البديهي أنه بناء على اعتبار الإذن في صحة حجه حدوثا و بقاء الى آخر العمل و كون اعمال الحج من المركبات الارتباطية- بحيث لو ترك شي ء منها عمدا يبطل الحج كما في بعض أفعال الحج أو عمدا و سهوا و عن غير اختيار كما في بعض آخر و لذا قيل: بأنه بناء على جزئية الإحرام للحج يحكم بخروجه عن الإحرام لبطلانه ببطلان الحج. نعم بعض اعمال الحج يكون من قبيل الواجب في واجب كما سيجي ء تفصيل ذلك كله في محله عند تعرض المحقق- طاب ثراه- في الشرائع إنشاء اللّه تعالى- فلا يمكن توجيه ما أفاده

(قده) إلا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 77

بمنع اعتبار اذن المولى بقاء و القول باعتبار إذنه حدوثا فقط فإذا دخل في العمل مشروعا يحكم بوجوب الإتمام عليه فعليه لا يمكنه منعه من ذلك، و لكن لا لما قيل من إتمام الحج الفاسد قياسا بما ورد في ارتكاب بعض المحرمات على المحرم في وقت مخصوص لما عرفت من أنه قياس.

قوله قده: (نعم لو أذن له ثم رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه و إذا لم يعلم برجوعه و تلبس به هل يصح إحرامه و يجب إتمامه أو يصح و يكون للمولى حله، أم يبطل.؟ وجوه، أوجهها الأخير.

لا إشكال في ما ذكره (قده) من عدم جواز تلبسه بالإحرام، إذا علم برجوع المولى عن إذنه قبل الإحرام. إلا إذا قلنا بمانعية نهى المولى لا شرطية إذنه فحينئذ يتجه أن يقال: إنه إنما يحرم عليه أن يتلبس بالإحرام لو نهاه المولى و علم بنهيه. و أما صرف رجوعه عن إذنه فلا يوجب حرمة الإحرام عليه. لكنك قد عرفت أن التحقيق شرطية الإذن لا مانعية النهى.

و أما إذا لم يعلم برجوع المولى عن إذنه فأحرم، فهل يصح إحرامه أم لا؟ إن قلنا بمانعية نهيه، فقد عرفت إن صرف رجوعه عن إذنه لا يوجب بطلان حجه. و إن قلنا إن الإذن شرط، فيتجه بطلان إحرامه، لفقد شرط الصحة و هو الإذن. لكن ذهب صاحب الجواهر (ره) إلى الصحة حيث قال ما لفظه: (لو رجع السيد قبل التلبس و لم يعلم العبد به حتى أحرم، وجب الاستمرار في أقوى الوجهين، لأنه دخل دخولا مشروعا، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف و لم يعلم الوكيل،

فما عن الشيخ- من أنه يصح إحرامه و للسيد ان يحله- واضح الضعف.).

و فيه: أنه و ان كان دخوله في الإحرام مشروعا،- إما لأنه كان معتقدا ببقاء الإذن، أو لأنه كان مقتضى الاستصحاب بقائه- لكن الإذن شرط واقعي لصحة إحرامه و لا دخل لعلم العبد و جهله في ذلك، فإنه إذا قام دليل على شرطية شي ء، فظاهره الشرطية الواقعية، إلا أن يكون هناك قرينة متصلة أو منفصلة على أنه شرط على و هما مفقودان فيما نحن فيه، فالإذن ليس شرطا علميا لصحة إحرامه حتى يقال بصحة حجه في صورة جهله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 78

برجوع المولى عن إذنه بل هو شرط واقعي، فالتحقيق هو البطلان.

و أما صحة تصرفات الوكيل قبل علمه برجوع الموكل عن التوكيل فإنما هي لأجل نصوص خاصة وردت في ذلك الباب. منها:

1- عن معاوية بن وهب و جابر بن زيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال:

من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور، فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها «1». و غير ذلك من الأخبار. و لا يمكننا التعدي من باب الوكالة إلى غيره لكون الحكم على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار على موردها. نعم، إذا حصل لنا تنقيح المناط القطعي أو قام دليل تعبدي على جواز التعدي فيمكن تسرية الحكم منها الى مفروض المسألة و لكن كليهما غير حاصل، فلا يخرج ذلك عن كونه قياسا. ثم، لو سلمنا صحة إحرامه لأنه تلبس بالإحرام على وجه مشروع- كما أفاده صاحب الجواهر (ره)- فهل للمولى حله كما أفاده الشيخ (ره) أم لا؟ التحقيق: أنه مع تسليم صحة إحرامه يكون الأمر كما إذا رجع

المولى عن إذنه بعد تلبس العبد بالإحرام فيتأتى فيه جميع ما قلنا في المسألة السابقة، لأنه بعد تسليم صحة إحرامه لا وجه للتفصيل بين المسئلة المفروضة و بين المسألة السابقة.

[المسألة الثانية صحة بيع المملوك المحرم]

قوله قده: (يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم باذنه و ليس للمشتري حل إحرامه.

هذا مما هو المعروف بين الفقهاء قديما و حديثا.

و في المدارك: (لو أحرم العبد باذن مولاه ثم باعه صح البيع إجماعا.). و في الجواهر: (للمولى بيع العبد في حال الإحرام قطعا.).

و كذا كلام غيرهما من الفقهاء. و لا كلام لنا فيه، لعدم ورود دليل خاص تعبدي على مانعية الإحرام عن صحة البيع، و ليس إحرامه مانعا عن التسليم كي يقال ببطلان البيع من جهة فقدان شرط التمكن من التسليم فنتمسك في الحكم بصحة البيع بالإطلاقات كقوله تعالى (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ)، و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و غير ذلك. و بالجملة أصل صحة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 1- من كتاب الوكالة الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 79

البيع مما لا إشكال فيه.

ثم إن كان المشترى عالما بذلك فلا خيار له. و لكن إذا كان جاهلا كان له الخيار بناء على ما مر من عدم بطلان حجه بانتفاء إذن المولى، و ليس للمولى حله فيكون حال العبد الواجب عليه إتمام الحج كحال العبد الذي آجره مولاه لعمل قد بقي منه شي ء يسير و اما بناء على القول ببطلان حجه، بانتفاء إذن المولى فلا خيار له، لبطلان حجه لعدم تحقق الإذن من المولى الثاني. كما أنه بناء على القول: بأن للمولى حله لم يكن له الخيار أيضا، لتمكنه من الحل، فلا يتوجه اليه ضرر، فينحصر ثبوت الخيار فيما إذا قلنا بعدم بطلان حجه بانتفاء إذن

المولى و أنه ليس له الحل، فحينئذ له الخيار مع طول الزمان الموجب لتضرره و فوات بعض منافعه. و أما إذا كان الزمان قصيرا، بحيث لم يكن في البين ضرر و فوات حق لم يكن له الخيار، و المدار في قصر الزمان و عدمه هو نظر العرف. فان كان الزمان بحيث لا يتساح فيه العرف أعم من أن يكون قصيرا أو طويلا يثبت له الخيار. و أما إذا كان الزمان قصيرا بنظره بحيث لا يرى فيه ضررا من جهة قصره فلا خيار له.

ثم إنه قد أثبتنا في محله: أن الخيار في أمثال هذا الموارد ليس عبارة عن حق ثابت بقاعدة لا ضرر، بل هو في الحقيقة يرجع الى أن تمام البيع يكون برضى المشترى و الجاهل لم يكن راضيا بذلك لمكان الشرط الضمني، فإن تعقب الرضى تم البيع. و إلا فلا.

[المسألة الرابعة في كفارات العبد]

قوله قده: (إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه أو عليه و يتبع بها بعد العتق، أو ينتقل الى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه، و في غيره على مولاه؟ وجوه: أظهرها كونها على مولاه.

قد وقع الخلاف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في ذلك، فذهب بعضهم كصاحب الجواهر (ره) الى ثبوتها على العبد مطلقا، صيدا كان أو غيره حيث قال:

(للأصل السالم عن المعارض المعتضد بظاهر قوله تعالى وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ.)

و ذهب بعض آخر كصاحب المعتبر (قده) الى ثبوتها على مولاه مطلقا، حيث قال على ما حكاه صاحب المدارك: (ان جناياته كلها على السيد لأنها من توابع إذنه في الحج. و لما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 80

رواه الشيخ، و

ابن بابويه- رضى اللّه عنهما- في الصحيح عن حريز عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، قال: كلما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام) «1». و ذهب ثالث منهم كالمفيد- رحمه اللّه- الى التفصيل بين الصيد و غيره في الحكم بثبوت كفارة الصيد على مولاه، دون باقي الكفارات. على ما حكاه صاحب المدارك.

و كيف كان فتحقيق المسألة موقوف على بسط الكلام في مقامين: (المقام الأول) في البحث عن ثبوت كفارات العبد على المولى مطلقا، صيدا كان أو غيره، و عدمه. (المقام الثاني) في أنه بعد فرض عدم كون كفاراته على مولاه هل تكون خصوص كفارة الصيد على المولى أولا؟.

أما الكلام (في المقام الأول) فنقول: لا اشكال أن مقتضى القاعدة بحسب الإطلاقات الواردة- الدالة على أن المحرم إذا ارتكب أحد محظورات الإحرام كان عليه الكفارة- هو ثبوتها على العبد دون المولى، كما أفاده صاحب الجواهر (ره) و ذلك لانه المحرم، و هو الذي أتى بموجبها. و لم يكن مولاه محرما و لا مرتكبا للمحظورات حتى يحكم بثبوت الكفارة عليه، هذا كله بحسب مقتضى القاعدة، و يقع الكلام في أنه هل ورد دليل في خصوص العبد على أن كفاراته على المولى مطلقا حتى ترفع اليد عن مقتضى القاعدة أولا؟

فنقول: ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:- (الأول)- ما مر في كلام صاحب المعتبر (قده) من قوله: (لأنها من توابع إذنه في الحج). و فيه: منع كونها كذلك فان اذن المولى له في الحج ليس إذنا له في ارتكاب المحظورات حتى تكون كفاراتها من توابعه كيف و من الممكن أن يكون قد أذنه في الحج و لم يكن راضيا بارتكابه

المحظورات بل يسخط عليه بذلك. ثم، بعد فرض كون إذنه له في الحج إذنا في ارتكابه لها، نقول: لا يستلزم ذلك أيضا ثبوت الكفارة عليه، فان ارتكابه لها ليس مسببا توليديا لفعله، و الموضوع المأخوذ في لسان الأدلة هو المحرم المرتكب

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 56- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 81

لمحرمات الإحرام، و هذا العنوان انما يكون منطبقا على العبد دون المولى كما لا يخفى.

(الثاني) أنه بناء على عدم قابليته للمالكية، فلا مال له حتى يقال بثبوت الكفارة عليه و من المعلوم ثبوت كفارة في ارتكابه المحظورات، فهي على مولاه.

ان قلت: مع عدم تمكنه من أداء الكفارة ينتقل فرضه الى الصوم، و ليس على مولاه شي ء.

قلت: (أولا): ليس الصوم بدلا عن جميع كفارات الحج، و إنما ثبت بدليته عن بعضها.

و (ثانيا): أنه كما لا يتمكن من أداء الكفارة كذلك لا يتمكن من الصوم فيما إذا منعه المولى، فإن إذنه له شرط في صحة صومه.

و فيه: (أولا): منع أصل المبنى فإنه قد أثبتنا سابقا في صدر المبحث مالكيته.

و (ثانيا): لو سلمنا ذلك أو فرض عدم تمكنه من أداء الكفارة لأجل عدم وجود المال حينئذ ففيما يكون الصوم بدلا عنها لا بد له من أن يصوم و ليس للمولى منعه، فإنه (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق).

و (ثالثا): لو فرضنا عدم تمكنه من الصوم أيضا لأجل منعه المولى، تبقى الكفارة في ذمته، يتبع بها بعد العتق و لا وجه لانتقالها إلى ذمة المولى.

و (رابعا): أنه لو فرضنا عدم تمكن العبد من إعطاء الكفارة، و لا الصوم الى آخر العمر، فيتجه القول بسقوط التكليف منه لانتفاء شرط الخطاب

و هو القدرة و لا معنى لانتقالها إلى ذمة المولى (بدعوى) العلم بثبوت كفارة في البين، و أى ربط للمولى بتكليف عبده الذي كان عاجزا عنه.

(الثالث):- ما مر من صحيحة حريز في كلام صاحب المعتبر (ره) في صدر المبحث و هو قوله- عليه السلام- كلما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام، (بدعوى) أن إطلاقه يشمل الصيد و غيره. و فيه: أن صحيح حريز ورد على نحوين: (أحدهما) ما تقدم و هو قوله: «كلما أصاب العبد و هو محرم. إلخ» و (ثانيهما): «المملوك كلما أصاب الصيد. إلخ» و لم يثبت كونهما روايتين و لا حجة لنا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 82

على ذلك، فمن المحتمل كونهما رواية واحدة اختلفت النسختان منها. و من المعلوم أنها بناء على النسخة الثانية لا تشمل غير الصيد و لم يثبت أن الصحيح هي النسخة الأولى، و إن أمكن تقويتها بأنها ذكرت في الاستبصار، و الفقيه، و الكافي، بخلاف النسخة الثانية المذكورة في خصوص الاستبصار.

هذا مضافا الى تعدد سند النسخة الأولى بخلاف الثانية، لكن هذه كلها ليست أمارة قطعية على أنه على فرض كونهما رواية واحدة، فالصحيح هي النسخة الأولى دون الثانية.

و على أنه بناء على النسخة الأولى أيضا شمول قوله- عليه السلام-: (كلما أصاب العبد و هو محرم. إلخ) لغير الصيد غير معلوم. و لا يبعد كونه مجملا، ان لم نقل إن الظاهر منه خصوص الصيد.

(الرابع):- حديث محاجة أبي جعفر- عليه السلام- في مجلس المأمون مع يحيى ابن أكثم و هو كما في الاحتجاج عن الريان بن شبيب في حديث: أن القاضي يحيى بن أكثم استأذن المأمون أن يسئل أبا

جعفر الجواد- عليه السلام- عن مسألة: فأذن له فقال: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر- عليه السلام-: قتله في حل أو حرم؛ عالما كان المحرم أم جاهلا؛ قتله عمدا أو خطأ؛ حرا كان المحرم أو عبدا؛ صغيرا كان أو كبيرا؛ مبتدأ بالقتل أم معيدا؛ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيره؛ من صغار الصيد كان أم من كبارها مصرا كان أو نادما؛ في الليل كان قتله الصيد أم بالنهار؛ محرما كان بالعمرة إذ قتله أم بالحج كان محرما؟ فتحير يحيى بن أكثم. الى أن قال فقال المأمون لأبي جعفر- عليه السلام-: إن رأيت جعلت فداك تذكر لنا الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم! لنعلمه و نستفيده: فقال أبو جعفر: إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها، فعليه شاة. و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل فطم من اللبن، و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ. و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة. و إن كان نعامة فعليه بدنة. و إن كان ظبيا فعليه شاة و إن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة. و إذا أصاب المحرم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 83

ما يجب عليه الهدى فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى، و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المآثم و هو موضوع عنه في الخطأ. و الكفارة على الحر في نفسه، و على

السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه و هي على الكبير واجبة و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة و المصر يجب العقاب في الآخرة «1» و الشاهد على المدعى قوله- عليه السلام- في ذيله: (و الكفارة على الحر في نفسه و على السيد في عبده) و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الصيد و غيره، فيحكم بثبوت كفارات العبد على المولى مطلقا. و (فيه): أن هذا الحديث من أوله الى آخره وارد في خصوص الصيد و لا يبقى لهذه الجملة الواقعة في أثناء الحديث ظهور في الإطلاق، كما لا يخفى.

نعم، رواه في تحف العقول مرسلا و زاد فيه شيئا يكون قرينة على أن هذه الجملة مطلقة تشمل غير الصيد و إن كان أصل الحديث واردا في خصوص الصيد، و هو قوله- عليه السلام-: (.، و كلما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي ء عليه إلا الصيد، فان عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطإ كان أم بعمد، و كلما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه، و كلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي ء عليه، فان عاد فهو ممن ينتقم اللّه منه. إلخ) «2». فذكره- عليه السلام- الحكم الكلى بقوله: «و كلما أتى به المحرم»- ثم استثنائه عنه الصيد- قرينة على أن قوله: (و كل ما أتى به العبد. إلخ) أيضا ليس مختصا بالصيد. فيحكم بثبوت كفاراته كلها على مولاه مطلقا صيدا كان أو غيره لكن قوله- عليه السلام- «فهو ممن ينتقم اللّه منه» صالح للقرينية على الخلاف، فإنه بحسب الظاهر إشارة إلى قوله تعالى: (وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ) «3» الواردة في خصوص الصيد، فهو

قرينة على أن قوله: «و كلما أتى به العبد. إلخ»، وارد في خصوص الصيد.

هذا مضافا الى أن ما زاده في تحف العقول- الذي قلنا إنه قرينة على عدم اختصاص الحكم بالصيد- لم يذكر في سائر النسخ و انما هو مذكور في تحف العقول. و ما قيل: من

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 2.

(3) سورة المائدة: الآية- 97.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 84

أنه مهما دار الأمر بين الزيادة و النقيصة فمقتضى الأصل حصول النقص لا الزيادة- لوقوع الاشتباه غالبا في النقص لا الزيادة- ليس إلا صرف استحسان لا يمكن الاتكاء عليه و لا يورث الاطمئنان بذلك حتى يكون حجة.

هذا كله مع ما عرفت من أن تحف العقول إنما ذكر الحديث مرسلا بل هذا الحديث و إن ذكره جماعة، لكن كلهم نقلوه عن الريان بن الشبيب مرسلا. و في تحف العقول أسقط ذكر الريان أيضا. و رواه بالإرسال عن الإمام- عليه السلام- فهذا الحديث لا سند له حتى يعتمد عليه. و إن أمكن أن يقوى بملاحظة متن الحديث صدوره عن الإمام- عليه السلام- مضافا الى شهرته. و كيف كان فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث، على عدم اختصاص الحكم بالصيد. فظهر بما ذكرنا أنه لا يمكن إثبات كفارات العبد على المولى مطلقا صيدا كان أو غيره، بما رواه تحف العقول.

و أما الكلام (في المقام الثاني): و هو أنه هل يصح أن يقال في ثبوت خصوص كفارة صيده على مولاه، أولا؟ فنقول: أنه قد عرفت مما مضى أن العمدة في ذلك صحيح حريز، لأن حديث محاجة الإمام-

عليه السلام- مع يحيى بن أكثم، كان ضعيفا سندا. و صحيح حريز و إن كان قد ورد على نحوين كما مر و لكن استفادة الحكم في خصوص الصيد متيقن منه قطعا، و قد عرفت أن كلمة «أصاب» في النسخة الأولى محتملة لإرادة خصوص الصيد و إرادة مطلق محرمات الإحرام، و أن الحديث على النسخة الثانية وارد في خصوص الصيد فعلى جميع الصور يثبت أن كفارة الصيد على المولى. لكن يعارض هذا الصحيح ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن عبد أصاب صيدا و هو محرم هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: لا شي ء على مولاه «1». فيقع التعارض بين خبر ابن أبي نجران- الدال على عدم ثبوت كفارة الصيد على مولاه- و بين صحيح حريز الدال على ثبوت كفارة صيده على مولاه. و لكن خبر ابن أبي نجران إنما يكون واردا على طبق القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 56، من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 85

بخلاف صحيح حريز لوروده على خلاف القاعدة.

و التحقيق: أن ترجيح خبر ابن أبي نجران بالمقررية، أو ترجيح صحيح حريز بالناقلية ليس بصحيح، فان المرجح لا بد من أن يكون حجة حتى يكون مرجحا، و ليست المقررية و الناقلية من المرجحات المنصوصة و قد ذكرنا مرارا إن الاستحسانات العقلية مما لا يمكن الاعتماد عليها. فعلى هذا لا بد لنا من رفع التعارض من بينهما، فنقول: يمكن الجمع بينهما بوجوه:

(الأول)- أن يقال بأخصية صحيح حريز عن خبر ابن أبي نجران بناء

على كونه واردا في خصوص الصيد، كما ورد خبر ابن أبي نجران في خصوصه فان صحيح حريز مقيد بثبوت الإذن من المولى، و خبر ابن أبي نجران مطلق من هذه الجهة، فنقيده به. فيتجه التفصيل بينهما إذا كان مأذونا من قبل المولى في خصوص الإحرام و بينما إذا لم يكن مأذونا. فعلى (الأول) تكون كفارته على المولى، و على (الثاني) تكون كفارته على نفسه.

و فيه: ما عرفت من أن إذن المولى شرط في صحة إحرامه و بدون إذنه لا يكون محرما، حتى يقال إن كفارته عليه أو على مولاه، فخبر ابن أبي نجران و ان لم يذكر فيه كلمة الإذن، لكن لا بد من القول بأن المراد منه هو صورة الإذن، و إلا لم يكن العبد في الحقيقة محرما.

(الثاني)- أن يقال: إن الظاهر من قوله في صحيح حريز: «إذا أن له في الإحرام» هو كونه مأذونا في الإحرام بالإذن الخاص، و خبر ابن أبي نجران مطلق من هذه الجهة فنقيده به فيتجه التفصيل ايضا بينما إذا كان مأذونا في الإحرام بالإذن الخاص، و بينما إذا لم يكن كذلك- كما إذا أعطاه إذنا عاما في مطلق المستحبات فاختار الحج. فعلى (الأول) تكون كفارة الصيد على المولى، و على (الثاني) تكون على نفسه. و فيه: منع ظهور صحيح حريز في الإذن الخاص فإن الإذن العام أيضا إذن في الإحرام و يشمله قوله «إذا أذن له. إلخ» و انصرافه- الى الإذن الخاص- ممنوع.

(الثالث)- أن يقال إن خبر ابن أبي نجران أخص من صحيح حريز بناء على عدم اختصاص صحيح حريز بالصيد بحسب النسخة الأولى و هو قوله: «كلما أصاب العبد و هو محرم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص:

86

إلخ» و خبر ابن أبي نجران وارد في خصوص الصيد فيقيد الأول به فيتجه التفصيل بين كفارة الصيد و غيرها، فكفارة الصيد على العبد و سائر الكفارات على المولى. لكن هذا مما لم يقل به أحد. و قد عرفت أنه لم يثبت كون صحيح حريز مطلقا و ذلك لاختلاف النسختين و عدم حصول العلم بكونهما روايتين مع احتمال كون كلمة (أصاب) ظاهرا في خصوص الصيد.

فتحصل أنه لا يمكن لنا الجمع بينهما، فيتعارضان فيتساقطان.

هذا كله بناء على صحة سند خبر ابن أبي نجران كما نقول بذلك في حديث حريز و أما بناء على القول بضعف سنده فيبقى صحيح حريز بلا معارض، فيتجه القول بكون خصوص كفارة الصيد على المولى لصحيح حريز. و لكن الظاهر صحة سند خبر ابن أبي نجران أيضا، و ذلك لأن إسناد الشيخ (ره) الى سعد بن عبد اللّه صحيح، و محمد بن الحسن هنا هو الصفار، لأن من مميزاته رواية سعد بن عبد اللّه عنه و المراد من سعد بن عبد اللّه هنا هو الأشعري لأنه الذي يروى عن الصفار و لا إشكال في وثاقتهما، و محمد بن الحسين هنا هو ابن أبي الخطاب لأن من مميزاته رواية الصفار عنه و هو أيضا ثقة و عبد الرحمن بن أبي نجران لا إشكال في وثاقته، فعلى هذا يكون الحديث صحيحا، فيقع التعارض بينهما، و يتساقطان، و بعد التساقط ترجع إلى الإطلاقات- الدالة على ثبوت كفارة الصيد على المحرم- فتثبت الكفارة على العبد لا على مولاه، فيتجه ما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره)- من أن جميع الكفارات على العبد بدون تفصيل بين الصيد و غيره.

هذا و لكن يمكن أن يقال: إنه بعد تساقطهما

ليس المرجع الإطلاقات- الدالة على ثبوت الكفارات على المحرم- بل المرجع هو الأصل العملي و ذلك لأن الخاص في آن تعارضه مع الخبر الآخر بالتباين يعارض مع العام أيضا بالأخصية، فعلى هذا يقع التعارض بين الحديثين و بين الإطلاقات، فيحكم بتساقط جمعها. فما اشتهر من أنه إذا كان المخصص مبتلى بالمعارض كان المرجع عموم العام ليس بصحيح فان العام ليس في مرتبة متأخرة عن الخاص و معارضه، حتى تصل النوبة إليه بعد تساقطهما بل يتساقط الجميع في مرحلة واحدة فلا يمكن القول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 87

بثبوت كفارة الصيد على العبد بعد تعارض الحديثين و الإطلاقات و تساقط الجميع بمقتضى الإطلاقات لسقوطها بالتعارض، فيرجع الأمر حينئذ إلى الشك في كونها على مولاه أو عليه؟ و نعلم إجمالا بثبوتها على أحدهما و مقتضى القاعدة الأصولية أن يقال بعدم تنجيز العلم الإجمالي في مفروض المقام لتردده بين شخصين فكل منهما يجرى البراءة بالنسبة إلى نفسه فبناء عليه لا تثبت الكفارة لا على المولى و لا على العبد هذا بحسب مقتضى القاعدة و لكنه مما لا يمكن الإفتاء على طبقه كما لا يخفى. نظيره، أنه إذا كان الميت خنثى مشكلة و لم ندر أنه ملحق بالذكر حتى يحكم بوجوب غسله كفاية على الذكور أو ملحقة بالأنثى كي يحكم بوجوب غسلها كفاية على النساء فنعلم إجمالا بوجوب غسلها إما على الرجال و إما على النساء مقتضى القاعدة الأصولية هو عدم وجوب غسلها على الرجال و النساء لعدم كون العلم الإجمالي منجزا فيما إذا كان مرددا بين شخصين على ما تقرر في محله فيجري كل منهما البراءة بالنسبة إلى نفسه لتحقق موضوع الأصل و هو الشك في أصل

التكليف كما هو واضح.

و لكنك خبير بعدم إمكان الالتزام بمفاد الأصل لا هناك و لا في مفروض المقام فكما لم يلتزم أحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بسقوط الغسل من أصله هناك كذلك لا يمكن الالتزام بسقوط الكفارة من أصلها في مفروض المقام فلا تغتر بقاعدة تذكر في الأصول و يشيد أركانها فإنه رب مورد لا يمكن إجرائها فيه فلا تغفل.

و على هذا فالمتجه في مسألة الخنثى الاحتياط: بان يغسل مرتين بالجمع بين غسل الرجل له و بين غسل المرأة لها كذلك في مفروض المقام أيضا يتجه الاحتياط و لكن لا حاجة فيه الى الجمع بين إعطاء المولى الكفارة و بين إعطاء العبد لها أيضا بل يكفي بإعطاء واحد منهما بنية أنها ان كانت ثابتة عليه فمن قبل نفسه و ان كانت ثابتة على صاحبه فمن قبل صاحبه.

هذا كله بناء على ما مر من تعارض الخبرين مع الإطلاقات جميعا و تساقطها في مرحلة واحدة و لكن (التحقيق:) أن المرجع بعد تساقطهما هو الإطلاقات و ذلك لأن الخاص الذي لم يشمله دليل الاعتبار لابتلائه بالمعارض لا يكون حجة حتى يعارض الإطلاقات فالمرجع بعد تساقطهما هو الإطلاقات.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 88

[المسألة الخامسة لو أفسد المملوك حجه بالجماع قبل المشعر]

قوله قده: (لو أفسد المملوك حجه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام و القضا.).

لا كلام لنا في ذلك لعموم أدلة الإتمام و القضاء الشاملة للعبد كشمولها للحر بلا فرق.

قوله قده (و أما البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر ان حالها حال سائر الكفارات على ما مر و قد مر ان الأقوى كونها على المولى الأذن له في الإحرام.

قد عرفت فيما مر ان الأقوى ثبوت جميع الكفارات على العبد غير كفارة

الصيد التي وقع الاشكال فيها.

قوله قده: (و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأن الاذن في الشي ء اذن في لوازمه، أولا، لأنه من سوء اختياره؟ قولان أقواهما الأول، سواء قلنا إن القضاء هو حجه أو أنه عقوبة أو أن حجه هو الأول.

اختار الأول على ما هو المحكي: الخلاف؛ و المبسوط؛ و السرائر؛ و وافقهم المصنف (قده)، و مال الى الثاني صاحب المدارك (ره)، حيث قال في ذيل كلماته ما لفظه: (و ان كان القول بعدم وجوب التمكين لا تخلو من قوة). و تعبه صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (لعل ذلك هو الأقوى).

و الأقوى هو القول الأول و لكن لا لما ذكره المصنف (قده): من (أن الاذن في الشي ء إذن في لوازمه) بمعنى ان إذن المولى له في الحج يقتضي الالتزام بجميع ما يترتب عليه شرعا لكونه دعوى بلا شاهد. بل لوجوب القضاء على العبد بمقتضى الإطلاقات فعليه الإتيان به و لا يمكن للمولى منعه لقوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق)، و قد يفصل بين القول أن الحج الأول هو الفرض، و الثاني هو العقوبة و بين القول بأن الأول هو العقوبة، و الثاني هو الفرض، فعلى (الثاني) يجب على المولى التمكين لأنه من أول الأمر إنما كان اذن المولى له في الفرض، و قد تبين ان الفرض هو الثاني و قد وجب بالشروع في الحج الأول، و (على الأول) لا يجب على المولى التمكين، لأنه من أول الأمر لم يكن اذنه له

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 89

متناولا لهذا الحج و إنما كان أذنه له في الحج الأول و قد أتى به لا في الحج العقوبتى، فله منعه عنه.

و (يرد

عليه): ما أورده صاحب الجواهر (ره) أن من المعلوم عدم تناول الإذن للحج ثانيا و إن كان هو الفرض و إنما تعلق إذنه بالأول. و (الحاصل) أنه لا يفترق الأمر في ذلك بين القول بكون الأول فرضا و الثاني عقوبة و بالعكس بل لا بد إما (من القول): بوجوب التمكين على المولى مطلقا و إما (من القول) بعدم وجوب ذلك عليه مطلقا فعلى هذا لا يبقى مجال لهذا التفصيل لانه على القول بالعكس لم يدخل في الحج كي يقال: بأن الثاني هو الفرض (فائدة): مرادنا من فساد الحج بالجماع هو انتفاء كماله لا بطلانه حقيقة و إلا فلا معنى للإتمام كما لا يخفى.

قوله قده: (و ان كان مستطيعا فعلا ففي وجوب تقديم حجة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيان على أن القضاء فوري أولا فعلى الأول يقدم لسبق سببه و على الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.

لا يخفى: أن جريان هذا البحث مبتن على القول بان الفرض هو الأول، و الثاني هو العقوبة فبناء على ذلك و المفروض أنه قد أعتق بعد المشعر فيقع الكلام في أنه مع استطاعته هل يقدم الحج العقوبتى أو يقدم حجة الإسلام؟ و أما بناء على القول: أن الأول عقوبة و الثاني فرض فلا يبقى مجال لهذا البحث لأن ما يأتي به من الحج بنفسه حجة الإسلام و المفروض اجتماع جميع شرائطها و ليس حجا عقوبتيا كي يقال أنه هل يقدم الحج العقوبتى أو حجة الإسلام و ذلك واضح.

و الأقوى ان الفرض هو الأول و الثاني عقوبة دون العكس، لصحيح زرارة قال:

سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين، أو عالمين؟ قلت: أجبني في الوجهين جميعا، قال: ان

كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما، و ليس عليهما شي ء و ان كانا عالمين، فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان أصابا فيه ما أصابا قلت: فأي الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 90

عقوبة «1». و لعله يأتي البحث عن ذلك مع رد دليل القائل بالخلاف في محله- إنشاء اللّه تعالى- و كيف كان فبناء على أن الثاني عقوبة نقول: إذا كان مستطيعا فهل يقدم الحج العقوبتى أو يقدم حجة الإسلام؟. قال في الجواهر ما لفظه: (وجب عليه أن يقدمها على القضاء كما في محكي (عد) و (ف) و (ط) لفوريتها دونه و لأنه آكد لوجوبها بنص القرآن، الى أن قال. قلت: بل في كشف اللثام: (الأظهر عندي تقديم القضاء لسبق سببه و عدم الاستطاعة لحجة الإسلام إلا بعده) قلت: هو كذلك مع فورية القضاء بل و مع عدمها في وجه).

و التحقيق: أن يقال إنه بناء على عدم فورية القضاء لا إشكال في تقديم حجة الإسلام عليه لفوريتها، و قول صاحب الجواهر (ره) «بل و مع عدمه في وجه» لم يظهر المراد منه و لعل نظره الى خصوص صورة ما لو أتى بحجة الإسلام في هذه السنة و لم يتمكن من الحج العقوبتى في السنوات اللاحقة، فيقع التزاحم بينهما حينئذ و يقدم الحج العقوبتى لتقدم سببه و فيه: ما لا يخفى، لعدم كونه من المرجحات و أما بناء على فورية القضاء كما هو الظاهر مما ورد في أخبار

فساد الحج بالجماع من قوله: «عليه الحج من قابل» فيقع المزاحمة بين حجة الإسلام و الحج العقوبتى و في الحقيقة ليست المزاحمة بينهما بل بين فوريتهما. إلا إذا فرضنا أنه لو أتى بواحدة منهما لا يتمكن من الآخر في السنوات اللاحقة، فتقع المزاحمة بين نفس الحجتين حينئذ، و كيف كان، فقد يقال بتقديم الحج العقوبتى على حجة الإسلام و يستدل لذلك بوجهين:

(الأول)- هو أن القدرة المأخوذة في الحج العقوبتى قدرة عقلية و لا بد له من إتيانه بأي نحو كان و لو تسكعا و هذا بخلاف القدرة المأخوذة في حجة الإسلام، و هي مشروطة بعدم استلزامها لترك واجب لأن القدرة المأخوذة فيها قدرة شرعية فيقدم الحج العقوبتى عليها، و مهما دار الأمر: بينما هو مشروط بالقدرة العقلية و بينما هو مشروط بالقدرة الشرعية لا بد من تقديم الأول. و فيه: ما قد حققناه في الأصول بما لا مزيد عليه من منع كون ذلك من

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 91

مرجحات باب التزاحم و لم يدل دليل على ان من شرائط وجوب حجة الإسلام عدم استلزامها لترك واجب و سيجي ء الكلام فيه في بيان موضوع وجوب الحج- إنشاء اللّه تعالى.

(الثاني)- أن سبب الحج العقوبتى- و هو إفساده الحج- مقدم على سبب حجة الإسلام أعنى الاستطاعة فما هو المقدم سببا يقدم. و فيه: أنه قد أثبتنا في الأصول أيضا ان تقدم السبب لا يصلح مرجحا لأحد المتزاحمين على الآخر فإذا وجب عليه مثلا في صلاته سجدتا السهو مراتا عديدة لتعدد السبب لم يكن عليه تقديم ما هو المقدم سببا لعدم الدليل على ذلك.

نعم،

إذا كان بين نفس المتزاحمين ترتبا زماني فلا إشكال في تقديم ما هو المقدم زمانا، (مثاله): ما إذا لم يكن قادرا على القيام في كلا ركعتي الصلاة و انما كان قادرا على القيام في ركعة واحدة منها، فلا إشكال في أنه يأتي بالركعة الأولى قائما و بالثانية جالسا دون العكس. و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل فالمتجه حينئذ في المحل المفروض هو ملاحظة الأهم منهما، فان كان الأمر بحجة الإسلام أهم فيقدم على الحج العقوبتى، و ان كان الأمر بالحج العقوبتى أهم، فهو يقدم عليها، و إلا فالمرجع التخيير، و ما ذكره صاحب الجواهر (ره)- من أن حجة الإسلام آكد لوجوبها بنص القران- ليس بشي ء، فإن ثبوت الوجوب بنص القرآن ليس فيه دلالة على أهميته على ما ثبت وجوبه من الأخبار. (و الحاصل): ان ثبت أهمية حجة الإسلام من الأخبار فهو يقدم، و ان ثبت أهمية الحج العقوبتى فهو يقدم و إلا اتجه التخيير.

ثم إنه على فرض تمامية هذه الكلية- و هي تقدم ما ثبت وجوبه بالكتاب على ما ثبت وجوبه بالسنة و لم نقتصر على موارد خاصة التي دل الدليل على تقدم الفرض على السنة- لو فرضنا أنه عصى و أتى في العام الأول بالحج العقوبتى فهل يصح ذلك منه أو لا؟

قال صاحب الجواهر (ره): (و حينئذ فلو قدم القضاء لم يجز عن أحدهما أما القضاء فلكونه قبل وقته، و أما حجة الإسلام فلأنه لم ينوها، خلافا للمحكي عن الشيخ فصرفه الى حجة الإسلام. لكن عن مبسوط احتمال البطلان قويا. و استجوده في المدارك بناء على مسألة الضد و الا اتجه صحة القضاء و ان أثم بتأخير حجة الإسلام).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 92

و التحقيق: ان ما أتى به- بعنوان الحج العقوبتى- صحيح و لم يقع ما أتى به بعنوانه قبل وقته بل وقع في وقته و ذلك لأن وجوب تقديم حجة الإسلام عليه انما كان من جهة أهميتها أو من جهة فوريتها و هذا غير مستلزم لأن يقال بوقوع الحج العقوبتى في غير وقته و قد حققنا في الأصول أن ترك الواجب الأهم و الاشتغال بالمهم لا يوجب بطلان المهم، و كذلك ترك الواجب الفوري و الاشتغال بالواجب الموسع لا يوجب بطلانه فتبقى حجة الإسلام في ذمته و قد حقق في الأصول أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده.

هذا، و لا وجه أيضا لما حكى عن الشيخ (ره) من صرفه الى حجة الإسلام.

بيان ذلك: أنه لا إشكال في اشتغال ذمته بحجتين (أحدهما) حجة الإسلام و (ثانيهما) العقوبتى، و لا مائز بينهما إلا بالنية، فوقوع هذا الحج الذي أتى به حجة الإسلام أو الحج العقوبتى تابع لنيته فإذا لو أتى بالنسك و الأعمال بنية القضاء و العقوبة فلا وجه للقول بانصرافها الى حجة الإسلام بعد تعنونها بالقضاء بالنية. الا ان يقال بعدم حلول وقت الحج العقوبتى، لكن قد عرفت بطلانه. هذا كله بناء على القول بوجوب تقديم حجة الإسلام و أما بناء على القول بوجوب تقديم الحج العقوبتى عليها فعصى بتأخيره و أتى بحجة الإسلام، فنقول:

إن كان المدرك في تقديم الحج العقوبتى- عليها- من جهة تقدم سببه بعد تسليم ثبوت الاستطاعة له فأيضا لا إشكال في صحة عمله و يقع حجة الإسلام لأنها التي نواها و قد مر أن المائز بينهما هو النية و المفروض أنه أتى بالأعمال بنية حجة الإسلام، و قلنا ان ترك

الواجب الأهم لا يوجب بطلان المهم.

و أما ان كان المدرك في ذلك هو أن حجة الإسلام مشروطة بعدم استلزامها لترك واجب فمع اشتغال ذمته بالحج العقوبتى لا يكون مستطيعا لحجة الإسلام فلا يقع ما أتى به لها سواء نوى القضاء أو لا؟ لأن المفروض أنه لم يتحقق له الاستطاعة جامعا للشرائط، فليس في ذمته حجتان و انما يكون في ذمته حج واحد و هو الحج العقوبتى فيقع ما أتى به ذلك و ان لم ينوه بل و لو نوى خلافه الا ان يكون قصده تقييديا فيبطل حينئذ عمله.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 93

[المسألة السادسة في عدم اختصاص الحكم بالعبد القن]

قوله قده: (لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك و عدم صحته إلا بإذن مولاه و عدم اجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر بين القن؛ و المدبر؛ و المكاتب؛ و أم الولد؛ و المبعض؛ إذا إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطريا فإنه يصح منه بلا إذن.

قد نسب ذلك الى الأصحاب، و لا ينبغي الإشكال فيه لإطلاق الأدلة- الدالة على عدم وجوب حجة الإسلام على العبد- نعم يقع الكلام في خصوص العبد المبعض الذي هاياه مولاه و كانت نوبته كافية لحجة الإسلام فذهب بعض: الى وجوب حجة الإسلام عليه، إذا كان له مال بمقدار ما يحج به. و استغرب من هذا القول صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (و من الغريب ما ظنه بعض الناس من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال.

ضرورة: منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في العبد المبعض). و استغرب المصنف (قده) من هذا الاستغراب الذي أفاده صاحب الجواهر

(ره) و استغرب المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من استغراب المصنف.

و التحقيق: أنه و إن كان الحق عدم وجوب حجة الإسلام عليه. و لكن استغراب صاحب الجواهر (ره) و كذلك المحقق النائيني ليس في محله، فإنه يمكن إثبات حجة الإسلام عليه بأحد وجهين:

(الأول)- دعوى انصراف أدلة- الدالة على اعتبار الحرية في وجوب حجة الإسلام- عن العبد المعبض فهو في نوبته كالحر.

(الثاني)- دعوى أن أدلة- الدالة على عدم وجوب حجة الإسلام على العبد- مجملة حيث أنه لا يعلم أنها هل تشمل هذا القسم من العبد أولا؟ و إجمال المخصص المنفصل المردد بين الأقل و الأكثر مفهوما، لا يسري إجماله إلى العام، فنتمسك بالإطلاقات- الأولية الدالة على وجوبه على كل مكلف مستطيع- كقوله تعالى: (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) «1» فعلى هذا يحكم بوجوب الحج عليه إذا كان له مال بمقدار ما يحج به

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 94

فيما إذا كان بينه و بين مولاه نوبة بمقتضى الإطلاقات.

و (التحقيق): أن الانصراف الحقيقي غير ثابت. و غاية ما يمكن أن يقال انما هي دعوى إجمال المخصص، و الحق كما حققناه في الأصول، عدم جواز التمسك بالعام مع إجمال المخصص و لو كان مفهوميا من غير فرق بين القول: أن الأخذ بالظواهر إنما يكون من باب الكشف عن المراد- كشفا نوعيا أو شخصيا على الخلاف فيه- و بين القول بأن الأخذ بها إنما يكون من باب أصالة عدم القرينة و قد مر توضيحه- في محله- مفصلا فعلى هذا يتجه عدم وجوب حجة الإسلام على العبد.

[الشرط الثالث الاستطاعة]
[المسألة الأولى في اعتبار الراحلة]

قوله قده: (الثالث الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و

قوته و تخلية السرب و سلامته.

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا. بل في الجواهر:

(بإجماع المسلمين و النص في الكتاب المبين و المتواتر من سنة سيد المرسلين- صلى اللّه عليه و آله- بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج و حينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجز عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا). و في الحدائق: (إجماعا نصا و فتوى). و يدل على ذلك قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «1» و الأخبار المتواترة الواردة في المقام- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ» قال: يكون له ما يحج به «2».

2- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ» ما السبيل؟ قال: أن يكون له ما يحج به «3». الى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي ذكرها- إنشاء اللّه تعالى.

قوله قده: (لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج

______________________________

(1) سورة آل عمران:- الآية- 91.

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 95

بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية و هي كما في جملة من الأخبار الزاد و الراحلة.

قد اتفقت الآراء على ذلك قديما و حديثا و عليه الإجماع من جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل هو من ضروريات الفقه و لا غبار عليه. و ظاهر الآية الشريفة- لو لا الأخبار الواردة المفسرة

لها- و إن كان هو القدرة العقلية لكن لا بد من صرف النظر عن ظهورها لما سيأتي- إنشاء اللّه تعالى- من الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة.

قوله قده: (هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه، أو منافيا لشرفه، أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار و الإجماعات المنقولة الثاني.

قال في المنتهى على ما حكاه في المدارك: (و انما يشترط الزاد و الراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد مسافته أما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته و المكي لا يعتبر الراحلة في حقه، و يكفيه التمكن من المشي). ظاهر هذا الكلام عدم اشتراط الراحلة لمن لا يحتاج إليها، بلا فرق بين القريب و البعيد.

و قال في المدارك- بعد نقله لكلام المنتهى- ما لفظه: (و نحوه قال في التذكرة، و صرح بأن القريب إلى مكة لا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا إليها. و هو جيد، لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء و الرجوع الى اعتبار المشقة و عدمها جيد إلا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة، و لا نعلم به قائلا). ظاهر قوله و (لا نعلم به قائلا) أن المعروف بين الأصحاب عدم الفرق في اشتراط الراحلة في حق البعيد بينما إذا كان محتاجا إليها و ما إذا لم يكن محتاجا إليها فعليه إذا لم يكن البعيد واجدا للراحلة لا يتحقق له الاستطاعة الشرعية الموجبة لوجوب حجة الإسلام عليه، و إن فرضنا كون المشي أروح له من الركوب و لم يكن عدم ذهابه مع

الراحلة منافيا لشأنه و شرفه. و قال في المستند: (يمكن استفادة التفصيل بين المحتاج إلى الراحلة و غيره من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج و الافتقار). و ادعى جماعة منهم الشيخ رحمه اللّه- في الخلاف- الإجماع على عدم الفرق بين من أطاق المشي و غيره في اعتبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 96

الراحلة و كيف كان فالأخبار الواردة في ذلك على طائفتين:

(الأولى)- ما دلت على اشتراط الراحلة في صدق الاستطاعة الشرعية المقتضية بإطلاقها عدم الفرق في اعتبار الراحلة بين من كان محتاجا إليها- لأجل عدم تمكنه من المشي أو لحفظ شرفه- و بين من لم يكن كذلك- منها:

1- صحيح محمد بن يحيى الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه- عليه السلام- و أنا عنده عن قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة، فهو ممن يستطيع الحج. أو قال: ممن كان له مال. فقال له الحفص الكناسي: فإذا كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، و له زاد و راحلة، فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟

قال: نعم «1».

2- خبر السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسوله أخبرني عن قول اللّه تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ»، أ ليس قد جعل اللّه لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن. الحديث «2».

3- خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون قال:

و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع

الصحة «3».

4- صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله عز و جل:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ،» ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة «4».

5- عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ»؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(2) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(3) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(4) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 97

مستطيع للحج «1».

(الثانية) ما دلت على عدم اشتراط الراحلة لمن لا يحتاج إليها- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: نعم، ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان أكثر من حج مع النبي- صلى اللّه عليه و آله- مشاة و لقد مر رسول اللّه بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدوا أزركم و إن استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم «2» 2- رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشى و يركب قلت: لا يقدر على ذلك؟

أعني المشي قال:

يخدم القوم و يخرج معهم «3» و لا يضر في الاستدلال به عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بذيله و هو قوله: (يخدم القوم و يخرج معهم) و منها أحاديث وردت في الاستطاعة البذلية الدالة- أيضا- على كفاية أطاقه المشي.

1- صحيح محمد بن مسلم في حديث. قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام- فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال: فان كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «4».

2- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: قلت: له من عرض عليه ما يحج به، فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يضيق أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج «5».

3- عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قلت: له من عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال: مرة فلا يستحيى و لو على حمار أبتر و إن

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(2) الوسائل- ج 2- الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2- الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(4) الوسائل- ج 2، الباب 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(5) الوسائل- ج 2، الباب 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 98

كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «1».

4- عن أبي أسامة

بن زيد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ» قال: سألته ما السبيل؟ قال: يكون له ما يحج به قلت: أ رأيت أن عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك؟ قال: هو ممن استطاع اليه سبيلا قال: و إن كان يطيق المشي بعضا و الركوب بعضا فليفعل قلت: أ رأيت قول اللّه تعالى و من كفر أ هو في الحج؟

قال: نعم، قال: هو كفر النعم؟ و قال: من ترك «2» و هذه الأخبار و إن وردت في خصوص الاستطاعة البذلية لكن الظاهر منها أنها مفسرة للاستطاعة و لا فرق في الاستطاعة بين كون المنشأ لحصولها و تحققها هو البذل أو غيره فلا عبرة بخصوصية المورد. و بالجملة هذه الاخبار تعارض مع الطائفة الأولى- الدالة بإطلاقها على عدم الفرق في اشتراط الراحلة بين من أطاق المشي و غيره- و بما أن الطائفة الثانية مختصة بمن أطاق المشي فالمتجه تقديمها على الطائفة الأولى بالأخصية و حمل الطائفة الأولى على ما هو الغالب من عدم أطاقه المشي.

و (من هنا) يعلم أنه لا وجه لحمل الطائفة الأولى على التقية- من جهة ذهاب كثير من العامة إلى اشتراط الراحلة مطلقا- فان الحمل على التقية فرع المعارضة و بعد الجمع بالإطلاق و التقييد لا تصل النوبة الى ذلك كما لا يخفى. و أيضا لا وجه لحمل الطائفة الثانية على محامل بعيدة كحملها على من استقر عليه الحج أو حملها على خصوص القريب أو حملها على الاستحباب كما هو المحكي عن الشيخ (ره) و كيف يمكن حملها على الاستحباب! مع أن في بعضها كلمة «عليه» و كثير منها واردة في تفسير الآية الشريفة فالمراد منها

هو الحج الواجب قطعا لأن الآية الشريفة إنما هي في الحج الواجب.

اللهم إلا أن يقال إن كلمة (على الناس) في الآية الشريفة إنما تكون لمطلق المحبوبية و المطلوبية أعم من أن يكون على نحو الاستحباب أو الوجوب و أن الاستطاعة أيضا أعم من الاستطاعة للحج الواجب و الاستطاعة للحج المستحب و أن الطائفة الأولى- الدالة على

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

(2) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 99

اعتبار الراحلة في تحقق الاستطاعة الشرعية- مفسرة للاستطاعة للحج الواجب و الطائفة الثانية- الدالة على عدم اعتبارها- مفسرة للاستطاعة للحج المستحب فحينئذ في الاستطاعة للحج الواجب يشترط كونه واجدا للراحلة بخلاف الاستطاعة للحج المستحب فيكفي فيها أطاقه المشي و (فيه): ما لا يخفى من البعد جدا.

مضافا الى أنه بعد تسليم كون المراد من الاستطاعة في الآية الشريفة أعم من الاستطاعة للحج الواجب و الاستطاعة للحج المستحب من أين نعلم أن الطائفة الأولى- الدالة على اشتراط الراحلة- إنما وردت في بيان الاستطاعة للحج الواجب و الطائفة الثانية- الدالة على كفاية أطاقه المشي- وردت في بيان الاستطاعة للحج المستحب و لا سبيل لنا إلى إثبات هذا المدعى بل لا حاجة الى الحمل على هذه المحامل بعد ما عرفت من أنه لا تعارض في الحقيقة بين الأخبار لأن النسبة بينهما العموم و الخصوص المطلق فيقيد إطلاق ما دل على اشتراط الراحلة بما دل على عدم اشتراطها في صورة أطاقه المشي فلا حاجة الى هذه المحامل إلا من جهة الفرار عن مخالفة المشهور في الفتوى على نحو لا يوجب طرح الأخبار

و أنت خبير أن هذه المحامل عين الطرح. نعم، ربما يتوهم معارضة الطائفة الثانية- الدالة على عدم اعتبار الراحلة، و كفاية أطاقه المشي على نحو التباين- مع ما مر من حديث السكوني و هو- قوله السلام- في ذيله: (إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن) هذا بناء على كون المراد من استطاعة البدن- الذي ذكر في منطوق الرواية- هو استطاعة المشي فقد نفى- عليه السلام- كفاية استطاعة المشي بقوله: «. ليس استطاعة البدن» فيقع التعارض بينه و بين الطائفة الثانية.

و فيه: أن الظاهر كون المراد من استطاعة البدن صحته بأن يتمكن من الركوب و السفر بدون أن يلزم منه مشقة لا يمكن تحمله عادة فقوله- عليه السلام- في حديث السكوني:

«. ليس استطاعة البدن» نفى لكفاية صحة البدن في وجوب الحج لا نفى لكفاية أطاقه المشي فيه و لا أقل من احتمال ذلك.

و بالجملة لو لا مخالفة المشهور كان المتجه التفصيل بين من أطاق المشي و غيره بلا اشكال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 100

لكن الإشكال إنما نشأ من جهة مخالفة المشهور فان ثبت لنا على نحو الجزم كون مخالفتهم من جهة الإعراض عن الطائفة الثانية- لوقوفهم على خلل في سندها المستلزم لخروجها عن أهلية التكافؤ مع الطائفة الأولى- فلا بد لنا من متابعتهم و صح الإفتاء على طبق الطائفة الأولى و هو الحكم بلزوم اعتبار الراحلة في تحقق الاستطاعة بلا إشكال، لصيرورتها بلا معارض لسقوط الطائفة الثانية حينئذ عن درجة الحجية بإعراضهم لكن لم يثبت ذلك- و من أين لنا العلم بذلك لأنه علم بالغيب الذي لا يعلم الا هو- فإنه من المحتل كون الوجه في افتائهم على طبق الطائفة الأولى هو

أنهم لم يروا الطائفة الثانية قابلة للمعارضة مع الطائفة الأولى لأجل ما مر من الاحتمالات و من المعلوم أن فهمهم ليس حجة لنا بحيث وجب علينا متابعتهم في ذلك هذا و لكن مع ذلك كله لا يحصل لنا اطمئنان القلب بمفاد الطائفة الثانية بعد عدم عمل المشهور على طبقها مع ما يحتمل قويا من كون ذلك إعراضا لهم عنها لا اعتمادا على تلك المحامل البعيدة فحينئذ لا يمكن الإفتاء بوجوب الحج على من ليس له راحلة إذا أطاق المشي لكن نقول أنه لا يترك الاحتياط بإتيان الحج و ان كان ماشيا إذا أطاق ذلك.

هذا كله على تقدير عدم التعارض بين الطائفتين من الاخبار كما بيناه من الجمع العرفي و أما على تقدير المعارضة بينهما كما هو قضية مفسرية أخبار البذل في خصوص الراحلة حتى مع المهانة و المشقة الشديدة بحيث يكون حمل المطلق على المقيد عدم المورد للمطلقات أصلا أو كونه نادرا جدا فلا يمكن الجمع بينهما فيقع التعارض و التكاذب بينهما فلا بد من الأخذ بذي المرجح منهما ان كان موجودا و الا فالمرجع هو المطلقات فتدبر.

[المسألة الثانية أدلة عدم اعتبار الراحلة في حق القريب]

قوله قده: (لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد.

نسبه كشف اللثام: إلى إطلاق الأكثر على ما هو المحكي عنه. لكن قال: في المدارك (أنه اعترف الأصحاب في حق القريب بعدم اعتبار الراحلة له إذا أطاق المشي). و قال في المنتهى على ما حكاه صاحب المدارك: (المكي لا يعتبر الراحلة في حقه و يكفيه التمكن من المشي)، و لعل مراده من المكي مطلق القريب و كذا كل من عبر بهذا التعبير. و أيضا حكى فيه عن التذكرة: (أنه صرح بأن القريب إلى مكة لا يعتبر

في حقه وجود الراحلة إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 101

لم يكن محتاجا إليها).

قال في المدارك: (و هو جيد، لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء و الرجوع الى اعتبار المشقة و عدمها جيد الا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة و لا نعلم به قائلا).

و في الجواهر بعد اختياره عدم اعتبار الراحلة للقريب إذا أطاق المشي من دون مشقة يعتد بها قال: (بل أجد فيه خلافا).

و كيف كان فالتحقيق أن يقال: بعدم الفرق في اعتبار الراحلة بين القريب و البعيد كما أفاده المصنف (قده) فان قلنا في حق البعيد بالتفصيل بين من أطاق المشي و غيره- في الحكم بعدم اعتبار الراحلة في الأول دون الثاني- قلنا بذلك أيضا في حق القريب و أما إن لم نقل به في حق البعيد- لطرح ما دل على ذلك التفصيل من الروايات أو حملها على الاستحباب أو على من استقر عليه الحج- فلا بد في حق القريب أيضا من الالتزام باعتبارها مطلقا و ذلك لإطلاق الأدلة المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة و لكن يمكن الاستدلال على الفرق بينهما بوجهين:

(الأول)- دعوى انصراف الأخبار- الدالة على اعتبار الراحلة- إلى البعيد و فيه: منع ثبوته أولا و على فرض تسليمه فبدوى ثانيا فلا عبرة به لأن الانصراف انما يقبل إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا للواضح و مفروض المقام ليس كذلك قطعا كما لا يخفى.

(الثاني)- دعوى أن مقتضى الجمع بين الأخبار- الدالة على اعتبار الراحلة- و الأخبار الدالة على كفاية أطاقه المشي- هو حمل الطائفة الأولى

على البعيد و الطائفة الثانية على القريب فيتجه ما مضى من الفرق- بين القريب و البعيد- في الحكم بعدم اعتبار الراحلة في حق القريب دون البعيد. و فيه: ما عرفت مفصلا من أن الطائفة الأولى مطلقة دون الطائفة الثانية لاختصاصها بمن أطاق المشي فمقتضى الجمع بينهما تقييد الطائفة الأولى بالطائفة الثانية كما حققنا في الفرع السابق فيتجه التفصيل بين من يطيق المشي و من لا يطيقه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 102

في الحكم باعتبار الراحلة في حق الأول دون الثاني بلا فرق بين القريب و البعيد فعلى ذلك لا يبقى مجال بحمل الطائفة الثانية على القريب كما لا يخفى.

ثم لو شك في اعتبارها في حق القريب بالخصوص أو في حق مطلق من أطاق المشي و فرض عدم قيام دليل تعبدي بالخصوص على اعتبارها فهل المرجع هو الإطلاقات أو البراءة.

يمكن القول بالثاني بتقريب: أن الاستطاعة في الآية الشريفة- مع قطع النظر عن الاخبار المفسرة لها- ظاهرة في الاستطاعة العقلية كما بيناه سابقا و لكن بالنظر الى الأخبار المفسرة لها يعلم أن المراد منها هو الاستطاعة الشرعية و لو لا بيان الشارع لها لكانت مجملة كما لا يخفى و على هذا فكل ما بينه الشارع دخالته في تحققها فيأخذ به و كل ما لم يبين دخالته فيها و لا عدم دخالته فيها فحينئذ في صورة العلم بعدم دخالته فيها فلا كلام.

و أما في صورة الشك فلا يمكن رفعه و الحكم بوجوب الحج بالتمسك بإطلاقات أدلة الاستطاعة لكونها مجملة فالمرجع حينئذ هو البراءة لرجوع الشك في ذلك الى الشك في أصل وجوب الحج عليه و عدمه و مقتضى البراءة عدم وجوبه عليه كما لا يخفى.

لكن التحقيق: أن

هذا التقريب إنما يتم إذا كانت الأخبار المفسرة لها مجملة أيضا ففي مورد الشك لا يمكن التمسك بإطلاق أدلة وجوب الحج على المستطيع لكونه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

لكن الأخبار المفسرة لها ليست مجملة فمهما شككنا في دخالة شي ء زائدة في الاستطاعة كان المرجع إطلاق نفس الأخبار المفسرة لها و لا تصل النوبة الى الأصل العملي المتأخرة عن الأصل اللفظي كما لا يخفى.

و كيف كان ففي خصوص ما نحن فيه قد عرفت ما قلنا من أن مقتضى الجمع بين الأخبار التفصيل بين من أطاق المشي و غيره بلا فرق بين القريب و البعيد.

[المسألة الثالثة عدم اعتبار وجود عين الزاد و الراحلة]

قوله قده: (لا يشترط وجودهما عينا عنده بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال.

بلا خلاف في ذلك، لصدق الاستطاعة المفسرة بأن يكون له ما يحج به و كما يصدق عنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 103

المستطيع على من كان واجدا لهما عينا، كذلك يصدق على من كان واجدا لأعيان لو باعها كفى ثمنها لهما ذهابا و إيابا. و نظير ذلك، ما إذا توقف سفره على جواز السفر، فان تحصيله لا يعد تحصيلا للاستطاعة، بل هو من المقدمات الوجودية كتحصيل المركب و نحوه و ذلك كله واضح.

[المسألة الرابعة عدم ملاحظة الشرف بالنسبة إلى الراحلة]

قوله قده: (و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوة و الضعف بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة و الشرف كما و كيفا.

قال في الجواهر بعد ذكر كلام المحقق (ره): «و المراد في الراحلة راحلة مثله»:

(كما في (عد) و ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة؛ و الضعف؛ و الشرف؛ و الضعة؛ كما عن (كرة) التصريح به. لكن في كشف اللثام: الجزم بها في الأولين دون الأخيرين، لعموم الآية، و الأخبار، و خصوص قول الصادق- عليه السلام- في صحيح أبي بصير (من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى، فهو مستطيع). و نحوه غيره.

و لأنهم- عليهم السلام- (ركبوا الحمير و الرزامل). و اختاره في (ك) كذلك أيضا.

بل هو ظاهر (س) قال: (و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب، فلا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل و الكنيسة فإن النبي- صلى اللّه عليه و آله و سلم- و الأئمة- عليهم السلام- حجوا على الرزامل). إلا أن الإنصاف عدم خلوه عن الإشكال مع النقص في حقه إذ فيه من

العسر و الحرج ما لا يخفى و حجهم- عليهم السلام- لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك).

التحقيق: أنه لا إشكال في مراعاة حال الشخص بالنسبة إلى الراحلة قوة و ضعفا بحيثية لا يوجب الحرج عليه، و ذلك لحكومة أدلة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات، فان تعسر عليه الركوب على الراحلة مثلا بدون المحمل- لضعفه- اعتبر في استطاعته أن يكون واجدا له عينا أو قيمة كما أنه لا إشكال في مراعاة حال الشخص قوة و ضعفا بالنسبة إلى الزاد لما عرفت من حكومة أدلة نفى العسر و الحرج.

و أما مراعاة حاله ضعة و شرفا بالنسبة إلى الراحلة فالظاهر عدمها، لما تقدم من الأخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 104

المصرحة: بأنه (ما شأنه يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر) على ما عرفت من أنها و إن كانت واردة في مورد البذل لكن الظاهر منها أنها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شي ء حصولها.

و أما حمل تلك الاخبار على محامل بعيدة- كحملها على بيان فضل الحج و استحبابه، أو على من استقر عليه الحج،- فقد مر مفصلا أنه ليس على ما ينبغي و نحو ذلك حملها على فرض عدم كون ركوبه على حمار أجدع عسريا عليه، فان تلك الاخبار كالصريح في خلاف ذلك و (من هنا) يعلم أنه لا يصح التمسك- على اعتبار ملاحظة حاله ضعة و شرفا- بأدلة نفى العسر و الحرج لأنها مخصصة بهذه الأخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا-

[المسألة الخامسة إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا]

قوله قده: (إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكن تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و

شربه و غيرهما من بعض حوائجه، هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه و ان كان أحوط.

في هذه المسألة وجهان بل قولان.

(أحدهما):- ما ذهب اليه المصنف (قده) من عدم وجوب الحج عليه لأنه لا يتحقق الحكم إلا بعد تحقق موضوعه جامعا للشرائط و المفروض عدم وجود الزاد له بالفعل و وجوده فعلا يكون دخيلا في صدق الاستطاعة فإنها قد فسرت في الاخبار المتقدمة- الواردة في تفسيرها- بالزاد و الراحلة فلا تصدق الاستطاعة الفعلية على مثل هذا الشخص الذي كون واجدا للقوة التي يتمكن بها أن يحصل الزاد في طريقه الى الحج و تحصيلها غير واجب، فتكون المسألة خارجة عن مورد الآية الشريفة و الاخبار.

و (ثانيهما): ما ذهب اليه صاحب المستند (ره) من وجوبه عليه لصدق الاستطاعة و الوجه في ذلك: هو أنه و ان لم يكن واجدا لعين الزاد فعلا لكنه على أى حال يحصل الزاد في طريقه الى الحج في كل يوم لأكله، و شربه، و غيرهما، بلا فرق في ذلك بين كونه في الحضر، أو السفر على ما هو المفروض، ففي كل زمان هو واجد لزاد خصوص ذلك الزمان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 105

الى آخر الأعمال و الى أن يرجع الى وطنه هذا بالنسبة إلى الزاد.

و (أما الراحلة) فالمفروض أنه واجد لها- كما أن المفروض تحقق باقي الشرائط له أيضا فعليه الحج و هذا هو الأحوط كما أن الأحوط إعادة الحج عليه إذا حصلت له الاستطاعة بعد ذلك إلا أن يفرض انه كان من أول الأعمال واجدا للزاد بلا احتياج الى الكسب و ان كان في الطريق محتاجا إليه.

[المسألة السادسة في عدم اعتبار الاستطاعة من البلد]

قوله (قده): (إنما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده.).

لا كلام لنا

في ذلك لعدم دخل المكان في تحقق الموضوع لا على نحو السببية التامة و لا على نحو جزء السبب، بل المدار إنما هو على حصول المكنة و الاستطاعة فلو حصل له ذلك العنوان- في أي مكان و لو قبيل الميقات- وجب عليه الحج لتمامية الموضوع، فالعراقي إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه و ان لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق فما أفاد المصنف (قده) متين جدا.

و أما إذا استطاع بعد الإحرام و كان أمامه ميقات آخر فهل يكون حجة حجة الإسلام لتحقق الاستطاعة له أولا؟ الحق هو الثاني و ذلك لأن صيرورة حجه حجة الإسلام موقوف على تحقق الاستطاعة له من أول الأعمال إلى آخرها لعدم كون صرف الوجود من المال و لو في أثناء الأعمال موضوعا للوجوب كي يحكم بالأجزاء فيما إذا حصلت له الاستطاعة بعد إحرامه فلا يكون حجة حجة الإسلام لأن المفروض عدم كونه مستطيعا حين إحرامه و لا فائدة في وجود ميقات آخر أمامه، فإنه ليس له تجديد إحرامه في الميقات الثاني، لأنه (لا إحرام في إحرام) نعم لو قلنا إن الإحرام شرط للحج- لا جزء من أعماله- أمكن القول بالأجزاء بلا فرق بينما إذا كان أمامه ميقات آخر أولا فهذا نظير من حصل له بعض شرائط صحة الصلاة قبل تمامية شرائط وجوبها ثم تمت شرائط وجوبها.

[المسألة السابعة إذا كان من شأنه ركوب المحمل]

قوله (قده): (إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب.).

هذه المسألة إلى آخرها ساقطة لما عرفت فيما تقدم من عدم اعتبار الشأن و الشرف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 106

في الراحلة.

[المسألة التاسعة في اعتبار نفقة العود كاعتبار الزاد]

قوله (قده): (لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط بل يشترط وجود نفقة العود الى وطنه إن أراده.).

قال في الشرائع: (و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب ذهابا و عودا).

و قد صرح في التذكرة و المنتهى بلزوم اعتبار نفقة العود على ما حكاه صاحب المدارك طاب ثراه- محتجا: (بأن في التكليف بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة و حرجا عظيما فيكون منفيا) و استحسنه في المدارك مع فرض تحقق المشقة.

و تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال إنه لو كان المدرك في هذا الحكم- و هو لزوم اعتبار كفاية العود في تحقق الاستطاعة- خصوص قاعدة نفى العسر و الحرج صح القول بلزوم اعتبارها مع فرض الحرج و المشقة في الإقامة في غير بلده. و أما إذا أمكنه الإقامة في مكة من دون أن يلزم بقائه فيها الحرج و المشقة فلا يشترط ذلك. لكن الحق أن الدليل في هذا الحكم- ليس منحصرا في أدلة نفى العسر و الحرج بل نفس الأخبار الواردة- الدالة على لزوم اعتبار الزاد و الراحلة في تحقق الاستطاعة- تدل على لزوم اعتبار نفقة العود، و ذلك لأن الأخبار المفسرة للاستطاعة- بالزاد و الراحلة- مطلقة لم يقيد اعتبارهما بخصوص الذهاب دون الإياب و أنت ترى أنه لو قال المولى لعبده: (اذهب الى السفر الكذائي ان كان لك الزاد و الراحلة) فالمتفاهم العرفي من ذلك إنما هو وجدانه للزاد و الراحلة ذهابا و

إيابا لا ذهابا فقط و على هذا فلو أراد الرجوع الى وطنه يعتبر في وجوب الحج عليه أن يكون واجدا لنفقة العود أيضا سواء كان تركه للرجوع الى وطنه حرجا عليه أم لا.

نعم، لو لم يرد الرجوع فلا يعتبر ذلك في حقه. و أما لو أراد الرجوع من مكة و لكن لا الى وطنه بل الى بلد آخر فحينئذ ان كان مصرف رجوعه الى البلد الآخر أقل من مصرف الرجوع الى بلده أو مساويا له كفى كونه واجدا له و ان كان أزيد فإن كان حرجا عليه اشترط أيضا كونه واجدا له، و الا فيكفي كونه واجدا لمؤنة العود الى وطنه و ان لم يكن واجدا لمؤنة الذهاب الى ذلك البلد.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 107

[المسألة العاشرة مستثنيات الحج]

قوله (قده): (لكن يستثني من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا خادمه المحتاج اليه و لا ثياب تجمله اللائقة بحاله.

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل ادعى عليه الإجماع كما عن المعتبر؛ و التذكرة؛ و المنتهى؛ و يمكن الاستدلال عليه بوجهين:

(الأول)- ما ورد في بعض الأخبار من ذكر عنوان اليسار، و يأتي ذكره- إنشاء اللّه تعالى- في مبحث اعتبار الرجوع الى الكفاية.

و لكن يمكن المناقشة في ذلك بان الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة- المفسرة لها بالزاد و الراحلة في الحقيقة- مفسرة لليسار بها فإن الأخبار يفسر بعضها بعضا، فيكون المراد من اليسار- بالنظر الى تلك الأخبار- هو الزاد و الراحلة دون غيرهما ما لم يقم دليل على الخلاف و منه يعلم المناقشة أيضا في التمسك بما في حديث أبي الربيع الشامي الآتي ذكره- إنشاء اللّه تعالى- في

مبحث اعتبار الرجوع الى الكفاية من ذكر عنوان (السعة).

نعم، المراد من السعة في ذلك الحديث ما يشمل قوت عياله قبل رجوعه عن الحج و بعده على ما هو مورد الحديث و مفروضه و أما استفادة استثناء المستثنيات منه فيشكل بما عرفته.

(الثاني)- قاعدة نفى العسر و الحرج و هذا الوجه لعله أخص من الوجه الأول لدلالته على استثنائها في خصوص ما إذا لزم العسر و الحرج من عدم استثنائها و أما استثناء مطلق ما يكون لائقا بحاله- من الثياب و الخادم و غيرهما- و لو مع عدم لزوم العسر و الحرج فلا. و لكن، لو تم الوجه الأول لأمكن القول باستثناء مطلق ما يكون لائقا بحاله لدخوله في مفهوم اليسار و السعة كما لا يخفى.

ثم إن تمام الكلام في استثناء ما ذكروه من المستثنيات بقاعدة نفى العسر و الحرج يكون بذكر أمور:

(الأول)- أن من الواضح أنه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه لإمكانه أن يبيع بعضها و يحج بثمنه مع كمال الراحة. نعم، ذلك مستلزم لأمر حرجي و هو فقده لما يحتاج إليه في معيشته فالحرج ليس ثابتا في أصل حجة بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 108

يكون ثابتا في لازمه كما هو واضح.

و (من هنا) يشكل الأمر في التمسك بقاعدة نفى العسر و الحرج في إثبات عدم وجوب الحج عليه. و ذلك لان ما ثبت في الشريعة هو نفى الحكم الحرجي و المفروض أن وجوب الحج ليس حكما حرجيا عليه حتى يكون منفيا بها و إنما الحرج في لازمه، و هذا الإشكال سار في كل ما إذا كان الحج مستلزما لأمر حرجي. نعم إذا كان نفس أعمال

الحج حرجيا عليه يندفع وجوبه بها. و بالجملة، بعد أن لم يكن نفس الحج حرجيا عليه لا يمكن رفع وجوبه بقاعدة نفى العسر و الحرج من جهة توقفه على صرف بعض المستثنيات، أو الرواح متسكعا، أو استلزامه لأمر آخر حرجي، لما عرفت من أن ما تعلق به الحكم غير حرجي و ما هو حرجي لم يتعلق به الحكم.

و (الجواب) عن الإشكال: هو أن قاعدة نفى العسر و الحرج و ان لم نقل بجريانها بالنسبة إلى نفس وجوب الحج لما ذكر، و لكن لا إشكال في جريانها بالنسبة إلى صرف ما احتاج اليه من المستثنيات و يحكم بعدم وجوب صرفها فيه لكون المفروض أن صرفها فيه يوجب الحرج عليه فينفى بقاعدة نفى العسر و الحرج- كما تجري أيضا تلك القاعدة بالنسبة إلى نفس الذهاب متسكعا- و جريانها بالنسبة إلى صرف المستثنيات دليل على أن المراد مما في الأخبار من اشتراط كونه واجدا للزاد و الراحلة في وجوب الحج هو وجدانه لهما زائدا على ثمن المستثنيات لأن شمول الزاد و الراحلة لثمنها- بان يجعل ثمنها زادا أو راحلة- مناف لجريان قاعدة نفى العسر و الحرج بالنسبة إلى تلك المستثنيات كما لا يخفى.

و إن شئت (قلت): إن صرف ما يكون محتاجا اليه من المستثنيات، أو الذهاب متسكعا يكون مقدمة للحج و كلاهما حرجي، و قاعدة نفى العسر و الحرج إنما تجري فيما يكون رفعه بيد الشارع و وجوب المقدمة و ان لم يكن بنفسه قابلا لأن يرفعه الشارع لكن يكون رفعه بيد الشارع برفع منشئه و هو وجوب ذي المقدمة.

(الثاني)- أنه لا إشكال في أن المراد من العسر و الحرج هو الزائد على أصل مشقة السفر و الحج،

و إلا فجميع التكاليف فيها مقدار ما من المشقة. و لا إشكال أيضا في أنه ليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 109

المراد منهما هو المرتبة العليا بحيث يصل الى حد انتفاء القدرة، بل المراد منهما هو مقدار من المشقة زائدا على أصل مشقة التكليف بحيث يعد ذلك عرفا عسرا و حرجا. و له مراتب مختلفة و ربما يحصل الشك في صدق العسر و الحرج فان جميع المفاهيم العرفية قد يقع الشك في بعض مواردها، كما ترى ذلك (في الماء) الذي هو من أوضح المفاهيم عند العرف. هذا. و لا يمكن تحديد مقدار العسر و الحرج بما في حديث عبد الأعلى الوارد في مسح من انقطع ظفر إصبعه و وضع عليه المرارة- لأنه لا يدل على عدم تحقق العسر و الحرج فيما إذا كانت المشقة فيه أقل مما في مفروض الحديث من المشقة.

و منه يعلم أنه لا يمكن أيضا تحديد مفهوم العسر و الحرج بالنظر الى الأحكام الحرجية الثابتة في الأمم السابقة- المنتفية في هذه الشريعة المقدسة- فإن ذلك لا يدل على عدم ارتفاع ما يكون أقل من تلك الأحكام مشقة كما لا يخفى.

و الحاصل: أن مفهوم العسر و الحرج لم يثبت له تحديد خاص فربما يقع الشك فيه و إذا وقع الشك فيه فيقع الكلام في أنه هل يمكن التمسك بإطلاق ما دل على وجوب الحج على من كان واجدا للزاد و الراحلة أو لا؟

تنقيح هذا مبتن على أنه هل يصح التمسك في صورة الشك بالعام إذا كان المخصص المنفصل مرددا مفهوما بين الأقل و الأكثر أو لا؟ و قد أثبتنا في محله: أن الحق هو الثاني لما حققناه من أن مرجع التخصيصات العنوانية

في الشريعة إلى التقييد و ان سميت بالتخصيص و على هذا فالمرجع في صورة الشك هو البراءة من وجوب الحج.

(الثالث)- أنه إذا لم يكن له زاد و راحلة زائدا على المستثنيات و لكن مع ذلك صرف بعضها منها في زاد السفر و راحلته و تحمل ما توجه عليه من العسر و الحرج في صرف ما يحتاج إليه في معيشته في مصرف حجه فهل يكون حجه كذلك مجزيا عن حجة الإسلام أو لا؟

ان قلنا ان حج غير المستطيع مجز عن حجة الإسلام- إلا في الصبي و العبد لورود النص فيهما- فلا إشكال في الإجزاء فيما نحن فيه لكن الكلام انما هو بناء على أن حج غير المستطيع غير مجز عن حجة الإسلام كما هو الحق و أنه مع ذلك هل يصح الالتزام بالأجزاء في الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 110

المفروض أو لا؟.

يمكن أن يقال بالأجزاء، و ذلك لأن استثناء المستثنيات في الحج انما ثبت بدليل نفى العسر و الحرج و دليل نفى العسر و الحرج امتنانى فلا ينفى به الا الإلزام و أما الملاك فهو ثابت في عمله. و إلا فلم يكن في انتفاء الوجوب امتنان له و الحكم بوجوب الإعادة عليه خلاف الامتنان كما لا يخفى فإذا لو حج و استلزم صرف ما يحتاج إليه في معيشته فلوجود الملاك في عمله يحكم باجزاء حجه عن حجة الإسلام فهذا نظير ما إذا كان الوضوء حرجيا عليه و تحمل الحرج بناء على ما هو الحق من صحة وضوئه هذا.

يمكن أن يقال أنه فرق بين المحل المفروض و مسألة الوضوء و هو أنه لا إشكال في أن وجدان الزاد و الراحلة حسب ما يستفاد من الأخبار

المتقدمة موضوع لوجوب حجة الإسلام و قد مر: أن جريان قاعدة نفى العسر و الحرج في المستثنيات دليل على أن المراد من وجدانهما هو وجدانهما مع قطع النظر عنها و بضم هاتين المقدمتين يتحصل أن موضوع حجة الإسلام ليس مطلق الزاد و الراحلة بحيث يشمل الزاد و الراحلة الحاصلين من ثمن المستثنيات بل الموضوع هو الزاد و الراحلة زائدا عليها فمن لم يكن له ذلك ليس حجة حجة الإسلام لانتفاء موضوعها. نعم، لو كان الحرج في نفس أعمال الحج صح تنظيره بمسألة الوضوء.

هذا و لكن فيما ذكرنا من تقريب عدم الإجزاء إشكال سيأتي بيانه- إنشاء اللّه تعالى- عند ذكر المصنف (قده) لمسألة إجزاء حج الغير المستطيع عن حجة الإسلام و عدمه

[المسألة الحادية العشرة لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه]

قوله قده: (لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه و كان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحج أو متممة لها.

لا إشكال في صدق عنوان المستطيع عليه الا إذا فرض احتياجه إلى إجارة داره المملوكة للرجوع إلى الكفاية أو فرض أن انتقاله منه الى داره المملوكة حرج عليه و ذلك واضح كما أن من الواضح عدم وجوب نفس بيع داره المملوكة عليه فله أن يحج متسكعا لما بينا سابقا ان صرف المال في الحج ليس واجبا فلو لم بيع داره و حج متسكعا لم يكن عليه أثم و كان حجه مجزيا و على هذا فما ذكره المصنف (قده)- من قوله: «الظاهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 111

وجوب بيع داره المملوكة»- بظاهره غير صحيح. و الظاهر مراده ما ذكرنا من أنه داخل في عنوان المستطيع فلو فرضنا أنه لا يمكنه الحج إلا ببيع داره المملوكة وجب ذلك عليه

من باب المقدمة الوجودية.

[المسألة الثانية عشرة لو كانت المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب القيمة]

قوله (قده): (لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة و أمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقة بحاله أيضا فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان من صدق الاستطاعة، و من عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل. و الأقوى الأول إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه و كانت الزيادة معتدا بها الى. أن قال: نعم لو كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها، أمكن دعوى عدم الوجوب و ان كان الأحوط التبديل أيضا.).

ما اختاره المصنف (قده) من صدق عنوان المستطيع على مثل هذا الشخص فحكم بوجوب الحج عليه مما لا إشكال فيه لكونه واجدا لما يحج به و أما ما ذكره (قده) في ذيل المسألة من التفصيل- بينما إذا كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها فيمكن القول بعدم وجوب الحج عليه و ما إذا لم يكن كذلك- فغير صحيح و ذلك لأن بعد فرض كون تلك الزيادة القليلة متممة لنفقة الحج على ما هو مفروض المسألة لا إشكال في كونه واجدا لما يحج به.

[المسألة الثالثة عشرة عدم جواز شراء المستثنيات و ترك الحج]

قوله قده: (إذا لم يكن عنده من الأعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراءها به من النقود أو نحوها ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال. بل الأقوى عدم جوازه، إلا أن يكون عدمها موجبا للحرج عليه. فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه، و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة. و ان لم تكن موجودة لا يجوز شراءها إلا مع لزوم الحرج في تركه و لو كانت موجودة و باعها

بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحج فحكم ثمنها حكمها و لو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحج إلا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها.،

قد عرفت فيما تقدم أن المدرك في استثنائها هو قاعدة نفى العسر و الحرج و بناء عليه لا فرق في الحكم بذلك بينما إذا كان واجدا لأعيان المستثنيات أو كان واجدا لثمنها فإن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 112

الأمر بناء عليه دائر مدار لزوم العسر و الحرج فكما يحكم باستثنائها بالنسبة الى من كان واجدا للأعيان في صورة ما إذا كان بيعه لها مستلزما للحرج عليه دون صورة عدمه كذلك يحكم بذلك بالنسبة الى من كان واجدا لثمنها لو كان تركه لشراء الأعيان مستلزما للحرج عليه دون صورة عدمه و ذلك لكون المدرك في كليهما واحد فما أفاده المصنف (قده) من التفصيل- بينما إذا كان واجدا للأعيان أو كان واجدا لثمنها فعلى (الأول) تكون الأعيان مستثناة بمجرد تحقق الحاجة إليها و على (الثاني) لا يكون ثمنها مستثناة ما لم يصل الى حد الحرج- ليس بصحيح فان الميزان في كليهما واحد و هو لزوم الحرج و عدمه. ثم، لو كان واجدا للأعيان و باعها ففي ثمنها أيضا يتأتى عين هذا الكلام فيكون ثمنها أيضا مستثناة مع لزوم الحرج و عدمه مع عدم لزومه بلا فرق في ذلك بينما إذا كان بيعه لها بقصد التبديل أو لم يكن كذلك فما أفاده المصنف (قده) من التفصيل بينهما- بأنه لو كان باعها بقصد التبديل كان ثمنها مستثناة بمجرد تحقق الحاجة و لو لم يكن باعها بقصد التبديل فيجب صرف ثمنها في الحج الا مع لزوم

الحرج، أيضا- غير صحيح. و العجب من المصنف (قده) حيث أنه تمسك في أصل مسألة استثناء المستثنيات بقاعدة نفى العسر و الحرج و في هذه المسألة فصل بين الفروع مع أن المدرك في الجميع واحد سواء تمسكنا بقاعدة نفى العسر و الحرج كما فعله المصنف (قده) و اخترناه أم تمسكنا بما في بعض الأخبار من عنوان اليسار و السعة.

[المسألة الرابعة عشرة تقديم الحج على النكاح]

قوله قده: (إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج و نازعته نفسه الى النكاح صرح جماعة بوجوب الحج و تقديمه على التزويج. بل قال بعضهم و ان شق عليه ترك التزويج و الأقوى وفاقا لجماعة أخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجا عليه، أو موجبا لحدوث مرض، أو للوقوع في الزنى و نحوه.

قال في الشرائع: (لو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه الى النكاح لم يجز صرفه فيه و ان شق عليه تركه و كان عليه الحج).

و قال في الجواهر بعد نقل كلام المحقق- طاب ثراه-: (كما في القواعد؛ و محكي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 113

المبسوط؛ و الخلاف؛ و التحرير؛ لصدق الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج الذي لا يعارضه النكاح المستحب. بل في الثلاثة الأخيرة: و إن خاف العنت خلافا لبعض العامة في الأخير.

بل في محكي (ير): (أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح). و نحوه في (س)، و محكي (هي). بل في المدارك عنه تقديمه في المشقة العظيمة التي لا تتحمل في العادة و في الخوف من حدوث مرض، أو الوقوع في الزنا. و هو جيد كما هو خيرة السيد المزبور. وجده. و الكركي على ما قيل، لما تقدم من نفى الضرر و الضرار و الحرج و نحو ذلك).

و

لا يخفى: أن مع فرض لزوم العسر و الحرج من تركه الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه. و أما لو فرضنا عدم لزوم العسر و الحرج من تركه للنكاح و لكن كان له العلم بأنه لو لم يصرف أمواله في مصرف النكاح لوقع في الزنا اختيارا فهل يتعين عليه الحج أو له تركه و صرف أمواله في النكاح فرارا عن الوقوع في الزنا؟

الأقوى في النظر هو الأول لأن المفروض عدم كون ترك النكاح حرجا عليه.

و أما وقوعه في الزنا فهو مستند الى سوء اختياره كما لا يخفى. فلا وجه لسقوط وجوب الحج عنه فعليه أن يحج كما أن عليه ترك الزنا.

هذا كله بعد فرض تحقق جميع شرائط وجوب الحج له. و أما لو لم يكن كذلك لفقد بعض شرائطه غير وجدان المال و فرض أنه صرف أمواله في مصرف النكاح ثم بعد ذلك حصل له ذلك الشرط فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه حينئذ لفقده الاستطاعة المالية كما لا يخفى. و لو كانت له زوجة دائمة و نفقتها تمنع عن ذهابه الى الحج لعدم وفاء ماله لمؤنة حجه و نفقة زوجته معا لم يجب عليه طلاقها و ان لم يكن في طلاقها حرج عليه فان ذلك يعد تحصيلا للاستطاعة و هو غير واجب.

[المسألة الخامسة عشرة فيما إذا كان له دين بمقدار مؤنة الحج]

قوله قده: (إذا لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مؤنته أو ما تتم به مؤنته فاللازم اقتضائه و صرفه في الحج إذا كان الدين حالا و كان المديون باذلا لصدق الاستطاعة حينئذ.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 114

قال في الشرائع: (لو كان له دين و هو قادر على اقتضائه

وجب عليه).

توضيح المقام هو أن دينه (تارة) يكون حالا و (اخرى) يكون مؤجلا أما الأول:

(فتارة) يكون أخذه منه مستلزما للعسر و الحرج فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه و (أخرى) لا يكون أخذه منه مستلزما لذلك و حينئذ (تارة) يتوقف أخذه منه على صرف المطالبة و السؤال من دون مشقة و (اخرى) يكون فيه مقدار من المشقة الذي لم يبلغ الى حد العسر و الحرج كما إذا استلزم المرافعة إلى حاكم الشرع بلا حرج في ذلك و كذا إذا توقف استيفائه على الرجوع الى حاكم الجور بناء على ما هو الحق من جواز الرجوع اليه لاستنقاذ الحق الثابت لا لإثبات الحق و الأقوى في النظر في كلتا الصورتين وجوب الحج عليه وفاقا للمصنف و صاحب المدارك- قدس سرهما- و ذلك لصدق الاستطاعة فإنها قد فسرت في النصوص الواردة في تفسيرها بأن يكون له ما يحج به و في كلتا الصورتين لا إشكال في صدق أن له ذلك لعدم الفرق في شمولها بينهما إذا كان ما يتوقف عليه الحج موجودا عنده، أو كان عند غيره أو كان في ذمة غيره و لكن كان أخذه منه محتاجا إلى المطالبة و ليس طلب ماله منه تحصيلا للاستطاعة كما لا يخفى بل هو كأخذ ماله من صندوقه مقدمة وجودية للواجب و فرض توقفه على مشقة في بعض الأحيان ليس إلا كفرض توقف أخذ المال الموجود في صندوقه على وجدان المفتاح بالفحص بأن فرضنا أنه قد ضل و يكون في الفحص عنه أو تحصيل مفتاح آخر مقدار من المشقة. و لم يقل أحد بعدم وجوب الحج في هذا المثال، فكذلك في المحل المفروض بلا فرق، و كما إذا كان

له مال في بلد آخر و توقف أخذه إلى الحوالة مع مقدار من المشقة، فيحكم في المحل المفروض بوجوب الحج عليه، لصدق عنوان المستطيع عليه فلا يقاس ما نحن فيه بالاستيهاب كما هو واضح.

هذا كله إذا كان الدين حالا. و أما إذا كان مؤجلا فالأقوى عدم وجوب الحج عليه حينئذ و لا يجب مطالبته عليه حتى مع فرض عدم استلزامها العسر و الحرج. بل مع فرض عدم لزوم المشقة و لو قليلا، و ذلك لأن المطالبة منه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. و الفرق بين الصورتين هو أن في الصورة السابقة كان له السلطنة شرعا على أخذ ماله من المديون و لو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 115

جبرا، فيصدق عليه عنوان أن «له ما يحج به» و أما في هذه الصورة فليس له شرعا ذلك.

و قد عرفت أن الاستطاعة قد فسرت في النصوص بكونه واجدا لما يحج به، و هذا الشخص و ان يصدق عليه أن له مالا لاشتغال ذمة المديون بماله، لكنه لا يصدق عليه عنوان أنه واجد لما يحج به، لعدم السلطنة له شرعا على ذلك المال و لو كان قادرا على المشي و عدم صرف المال، و ذلك لأن المعتبر في تحقق الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج هو وجود مال يحج به، و ليس صرفه دخيلا في تحققها و قد مر تحقيقه في محله مفصلا و قلنا: إن لزوم صرف المال في صورة توقف المسير عليه إنما هو من باب المقدمة الوجودية. و هذا بخلاف واجديته لنفس المال لدخله في موضوع الحكم كما هو واضح. نعم، في مثل مفروض المقام مع الوثوق بتمكن المديون من الأداء يمكن القول بوجوب الاقتراض في

فرض توقف المسير على صرف المال لتوقف الإتيان بالواجب عليه، فيصير الاقتراض حينئذ من المقدمات الوجودية لا من المقدمات الوجوبية كما لا يخفى، لأن العرف يرونه متمكنا و واجدا حينئذ. فعلى هذا لا يبقى مجال لما قيل في المقام: بأنه بعد مطالبة ماله من المديون و أخذه منه يحصل له السلطنة عليه و جواز التصرف، و لكنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. نظير المحجور عن التصرف الذي لا كلام فيه أن رفع الحجر عن التصرف يكون من تحصيل الاستطاعة.

و (من هنا يعلم) صحة ما قيل: إن المديون لو بذل المال قبل حلول الأجل، فالظاهر وجوب الحج عليه، لتحقق موضوعه. نعم، أن ما قيل إنما يتم في الموارد التي يتوقف تحصيل المال على عمل حتى مثل القبول في الهبة.

[المسألة السادسة عشرة لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال]

قوله قده: (لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

بلا كلام في ذلك قال في الشرائع: (و لا يجب الاقتراض للحج إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثناه). و وافقه صاحب الجواهر و غيره فعلى هذا لو اقترض و حج لم يجز حجه عن حجة الإسلام سواء كان واثقا بأدائه أم لا و ذلك لعدم صدق عنوان المستطيع عليه كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 116

قوله قده: (نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا، أو مال حاضر لا راغب في شرائه، أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل، و أمكنه الاقتراض و الصرف في الحج ثم وفائه بعد ذلك، فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ

عرفا. إلا إذا لم يكن واثقا لوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك.

قال في الشرائع: (و لا يجب الاقتراض للحج، إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثناه). و قال في المدارك: (و لقد أحسن الشهيد (ره) في الدروس حيث قال: (و يجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله و كان وافيا بالقضاء و تخييرا إذا أمكن الحج بماله و يستفاد من وجوب الاستدانة إذا تعذر بيع ماله أنه لو كان له دين مؤجل يكفي للحج و أمكنه اقتراض ما يحج به كان مستطيعا و هو كذلك لصدق التمكن من الحج).

و وافقه في ذلك صاحب الجواهر (ره). و خالفهم في ذلك صاحب المنتهى- رضوان اللّه تعالى عليه- على ما يظهر من محكي كلامه حيث قال: (من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا الى بعد فواته سقط عنه الحج لأنه غير مستطيع).

لا كلام لنا في ذلك لكونه الموافق للقواعد المستفادة من النصوص الواردة في تفسير الاستطاعة و أما ما أفاده صاحب المنتهى- رضوان اللّه تعالى عليه- فقابل للمناقشة لعدم تمامية ما قيل من الوجه حتى في صورة الاطمئنان و الوثوق بإمكان الأداء و العلم ببقاء المال الى زمان الذي استفدنا لزوم بقاءه من الروايات مثل الاستطاعة البدنية و غيرها مما له الدخل في تمامية موضوع وجوب الحج حدوثا و بقاء إلى مدة معينة حسب ما بينا في محله من الاختلاف فيها فمع فرض وجود المال على النحو الذي اعتبرناه فلا إشكال في فعلية الموضوع مع فرض وجود جميع الشرائط، فلا يكون الاقتراض حينئذ في مثل مفروض المقام إلا لأجل تحصيل المقدمة الوجودية المنحصرة لو لم يتمكن من المسير ماشيا أو

بنحو آخر. أو الغير المنحصرة لو تمكن من المسير بنحو آخر فما أفاده المصنف (قده) و غيره من وجوب الاقتراض هو الصحيح مع فرض الاطمئنان و الوثوق ببقاء الموضوع إلى مدة معينة.

[المسألة السابعة عشرة إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين]
اشارة

قوله قده: إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين ففي كونه مانعا عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 117

وجوب الحج مطلقا سواء كان حالا مطالبا به أو لا أو كونه مؤجلا أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول و المطالبة أو كونه مانعا إلا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة أو كونه مانعا إلا مع التأجيل و سعة الأجل للحج و العود أقوال؟ و الأقوى كونه مانعا إلا مع التأجيل و الوثوق بالتمكن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج.

قال المحقق- طاب ثراه- في الشرائع: (و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم تجب إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج). و استدل على ذلك في المنتهى على ما حكاه صاحب المدارك: (لعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل). و استجود في الجواهر: القول بالوجوب في المؤجل دون الحال و ان لم يطالب به صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج ثم أمر بالتأمل، و في المدارك: فصل بين ما إذا توجه اليه الضرر- فلا يجب عليه الحج- و بينما لم يتوجه اليه الضرر كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به و كان المديون وجه للوفاء بعد الحج فيجب عليه الحج و قال في محكي كشف اللثام: (و للشافعية في المؤجل بأجل وجه بالوجوب و لا يخلو من قوة). و فصل صاحب المستند: بين صورة

التعجيل أو عدم سعة الأجل مع عدم رضى الدائن بالتأخير فهو مخير بين الحج و أداء الدين و ما إذا لم يكن كذلك بان كان مؤجلا مع سعة الأجل أو رضى الدائن بالتأخير فعليه الحج معينا لعدم المزاحم له.

لا ينبغي الإشكال في وجوب الحج عليه إذا كان دينه مؤجلا و كان بحيث يفي أيام الأجل مقدار درك الحج و رجوعه و كان واثقا بالتمكن من الأداء بعد الحج و كذا إذا كان الدائن راضيا بالتأخير و ذلك لأن صرف وجود الدين مع عدم وفائه غير رافع لموضوع وجوب الحج- أعنى الاستطاعة- كما سيظهر لك ذلك و أما إذا كان حالا و لم يكن الدائن راضيا بالتأخير أو كان مؤجلا لكنه غير واثق من الأداء بعد الحج فحينئذ يقع الكلام في أنه هل يقدم الدين أو الحج أو ما هو الأقدم سببا أو التخيير في ذلك؟ وجوه:

الوجه الأول أن يقال بتقديم الدين.
اشارة

و ما يمكن الاستدلال به على ذلك أمور:

(الأول)- أهمية حق الناس من حق اللّه تعالى،

فيقدم الدين عليه من باب الأهمية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 118

و فيه: أنه و إن اشتهر ذلك عند المتشرعة لكنه لم يرد دليل تعبدي بالخصوص على أهمية حق الناس من حق اللّه تعالى على الإطلاق، و عقولنا قاصرة عن إدراك الملاكات الثابتة للأحكام لعدم إمكان الاطلاع عليها بدون بيان من الشارع و ذلك لعدم الإحاطة بالملاكات لغير علام الغيوب كما هو واضح فرب حق للّه تعالى يكون ملاكه و مصلحته أشد و أقوى بمراتب من ملاك حق الناس و يوجب ذلك تقديمه عليه.

(الثاني)- أن من كان عليه دين و لم يكن ماله وافيا بأداء دينه و حجه معا لم يصدق عليه أنه موسر عرفا

و قد فسر في بعض الأخبار- الواردة في تفسير الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج- باليسار كما في خبر عبد الرحيم القصير الذي سيأتي ذكره- إن شاء اللّه تعالى- في البحث عن اعتبار الرجوع الى الكفاية و عدم اعتبارها و (من هنا) ربما يتجه القول بعدم وجوب الحج عليه، لعدم تحقق موضوعه له و هو الاستطاعة جامعا للشرائط و لو مع تأجيل الدين أو مع رضى الدائن بالتأخير لكونه غير موسر.

و فيه (أولا): بعد تسليم صحة سند ذلك الخبر أنه بناء على القول بعدم وجوب أداء الدين عليه و الحج معه، نمنع عدم صدق عنوان اليسار و إنما لا يصدق ذلك العنوان بناء على القول بوجوب اختيار أداء الدين.

و (ثانيا): قد عرفت أن الأخبار الأخر- الواردة في تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة- في الحقيقة مبينة للمراد من اليسار في ذلك الخبر فالمراد منه بناء عليه ليس إلا الزاد و الراحلة و المفروض وجدانه لهما.

(الثالث): أن من مرجحات باب التزاحم على ما تقرر في محله هو كون القدرة في أحدهما شرعية و في الآخر عقلية

و ما نحن فيه من هذا القبيل و ذلك لأن وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية، و هذا بخلاف وجوب أداء الدين لكونه مشروط بالقدرة العقلية فيقدم الدين عليه.

و فيه (أولا): أنه لم يرد آية و لا رواية على تقديم ما هو مشروط بالقدرة العقلية على ما هو المشروط بالقدرة الشرعية و ما ذكروه في الأصول في وجه التقدم لا يخلو عن المناقشة و الإشكال.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 119

هذا مضافا الى ما قلنا في محله: بأن المشروط بالقدرة الشرعية بعد تحقق جميع ما له الدخل في تحقق موضوعه يخرج عن كونه مشروطا بالقدرة الشرعية و مفروض المقام يكون كذلك لأن الحج و إن كان مشروطا بالقدرة الشرعية و هي الاستطاعة المذكورة في

الآية الشريفة التي قد فسرت في الأخبار الواردة بالزاد و الراحلة و تخلية السرب و لكن المفروض أن المديون واجد لها فموضوع الوجوب المشروط بالقدرة الشرعية قد تحقق بجميع أجزائه و شرائطه و ليس بعد مشروطا بشي ء آخر إلا بالقدرة العقلية فحال وجوب الحج بعد تحقق موضوعه حال الدين فلا ترجيح لأحدهما على الآخر لكون المفروض أن القيد الزائد المأخوذ في وجوب الحج قد تحقق.

(الرابع)- أن الدائن كما يكون مطالبا لدينه قبل الحج،

كذلك يطالبه بعد الرجوع عنه ان لم يعطه المال قبله فيلزمه أن يعطيه دينه بعده و إذا أدى دينه لم يبق له الرجوع الى الكفاية الذي هو من قيود الاستطاعة فهو غير مستطيع.

و لا يخفى: أنه إنما يتم فيما إذا لم يثق بالتمكن من الأداء بعد الحج فعليه لا إشكال في عدم وجوب الحج عليه و لكن لا من جهة تقدم الدين على الحج بل من جهة فقدان قيد آخر من قيود الاستطاعة و هو الرجوع الى الكفاية. و أما إذا فرضنا وثوقه بذلك مع وجود الرجوع الى الكفاية فصرف كون الدائن مطالبا للأداء قبل الحج مع فرض كون الدين حاليا لا يوجب عدم وجوب الحج عليه بل يقع التزاحم حينئذ بينهما و المدار في التقديم فيها هو الأهمية و (من هنا) يظهر أنه لا يصح القول بالتخيير في صورة التأجيل و ذلك لأنه إما واثق بالتمكن من الأداء بعد الحج مع ثبوت الرجوع الى الكفاية أولا، فإن وثق بذلك كان عليه الحج معينا لكونه بلا مزاحم و إن لم يثق بذلك كان عليه أداء الدين معينا لعدم واجديته للرجوع إلى الكفاية.

(الخامس)- صحيح معاوية بن عمار

و سيأتي ان شاء اللّه تعالى ذكره و تقريب الاستدلال به و دفعه في الوجه الثاني.

(الوجه الثاني):- أن يقال بتقديم الحج على الدين.
اشارة

و ما يمكن الاستدلال به على ذلك أمور:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 120

(الأول)- أهميته من الدين

و يستكشف ذلك من التشديدات الكثيرة الواردة في تركه و تسويفه و لا أقل من صيرورتها منشأ لاحتمال الأهمية و قد حقق في محله: أنه يكفي في ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر احتمال الأهمية.

و فيه (أولا): أن مثل مفروض المقام يكون من التزاحم في مرحلة الجعل و التشريع لا من تزاحم الخطابين الذي قلنا فيه بتقدم ما هو الراجح منهما بأحد المرجحات المخصوصة المرجحة لأحد الخطابين الذين تزاحما في أخذ قدرة المكلف و إشغاله بنفسه على الآخر، و دون المرجحات التي ترجح بها احدى البينتين على الأخرى. و غير المرجحات التي يرجح بها إحدى اليدين على الأخرى. و غير المرجحات التي ذكروها في ترجيح أحد الخبرين على الآخر كما لا يخفى.

و (ثانيا): لو فرضنا كون المقام من تزاحم الخطابين. أو قلنا بأن المرجحات باب تزاحم الخطابين خصوصا الترجيح بالأهمية منها التي هو المرجح الحقيقي في باب التزاحم هو المرجح في مقام الجعل و التشريع أيضا. دون ما ذكر من المرجحات الأخر و لكنه ليس لنا طريق الى استكشاف الأهم و المهم ضرورة: ان ما يمكن أن يكون طريقا اليه و صالحا لكشف الأهم منحصر في ثلاث.

(الأول)- كون أحدهما من الكبائر المكفرة بالكسر و الآخر من الكبائر المكفرة بالفتح.

(الثاني)- كون أحدهما في عداد ما بنى عليه السلام دون مزاحمة.

(الثالث)- من أشدية تبعات عصيان أحدهما على تبعات عصيان الآخر.

(الرابع)- من ناحية حق اللّه تعالى و حق الناس و لكن جميعها قابلة للمناقشة و الإشكال أما (في الأول): فلأنه لو سلمنا تقدم المكفرة بالكسر على المكفرة بالفتح كبرويا إنما يفيدنا ذلك في المقام بناء

على تسليم كون ترك الحج من الكبائر المكفرة بالكسر و ترك أداء الدين من الكبائر المكفرة بالفتح فلا بد أولا من إثبات الكبرى ثم إثبات أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 121

أيا منهما من الكبائر المكفرة بالكسر فلا تغفل.

و أما (في الثاني): فلما هو المسلم من أهمية بعض الواجبات على بعض ما عد مما بنى عليه الإسلام.

و أما (في الثالث): فلعدم كون التشديد و تبعات ترك الحج الواجب أشد مما ذكر في ترك أداء الدين مع مطالبة الدائن و يسار المديون كما لا يخفى.

و أما (في الرابع) فقد تقدم ما فيه فلا نعيده.

(الثاني)- خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه

عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: الحج واجب على الرجل و إن كان عليه دين «1».

و نحوه صحيحة معاوية بن عمار: سألت أبا عبد اللّه عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج قال- عليه السلام-: نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، و لقد كان أكثر من حج مع النبي مشاة. «2». أما دلالة الحديث الأول على المطلوب فواضح لتصريحه- عليه السلام- فيه بوجوب الحج عليه مع اشتغال ذمته بالدين كما هو المفروض و أما دلالة صحيح معاوية بن عمار فتقريب الاستدلال به على المدعى هو إن قوله- عليه السلام- (نعم أن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي) مفاده كما ترى هو وجوب الحج عليه إذا أطاق المشي و لو كانت ذمته مشغولة بالدين. فمفهومه أنه مع وجود الدين لو لم يطق المشي كان عليه الرواح الى الحج مع الراحلة، فهذا دليل على تقديم الحج على الدين.

و (فيه): أنه لو سلمنا مفهوما لهذا الصحيح فمفهومه ليس ما ذكر في

تقريب الاستدلال بل مفهومه أنه لو لم يطق المشي لم يجب عليه الحج لحكمه- عليه السلام- بوجوب الحج إذا أطاق المشي، فمقتضى الأخذ بالمفهوم أن يقال: إنه لو لم يطق المشي لم يذهب الى الحج، بل عليه أن يؤدى دينه تعيينا، فجعل هذا الصحيح دليلا على تقديم الدين على الحج كما مرت الإشارة إليه أولى من العكس كما لا يخفى. و أما إيجاب الحج ماشيا مع وجود الدين كما هو صريح

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 50- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(2) الوسائل- ج 2- الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 122

المنطوق فلعدم مزاحمته مع أداء الدين و يمكن أن يكون هذا قرينة على ارادة المعنى اللغوي من الوجوب لا الاصطلاحي.

هذا كله إذا لم يكن مفروض السؤال هو واجدية الرجل لجميع شرائط وجوب الحج حتى الاستطاعة المالية أيضا. و إلا لصح القول: بأن الصحيحة في مقام بيان ان ما هو الشرط في الاستطاعة المالية هو واجديته فقط لا الصرف في مصرف الحج، فإذا كان له الزاد و الراحلة و مقدار نفقة العيال و الرجوع الى الكفاية بناء على القول به يجب عليه الحج و لو كان ماشيا إذا أطاق المشي و إبقاء الراحلة و غيرها على حالها و صرفها في مصارفه اللازمة و الواجبة و غيرها بعد رجوعه عن الحج بناء على اعتبار بقاء هذا الشرط الى زمان أداء المناسك و رجوعه الى وطنه بحسب طبعه و عليه فالصحيحة أجنبية عن المقام و إنما هو من الطائفة الدالة على عدم اشتراط الراحلة في حق من أطاق المشي و تقدم ذكره في تلك الأخبار،

و مما ذكرنا يظهر ما في دلالة خبر عبد الرحمن لاحتمال أن يكون المراد من قوله- عليه السلام- (و ان كان عليه دين) هو عدم اختصاص وجوب الحج بمن كانت له الاستطاعة المالية من جميع الجهات بل ربما يتوجه الوجوب الى من ليس كذلك بان لا يكون واجدا للراحلة، لكنه فيما إذا أطاق المشي، فلا يتم الاستدلال به.

و أما ما ورد من صحيح الكناني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له:

أ رأيت الرجل ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله منه إلا التجارة أو الدين؟

فقال: لا عذر له يسوف الحج إن مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» فالظاهر من قوله: (الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام) هو كون الرجل ذو سعة و ثروة بمقدار لم يكن دينه مانعا عن الحج في كل عام و إنما هو متوان في الحج و يكون اعتذاره بالدين فرارا عن الحج تهاونا كاعتذاره بالتجارة.

و أما ما ورد عن معاوية بن وهب عن غير واحد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- يكون على الدين فتقع في يدي الدراهم فان وزعتها بينهم لم يبق شي ء فأحج بها أو

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 123

أوزعها بين الغرماء؟ فقال: تحج بها و ادع اللّه أن يقضى عنك دينك «1». و نحوه في الصحيح عن العطار، فهو قضية في واقعة لم يعلم أنه هل كان دين الراوي حالا أو مؤجلا؛ يرضى الدائن بالتأخير أو لا؛ كان حجه استحبابيا أو وجوبيا.

(الثالث)- الأخبار الدالة على أن دين اللّه أحق أن يقضى

- منها:

1- عن ابن عباس ان

امرأة من جهينة جائت إلى النبي- صلى اللّه عليه و آله و سلم- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أ فأحج عنها؟ قال: نعم حجى عنها أ رأيت لو كان على أمك دين أ كنت قاضيته اقضوا اللّه فاللّه أحق بالوفاء «2».

2- ما رواه في الذكرى عن البخاري، و غيره عن ابن عباس، قال رجل: أن أختي نذرت أن تحج و إنها ماتت، فقال النبي- صلى اللّه عليه و آله-: لو كانت عليها دين أ كنت قاضيته؟ قال نعم، فاقض دين اللّه، فهو أحق بالقضاء «3».

3- ما رواه أيضا في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى [1]، أن امرأة خثعمية سألت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أن أبي أدركه فريضة الحج، شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج ان حججت أ ينفعه ذلك؟ فقال لها: أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك؟ قالت نعم، قال: فدين اللّه أحق بالقضاء «4». و ذكر نحوه في مستدرك الوسائل عن تفسير أبي الفتوح، و في ذيله «فدين اللّه أحق» «5» و ذكر نحوه في التذكرة في مسألة عدم وجوب الحج على الفقير و الزمن و في ذيله «فدين اللّه أحق أن يقضى».

و هذه الأحاديث بعد غمض العين عن سندها لا دلالة لها على المطلوب، أما الأولان منها فلأن قوله- صلى اللّه عليه و آله- في خبر ابن عباس: «أحق بالوفاء» و قوله «أحق

______________________________

[1] للسيد سعيد رضى الدين أبي القاسم بن على بن الطاوس الحسيني رحمة اللّه تعالى عليه.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 50، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10.

(2) الحديث- 2320- من كتاب المنتقى لعبد

السلام بن تيمية الحراني نقلا عن البخاري.

(3) في الذكرى في الحكم الخامس من أحكام الأموات.

(4) في الذكرى في الحكم الخامس من أحكام الأموات.

(5) المستدرك- ج 2، الباب- 18- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 124

بالقضاء» ليس مفاده كون حق اللّه تعالى أهم من حيث الملاك من حق الناس- بان يكون الملاك الموجود في حقوق اللّه أقوى و أكثر و أشد من الملاك الموجود في حقوق الناس، حتى يكون ذلك موجبا لتقدم حق اللّه تعالى عند التزاحم مع حق الناس، و أيضا ليس مفاده ترجيح حق اللّه تعالى على حق الناس من جهة كون ترك حقوق اللّه الواجبة معصية للّه تعالى، كيف و ترك حقوق الناس الواجبة أيضا معصية للّه تعالى- بل يكون مفاده قضية ضرورية عند العقل: و هي أن من له اهتمام بحقوق الناس و لا يهتم بحقوق اللّه تعالى كان ذلك كاشفا عن أن اللّه (جلت عظمته) صغير في عينه و لا يعتنى به بمقدار اعتنائه بالناس و كان الخالق عنده أحقر من المخلوق و هذا كما ترى غير مربوط بمسألة ترجيح حق اللّه الواجب على حق الناس الواجب من جانب اللّه ايضا عند المزاحمة. و أما الحديث الثالث فان المقصود من قوله: «فدين اللّه أحق بالقضاء» أنه أحق أن يصح قضائه بقرينة كون السؤال عن ذلك، حيث قال: «أ ينفعه ذلك؟» فعدم دلالته على المقصود في غاية الوضوح و إلا فمفاده مفاد الحديثين الأولين كما هو واضح و قد عرفت عدم دلالتهما على المقصود.

(الوجه الثالث) أن يقال بتقديم ما هو الأسبق سببا

فان حصلت له الاستطاعة للحج أولا ثم عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير أو أورد الدية مثلا، فالحج يقدم عليه.

و

كذلك إن كان عليه الدين ثم صار واجدا لمقدار ما يحج به فالدين يقدم و ذلك (بدعوى) أن نفس أقدمية السبب من المرجحات و (فيه): أنه لم يرد لنا دليل على كون ذلك من المرجحات بل هما واجبان ثابتان في الذمة و لا ترجيح لأحدهما على الآخر ما لم تثبت الأهمية. و هذا نظير ما إذا سهى الرجل في الصلاة مرتين فلم يقل أحد بوجوب تقديم سجدتي السهو الأول على سجدتي السهو الثاني من جهة تقدم سببه كما أنه لم يقل أحد بذلك في الديون الخلقية بأن فرضنا أنه استدان أولا من زيد ثم استدان ثانيا من عمرو و فرض أن الأجل قد تم بالنسبة إلى كليهما، فلم يقل أحد بوجوب تقديم أداء دين زيد على أداء دين عمرو و ان فرضنا أنه غير متمكن من أداء كليهما.

(الوجه الرابع) أن يقال بالتخيير

و هذا هو الحق في خصوص ما إذا كان الدين حاليا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 125

أو مع عدم سعة الأجل مع فرض عدم رضاء الدائن بالتأخير وفاقا لصاحب المستند (ره) حيث قال: (فالوجه أن يقال أن مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخير بين الحج و وفاء الدين سواء علمت المطالبة أم لا.) و يظهر وجه ذلك مما مر من إبطال ترجيحات أحدهما على الآخر و كذا ترجيح ما هو الأقدم سببا. نعم، لو فرضنا أن تركه لأداء الدين يوجب الحرج عليه فلا ينبغي الإشكال من وجوب أداء دينه معينا لعدم استطاعته حينئذ لاستلزامه العسر و الحرج و لكن هذا مما ينبغي جعله خارجا عما نحن فيه كما لا يخفى.

هذا و قد عرفت أيضا إنما يتجه التخيير لو كان واثقا بالتمكن من الأداء بعد

الحج و إلا فدينه يضر برجوعه إلى الكفاية فيخرج أيضا عن عنوان المستطيع من جهة فقدان الرجوع الى الكفاية و ينبغي عد هذا خارجا عما نحن فيه. ثم، إن ما ذكرنا من التخيير بين أداء دينه و بين حجه يأتي أيضا فيما كان الحج مستقرا عليه فيما إذا فرضنا انه لا يتمكن من الذهاب الى الحج متسكعا فهو مخير بين الواجبين.

ثم ان من مصارف الدين نفقة الزوجة فيترتب عليها حكم سائر الديون بلا فرق إلا إذا تمسكنا في استثناء نفقتها بخبر أبي الربيع الشامي بناء على تمامية سنده و يأتي ذكره ان شاء اللّه تعالى في مبحث الرجوع الى الكفاية فبناء على هذا نقول أنه إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه نفقة العيال الواجبي النفقة و دار الأمر بينهما لعدم وفاء ماله لكليهما بلزوم صرفها في مصارف نفقة عياله لعدم صدق عنوان المستطيع عليه. و عليه يبتنى ما مر سابقا من أنه ليس عليه طلاق الزوجة التي لا حاجة له إليها و لا حرج له في طلاقها فرارا عن النفقة ليذهب الى الحج و إنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب و أما بناء على المناقشة في سند الحديث كما هو الظاهر و سيأتي بيانه- إن شاء اللّه تعالى- فأيضا لا نقول بوجوب الطلاق عليه لكن حكم نفقتها حكم سائر الديون بلا فرق.

[المسألة التاسعة عشرة إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج]

قوله (قده): (إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة لأن المستحقين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعا.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 126

(تارة): نفرض تعلقهما بعين المال و (أخرى) بالذمة. فإن كانا متعلقين بعين

المال فلا إشكال في تقدمهما على الحج بل ذكر عنوان التقدم مسامحة، فإنه من المعلوم أن الشخص إنما يستطيع بملكه الطلق لا بغيره فلا يجب عليه الحج، لعدم كونه مالكا لما يحج به مطلقا.

بلا فرق في ذلك: بين الأقوال المتعلقة بكيفية تعلق الخمس أو الزكاة من إيجابهما قصر سلطنة المالك لتعلق حق السادة أو الفقراء بالمال مع بقائه على ملكه و من حصول الشركة بنحو الإشاعة أو الكلي في المعين، فعلى جميع الأقوال لا ينبغي الإشكال في أن عليه إعطاء الخمس و الزكاة و (من هنا) يعلم أنه لو كان عليه الخمس و الزكاة و الحج و الدين فعليه إعطائهما ثم يدور الأمر بين أداء الدين و الحج إن تمكن من أحدهما و قد مضى حكمه مفصلا و لا نعيده.

هذا كله إذا كانا متعلقين بعين المال. و أما إذا كانا متعلقين بالذمة بأن فرضنا أن العين التي تعلق بها الخمس أو الزكاة قد تلفت بتقصير» أو أتلفها، فلا إشكال في صيرورة ذلك دينا عليه، و قد مر مفصلا حكم دوران الأمر بين الدين و الحج فلا نعيده.

[المسألة العشرين تقديم الحج على الدين المؤجل]

قوله قده: (إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة.

الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في وجوب الحج عليه معينا لعدم كون الدين في هذه الصورة مزاحما لحجة و لا مضرا برجوعه إلى الكفاية كما لا يخفى.

[المسألة الحادية و العشرين أدلة وجوب الفحص عن الاستطاعة إذا شك فيها]

قوله قده: (إذا شك في مقدار ماله و أنه وصل الى حد الاستطاعة أو لا هل يجب عليه الفحص أو لا؟ وجهان أحوطهما ذلك.

هذه الشبهة و ان كانت موضوعية لكن يمكن الاستدلال على عدم جريان البراءة في خصوص ما نحن فيه و نحوه بوجهين:

(الأول)- هو أن الدرجة الأولى من الاستطاعة يتوقف العلم بها غالبا على النظر في أمواله لكون الاستطاعة غالبا تدريجية الحصول، فلو فرضنا عدم وجوب ذلك يلزم منه لغوية تشريع فورية الحج.

(الثاني)- أن ما نحن فيه إنما يكون من قبيل: ما إذا فرضنا ان رجلا يكون جالسا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 127

على السطح مقابلا للأفق و هو يتسحر غامضا عينيه- لئلا يرى الفجر- حتى يستحب بقاء الليل ما لم يحصل له العلم بطلوع الفجر كي لا يحرم عليه الأكل و الشرب و غيرهما مع أن هذا الفعل ليس بصحيح لعدم صدق «عنوان الفحص» على فتح عينيه و نظره الى الفجر حتى يقال بعدم وجوب ذلك. و كذلك فيما نحن فيه لا يصدق عنوان الفحص على نظره الى أمواله حتى يقال بعدم وجوب ذلك عليه. و ليس المراد أن مناط الحكم في جريان البراءة و عدمه صدق عنوان الفحص و عدمه- حتى يقال: إن عنوان الفحص غير مذكور في الأخبار- بل المراد أن موضوع البراءة هو الشك و عدم العلم و أدلتها منصرفة إلى الشك المستقر، و

في صورة عدم صدق الفحص لا يكون شكه مستقرا فلا يمكن إجراء البراءة في حقه- و هذان الوجهان و ان كان كلاهما لا يخلو عن المناقشة مضافا: الى أنه كثيرا ما يتفق توقف العلم بالاستطاعة على محاسبة أمواله التي يصدق عليها الفحص قطعا كما إذا فرضنا أن له أموالا متفرقة و كانت قيمتها غير معلومة فلا ينبغي الإشكال في كونه شاكا حقيقة و مورد الجريان البراءة، و لكن مع ذلك كله لا يترك الاحتياط بالفحص.

ثم، إنه إذا لم يتفحص و ترك الحج ثم تبين كون ماله بمقدار الاستطاعة فلا إشكال في استقرار الحج عليه حينئذ لأن الاستطاعة موضوع للوجوب بوجودها الواقعي لا بوجودها العلمي حتى يقال بعدم استقراره في مثل المفروض لعدم علمه. فعليه أن يحج و لو متسكعا كما أنه إذا تخيل عدم استطاعته فأتى بالحج ندبا ثم تبين استطاعته فلا إشكال في الإجزاء ان لم يكن بنحو التقييد بل بنحو الخطأ في التطبيق لأن المأتي به هو حجة الإسلام بعد وضوح عدم دخل العلم و لا اعتقاده في تحققها.

[المسألة الثالثة و العشرين في جواز إتلاف الاستطاعة و عدم جواز إتلافها]

قوله قده: (إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكن من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و اما بعد التمكن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة و لو تصرف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به.

قال في الدروس: (و لا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا كان عند سير الوفد).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 128

و قال في المستند بعد بيان تقديم الحج على النكاح إذا لم يستلزم الحرج و ابتناء ذلك على وجوب إبقاء مقدمة الواجب ما لفظه: (و

يلزمه عدم جواز وقفه و هبته و بيعه بثمن قليل ينتفي معه الاستطاعة و انه لو فعله لبطل الوقف بل الهبة و البيع أيضا على القول باستلزام النهي في المعاملات للفساد كما هو التحقيق).

و قال في الحدائق: (قد صرح جملة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بأنه لو كان عنده ما يحج به فنازعته نفسه الى النكاح لم يجز صرفه في النكاح.).

و قال في الخلاف: (إذا وجد الزاد و الراحلة و لزمه فرض الحج و لا زوجة له، بدء بالحج دون النكاح. دليلنا قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و هذا قد استطاع.). و هذا كما ترى صريح في عدم صحة الفرار عن الحج بتفويت الاستطاعة بعد توجه الخطاب بالحج.

و قال في المنتهى على ما حكاه صاحب المدارك: (من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا الى ما بعد فواته سقط عنه الحج لأنه غير مستطيع، و هذه حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج عن الموسر، و كذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الخروج كان فقيرا لم يجب عليه و جرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الحول).

قال في المدارك بعد نقل هذا الكلام عن المنتهى: (و ينبغي أن يراد بالوقت وقت خروج الوفد الذي يجب الخروج معه).

و قال في الجواهر: (و لا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج و توقفه على المال، فلو صرفه فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج معه و أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم قطعا). و نحو ذلك ما في كشف اللثام.

تحقيق الكلام في هذه المسألة يقتضي البحث

في جهتين:

(الجهة الأولى) في أنه إذا تصرف في ماله بما يخرجه عن الاستطاعة، فهل يكون ذلك متعلقا للنهي الشرعي مطلقا، أو في خصوص أشهر الحج أو في أول آن تمكنه من المسير و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 129

أول خروج الرفقة، أو في آخر أزمنة تمكنه من المسير الى الحج و هو آخر خروج الرفقة، أو ليس متعلقا للنهي الشرعي مطلقا؟

(الجهة الثانية)- في أنه إذا فعل ذلك فهل يكشف عن عدم وجوب الحج عليه لاشتراطه بالاستطاعة بقاء كاشتراطه بها حدوثا، أم لا؟ أما الكلام (في الجهة الأولى):

فنقول أنه لا ينبغي الإشكال في عدم حرمة تصرفه في ماله مطلقا لعدم وجوب الحج عليه بعين ذلك المال فله أن يحج متسكعا أو بالخدمة مثلا، فليس حجه متوقفا على صرف ذلك المال في الحج حتى يقال بحرمة التصرفات المنافية، بل نقول: إنه إذا اتفق توقف حجه على صرف ذلك المال بان لم يتمكن من الذهاب متسكعا أو بالخدمة لا يجب عليه ذلك بالوجوب الشرعي لأن المقدمة الواجب كما بينا في محله مفصلا ليست واجبة شرعا و إنما وجوبها يكون عقليا و بعد تسليم ذلك نقول: أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده كما بينا ذلك أيضا في محله حتى يحكم بحرمة التصرفات المنافية عليه و (من هنا) ظهر أنه لو تصرف بأحد التصرفات المنافية- كالهبة و نحوها- كان صحيحا لما عرفت من عدم تعلق النهى به حتى يقال: إنه هل تعلق ذلك بالنتيجة كي يحكم بالفساد أو تعلق بالفعل كالبيع في وقت النداء كي يحكم بعدم فسادها. و أما الكلام (في الجهة الثانية): فنقول إنه لا ينبغي الإشكال أيضا أن مقتضى القاعدة ما لم يرد

دليل تعبدي على خلافها ان إتلاف المال كاشف عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر مطلقا و يتضح ذلك بالالتفات إلى أمور ثلاثة:

(الأول)- أن الزاد و الراحلة حسب ما يستفاد من الأخبار- المتقدمة في صدر المبحث المفسرة للاستطاعة- موضوع لوجوب الحج و لذلك لم يتوهم أحد وجوب تحصيلهما على من كان فاقدا لهما.

(الثاني)- أنهما كما يكونان موضوعا لوجوب الحج حدوثا كذلك يكونان موضوعا له بقاء و ليس تحققها آنا ما موجبا لتحقق الحكم، و لذلك لا إشكال في أنه إذا تلف ماله في أثناء الأعمال كشف عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر.

(الثالث)- أن إذهاب الموضوع ليس حراما في حد نفسه ما لم يرد دليل خاص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 130

على حرمته. و لذا لم يتوهم أحد كون مقتضى القاعدة حرمة السفر في شهر رمضان مع أنه إذهاب لموضوع وجوب الصوم و هو الحضر و كذلك يكون إذهابا لموضوع وجوب التمام و معلوم أن السفر ليس حراما مع قطع النظر عن النصوص الخاصة و السر في ذلك أن إثبات لزوم حفظ الصغرى بالكبرى من المحالات فقوله: (يجب الصوم و التمام على الحاضر) لا يدل على لزوم حفظ عنوان الحضر و كذلك قوله: (يجب الحج على المستطيع) لا يدل على لزوم حفظ عنوان الاستطاعة و لذلك قلنا: إن التصرفات المنافية ليست حراما و على فرض تسليم ذلك نقول: إنه لو عصى و أتلف الموضوع انتفى الحكم قهرا لأن وجود الحكم حدوثا و بقاء- على ما تقتضيه القاعدة- دائر مدار وجود موضوعه حدوثا و بقاء فلو أتلف ماله و لو مع تسليم حرمة الإتلاف نقول: إن مقتضى القاعدة عدم وجوب الحج عليه لعدم

وجود الموضوع بقاء لكون الاستطاعة كما كانت وجودها موضوعا له حدوثا كذلك تكون موضوعا له بقاء فبانتفاء المال بقاء ينتفي وجود الحكم بقاء كما لا يخفى.

هذا كله في صورة عدم ورود دليل خاص على عدم انتفاء الوجوب بإتلاف الموضوع بقاء و الا فلا بد من الأخذ به و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع. و فيه: أنه و ان كان ثابتا في الجملة لكن قلنا مرارا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركى و في المقام من المحتمل أو من المقطوع أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه فلا اعتماد عليه، (الثاني)- الاخبار التي مرت في الدليل الثاني من أدلة تقديم الحج على الدين بناء على تمامية دلالتها فإنه لو كان ينتفي الوجوب بإتلاف المال عمدا لم يكن وجه لتقديم الحج على الدين لإمكانه أن يؤدى دينه بماله و يكون ذلك إذهابا للموضوع فيكشف به عدم وجوب الحج عليه فبتلك الأخبار تكشف عدم انتفاء وجوب الحج بإتلاف ماله و قد مر الإشكال في دلالة تلك الأخبار سابقا.

(الثالث)- هو أنه لو جاز للمستطيع إتلاف المال لكان تشريع وجوب الحج لغوا لجواز إخراج كل مستطيع نفسه عن دائرة الاستطاعة الموجب للغوية تشريع الوجوب حينئذ و فيه: أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 131

هذا نظير أن يقال: أنه يحرم السفر في وقت أداء الصلوات الرباعية لأنه لو لم نقل بذلك لزم لغوية جعل التمام أو يقال: أنه يحرم كون الشخص في وقت أداء الصلاة الرباعية في الحضر لأنه لو لم نقل بذلك لزم لغوية جعل حكم القصر.

و الجواب الحلي: هو أنه لا يحصل لكل أحد من المستطيعين الداعي الى إتلاف ماله فرارا عن وجوب

الحج حتى يقال: إنه يلزم من الحكم بجواز الإتلاف لغوية تشريع الحج.

(الرابع)- الالتزام بوجوب المقدمات المفوتة بأحد التقريبين اللذين مر ذكرهما سابقا فيقال: إنه إذا توقف حجه على صرف المال وجب عليه حفظه ليصرفه في مصارفه لكون حفظه له من المقدمات المفوتة التي لولاها لما كان قادرا على الواجب في وقته و فيه: أنه قد تقدم في المباحث السابقة أن الاستطاعة موضوع لوجوب الحج حدوثا و بقاء و ليس صرف وجودها موضوعا له و القول بوجوب المقدمات المفوتة إنما يتأتى بعد فرض ثبوت الموضوع حدوثا و بقاء كان نفرض تحقق الاستطاعة حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل ثم نستدل على وجوب تهية المقدمات بأحد التقريبين الدالين على وجوبها. و أما حفظ نفس الموضوع فلا يمكن إثبات وجوبه بالمقدمات المفوتة و هذا نظير أن يستدل على وجوب حفظ عنوان الحضر بوجوب المقدمات المفوتة، و لعمري أن بين مسألة حفظ الموضوع و بين مسألة وجوب المقدمات المفوتة بونا بعيدا.

(الخامس)- قد مر سابقا أن الحق هو صحة الواجب المعلق فبمجرد تمامية الاستطاعة و تحققها جامعة للشرائط يحكم بوجوب الحج عليه و لو كان في أول السنة، لأن الوقت بناء على هذا المبنى ليس دخيلا في موضوع وجوب الحج كما مر بيانه مفصلا، فيحكم بوجوب حفظ ماله لتحقق موضوعه مقدمة للعمل إذا توقف الحج عليه. و أما إذا لم يتوقف حجه على صرف المال بان تمكن من الحج متسكعا، أو بالخدمة، فجاز له الإتلاف و لكن عليه الحج متسكعا.

و فيه: أنه انما يتم لو فرضنا عدم موضوعية الزاد و الراحلة لوجوب الحج و كونهما من قبيل متعلق المتعلق. و اما إذا سلمنا موضوعيتهما فلا يتم ذلك. و هذا نظير ما

ذكره المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من أنه إذا دخل وقت الصلاة و كان متطهرا جاز له نقض الطهارة و لو مع فرض فقدانه الماء و أما إذا لم يكن متطهرا لكن كان عنده مقدار من

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 132

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 132

الماء و انحصر الماء بذلك، أو لم يكن واجدا للماء و كان عنده مقدرا من التراب و لكن لم يكن له تراب غيره، فلا يجوز له إتلاف ذلك الماء أو ذلك التراب.

و الفرق بين المسألتين: هو إن عنوان المتطهر موضوع للحكم فلا يحرم إذهابه. و اما الماء و التراب فليسا موضوعين له حتى يقال بجواز إتلافهما بل هو متعلق لمتعلق الوجوب هذا. و تحقيق ما ذكره المحقق النائيني صحة و سقما موكول الى محله. و المقصود هنا أن الموضوع لا يحرم إذهابه و لا يجب إبقائه و لو في وقت الوجوب و الواجب المعلق ليس بأولى من الواجب التنجيزي و لم يتوهم أحد كون مقتضى القاعدة حرمة السفر في وقت وجوب الصوم أو الصلاة مع ان وجوبهما تنجيزي. و بالجملة قد تقدم أن الكبرى لا يدل على لزوم حفظ الصغرى و لا فرق في ذلك بين تسليم الواجب المعلق و إنكاره.

(السادس)- أن الظاهر من أدلة اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج هي الاستطاعة التي لو لم يتلفها عمدا لكانت تبقى بلا احتياج الى صرفه في الضروريات و الواجبات كمؤنة العيال و أداء الدين و النذر و الكفارات و الديات و غيرها مما يعد من مؤنته و يكون صرفه من

شؤونه من هدايا و ضيوف و نحوها و المفروض أن الاستطاعة بهذا النحو ثابتة فاذهابها ليس إذهابا للموضوع حتى يحكم بسقوط وجوب الحج عنه، لأن الموضوع على المفروض لم يكن هو الاستطاعة الباقية في الخارج الى آخر الأعمال أو الى زمن عوده الى وطنه، بل الموضوع هو الاستطاعة التي لو لم يتلفها لكانت تبقى بالطبع فمهما حصل له الزاد و الراحلة و ثبت بقائهما بالاستصحاب فقد تم الموضوع فيحكم بوجوب الحج عليه، سواء أتلفه أم لا! و إتلافه عمدا ليس إذهابا للموضوع، لأن بقاء المال لم يكن دخيلا فيه على الإطلاق و إنما الدخيل فيه هو بقاء المال بنفسه لو لم يتلفه عمدا و حينئذ، لو فرضنا توقف ذهابه الى الحج على بقاء المال- بأن لم يتمكن منه متسكعا أو بالخدمة- صح التمسك في إثبات وجوب حفظ المال بما مر من لالتزام بالواجب المعلق أو وجوب المقدمات المفوتة بأحد التقريبين السابقين لأن إبقاء المال حينئذ مقدمة وجودية للواجب المطلق كما لا يخفى.

(السابع)- الأخبار الدالة على عدم جواز إتلاف المال و أنه لو أتلفه كان الحج ثابتا في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 133

ذمته مثل صحيح الحلبي عز أبي عبد اللّه- عليه السلام-: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1».

و الظاهر من قوله: «ثم دفع ذلك» هو دفع ما حصل له من المال المذكور في قوله:

(قدر الرجل على ما يحج به). و نحوه ما عن على بن حمزة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال: «من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له

شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام» «2» فهذان الحديثان يدلان على عدم جواز ترك الحج بواسطة إتلاف المال و لو في العام الأول من الاستطاعة و حملها على من استقر عليه الحج خلاف الظاهر.

و فيه: أنه ليس المراد من (دفع ذلك) هبة المال أو إتلافه بل المراد أنه دفع هذا الحكم و لم يعمل به من غير عذر كما يشهد له قوله (و ليس له شغل يعذره اللّه) و قوله في الرواية الأخرى (جعل يدفع) أى جعل بسوف و يؤخر و قد تقدم التمسك بهما لحرمة تسويف الحج و فوريته.

(بقي الكلام) في أنه بعد أن ثبت أن بإتلاف المال لا يسقط وجوب الحج يقع الكلام في أنه هل يقال بذلك الحكم من أول السنة، أو يقال باختصاصه بأشهر الحج، أو بزمان سير القافلة الأولى، أو الثانية؟ وجوه:

(الأول)- أن يقال باختصاص ذلك بزمان سير القافلة الأخيرة و ذلك لما عرفت من ان مقتضى القاعدة هو انتفاء الوجوب بإتلاف المال مطلقا و لو كان عن عمد فلا بد في مخالفة القاعدة من الاقتصار على القدر المتيقن و هو ما إذا تضيق الوقت بسير القافلة الأخيرة فإن عدم انتفاء الوجوب بالإتلاف بعد ان ضاق الوقت إنما يكون من ضروريات الفقه فلا محيص عن مخالفة القاعدة في ذلك.

و فيه: أنه قد بينا في الدليل السادس أنه لا يكون مقتضى القاعدة انتفاء الوجوب بإتلاف المال عمدا و ان الموضوع للوجوب هو وجود المال الذي بطبعه يبقى لو لا الإتلاف العمدي فعدم انتفاء الوجوب بإتلاف المال يكون على القاعدة فنقول به مطلقا من أول تحقق الموضوع و أول توجه الخطاب بالحج و لا نقتصر

على القدر المتيقن.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(2) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 134

نعم، يبقى الكلام في وجوب حفظ المال لو لم يتمكن من المشي بدون المال بنحو التسكع أو أن يكون أجيرا أو بالخدمة و نحوه. و قد تقدم أنه يكون من المقدمات الوجودية و إن الحفظ يكون لازما عقلا أو شرعا على الاختلاف في المقدمات المفوتة و غيرها و قد مر مفصلا فلا نعيد البحث.

(الثاني)- أن يقال باختصاص ذلك بزمان خروج القافلة و إن كانت هي القافلة الأولى فلو أتلف المال قبل ذلك يحكم بعدم وجوب الحج عليه، و هذا بخلاف ما إذا أتلفه عند خروج القافلة الأولى فإنه يحكم بوجوب الحج عليه. و هذا هو المشهور و هو إنما يتم بناء على ما ذكره صاحب الجواهر (ره): من أن استقرار الحج في الذمة إنما يكون بالتمكن من الرفقة الأولى كمن وجبت الصلاة عليه و مضى وقت بمقدار يمكن أن يفعلها فيه و لم يفعلها و مات. إلخ.

ثم إنه هل يختص ذلك بما إذا كان خروج سير القافلة الاولى في أشهر الحج أو لا بل يعم ما إذا كان سيرها قبلها؟ ذهب صاحب الجواهر (ره) الى الثاني بناء على مبناه من صحة الواجب المعلق، و لا يخفى عليك أن أساس صحة الواجب المعلق هو أن يقال: إن التمكن من العمل من أول زمان الوجوب غير لازم بل إنما يكفي التمكن منه في زمان الواجب و وقته و أنه لا وجه للقول بلزوم اتحاد ظرف الحكم و ظرف الامتثال و إذا قلنا بذلك

كما حققناه سابقا فلا ينبغي أن يقال بان الخطاب بالحج إنما يتوجه في أول سير القافلة الأولى كما أفاده صاحب الجواهر (ره) بل لا بد من أن يقال بأنه مهما حصلت الاستطاعة المفسرة بالزاد و الراحلة و تخلية السرب و صحة البدن وجب الحج و تحقق الخطاب به و لو حصل له ذلك في أول السنة، غاية الأمر ان ظرف الواجب متأخر فلا يبقى مجال لما أفاده صاحب الجواهر (ره) من اختصاص الحج الحكم بسير القافلة الأولى.

(الثالث)- أن يقال باختصاص ذلك بأشهر الحج و ذلك إنما يتم بناء على القول بان الخطاب بالحج إنما يتوجه فيها لا قبلها و منشأ توهم ذلك بطلان الواجب المعلق و قد بينا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 135

سابقا صحته بما لا مزيد عليه.

(الرابع)- أن يقال بأن إتلاف المال لا يوجب الحكم بسقوط الحج و لو كان ذلك في أول السنة و وجه ذلك هو ما عرفته سابقا من أن موضوع الوجوب هو الاستطاعة الباقية بذاتها مع قطع النظر عن إتلافها و الخطاب بالحج متوجه من أول زمان حصول الاستطاعة لا من زمان خروج القافلة أو من زمان حلول الموسم لكنك قد عرفت إنه بناء على بطلان التعليق لا يتحقق الوجوب حتى في أشهر الحج نعم يجب السير مع القافلة الأخيرة من باب المقدمة المفوتة.

[المسألة الخامسة و العشرين فيما إذا كان غافلا أو جاهلا عن الاستطاعة]

قوله قده: (إذا وصل ماله الى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به أو غافلا عن وجوب الحج عليه، ثم علم أو تذكر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة غاية الأمر أنه معذور في ترك ما

وجب عليه.

لا ينبغي الإشكال في ذلك لما قلنا مرارا من إن الاستطاعة بوجودها الواقعي شرط لا بوجودها العلمي و الموضوع على المفروض تحقق جامعا للشرائط و صار الحكم فعليا لأن فعلية كل حكم تابعة لفعلية موضوعه واقعا سواء كان عالما به أم جاهلا و سواء كان ملتفتا إليه أم غافلا عنه غاية الأمر أن جهله أو غفلته بالموضوع يمنع عن تنجز التكليف عليه و يوجب العذر في ترك ما وجب عليه إتيانه فورا، فعلى هذا يحكم بوجوب الحج عليه بعد الذكر و الالتفات و لو تسكعا كما نقول بذلك في من استطاع و لم يحج من جهة عدم مبالاته بالدين و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المحقق القمي- رضوان اللّه تعالى عليه- من عدم وجوب الحج عليه بعد ذكره و التفاته.

[المسألة السادسة و العشرين فيما إذا اعتقد انه غير مستطيع و حج ندبا]

قوله قده: (إذا اعتقد انه غير مستطيع و حج ندبا فان قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة الإسلام لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق و ان قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنها.

قد تقدم حكم هذه المسئلة في آخر حج الصبي.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 136

[المسألة السابعة و العشرين كفاية الملكية المتزلزلة في تحقق الاستطاعة]

قوله قده: (هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة، أو باعه محاباة كذلك وجهان اقويهما العدم لأنها في معرض الزوال.

الملكية المتزلزلة تتصور على قسمين:

(الأول)- ما يبقى على تزلزله و لو مع تصرف المالك كما إذا فرضنا أنه صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة فإن خياره لا يسقط بتصرف المصالح له في تلك المدة.

(الثاني)- ما يصير لازما بتصرف المالك كما في الهبة من غير ذي رحم، أما الكلام (في القسم الأول): فذهب المصنف (قده) إلى عدم حصول الاستطاعة به معللا ذلك بكون هذه الملكية في معرض الزوال إلا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ.

و فيه: أن الاستطاعة صادقة في هذا الفرض بلا شبهة و ذلك لأنها قد فسرت في الأخبار المتقدمة في صدر المبحث بالزاد و الراحلة و هو على الفرض واجد لهما حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل و لو أغمضنا عن هذا الأصل فاللازم القول في الملكية اللازمة بعدم وجوب الحج عليه أيضا في العام الأول من الاستطاعة إذا الملكية و ان كانت لازمة لكن احتمال التلف موجود فيها وجدانا و لا دافع له سوى الاستصحاب فكما يدفع احتمال التلف هناك بالاستصحاب فكذلك فيما نحن

فيه فعلى هذا يثبت بالاستصحاب عدم رجوع المصالح عن صلحه فيجب الحج على المصالح له لإحراز الموضوع حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل.

نعم، لو رجع المصالح عن صلحه في الأثناء كشف عن عدم استطاعته كما نقول بذلك فيما إذا تلف المال في أثناء الأعمال أو قبلها أو بعدها.

و أما الكلام (في القسم الثاني): فتردد المصنف (قده) فيه بين القول بعدم حصول الاستطاعة له به لما ذكر في القسم الأول و بين القول بحصول الاستطاعة له به لأن الهبة و ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 137

كانت متزلزلة لكنها تلزم بالتصرف. و (فيه): أنه بعد تسليم كون التزلزل مانعا عن الاستطاعة لا بد من الحكم بعدم وجوب التصرف لرفع التزلزل لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. و لكن الحق ما عرفت في القسم الأول من أن التزلزل لا يصلح لأن يصير مانعا عن صدق الاستطاعة فيحكم بوجوب الحج عليه كما قلنا به في القسم الأول.

[المسألة التاسعة و العشرين إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده]

قوله قده: (إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناء على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان لا يبعد الإجزاء.

قال في المدارك على ما حكاه صاحب الجواهر و إليك نص عبارته: (فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا، و الا لوجوب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق السفر معه و هو معلوم البطلان).

و قال في الجواهر بعد نقل هذا الكلام: (قلت قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب).

لا ينبغي الإشكال بحسب ما هو الظاهر

من الآية الشريفة و هو قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «1» و الأخبار المفسرة لها أن الاستطاعة شرط حدوثا و بقاء بحيث لو لم يكن واجدا لها في أثناء العمل أو بعده يستكشف عدم تحقق الموضوع من أول الأمر. و على هذا فمقتضى القاعدة هو القول: بأنه إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بعد فراغه عن إعماله أو في الأثناء لم يجز حجه عن حجة الإسلام، و ذلك لدخولهما في الاستطاعة.

أما مؤنة العود الى وطنه فإن الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة مطلقة تشمل حالة الإياب و ليست مختصة بخصوص الذهاب.

و أما اعتبار وجدانه لما به الكفاية فإما يكون لأجل النص، و اما لأجل قاعدة نفي العسر و الحرج على ما سيأتي تحقيقه- إنشاء اللّه تعالى- في مبحث اعتبار الرجوع إلى الكفاية هذا.

______________________________

(1) سورة آل عمران الآية 91

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 138

و لا يخفى أنه ليس المقصود من وجدانهما صرف وجدانهما قبل العود بحيث لو علم بتلفهما من أول الأمر بعد إتمام الأعمال لكان الحج واجبا عليه فان هذا واضح البطلان إذ مؤنة العود انما اشترط ليتمكن منه و ما به الكفاية إنما اشترط لئلا يتعسر عليه الأمر بعد الرجوع فلا معنى لان يقال إن الشرط إنما هو وجودهما إلى آخر الأعمال لا إلى رجوعه إلى وطنه.

فظهر أن بقائهما شرط إلى ان يرجع الى وطنه و على هذا فلو تلف أحدهما أو كلاهما بعد العمل لم يحصل الإجزاء فضلا عما إذا تلف في الأثناء و ان كان من أول الأمر لا يعلم بتلفهما بعد

العمل لعدم دخل العلم و الجهل في ذلك بل المدار على الواقع. فظهر أنه إذا تلف أحدهما أو كلاهما بعد الفراغ عن الأعمال أو في أثنائها يستكشف بها عدم استطاعته من أول الأمر و عدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام. خلافا لما افاده صاحب المدارك، و المصنف (قد سرهما).

هذا كله بحسب ما تقتضيه القاعدة. و يمكن الاستدلال على الإجزاء بما ورد من الحكم به في حق من مات بعد الإحرام و دخول الحرم و تأتي اخباره- إنشاء اللّه تعالى- في محله.

و غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال بتلك الأخبار هو انه لا ينبغي الإشكال في الحكم بالإجزاء على ما يستفاد من تلك الاخبار فيمن مات بعد الإحرام و دخول الحرم مع أنه في هذا الفرض زالت الاستطاعة البدنية و المالية معا. أما انتفاء (الأول) فواضح و أما انتفاء (الثاني) فلانتقال أمواله بمجرد موته إلى الورثة خصوصا مع عدم وصيته بالثلث فان جميع الأموال تخرج عن ملكه فلو فرض إجزاء الحج مع انتفاء الاستطاعة البدنية و المالية معا فإجزائه في صورة انتفاء الاستطاعية المالية فقط يكون اولى و على هذا لا بد من تخصيص الحكم بما إذا تلف مؤنة عوده بعد دخول الحرم لا قبله.

و فيه: (أولا): أن انتفاء استطاعة المالية في فرض الموت مستند الى انتفاء الاستطاعة البدنية لا الى انتفاء المال لعدم احتياجه بعد الموت الى ما يعود به إلى وطنه و الى الرجوع الى الكفاية و الاخبار الدالة على اعتبارهما في الاستطاعة موردها الإحياء أو منصرفة إليهم فانتفاء الاستطاعة المالية في هذا الفرض انما هو مستند الى انتفاء القدرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 139

البدنية و من المحتمل التفكيك في

الحكم بين انتفاء الاستطاعة البدنية و بين انتفاء الاستطاعة المالية بأن يقال باجزاء حجه هناك دون المحل المفروض بمقتضى تلك النصوص. فالقول بالإجزاء فيما نحن فيه بمقتضى تلك الاخبار قياس لورودها فيمن مات بعد دخول الحرم.

و (ثانيا): على فرض تسليم استناد انتفاء الاستطاعة بعد الموت إلى انتفاء المال و القدرة البدنية معا لكن مع ذلك لا يمكن القول بالإجزاء فيما نحن فيه تشبثا بتلك الاخبار لعدم خروجه عن القياس المحرم كما يرشدك اليه مجرد الالتفات إلى قضية ابان فلعل للموت خصوصية فتسرية الحكم من موردها الى ما نحن فيه منوطة بتنقيح المناط القطعي و هو غير حاصل كما لا يخفى هذا و يمكن الإشكال في أصل اعتبار الرجوع الى الكفاية في المقام بناء على عدم شمول الأخبار المفسرة للاستطاعة له و ان اعتباره انما هو لأجل العسر و الحرج و ذلك لأن دليل نفي العسر و الحرج امتنانى و شموله للمفروض خلاف الامتنان.

[المسألة الثلاثين في عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة]

قوله قده: (الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب.

لا ينبغي الإشكال في ذلك لاندراجه تحت الإطلاقات الكثيرة كقوله- عليه السلام- هذه لمن كان عنده مال و صحة. و في صحيح الحلبي «إذا كان يقدر على ما يحج به». و في صحيح معاوية «إذا كان عنده ما يحج به» أو «يجد ما يحج به» و غيرها من الإطلاقات التي تقدم ذكرها سابقا فلو ملك ما لا بهبة أو غيرها و كان بمقدار ما يحج به يحكم بوجوب الحج عليه إلا ان يقال ان هذه الإطلاقات مقيدة ببعض الأخبار الظاهرة في اشتراط الملكية في الزاد و الراحلة كقوله- عليه السلام-: في حديث حفص الكناسي في تفسير

الاستطاعة من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة. إلخ بدعوى ظهور اللام، في قوله- عليه السلام- «له زاد و راحلة» في الملكية لكنها غير مسموعة، لظهورها في مطلق الاختصاص فارادة الملكية منوطة بقرينة مفقودة في المقام و لا أقل من إجمالها فالإطلاقات- الدالة على كفاية مطلق اختصاص الزاد و الراحلة و إن كان على نحو الإباحة اللازمة أو غيرها في وجوب الحج- محكمة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 140

ثم إن المصنف (قده)- لما فصل فيما مضى بين الملكية اللازمة و الملكية غير اللازمة- ذكر هذا التفصيل أيضا فيما نحن فيه فقال بتحقق الاستطاعة بالإباحة اللازمة و عدم تحققها بالإباحة غير اللازمة، و الجواب الجواب، فلا نعيده.

[المسألة الثانية و الثلاثين إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين عليه السلام]

قوله قده: (إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين- عليه السلام- في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج.

في تقديم النذر مطلقا أو الحج مطلقا أو التفصيل أو تقديم ما هو المقدم سببا وجوه:

ذهب المصنف (قده) الى التفصيل بينما إذا تحقق الوجوب بالنذر قبل حصول الاستطاعة و ما إذا تحقق بعد حصولها فعلى (الأول) قدم على الحج لأن وجوب زيارة الحسين- عليه السلام- في يوم عرفة- مانع شرعي عن الحج و المانع الشرعي كالمانع العقلي، لأن الناذر بعد الوفاء بنذره غير قادر على الحج فيكون العمل بمتعلق نذره منافيا لتحقق موضوع وجوب حجة الإسلام فليس عليه ذلك لفقد شرطه و هو الاستطاعة، و هذا بخلاف ما إذا تحقق بعدها لوقوع المزاحمة حينئذ بين الخطاب بالوفاء بالنذر و بين وجوب امتثال الخطاب بالحج، فيتجه التخيير إن لم يكن في البين أهمية، و إلا فالأهم يقدم. هذا خلاصة ما يمكن تقريبه لما ذهب اليه المصنف

(قده).

و لكن يمكن القول بعدم الوجه لهذا التفصيل و ذلك لأن النذر على فرض تقدمه على الاستطاعة لو قلنا بمانعيته عنها كذلك لا بد من القول بمانعيته عنها على فرض تأخره عنها بلا فرق بينهما بيان ذلك: أنك قد عرفت أن المانع الشرعي كالمانع العقلي و انعقد النذر لرجحان متعلقة في نفسه و لو فرض حصوله بعد الاستطاعة فهو مانع شرعي عن الحج.

و النواهي الواردة في حق تارك الحج و مسوفه مختصة بما إذا لم يكن ذلك من جهة عذر يعذره اللّه كما وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار. كما في صحيح الحلبي «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» «1».

و لكن التحقيق: هو أن المانع الشرعي و إن كان كالمانع العقلي لكن النذر إنما يكون

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 141

مانعا شرعيا عن الحج لو فرض أهميته منه و مع فرض ذلك لا ينبغي الإشكال في كونه كالمانع العقلي و أما مع فرض عدم أهميته. بل أهمية الحج منه، فكونه مانعا شرعيا عن الحج أول الكلام، فعلى هذا لا يمكننا الالتزام بتقديم النذر على الحج سواء كان مؤخرا عن الاستطاعة أم مقدما عليها.

و الحاصل: أن تفصيله (قده) بين حصول النذر قبل الاستطاعة و بعدها في الحكم بتقديم النذر على الأول و بوقوع التزاحم على الثاني مما لا وجه له بل اللازم إما (القول) بتقديم النذر عليه مطلقا كما عرفت تقريبه. و إما (القول) بوقوع التزاحم بينهما مطلقا كما هو المختار و سيظهر لك وجهه.

ذهب المحقق

النائيني- رضوان اللّه تعالى- الى تقديم الحج على النذر مطلقا لانحلال نذره مطلقا سواء حصل النذر قبل الاستطاعة أم بعدها و ذلك لاشتراط صحة النذر بعدم كونه مزاحما لواجب و فيه: أنه لم يدل دليل على اعتبار ذلك في انعقاد النذر و صحته.

و أما ما ورد عن عبد اللّه بن سنان «1» و أبي الربيع الشامي «2» عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- لا يجوز يمين في تحليل حرام؛ و لا تحريم حلال؛ و لا قطيعة رحم بناء على شموله للنذر فليس المراد منه، أن لا يكون مستلزما لفعل حرام أو ترك واجب و إنما المراد منه أنه إذا كان نفس متعلق النذر حراما أو كان نفس النذر محرما للمتعلق الحلال لم يصح نذره و هذا كما ترى أجنبي عما نحن فيه حتى يستدل به على اعتبار عدم مزاحمة متعلق النذر لواجب في انعقاده.

فلا إشكال في صحة النذر من هذه الجهة و لا من جهة ما قيل من مرجوحية متعلق النذر في المحل المفروض بالنسبة الى ذلك الواجب و هو الحج سواء كان مقدما عليها أم مؤخرا عنها، لأن الذي يكون شرطا في صحة النذر- و انعقاده- انما هو رجحانه بالنسبة الى تركه لا بالنسبة إلى شي ء آخر، و إلا لزم عدم عدم صحة نذر الصلاة في غير المسجد الجامع من سائر المساجد لأن المسجد الجامع أفضل منه و عدم صحة نذر الصلاة في مسجد الجامع لأن مسجد الكوفة أفضل منه. بل يلزم أن لا يصح النذر إلا إذا تعلق بأفضل الأعمال. و هذا

______________________________

(1) الوسائل- ج 3- الباب 11- من أبواب اليمين الحديث 7.

(2) الوسائل- ج 3- الباب 11- من أبواب اليمين الحديث 6.

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 142

كما ترى بديهي البطلان.

و بالجملة المعتبر في صحة النذر على ما يستفاد من أدلته هو رجحان متعلقة بالنسبة الى تركه لا بالنسبة إلى شي ء آخر، كما انه لا يعتبر فيه عدم مزاحمته لواجب، فينعقد النذر إذا كان متعلقة راجحا بالنسبة إلى عدمه سواء كان مرجوحا بالنسبة إلى واجب آخر مزاحما له أم لا فاتضح أيضا ضعف القول بتقديم الحج على النذر مطلقا كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى- لا لأجل كفاية صرف وجود الرجحان في متعلقة حين النذر حتى يقال: أن المعتبر في انعقاد النذر هو الرجحان حين العمل. بل لأجل منع دخل ترك الحج في رجحان متعلق النذر و هو الزيارة و الحج و إن كان موضوعه حسب ما يستفاد من الأخبار المفسرة للاستطاعة الزاد و الراحلة و ليس ترك ضده من القيود العدمية المأخوذة في موضوعه و لا في ملاكه و لكن النذر أيضا كذلك لا يكون عدم مزاحمته لواجب آخر دخيلا في ملاكه. نعم، بعد تحقق موضوع كلا الخطابين و تمامية ملاكهما يقع التزاحم بينهما فأين المقام من المزاحمة في الملاك. فعلى هذا لا مجال لمنع انعقاد النذر. كما إنه لا مجال لاحتمال مانعيته عن أصل الخطاب بالحج لعدم تحقق موضوعه و هو الاستطاعة و الحاصل لا مجال للقول بانحلال النذر لأجل صيرورته مرجوحا، و يمكن أن يقال بتقديم ما هو المقدم سببا بتقريب: أنه إذا كان النذر مقدما و تحقق الوجوب فقد حصل المانع الشرعي عن وجوب الحج و المانع الشرعي كالمانع العقلي كما قرر في محله. و إذا كانت الاستطاعة مقدما فحينئذ قد وجب الحج فقد تحقق المانع الشرعي عن انعقاد تحقق النذر و

هو كالمانع العقلي.

و فيه: إن كون المانع الشرعي كالمانع العقلي و إن كان من حيث الكبرى صحيحا و لكن الكلام في الصغرى و هي كون أحدهما مانعا شرعيا عن الآخر إلا إذا ثبت أهمية أحدهما من الآخر فيكون مانعا و يقدم على المهم و إن كان مؤخرا عنه من حيث السبب. كما إذا فرضنا إن هناك غريقا يجب إنقاذه حين خروج الوفد الأخير بحيث يكون إنقاذه مزاحما للخروج معهم فيفوته الحج إذ المفروض عدم وفد آخر حتى يخرج معهم فلا شبهة حينئذ في تقديم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 143

إنقاذ الغريق على الحج لأجل الأهمية، و لم يقل أحد أن الاستطاعة الحاصلة قبل ذلك مانع شرعي عن إنقاذ الغريق كما لا يخفى. فالمدار في التقديم ليس إلا الأهمية، فلو كان المسبوق أهم يقدم على السابق المهم. و إن كان السابق أهم يقدم على المسبوق المهم.

إن قلت: إنه إذا حصل النذر قبل الاستطاعة و فرض إن الحج أهم فتقديم الحج عليه على فرض وجوبه مما لا إشكال فيه لمكان الأهمية. و لكن الإشكال في أصل وجوبه مع انعقاد النذر و كذلك إذا كانت الاستطاعة مقدمة على النذر و فرض أهمية النذر فتقديمه على الحج على فرض انعقاده مسلم لمكان الأهمية و لكن الكلام في أصل انعقاد النذر مع تحقق الاستطاعة.

قلت: إنه لا ينبغي الإشكال في انعقاد النذر و تحقق وجوب الحج و ذلك لعدم كون موضوع الحج حسب ما يستفاد من الاخبار المفسرة للآية الشريفة إلا الزاد و الراحلة و تخلية السرب و الاستطاعة البدنية و كذلك سعة الوقت بحكم العقل و الفرض تحقق جميع تلك الشرائط في مفروض البحث سواء كان النذر مقدما عليها

أم لا فوجب الحج عليه و لم ينهض دليل تعبدي على اعتبار عدم تقدم نذر عليها في موضوع وجوب الحج حتى يقال ان تقدم النذر مانع عن وجوبه و (بعبارة أخرى) أنه لم يشترط في وجوب الحج حسب ما يستفاد من أدلته عدم مزاحمته لواجب آخر. نعم، إذا قام دليل تعبدي على اعتبار ذلك فلا بد من الالتزام بعدم وجوب الحج مع حصول النذر و لكنه مفقود. فعلى هذا يكون الحج بعد تحقق جميع شرائطه من الزاد و الراحلة و غيرهما واجبا و لو كان مزاحما لواجب آخر، و كذلك لا يمكن إنكار انعقاد أصل النذر و ان كان مؤخرا عن حصول الاستطاعة و ذلك لان شرط انعقاده ليس الا رجحان متعلقة و هو مفروض التحقق و لم يدل دليل تعبدي على كون عدم تقدم الاستطاعة من شرائط انعقاده. نعم هو مرجوح بالنسبة إلى الحج. و لكن قد عرفت أن الرجحان المعتبر في انعقاد النذر هو رجحان المتعلق بالنسبة الى تركه لا بالنسبة الى جميع الأضداد المتصورة له.

فالتحقيق: ان كلا من الحج و النذر فيما نحن فيه واجب لتمامية موضوعه سواء تقدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 144

النذر أم الاستطاعة فيتحقق المزاحمة بينهما فلا بد من ملاحظة الأهمية و المهمية بينهما فإن أحرز أهمية أحدهما من الآخر فهو يقدم و إلا فيتجه التخيير فعلى هذا لا يبقى مجال لما أفاده المصنف (قده) من تقديم النذر على الحج فيما إذا تقدم النذر على الاستطاعة. و ما أفاده المحقق النائيني، من تقديم الحج على النذر و كذلك لا يبقى مجال للقول بالتفصيل و تقديم ما هو المقدم سببا. ثم إنه لا ينبغي الإشكال في أن تشخيص

الأهمية إنما يكون بنظر الشارع لا بنظر العرف لأن عقولنا قاصرة عن إدراك الملاكات الثابتة في متعلقات الأحكام فلا بد لنا من مراجعة الأخبار يمكن أن يقال باستفادة أهمية النذر من الحج لثبوت العقاب و الكفارة معا في ترك النذر بخلاف ترك الحج لثبوت العقاب فقط في تركه و هذا كاشف عن أهمية النذر من الحج.

(و فيه): أن من الممكن واقعا ان يكون في ترك المهم كفارة و لم يكن ذلك في ترك الأهم فلعل في الحج تكون مصلحة أقوى من المصلحة الموجودة في النذر و لم نطلع عليها لعدم علمنا بالغيب و ثبوت الكفارة في النذر لعله تابع لمصلحة أخرى لا لأهمية مصلحته كي توجب تقدمه على الحج. و يمكن أن يقال في خصوص نذر زيارة عرفة: بأنه أهم من الحج لما ورد من أن اللّه تعالى ينظر الى زوار الحسين- عليه السلام- في يوم عرفة قبل أن ينظر الى الحجاج.

و فيه: ان هذا انما يدل على أكثرية ثواب زيارته في يوم عرفة من ثواب الحج و العبرة في ترجيح أحد المتزاحمين ليست بأكثرية الثواب بل يكون بأهمية الملاك. و الثواب غير الملاك كما لا يخفى. فان الثواب ما يترتب على امتثال الحكم و الملاك هو ما يترتب عليه الحكم و كيف يكون زيارة الحسين- عليه السلام- مع قطع النظر عن النذر أهم من حجة الإسلام مع أنها واجبة و هو مستحب و الواجب لا شك في كونه أهم ملاكا من المستحب و لا ينافي ذلك أن يكون ثواب المستحب أكثر من ثواب الواجب كما في السلام الذي يكون ثوابه أكثر من ثواب رده مع ان رد السلام واجب و نفس السلام مستحب و

ما يترتب على ترك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 145

رد السلام من المفسدة لا يترتب على ترك السلام كما لا يخفى.

و يمكن أن يقال بأهمية الحج من النذر لأن التوعيدات التي تضمنتها الروايات في ترك الحج كما ورد: من أنه يقال لتارك الحج (فليمت يهوديا أو نصرانيا). و ما ورد من إطلاق عنوان الكافر عليه لم ترد شي ء من ذلك في ترك المنذور فيستكشف من تلك الأخبار أن الحج أهم من النذر فيقدم عليه و لا أقل من احتمال أهميته من النذر و هو كاف في تقديمه عليه فتقديم الحج عليه ليس من باب ما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- بل من جهة أهميته و إن لم نقل بأهمية الحج فالمرجع التخيير.

[المسألة الثالثة و الثلاثين في تقديم الحج على النذر]

قوله قده: (النذر المعلق على أمر قسمان تارة يكون التعليق على وجه الشرطية كما إذا قال إن جاء مسافري فلله علي أن أزور الحسين- عليه السلام- في عرفة، و تارة يكون على نحو الواجب المعلق كان يقول للّه علي أن أزور الحسين- عليه السلام- في عرفة عند مجي ء مسافري فعلى الأول يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة قبل مجي ء المسافر و على الثاني لا يجب.

ما ذكره (قده) على مبناه صحيح فان مبناه على ما عرفت هو أنه لو توجه اليه الخطاب بالوفاء بالنذر قبل الاستطاعة منع ذلك عن تحقق الاستطاعة. بخلاف ما إذا كانت الاستطاعة مقدمة عليه و على هذا يتجه التفصيل بينما إذا كان نذره على نحو التعليق. و ما إذا كان على نحو الشرطية. و المفروض على أى حال أن أصل النذر مقدم على الاستطاعة بحصول المعلق عليه أو الشرط مؤخر عنها فان كان نذره على نحو التعليق فتحقق

المعلق عليه في الخارج كاشف عن أن الخطاب بالوفاء كان ثابتا قبل تحققه بمجرد النذر، فهو مانع عن حصول الاستطاعة. و هذا بخلاف ما إذا كان على نحو الشرطية لأنه قبل تحقق الشرط لم يجب عليه شي ء حتى بصير مانعا عن حصول الاستطاعة. و أورد المحقق النائيني على المصنف بان النذر على نحو التعليق ليس قسيما للنذر على نحو الشرطية بل النذر على نحو التعليق أيضا قسم من النذر على نحو الشرطية.

و (فيه): أن مقصود المصنف (قده) أيضا ليس جعله قسيما له و إن كان ربما يوهمه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 146

العبارة. بل هو قسم منه لكن في هذا القسم يكون الوجوب متحققا قبل تحقق الشرط، فيمنع عن حصول الاستطاعة على مبناه بخلاف ما إذا لم يكن كذلك. فان الوجوب حينئذ يتحقق حين تحقق الشرط فقبله لا وجوب حتى يمنع عن حصول الاستطاعة فيختلف الحكم فيهما و ان كان النذر في كليهما مشروطا.

[المسألة الرابعة و الثلاثين في الاستطاعة البذلية]

قوله قده: (إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له حج و علي نفقتك و نفقة عيالك وجب عليه.

و يدل عليه بعد الإجماع المحكي عن الخلاف؛ و الغنية؛ و ظاهر التذكرة؛ و المنتهى؛ بالنصوص الكثيرة الواردة في المقام منها:

1- صحيح محمد بن مسلم المروي في كتاب التوحيد سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: يكون له ما يحج به قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج «1» 2- خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: فان كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى و

لم يفعل، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر «2» 3- حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج «3» 4- صحيح هشام بن سالم عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «4».

5- عن أسامة بن زيد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: سألته ما السبيل؟ قال: يكون له ما يحج به

______________________________

(1) صدره في الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه في حديث 1 و ذيله في الوسائل- ج 2، الباب 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه في حديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(3) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 147

قلت: أ رأيت ان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك؟ قال: هو ممن استطاع اليه سبيلا قال:

و إن كان يطيق المشي بعضا و الركوب بعضا فليفعل قلت: أ رأيت قول اللّه و من كفر أ هو في الحج؟ قال: نعم هو كفر النعم و قال:

من ترك «1».

6- خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قلت: له من عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال: مره فلا يستحيى و لو على حمار أبتر و ان كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «2».

7- عنه أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه رجل كان له مال فذهب ثم عرض عليه الحج فاستحيى فقال: من عرض عليه الحج فاستحيى و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج «3». و غير ذلك من الأخبار. الظاهر من جملة أخبار الباب عدم ملاحظة الشرف بالنسبة إلى الراحلة و أن استلزم العسر و الحرج فمقتضى القاعدة تخصيص أدلة نفي العسر و الحرج بهذه الأخبار. و قد بينا سابقا أنه لا وجه لحمها على محامل بعيدة كحملها على من استقر عليه الحج بالبذل أو بالاستطاعة المالية أو غيرهما من المحامل، فيحكم بوجوب الحج على المبذول له و لو على حمار أجدع أبتر الذي ينافي شرفه و شخصيته.

إن قلت: كيف يمكن القول بوجوبه بالبذل بهذا المقدار من التوسعة مع أن السفر على حمار أجدع أبتر ذلة عظيمة للمؤمن و مخالف للعقل السليم الحاكم بأن اللّه تعالى لا يرضى بذلك كما لا يخفى على من له أدنى التفات الى مذاق الشارع المقدس الذي يهتم بعزة المؤمن و حفظ حرمته. و من المعلوم أن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة كما في الخبر فكيف يتصور وجوبه عليه على حمار أجدع أبتر بذلة و حقارة و مشقة.

قلت: هذه استحسانات لا يمكن الاعتماد عليها في قبال هذه الأخبار الصريحة الدالة على وجوب الحج عليه و لو على حمار أجدع أبتر.

و بالجملة

لا تجري قاعدة نفي العسر و الحرج بالنسبة إلى الضعة و الشرف في خصوص الراحلة لتخصيصها بهذه الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 148

هذا و لكن مع ذلك في النفس شي ء و هو يلجئنا الى حمل صحيح هشام المتقدم الدالة على وجوب الحج بالبذل و لو على حمار أجدع أبتر المطابق مضمونه لغيره من الضعاف الواردة في المقام على بعض المحامل التي أشرنا إليه سابقا في المباحث المتقدمة فعليه لم يبق في البين إلا صحيح محمد بن مسلم و لكنه أيضا لا يدل إلا على أن بالبذل يتحقق الاستطاعة فيكون مضمونه مطابقا لما هو ظاهر معقد الإجماع المدعى في المقام.

نعم، تجري بالنسبة إلى القوة و الضعف و كذا بالنسبة إلى الزاد بحسب القوة و الضعف و بحسب الضعة و الشرف.

ثم لا يخفى: أن مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق في وجوب الحج على المبذول له بمجرد البذل بين أن يكون البذل بالإباحة و بالتمليك و لا بين كون البذل واجبا على الباذل بنذر و شبهه و عدمه، و لا بين بذل عين الزاد و الراحلة و أثمانهما، و لا بين كون الباذل موثوقا به و عدمه.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس على ما حكاه صاحب الجواهر و صاحب الدروس (قد سرهما) من تخصيص الحكم بصورة التمليك. و كذا ضعف ما ذهب اليه المحقق الكركي في جامع المقاصد من تخصيص الحكم بصورة وجوب البذل

بنذر و شبهه. و كذا ضعف ما ذهب اليه الشهيد الثاني من تخصيص الحكم بما بذل عين الزاد و الراحلة دون أثمانهما.

و قال في المدارك: (لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم و المشقة الزائدة فكان منفيا.

و مال الى ذلك صاحب الجواهر حيث قال: (قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر و الخطر عليه).

و التحقيق في ذلك أن يقال: مع عدم وثوقه بوفاء الباذل بالبذل (تارة) يكون في رواحة إلى الحج خوف تلف نفسه و (أخرى) لا يكون كذلك فعلى (الأول) لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه و على (الثاني) يمكن القول بالوجوب لإطلاق نصوص الباب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 149

و يمكن القول بعدم وجوب الحج عليه لعدم كون قول الباذل: (حج و على نفقتك) موضوعا لوجوب الحج عليه بل الموضوع هو البذل الفعلي حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط كما لا يخفى. و لذا لو فرضنا أن المبذول له علم من أول الأمر بعدم وفاء الباذل ببذله بقاء أو لم يعلم بذلك و لكن رجع الباذل عن بذله في الأثناء فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه في هاتين الصورتين لكشف عدم وفاء الباذل بقاء عن عدم الاستطاعة التي هي موضوع الوجوب.

و بالجملة فلا إشكال في أن موضوع وجوب الحج هو البذل المستمر الى آخر الأعمال و الى أن يرجع الى وطنه فإذا كان واثقا و عالما برجوعه عن بذله فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه. و إذا كان واثقا بعدم رجوعه فلا ريب في وجوبه عليه.

و أما

مع الشك في البقاء فلا يمكن إثبات الوجوب بالإطلاقات لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فحينئذ يتجه القول بأنه مع عدم الوثوق بالوفاء نشك في وجوب الحج عليه فيجري فيه البراءة.

نعم، لو لم يحج لعدم وثوقه بوفاء الباذل ببذله ثم تبين وفائه به كشف عن ذلك استقرار وجوب الحج عليه. و مما ذكرنا من التفصيل- بين صورة الوثوق و عدمه في الحكم بالوجوب في الصورة الأولى دون الثانية- يتجه أيضا التفصيل بين صورة وجوب البذل بنذر و شبهه، و عدمه و ذلك لاحتمال رجوعه عن بذله في الأثناء إذا لم يكن البذل واجبا عليه. و قد عرفت أنه مع هذا الاحتمال لا يجب عليه قبول البذل.

و لا يخفى ما فيه لأنه إذا كان صرف احتمال الرجوع في البذل غير الواجب موجبا للحكم بعدم وجوب الحج عليه، لكان اللازم الالتزام بعدم وجوبه في البذل الواجب أيضا، لوجود هذا الاحتمال كسابقه لاحتمال رجوعه عنه عصيانا، فالتفصيل بين البذل الواجب و غيره مما لا وجه له، فالعبرة في الوجوب و عدمه بالوثوق و عدمه فإذا كان واثقا بوفاء الباذل ببذله فلا إشكال في وجوب الحج عليه و إلا فلا كما أفاده صاحب المدارك (ره).

و لكن التحقيق: أن هذا التفصيل أيضا مما لا وجه له، و ذلك لأنه كما يتصور في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 150

الاستطاعة البذلية احتمال رجوع الباذل عن بذله كذلك يتصور في الاستطاعة المالية احتمال تلف المال و موت المستطيع في الأثناء، و من المعلوم أن الاستطاعة ليست بوجودها الحدوثى موضوعا لوجوبه عليه، بل بوجودها الحدوثى و البقائى كما عرفت سابقا.

فعلى هذا إذا قلنا بعدم وجوب الحج عليه بصرف عدم وثوقه بوفاء

الباذل ببذله و احتمال رجوعه عنه في الأثناء فيلزم به عدم وجوب الحج على أحد في العام الأول من الاستطاعة المالية أيضا لعدم وثوقه بقاء المال الى آخر الأعمال و بطلان ذلك بمكان من الوضوح فوزان الاستطاعة البذلية وزان الاستطاعة المالية فكما يحكم هناك بوجوب الحج في العام الأول مع الشك في بقاء المال الى آخر زمان يعتبر بقائه فيه استنادا الى استصحاب بقائه فكذلك في الاستطاعة البذلية فمع الشك في وفاء الباذل بالبذل يحكم بوجوب الحج على المبذول له لاستصحاب البذل و من هنا ظهر ضعف ما مال اليه صاحب المدارك و صاحب الجواهر: من التفصيل بين صورة بوفاء الباذل و عدمه في الحكم بالوجوب في الصورة الأولى دون الثانية. نعم، لو خرج الى الحج و رجع الباذل عن بذله في الأثناء و لم يكن للمبذول له ما يتم به الحج كشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه كما لا يخفى.

قوله قده: (و كذا لو لم يبذل نفقة عياله.

يقع الكلام: في أنه هل يشترط في الاستطاعة البذلية بذل نفقة العيال أو لا؟ مقتضى إطلاق النصوص الواردة في المقام هو عدم اعتبار ذلك في تحقق الاستطاعة البذلية لعدم ذكر دلالتها على اعتبارها فيها خلافا لما ذهب اليه المصنف (قده) و لكن يمكن الاستدلال على اعتبار ذلك بوجهين:

(الأول)- ما يختص بالعيال الواجبي النفقة و هو وجوب نفقتهم عليه المزاحم لوجوب الحج. لكن فيه: أن هذا الوجه لا يثبت شرطية بذل مؤنة العيال في الاستطاعة البذلية بناء على ما هو الحق من أنه ليس من قيود الموضوع و هو الاستطاعة عدم مزاحمته لواجب آخر. و قد بينا سابقا أن موضوع وجوب الحج يتحقق و لو مع مزاحمته

لواجب آخر فلا نعيده.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 151

و أما بناء على ما ذهب اليه بعض الفقهاء من اعتبار ذلك في تحقق موضوع وجوب الحج و القول: بأن وجوب عمل آخر غير الحج مانع عن وجوبه و رافع لموضوعه فمن الواضح انه لا يبقى مجال للقول بوجوب الحج عليه فيما إذا لم يبذل نفقة عياله و لم يكن متمكنا من إعطاء نفقتهم لو خرج الى الحج، لأن المفروض أن وجوب نفقة عياله مع مزاحمتها للحج مانع عن وجوبه و لو كان منشئا وجوبه الاستطاعة البذلية.

اللهم إلا أن يقال أن اعتبار عدم مزاحمته لواجب إنما يختص بالاستطاعة المالية و لا يعم الاستطاعة البذلية فعليه ليس وجوب نفقة العيال مانعا عن وجوب الحج عليه لتحقق موضوعه و هو بذل الزاد و راحلة. و أما عدم مزاحمته لواجب فلأن المفروض عدم جعله من قيود موضوعية الاستطاعة البذلية لوجوب الحج.

و فيه: أن غاية ما يستفاد من نصوص المقام هي سعة الدائرة في ما نحن فيه بالنسبة إلى الراحلة و أما بالنسبة إلى باقي الجهات فلا لما عرفت سابقا من أن هذه النصوص الدالة على عدم كون خسة الراحلة مانعة عن الاستطاعة في مقام بيان ماهية الاستطاعة سواء تحققت بالبذل أو غيره.

و بالجملة لا فرق بين الاستطاعة البذلية و المالية في شرطية عدم مزاحمتهما لواجب آخر و عدم شرطيته لهما فان قلنا باشتراط ذلك في حصولها، اتجه عدم وجوب الحج عليه مع المزاحمة لمؤنة العيال الواجبي النفقة، و إن قلنا بعدم اشتراط ذلك في حصولها كما هو الحق لما تقدم سابقا تقع المزاحمة بين وجوب الحج و وجوب النفقة فلا بد في التقديم من ملاحظة الأهمية فإن كان وجوب

نفقة العيال أهم قدم على الحج قطعا و كذا العكس و إلا فالمرجع التخيير.

(الثاني)- ما يعم العيال الواجبي النفقة و غيرهم و هو أن ترك نفقة العيال أمر حرجي فيرتفع به وجوب الحج عملا بمقتضى أدلة نفي العسر و الحرج.

و لا يخفى أن هذا الدليل إنما يتم فيما إذا استلزم ترك نفقة العيال الحرج على المبذول له كما هو كذلك لغالب الناس و إلا وجب عليه الحج و إن استلزم الحرج على العيال و لم يكن حرجا على المبذول له كما في بعض الأفراد.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 152

ثم، لو فرض عدم تمكن المبذول له من نفقة عياله على أى حال من دون فرق بين الذهاب الى الحج و عدمه لعدم قدرته على التكسب فلا إشكال في عدم كونه مانعا عن وجوب الحج عليه بالاستطاعة البذلية، لما عرفت من أن النصوص الواردة في المقام مطلقة و لم يذكر فيها قيد وجدان نفقة العيال. فعلى هذا يحكم بوجوب الحج على المبذول له و إن لم يبذل نفقة عياله و لا يجري في ذلك ما تقدم من حكم مزاحمة الحج لواجب آخر و هو وجوب نفقة عياله لأن المفروض عدم وجوب نفقة عياله عليه لعدم قدرته على تحصيلها، فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بأنها رافعة لموضوع الاستطاعة كما لا يصح هنا رفع وجوب الحج بقاعدة نفي العسر و الحرج لأن المفروض عدم تمكنه من نفقة عياله فالحرج موجود حتى مع ترك الحج.

[المسألة الخامسة و الثلاثين لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية]

قوله قده: (لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية. نعم، لو كان حالا و كان الديان مطالبا مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج و لو تدريجا ففي كونه مانعا أو

لا وجهان.).

التحقيق أنه مع مزاحمة الحج للدين المطالب يتجه التخيير، لوجوب كليهما عليه، و لا ينفى موضوع الاستطاعة كما تقدم تفصيله.

[المسألة السادسة و الثلاثين لا يشترط الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية]

قوله قده: (لا يشترط الرجوع الى كفاية في الاستطاعة البذلية.).

مقتضى إطلاق الأدلة ذلك، و هذا الإطلاق محكم فيما إذا لم يتفاوت عدم وجدانه للكفاية بعد الحج بين قبوله البذل و عدمه. و أما مع التفاوت كما إذا فرض أنه لو لم يحج لظفر بمال بتجارة أو غيرها بخلاف ما إذا حج لعدم ظفره حينئذ بتلك التجارة أو غيرها فيرجع فاقدا للكفاية و يقع في العسر و الحرج، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في عدم وجوب قبول البذل عليه.

و بالجملة حكم الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية حكم مؤنة العيال فيها فكما لم يرد دليل تعبدي بالنسبة إلى اعتبار الرجوع الى كفاية في تحقق الاستطاعة البذلية كذلك لم يرد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 153

دليل تعبدي بالنسبة إلى اعتبار مؤنة العيال فيها فلا بد من التكلم فيهما على ما تقتضيه القاعدة و مقتضاها عدم وجوب الحج مع استلزامه العسر و الحرج بدون نفقة العيال و الرجوع الى الكفاية أو المزاحمة لواجب آخر و إلا فلا شبهة في وجوب الحج عليه.

فعلى هذا لا وجه لما يظهر من عبارة المصنف (قده)- من التفصيل بين مؤنة العيال و الرجوح إلى الكفاية- في الحكم باعتبار الأول في تحقق الاستطاعة البذلية دون الثاني.

[المسألة السابعة و الثلاثين لو وهبه ما يكفيه للحج]

قوله قده: (و كذا لو وهبه و خيره بين أن يحج به أو لا.).

التحقيق كما إختاره المصنف (قده) هو أنه كما يحكم بوجوب الحج على المبذول له فيما إذا وهبه ذلك للحج تعيينا. كذلك يحكم بوجوبه عليه فيما لو وهبه المال و خيره بين أن يحج به أو يزور الحسين- عليه السلام- مثلا:

و الوجه في ذلك هو أنه كما لا إشكال في الواجبات التخييرية في صدق عنوان الواجب

على كل عدل منها غاية الأمر أن الإتيان بأحد الأبدال موجب لسقوط العدل الآخر عن ذمته كذلك لا إشكال في البذل التخييري في صدق عنوان البذل على كل عدل منهما، فيصدق عليه في هذه الصورة أنه عرض عليه الحج و بذل له المال للحج، و يصدق أيضا إنه عرض عليه زيارة الحسين- عليه السلام- مثلا. فعلى هذا لا ينبغي الإشكال في وجوب الحج عليه في هذه الصورة، و ذلك لأن المدار في الحكم بوجوب الحج عليه هو صدق عنوان البذل و عرض الحج عليه اللذين هما موضوع الوجوب في النصوص المتقدمة فمقتضى إطلاقها الحكم بوجوب الحج عليه معينا.

هذا كله لو وهبه المال و خيره بين الحج و غيره. و أما لو وهبه و لم يذكر الحج لا على نحو التعيين و لا على نحو التخيير فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القبول عليه لعدم صدق عنوان عرض الحج عليه و مع القبول لا شبهة في خروجه عن الاستطاعة البذلية و دخوله في الاستطاعة المالية، فيعامل معه معاملة الاستطاعة المالية فإن كان بمقدار ما يحج به يجب الحج و إلا فلا.

[المسألة التاسعة و الثلاثين لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة]

قوله قده: (لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة و شرط عليه أن يحج به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 154

فالظاهر الصحة و وجوب الحج عليه إذا كان فقيرا. أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه.)

لا ينبغي الإشكال فيما أفاده المصنف (قده) في آخر كلامه من صحة شرط الحج عليه فيما لو إعطاء الزكاة من سهم سبيل اللّه و عليه القبول، لأن تعيين مصرفه إنما يكون بيد من عليه ذلك فله التعيين بنفسه إن كان عارفا بمصارفه و إلا فعليه الرجوع الى من يكون

عارفا بذلك.

و أما لو أعطاه من الزكاة أو الخمس لا من سهم سبيل اللّه بل باعتبار كونه فقيرا فهذا يتصور على قسمين:

(أحدهما) أن يكون ما أعطاه بمقدار ما يحج به و مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية بحيث يتحقق له الاستطاعة المالية.

و (ثانيهما) أن لا يكون كذلك بان كان بمقدار نفقة الحج فقط.

أما القسم الثاني فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه لعدم تحقق موضوعه لا بالاستطاعة المالية و لا بالاستطاعة البذلية. أما عدم تحقق الاستطاعة المالية فلفقدانه بعض شرائطها و هو مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية. و أما عدم تحقق الاستطاعة البذلية، فلأن مقدار الخمس أو الزكاة ليس ملكا للمعطى بل هو ملك للفقير و إنما يعطيه حقه و ليس لمن عليه الخمس أو الزكاة ولاية على اشتراط مصرف بالخصوص فهذا القسم من إعطاء المال خارج عن مسألة البذل. نظير، أن يعطى مال زيد له مشترطا عليه بان يحج به فكما لا يصح ذلك هناك و لا يصدق البذل فكذلك فيما نحن فيه فلا يجب على مستحق الخمس أو الزكاة الوفاء بشرط الحج.

هذا كله فيما إذا كان ما أعطاه من الخمس أو الزكاة أقل من الاستطاعة المالية. و أما القسم الأول و هو كون ما أعطاه خمسا أو زكاة بمقدار الاستطاعة فيقع البحث في ذلك من جهات ثلاث:

(الجهة الأول) في أنه هل يجوز إعطاء الخمس للفقير بمقدار الاستطاعة المالية للحج أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في عدم جواز إعطائه منه أزيد من مؤنة سنته فجواز إعطائه منه بمقدار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 155

الاستطاعة المالية للحج متوقف على دخول نفقة حجه في مؤنة سنته، فان قلنا به جاز ان يعطيه ذلك و

صح، و إلا فلا. و الظاهر هو الأول و ذلك لأنه ليس سفر الحج الا كسفر زيارات الأئمة- عليهم السلام- و من المعلوم عند العرف أنه إذا ذهب الفقير إلى زيارة الحسين- عليه السلام- أو الى زيارة النبي- صلى اللّه عليه و آله- أو غيرهما من المعصومين- عليهم السلام- لا يقال: إنه صرف ما لا يكون أزيد من مؤنة سنته. نعم، من الواضح اختلاف الغنى و الفقير شرفا و ضعة في مقدار صرف المال بحسب جودة المركب و ردائته و نحو ذلك من الأمور.

فلو صرف مالا كثيرا في الزاد و الراحلة و هيئ منصبا ما يناسب حال الأغنياء صدق عرفا أنه صرف أزيد من مؤنة سنته و لكن صدق ذلك ليس من جهة ذهابه إلى زيارة الإمام- عليه السلام- بل من جهة صرفه في سفره أزيد مما يليق بشأنه و حاله. إذا عرفت ذلك ظهر جواز إعطاء الفقير من الخمس بمقدار الاستطاعة المالية فإذا أعطى ذلك وجب عليه الحج و إذا حج أجزأه عن حجة الإسلام إذا اجتمع فيه جميع ما يعتبر في وجوبها من تخلية السرب، و صحة البدن، و غيرهما من الشرائط.

هذا كله في الخمس.

و أما في الزكاة فلا إشكال في جواز إعطائه أزيد من مؤنة سنته مرة واحدة بلغ ما بلغ فلا يفترق الأمر فيها بين القول بأن الحج يكون من مؤنة سنته، و بين القول بعدمه، فإذا أعطاه منها بمقدار الاستطاعة المالية، يحكم بوجوب الحج عليه إذا كان واجدا للشرائط الآخر، و لو حج أجزأه عن حجة الإسلام و لو تركه حتى زالت عنه الاستطاعة يجب عليه الحج و لو متسكعا. ما أفاده (قده)- من جواز إعطاء سهم الفقراء للحج و

الزيارة مناف لما أفاده في باب الزكاة من عدم جواز إعطائه.

(الجهة الثانية) أنه هل تكون هذه المسألة من البذل أو لا؟

التحقيق: أنه لا ربط لها بمسألة البذل و ذلك لأنه في البذل إنما يعطيه المال بعنوان السير الى الحج بإباحة أو بتمليكه إياه لأجل الحج لكون الباذل صاحب المال و مالكا له. و أما فيما نحن فيه فليس ما يعطيه بهبة و لا بإباحة لعدم كون المعطى مالكا له بل إنما يعطى الفقير حقه لأن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 156

الفقير شريك مع الغنى فيما تعلق به الخمس أو الزكاة على ما حققناه في محله. و قلنا بتعلق حقه بعين المال بنحو الإشاعة، و ليس الخمس أو الزكاة صرف حكم تكليفي. فعلى هذا يمكن للفقير أن لا يأخذ من الخمس أو الزكاة بمقدار الاستطاعة المالية لأن لا يتحقق له الاستطاعة، لأن قبوله تحصيل لها، و هو غير واجب بالاتفاق. و هذا بخلاف البذل إذ بمجرد عرض الحج عليه يحكم بوجوبه عليه من دون توقفه على القبول.

(الجهة الثالثة) في أنه هل يترتب على اشتراط الحج عليه أثر أم لا؟

قد تقدم أنه ليس له الولاية على هذا الشرط، و حيث أن المفروض تحقق الاستطاعة المالية بأخذه الخمس أو الزكاة فيحكم بوجوب الحج عليه، سواء شرط عليه الحج أم لا (فائدة): لو أعطى الخمس أو الزكاة لغير المستحق و شرط عليه أن يحج به (فتارة) يكون المعطى عالما بعدم استحقاقه له و (أخرى) يكون جاهلا بالموضوع أو الحكم فان كان عالما فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج على الآخذ، لعدم تحقق الاستطاعة بعد فرض عدم استحقاقه للخمس أو الزكاة. هذا إذا قصد المعطى عنوان الخمس أو

الزكاة على تقدير تمشي هذا القصد منه. و أما إذا لم يقصد المعطى ذلك، لعلمه بعدم استحقاق الآخذ، فيندرج في مسألة البذل، لكون المبذول حينئذ مال نفس المعطى لا خمسا أو زكاة، و يجرى عليه أحكام الاستطاعة البذلية. و إن كان جاهلا بالموضوع أى عدم استحقاق الآخذ أو الحكم فقصد المعطى الخمس أو الزكاة فعدم وجوب الحج على الآخذ في غاية الوضوح، إذ المفروض عدم استحقاقه المانع عن تملكه للخمس أو الزكاة، فلا وجه لوجوب الحج عليه.

هذا كله في صورة عدم تعين مقدار الخمس أو الزكاة فيما أعطاه له قبل الإعطاء و أما إذا تعين في ذلك فلا فرق حينئذ في عدم وجوب الحج على الآخذ بين صورة العلم و الجهل لأنه قد أعطى مال الفقير لغير صاحبه و هذا نظير البذل بالمال المغصوب فلا يجرى عليه أحكام البذل الصحيح أصلا لعدم مالكيته للمبذول. ثم لو حج غير المستحق بهذا المال فهل يصح حجه أو لا؟ و على فرض صحة حجه هل يجزى عن حجة إسلامه أو لا؟

تفصيل الكلام في ذلك هو أن المعطى ان كان عالما بعدم استحقاق الآخذ و لم يتمشى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 157

منه قصد الخمس أو الزكاة فقد عرفت دخول في الاستطاعة البذلية و عدم الإشكال في صحة حجه و حينئذ ان كان الآخذ مستطيعا سابقا أو صار مستطيعا بأخذ هذا المال فلا إشكال في الإجزاء أيضا و لا أثر لاشتراط الحج عليه، و إلا فهو داخل في المسألة الآتية من أنه هل الحج البذلى مجز عن حجة الإسلام أم لا؟ و سيأتي الكلام فيه- إنشاء اللّه تعالى.

هذا كله فيما إذا كان المعطى عالما بعدم استحقاقه و لم

يتمش منه قصد الخمس أو الزكاة و إن كان جاهلا بذلك أو كان عالما به و لكن تمشي منه قصد الخمس أو الزكاة فلا ينبغي الإشكال في عدم صيرورة الآخذ مالكا له، فلو كان الأخذ عالما بعدم استحقاقه ففي صحة حجه إشكال لعدم جواز تصرفه في ثوبي الإحرام لعدم كل من الملك و الإباحة إلا إذا كان ثوبا الإحرام من مال نفسه فلا إشكال حينئذ في صحة حجه فان كان سابقا مستطيعا و لم يحج أجزأ عما استقر في ذمته و إلا فلا و لو كان الآخذ جاهلا بذلك فلا إشكال في صحة حجه و إن فرض أنه قد اشترى ثوبي الإحرام من ذلك، فهو و إن لم يملكه، إلا أنه لا يضر بحجه لكونه جاهلا بأنه مال الغير. فهو نظير ما إذا صلى في ساتر مغصوب جاهلا بغصبيته فإنه لا ينبغي الإشكال في صحة صلواته لأن قوام التزاحم بالعلم و كذا الحال فيما نحن فيه فلا إشكال في صحة حجه في هذه الصورة فحينئذ إذا كان مستطيعا بالاستطاعة المالية أجزأ حجه عن حجة الإسلام و إلا فلا.

و أما ثمن هديه فلا إشكال في أنه لو كان من ذلك المال فذبحه غير مجز فإنه يكون نظير ذبح هدى الغير لانه يعتبر في الهدى أن يكون مالكا له و إذا اشتراه بعين مال الغير لم يملكه فلا يحسب له ذلك من دون تفاوت في ذلك بين صورة العلم و الجهل هذا لكن بطلان هديه لا يضر بصحة حجة، بل الهدى يبقى في ذمته، فان كان واجدا لثمن الهدى من مال نفسه فعليه ذبح هدى آخر، و لو لم يكن يخلف الثمن، و إن لم يكن واجدا

لثمنه أيضا تعين عليه الصوم. نعم، لا يكون معاقبا في تركه مع الجهل العذري كما لا يخفى.

[المسألة الأربعين الحج البذلى مجز عن حجة الإسلام]

قوله قده: (الحج البذلى مجز عن حجة الإسلام فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 158

هذا مما هو المعروف قديما و حديثا. و يدل على ذلك غالب أخبار الباب- الظاهرة في كون حجه حجة الإسلام- بعد ضم ذلك الى ما ورد من الروايات الدالة على أن حجة الإسلام ليست في العمر الإمرة واحدة و أظهر أخبار الباب الدالة على فتوى المشهور هو ما عن معاوية ابن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- رجل لم يكن له مال، فحج به رجل من أخوانه، هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال- عليه السلام-: بل هي حجة تامة «1» و لو كنا نحن و هذه الأخبار لكنا نحكم بعدم وجوب الحج عليه ثانيا. و لكن ورد في قبالها ما يدل على عدم إجزاء حج المبذول له عن حجة الإسلام و الحكم بوجوب الحج عليه ثانيا إذا حصل له الاستطاعة المالية بعده و هو موثقة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال: نعم قال: فإن أيسر بعد ذلك، فعليه أن يحج قلت: هل تكون حجة تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال- عليه السلام-: نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة ليست بناقصة و إن أيسر فليحج «2».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو أن رجلا معسرا أحجه رجل

كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه أن يحج «3» فعلى هذا يقع التهافت بينهما و بين الأخبار الواردة في المقام لدلالتهما على وجوب إعادة الحج بعد اليسار و التمكن منه، و هذا بخلاف الأخبار الواردة في المقام لدلالتها على عدم وجوب إعادة الحج على المبذول له إذا حج بالاستطاعة البذلية جامعا للشرائط.

و الأقوى عدم الإجزاء و عليه الحج ثانيا إذا حصل له الاستطاعة المالية، و ذلك لأن الطائفة الثانية مفسرة للطائفة الأولى بيان ذلك: أن الظاهر من الطائفة الأولى هو أن حجه حجة الإسلام إلى آخر عمره فبمقتضاها لا بد من أن يحكم بعدم وجوب الحج على المبذول له ثانيا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2- الباب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(3) الوسائل ج 2- الباب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 159

إذا استطاع و لكن الطائفة الثانية تدل على أنه و إن كان حجه حجة الإسلام لكن ليس كذلك الى آخر عمره، بل هو حجة الإسلام ما دام لم يحصل له الاستطاعة المالية، فان مات قبل حصول ذلك كان حجه حجة الإسلام و إلا كان عليه الحج ثانيا.

و هذا نظير ما ورد في حق الصبي و المملوك من ان الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر. و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «1» و بالجملة مقتضى الاحتياط وجوبا وجوب الحج عليه ثانيا إذا حصلت له الاستطاعة المالية بعد الحج البذلى.

ثم أنه لا وجه لرفع اليد عن الطائفة الثانية استنادا إلى

إعراض المشهور عنها و ذلك لأنه لم يثبت كون إعراضهم عنها لأجل سندها لاحتمال كونه لأجل ما رواه من التعارض بين الأخبار فجمعوا بينها بحمل الطائفة الثانية على الاستحباب، أو على الحج النيابي، أو على الوجوب الكفائي.

نعم إذا حصل العلم بكون إعراضهم عنها لأجل سندها لا من جهة المعارضة فلا مانع من القول بمقالة المشهور و هو الاجزاء إلا أنه لا سبيل لنا الى العلم بذلك و لكن مع ذلك كله لا يمكننا المخالفة من حيث الفتوى للمشهور شهرة عظيمة بل قيل: إنه لم يوجد خلاف في المسألة إلا عن الشيخ (قده) في الاستبصار، و هو رجع أيضا عن قوله فعلى هذا لا يمكن الإفتاء بوجوب اعادة الحج على المبذول له بعد حصول الاستطاعة جزميا. نعم، الاحتياط حسن لكنه غير الإفتاء بالوجوب.

[المسألة الحادية و الأربعين يجوز للباذل الرجوع عن بذله]

قوله قده: (يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام و في جواز رجوعه عنه بعده وجهان.).

أعلم أن بذل الباذل (تارة) يكون بنحو الهبة و (أخرى) بنحو الإباحة. و الهبة (تارة) تكون لذي رحم و قد حصل القبض أو لغيره و قد حصل التصرف و (أخرى) ليس كذلك فان كان هبته على نحو الأول و هو ما إذا لزمت بالقبض أو التصرف فلا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 160

إشكال في عدم جواز رجوعه عنه و هو خارج عن المبحث كما يخفى.

و أما إذا كان بذله على نحو الإباحة أو على نحو الهبة و لكن لم يحصل اللزوم بالقبض أو التصرف فيقع الكلام في جواز رجوعه عن بذله و عدمه فنقول و به نستعين: ان جواز الرجوع و عدمه

مبنيان على أنه هل يجب الوفاء بالشرط الابتدائي أم لا؟ فإنه قد شرط الباذل على نفسه أن يحج المبذول له شرطا ابتدائيا فإن قلنا بوجوب الوفاء به فلا إشكال في عدم جواز رجوعه عن بذله من دون فرق في ذلك بين كونه قبل تلبسه بالإحرام و بين كونه بعده و ان قلنا بعدم وجوب الوفاء به ففي جواز رجوعه عنه مطلقا أو قبل تلبسه بالإحرام وجهان أقواهما الأول لأن الظاهر كون الشرط الابتدائي مصداقا حقيقيا للشرط فيشمله إطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالشرط المقتضى لعدم جواز رجوعه عنه مطلقا ان لم نقل بانصرافه غاية الأمر ان ذهاب المشهور الى عدم وجوب الوفاء به يوجب التوقف في الفتوى و الأخذ بالاحتياط.

ثم، إنه ان قلنا بمقالة المشهور فهل يختص جواز رجوعه بما إذا لم يتلبس بعد بالإحرام أم لا؟

يمكن أن يقال بالأول لأنه بعد تلبس المبذول له بالإحرام يتعين عليه الإتمام فيجب على الباذل إبقاء بذله و هذا بخلاف ما إذا لم يتلبس به إذ لا يجب عليه الإتمام حتى يحكم بلزوم إبقاء بذله و نظائره في الفقه كثيرة منها:

1- جواز رجوع المولى عن اذنه في حج عبده قبل دخوله في الإحرام لا بعده.

2- جواز رجوع المالك عن اذنه فيما إذا أذن لأحد أن يصلى في ملكه قبل دخوله في الصلاة لا بعدها.

3- جواز رجوع المالك عن اذنه فيما إذا أذن بدفن ميت في ملكه قبل الدفن لا بعده 4- جواز رجوع المالك عن اذنه قبل الرهن لا بعده فيما إذا أذن لشخص في رهن ماله لنفسه لا للمالك.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 161

و لكن التحقيق: أنه بناء على عدم وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي جاز

للباذل الرجوع عن بذله و إن كان المبذول له قد تلبس بالإحرام.

و أما القول: بأن وجوب الإتمام عليه موجب لحرمة رجوع الباذل عن إذنه (فمدفوع) بأن المبذول له إن كان متمكنا من إتمام الحج بنفسه مع قطع النظر عن بذل الباذل وجب عليه الإتمام. و ان لم يكن متمكنا منه فلا يجب عليه ذلك فوجوب الإتمام عليه لا يوجب حرمة رجوع الباذل عن بذله. نعم، جواز أخذ المبذول له من الباذل مؤنة حجه و نفقة عوده الى وطنه من باب قاعدة: (المغرور يرجع الى من غره) جهة أخرى يأتي الكلام فيها- ان شاء اللّه تعالى- في المسألة الآتية. فعلى هذا لا مانع من القول بجواز رجوع الباذل عن بذله و لو بعد تلبس المبذول له بالإحرام. نعم، إذا قام دليل تعبدي بالخصوص على عدم الجواز فهو المعول و لكنه لم نظفر الى الآن به.

و أما النظائر المقيس عليها فبعضها غير صحيح و بعضها صحيح لكن قياس ما نحن فيه عليه باطل.

أما بطلان قياس المقام: بمسألة عدم جواز رجوع المولى عن إذنه بعد تلبس العبد بالإحرام، فلأن عدم جواز رجوع المولى عن إذنه في حج العبد بعد تلبسه بالإحرام فهو إنما يكون لأجل ما ورد من قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق) بالتقريب الذي تقدم ذكره في حج العبد. و لكن قد تقدم فيه عدم تمامية الاستدلال به للقول المذكور فراجعه. و أما المحل المفروض فلم يرد فيه دليل تعبدي على ذلك حتى يحكم بعدم جواز رجوع الباذل عن بذله بعد تلبس المبذول له بالإحرام. و تسرية الحكم منه الى المقام قياس و هو باطل.

و أما عدم جواز رجوع المالك عن إذنه بعد

شروع المأذون له في الصلاة فهو (ممنوع) لأن قطع الصلاة و ان كان حراما على المصلى، لكن بعد رجوع المالك عن إذنه و العلم به تبطل صلاته، للعلم بارتفاع إباحة المكان، فلا صلاة حتى يحكم بحرمة قطعها فعلى هذا لا يكون الحكم ثابتا في المقيس عليه حتى يقاس عليه المقام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 162

و أما بطلان قياس المقام بمسألة عدم جواز رجوع صاحب الأرض عن إذنه بعد دفن الميت فيها، فلأن عدم جواز رجوعه عنه إنما يكون لأجل ما يستلزمه من هتك حرمة الميت الذي يهتم الشارع المقدس بحفظ حرمته. و أما المحل المفروض فليس كذلك فإجراء ذلك الحكم منه الى ما نحن فيه قياس باطل. و أما إذا لم يستلزم رجوعه هتك الميت بالنبش فلا مانع من القول بجواز الرجوع عن إذنه هناك أيضا و ان لم يمكن الفتوى به لتسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على خلافه.

و أما عدم جواز رجوع المالك عن إنه في رهنه بعده: فلأجل أن الرهن وثيقة قد تعلق حق المرتهن به. فعدم جواز رجوعه عن إذنه إنما يكون من جهة تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة فعلا، و لا يسقط هذا الحق إلا بوفاء الدين الموجب لافتكاك العين المرهونة أو بإذن المرتهن في أخذه. فعلى هذا لا ربط لما نحن فيه بذلك كي يجري الحكم الثابت فيه فيما نحن فيه.

هذا مضافا الى أنه يمكن أن يقال ببطلان هذا الرهن من أصله، لأن المفروض ان المال المرهون ليس ملكا للراهن كي يجرى عليه فائدة باب الرهن بل هو ملك لشخص آخر جعله الراهن رهنا لنفسه باذن مالكه و كون إذن مالكه مصححا لذلك غير معلوم.

بيان ذلك أن حق

الرهانة ليس كحق الجناية، و الفرق بينهما أن حق الجناية إنما يتعلق برقبة العبد الجاني أين ما كان، و لا ينفك عنه ببيعه، فلو باعه مالكه من شخص آخر أو وهبه و كذا باعه مالكه الثاني أو وهبه و هكذا الى مرات عديدة، تبعه الحق ثابت عليه فرقبة العبد محقوقة بالحق في ملك أى شخص كان و لذلك لا يكون حق الجناية مانعا عن بيعه و هبته و نحو ذلك.

و أما حق الرهانة فلا يتعلق بالمال المرهون بما هو مال بل إنما يتعلق به بما أنه ملك للراهن و لذلك يكون حق الرهانة مانعا عن بيع المالك للعين المرهونة و كذلك يكون مانعا عن هبته و غير ذلك من موجبات انتقال العين بدون إذن المرتهن لتعلق حقه به و حيث ان المفروض فيما نحن فيه عدم كون العين المرهونة ملكا للراهن فيكون الرهن باطلا من أصله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 163

و لكنه لا يخلو من التأمل.

[المسألة الثانية و الأربعين إذا رجع الباذل في أثناء الطريق]

قوله قده: (إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان.).

تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال انه ان قلنا بوجوب الوفاء بالشرط الابتدائي كان على الباذل نفقة عوده الى وطنه بناء على ما هو الأقوى من أن وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي ليس صرف حكم تكليفي بل يستتبع الحكم الوضعي أيضا فعليه نفقة عوده الى وطنه مع باقي مصارف حجه و لو عين مقدارا خاصا من المال له كان عليه أن يعطيه ذلك المقدار و ان لم نقل بوجوب العمل بالشرط الابتدائي أو قلنا بأنه يوجب الحكم التكليفي دون الوضعي فحينئذ تكون المسألة مبتنية على جريان قاعدة: (المغرور يرجع الى من غره)

و عدمه فان قلنا بجريانها في مفروض البحث فنحكم بضمانه و الا فلا.

و بسط الكلام في ذلك أنه ان قلنا إن قاعدة: (رجوع المغرور الى من غره) ليست قاعدة مستقلة بل هي قاعدة أقوائية السبب أو المباشر و انهما قاعدة واحدة فلا إشكال في عدم جريانها فيما نحن فيه، فان ذهاب المبذول له الى الحج لم يكن مسببا توليديا لبذل الباذل حتى يقال بأقوائية السبب و الحكم بضمانه نفقة عوده الى وطنه.

اللهم الا أن يقال: أن بذل الباذل قد أوقعه في هذا المحذور و لم يكن له الامتناع من الرواح الى الحج بحسب الحكم الشرعي و المانع الشرعي كالمانع العقلي، فكلما يصدر من المبذول له من الأفعال مسبب توليدي له لباعثية الباذل في تحقق الأفعال منه بواسطة بذله فعلى هذا يحكم بضمانه.

و فيه: أن كون المانع الشرعي كالمانع العقلي في ذلك (ممنوع) و معلوم أنه لم يكن ذهاب المبذول له الى الحج خارجا عن حيز قدرته تكوينا بحيث لو لم يرده لصدر عنه بلا اختيار، حتى يدخل تحت قاعدة أقوائية السبب من المباشر عند كون المسبب فعلا توليديا له، فعلى هذا جميع الأفعال التي تصدر منه مستندة الى نفسه لا الى الباذل لتحقق الاختيار له تكوينا هذا.

و لكن التحقيق: أن قاعدة (المغرور يرجع الى من غره) قاعدة مستقلة و لا ترجع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 164

إلى قاعدة أقوائية السبب من المباشر و لذلك ترى ان كثيرا ما يفترقان من حيث المورد مثلا إذا أجرى الماء الى دار شخص و خربت الدار جرت قاعدة أقوائية السبب و يحكم بضمان مرسل الماء من جهة تلك القاعدة و لم تجر القاعدة الغرور و إذا فرضنا أن

الباذل بذل مالا غصبيا لأن يحج المبذول له بذلك المال و فرضنا أن المبذول له كان جاهلا بغصبيته فصرفه في مصارف حجه كان قرار الضمان على الباذل لجريان قاعدة الغرور لا لجريان قاعدة أقوائية السبب.

و الحاصل: أنهما تفترقان في كثير من الموارد كما لا يخفى على المتتبع هذا و قد عرفت عدم جريان قاعدة اقوائية السبب في ما نحن فيه و لا قاعدة لا ضرر كما هو واضح.

و الحاصل ان قاعدة الغرور قاعدة مستقلة أجنبية عن المسبب التوليدي و عن قاعدة اقوائية السبب لو كانت قاعدة مستقلة مستفادة عن مدرك على حدة و لم يكن المدرك لها هو كونها من المسبب التوليدي. نعم، إنما الكلام في مدرك هذه القاعدة و قد حققنا في محله ان عمدة المدرك لها هو الإجماع و تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على وجه يقال بعدم الاحتياج إلى ملاحظة المدارك لا قوله- عليه السلام-: (المغرور يرجع الى من غره). و لا عدة من الروايات الواردة في الموارد المتفرقة التي قد ذكرت في بعض حواشي المكاسب في أواخر بيع الفضولي و ذلك لإرسال الأول و عدم معلوميته استناد الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- اليه. و عدم خلو الروايات أيضا عن المناقشة سندا و دلالة معا أو سندا فقط أو دلالة فقط و كيف كان إنما الكلام في ما نحن فيه في انه هل يصدق الغرر فيما نحن فيه حتى تجري القاعدة و يحكم بضمان الباذل نفقة العود. نظير، ما عرفت من بذل المال المغصوب أم لا يصدق الغرور بل يعد ذلك من قبيل إحداث الداعي للمبذول له نظير، ما إذا فرض أنه دعا شخصا الى داره للعزيمة من مكان بعيد و

بعد مجيئه منه رجع عن الدعوة فرجع المدعو الى محله مع توقف رجوعه على بذل مال كاجرة السيارة أو نحوها مثلا؟

فالظاهر انه من قبيل إحداث الداعي له لا من موارد قاعدة الغرور فجريانها هنا مشكل و لكن التحقيق: انه يختلف الحكم باختلاف الموارد مثلا إذا أدى المديون دينه و لم يقل للدائن أنه دينك و أخذه الدائن و تخيل أنه من الحقوق المنطبقة عليه مثلا فصرف تمامه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 165

في ذلك اليوم لعدم علمه بأنه ماله و لو كان له العلم بذلك لكان يصرفه في خلال شهرين أو أزيد فيقع الكلام: في أنه هل يحكم بضمانه له لقاعدة الغرور أم لا؟

قد يقال بالتفصيل بينما إذا كان من عادة المديون إعطاء الحقوق لهذا الشخص و مع ذلك لم يقل للدائن ان هذا مالك و كان مقتضى ظاهر الحال كونه من الحقوق المنطبقة عليه فأخذه الدائن بهذا الاعتقاد فلا إشكال في صدق الغرور و تجري القاعدة و يحكم بضمان المديون له لأنه أوقعه في هذا الأمر فيكون المديون غارا و ضامنا. و بين ما إذا لم يكن كذلك فلا إشكال في عدم صدق الغرور فلا يحكم بضمان المديون للمال الذي صرفه الدائن في ذلك اليوم.

و نظيره، ما إذا أعطى ماء مثلا لأحد فشربه بتخيل أنه بلا عوض و بعد الشرب طلب منه قيمة الماء عوضا عنه، فيقال: إنه لو كان عليه أمارات تدل على أنه بائع الماء لا باذلا له مجانا، فلا بد للشارب من إعطاء الثمن، لعدم صدق الغرور حينئذ. و اما ان لم يكن كذلك و اقتضى ظاهر الحال مجانيته فليس عليه ذلك، لصدق الغرور. و كيف كان فهل يكون ما

نحن فيه من الموارد التي يصدق الغرور عليها، أم يكون من الموارد التي تعد من قبيل إحداث الداعي للمبذول له؟

يمكن أن يقال بكونه من قبيل الثاني، و ذلك لأنه لو لا استصحاب بقاء الباذل على بذله لما وجب على المبذول له اجابته حتى يقع في هذا المحذور، فالذي أوقعه فيه هو الاستصحاب و لا ربط لذلك بفعل الباذل كي يحكم بضمانه لنفقة عوده الى وطنه. و هذا بخلاف صورة بذل المال الغصبي فإن الذي أوقعه في هذا المحذور هو نفس بذله فلذا يقال فيه باستقرار الضمان على الباذل لصدق الغرور. و أما في المقام فليس الأمر كذلك.

و فيه: أنه لا شبهة في أنه لو لا بذل الباذل لم يكن للاستصحاب موضوع و جريانه لا يوجب عدم صدق الغرور، و إلا ففي صورة بذل المال الغصبي أيضا نقول: إن الذي أوقعه في هذا المحذور أعنى صرف مال الغير هو جهله بالغصب لا بذل الباذل و لو صح هذا لم يبق مورد لقاعدة الغرور أصلا و بطلان ذلك بمكان من الوضوح.

و تحقيق الكلام فيما نحن فيه أن يقال: انه يتصور فيه صور متعددة و يختلف الحكم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 166

باختلافها (فتارة) يصرح الباذل حين بذله باحتمال رجوعه عنه في أثناء الطريق و (أخرى) لا يصرح بذلك و حينئذ (تارة) يحصل للمبذول له الاطمئنان بعدم رجوعه و (أخرى) لا و (ثالثة) يصرح بعدم رجوعه عنه في الأثناء حين البذل و حينئذ (تارة) يحصل للمبذول له الاطمئنان بقوله و (أخرى) لا يحصل ذلك فللمسألة صور ثلاث.

فان صرح باحتمال رجوعه عنه فالظاهر أنه لا إشكال في عدم صدق الغرور فلا يحكم بضمانه لنفقة عوده الى وطنه. بل

لعله مع تصريحه بذلك لا يصدق عنوان البذل و عرض الحج عليه فلا يجب الحج عليه و لعله لا يصدق الشرط الابتدائي أيضا حتى يحكم بوجوب الوفاء به.

و ان صرح بعدم رجوعه عنه و فرض أنه حصل له الاطمئنان بقوله، فالظاهر أنه لا إشكال في صدق عنوان الغرور و عليه مؤنة حجه و ذهابه و عوده الى وطنه. و أما في باقي الصور ففي صدق عنوان الغرور عليها إشكال. ثم، إنه لو أنكرنا صدقه، و أنكرنا أيضا وجوب العمل بالشرط الابتدائي أو قلنا أنه لا يستتبع الحكم الوضعي فمعلوم أنه ليس على الباذل نفقة العود.

نعم، لو فرضنا توقف حفظ نفس المبذول له على إعطائه ذلك، فلا إشكال في وجوبه عليه، و هذا الحكم ليس مختصا به بل يجب على كل أحد من المكلفين حفظ نفسه بإعطاء نفقة عوده و لا يخفى أنه لا يجب إعطاء ذلك مجانا بل يجوز أن يعطيه بعنوان القرض فتشتغل ذمته بذلك الى أن يتمكن الأداء.

[المسألة الثالثة و الأربعين إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة]

قوله قده: (إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية، فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب على الكل، لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل. نظير ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم فان تيمم الجميع يبطل.).

ان كان مراده (قده) من الوجوب الكفائي هنا هو الوجوب الكفائي الاصطلاحي ففيه: ما لا يخفى و ذلك لان في الواجب الكفائي لا يجب على كل واحد من آحاد المكلفين المبادرة و السبقة على الآخر. فلو علم أن زيدا مثلا يقوم بهذا الواجب جاز للباقين منهم عدم الاشتغال به اعتمادا على إتيانه به. و هذا بخلاف ما نحن فيه، لأنه بعد تسليم صدق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 167

عرض الحج على كل واحد منهم لا بد من الحكم بوجوب مسابقة كل فرد منهم على الآخر و لو علموا يسبق واحد منهم عليهم.

نظير ما ذكره (قده) من مثال التيمم فإنه لو وجد جماعة متيممون ماء لا يفي إلا لوضوء واحد منهم وجب على كل فرد منهم المبادرة إلى أخذه و الوضوء به حذرا من سبق الآخر عليه فلو تسامح الجميع و ترك ذلك يحكم ببطلان تيمم جميعهم لتبدل حكمهم بوجدان الماء نعم، لو تسابقوا و ازدحموا عليه بحيث أراد كل واحد منهم السبقة على الآخر و بادر واحد منهم اليه بطل تيمم السابق و صح تيمم الباقين، لانكشاف عدم وجدانهم الماء و لو تسابقوا و ازدحموا على الماء فاريق من جهة الازدحام بدون تقصير يحكم بصحة تيمم الجميع.

و فيما نحن فيه أيضا كذلك في جميع ما ذكرنا في المثال فيجب على كل واحد منهم المبادرة بالقبول لصدق عنوان عرض الحج على كل واحد منهم، و إذا تركوا و لم يقبل واحد منهم، استقر الحج على الجميع. و ان تسابقوا إلى أخذ المال من الباذل و غلب واحد منهم في أخذه يحكم بوجوب الحج عليه فقط دون الباقين، لانتفاء موضوع الوجوب بالنسبة إلى الباقين بغلبة واحد منهم. و ان تسابقوا و ازدحموا على السيارة مثلا ليسبق كل واحد منهم الآخر و ذهبت السيارة و لم يظفر واحد منهم بها لم يجب الحج. على أحد منهم و لكن ما نحن فيه انما يكون من قبيل اباحة التصرف في مقدار من الماء الذي لا يفي إلا لوضوء واحد من المشمولين للإذن في جميع فروض المسألة لا في وصول عدة من المتيممين الى الماء المباح دفعة

واحدة حيث أنهم في هذا الفرض يشتركون في حيازة المباح و يصير ملكا لجميعهم و ليس لأحدهم التصرف فيه فلا يبطل تيمم أحد منهم.

هذا كله إذا قلنا بصدق عنوان عرض الحج على كل واحد منهم و أما إذا أنكرنا ذلك، لأنه لم يخاطب شخصا معينا بالبذل و انما خاطب الجميع ببذل واحد فلا يصدق عرض الحج على كل فرد منهم فتنظيره بمسألة التيمم غير صحيح كما لا يخفى.

لكن التحقيق: هو صدق عنوان عرض الحج على كل واحد منهم إلا إذا فرض افراد الجماعة كثيرين بحيث لا يساعد العرف على صدق هذا العنوان كما إذا فرض ان الباذل قال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 168

(علي مؤنة حج شخص من أهل البلد) هذا و كلما شك في صدق هذا العنوان فالمرجع البراءة للشك في أصل توجه التكليف.

[المسألة الرابعة و الأربعين]
[ثمن الهدى على الباذل]

قوله قده: (الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل.).

قد يقال بدخول ما ليس له البدل في إطلاق كلام الباذل و هو قوله: (حج و علي نفقتك) و أما ماله البدل فلا. فالمبذول له إذا كان متمكنا من ثمن الهدى فيحكم بثبوته عليه و الا يبدل عنه بالصوم فلا يجب على الباذل أن يعطيه ثمنه لكونه مما له البدل.

و لكن الأقوى دخوله في إطلاق كلام الباذل، لشمول قوله: (حج و علي نفقتك) ماله البدل و ما ليس له البدل فثمن الهدى لو صرح بدخوله في إطلاق كلامه كان تأكيدا فما أفاده المصنف (قده) متين.

نعم، لو صرح الباذل من أول الأمر بعدم بذل ثمنه فلا إشكال في أنه ليس عليه ذلك كما أنه لو قلنا بجواز رجوعه عن بذله يحكم بعدم لزوم إعطائه عليه.

[و أما الكفارات]

قوله قده: (و أما الكفارات فان أتى بموجبها عمدا اختيارا فهي عليه و إن أتى بها اضطرارا أو جهلا أو نسيانا فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان.).

قد يقال بدخولها في إطلاق كلام الباذل و هو (حج و على نفقتك) لأنها من مؤنة حجه الذي وقع فيه ارتكاب محرمات الإحرام. مضافا الى أن الالتزام بالشي ء التزام بلوازمه.

لكن التحقيق: عدم دخولها في إطلاق كلامه لعدم كونها من نفقة حجة بل هي أحكام ترتبت على فعل من ارتكب محرمات الإحرام في حال الإحرام.

و أما كون الالتزام بالشي ء التزاما بلوازمه (فممنوع) صغرى و كبرى هذا و قد تقدم الكلام في المباحث السابقة.

و قد يتوهم التفصيل بين الكفارات ففي خصوص كفارة الصيد الثابتة على الصائد مطلقا و ان لم يكن عامدا بثبوتها على الباذل لأنه السبب في وقوعه في هذا

المحذور. أو لقاعدة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 169

الغرور و في غيرها من سائر الكفارات المختصة بصورة العمد بثبوتها عليه لا على الباذل لأنه أتى بموجها عمدا و بسوء اختياره فعليه كفارته.

و لكن الأقوى ثبوت كفارة الصيد مطلقا و لو غير عمدي أيضا عليه لا على الباذل كما نقول بذلك في صورة عمده. و أما القول بثبوتها على الباذل لأجل صدق الغرور الذي مدركه رواية: (المغرور يرجع الى من غره) أو لكون فعله مسببا توليديا لفعل الباذل، فهو واضح البطلان لعدم صدق الغرور. و أجنبيته عن المسبب التوليدي. و قد مر أيضا في المباحث المتقدمة أن مدرك قاعدة الغرور هو المرسلة لا ما توهم في المقام و غيره.

[المسألة الثانية و الخمسين]
[لو بذل له مالا للحج فبان أنه مغصوب]

قوله قده: (لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج انه كان مغصوبا ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان أقوائهما العدم.).

لا ينبغي الإشكال في ذلك حتى على ما اختاره المصنف (قده) من كفاية الحج البذلى عن حجة الإسلام و ذلك لأن أخبار الباب- الدالة على الإجزاء- على فرض تسليم ذلك تختص بما إذا بذل الباذل المال المباح له، كما في صورة كون المال المبذول ملكا أو مباحا له بالإباحة المطلقة. و أما بذل المال المغصوب، فلا تشمله إطلاق أخبار الباب فلا يتحقق موضوع وجوب الحج ببذل المال المغصوب حتى يقال باجزائه فما أفاده المصنف (قده) متين جدا.

هذا كله فيما إذا بذل مال الغير بدون رضاه. و أما إذا بذله برضاه فلا إشكال في صحة بذله و يحكم بوجوب الحج على المبذول له. و أما إذا بذل المال المجهول المالك للحج فالظاهر أيضا عدم شمول أخبار الباب له، فلا يدخل في الاستطاعة

البذلية. نعم، لو كان المبذول له مستحقا له و كان بمقدار الاستطاعة المالية و قلنا بكون مصارف حجه من مؤنة سنته أيضا كان عليه الحج لحصول الاستطاعة المالية له به. و كذلك يقع الكلام في صدق البذل و عدمه فيما إذا أعطى شخصا من الأموال الموقوفة و كان ذلك الشخص من الموقوف عليهم و الظاهر أيضا خروجه عن الاستطاعة البذلية، لعدم شمول الأخبار له.

[لو قال حج و على نفقتك ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا]

قوله قده: (أما لو قال حج و على نفقتك ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا فالظاهر صحة الحج و اجزائه عن حجة الإسلام.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 170

الظاهر أنه لا وجه لما أفاده المصنف (قده) من اجزائه عن حجة الإسلام و ذلك لأن الموضوع في وجوب الحج البذلى ليس صرف كلام الباذل و هو قوله: (حج و على نفقتك). و لذا لو اكتفى الباذل بقوله و لم يبذل المال يحكم بعدم وجوب الحج عليه.

فالعبرة في تحقق الوجوب بالبذل إنما هي بالصرف الفعلي، و إذا كان كذلك فما عرفت من اعتبار عدم كون البذل بالمال المغصوب يتأتى في نفس صرف المال، فلا فرق في عدم وجوب الحج على المبذول له بين أن يبذل له ابتداء المال المغصوب و يقول له: حج به. و بين أن يقول له: (حج و على نفقتك) من المال المغصوب و بين أن يقول: (حج و على نفقتك) ثم يبذل له المال المغصوب و بين أن يصرح بأنه: على نفقتك من المال غير المغصوب ثم يبذل له المال المغصوب، لما عرفت من كون العبرة بالصرف الفعلي و المفروض أنه إنما بذل المال المغصوب فتصريحه أولا بإعطاء المال غير المغصوب أو إطلاق كلامه لا يوجب صدق الاستطاعة

البذلية كما لا يخفى.

قوله قده: (قرار الضمان على الباذل.).

هذا إذا كان المبذول له جاهلا بغصبية المبذول لصدق الغرور. و أما إذا كان عالما بها فلا ينبغي الإشكال في أن قراره عليه لا على الباذل، لعدم صدق الغرور حينئذ.

[المسألة الرابعة و الخمسين عدم وجوب إيجار نفسه للخدمة في الحج]

قوله قده: (إذا استؤجر أى طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا لا يجب عليه القبول،.).

بلا إشكال في ذلك لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

و لكن فيه كلام و هو أنه هل يكون عمل الأجير ما لا قبل الإتيان به أم لا؟ فان قلنا بالأول لزم الحكم بوجوب الحج على من يكون قادرا على عمل ان كان هناك مستأجر و كفى مال الإجارة بنفقة الحج بمقدار الاستطاعة المالية و كان المستأجر يعطيه الأجرة قبل رواحة إلى الحج، فعلى هذا لا بد من الحكم بوجوب إيجار نفسه للخدمة، لكون ذلك حينئذ من المقدمات الوجودية للحج و ليس ذلك تحصيلا للاستطاعة، لمالكيته لعمله الذي هو مال فيكون مستطيعا قبل الإجارة. و لزم أيضا القول بضمان الحابس لمنافع المحبوس و إن لم يكن المحبوس أجيرا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 171

و ان قلنا بالثاني أعني عدم مالية العمل قبل إيجاره- لزم بطلان إجارة الأشخاص على الأعمال إذ يعتبر في صحة عقد الإجارة أن يكون متعلقة مالا و ملكا و إنكار ذلك في مفروض المسألة يوجب إنكار الملكية بالتتبع فكيف تصح الإجارة. و أما بعد إتيانه بالعمل فلا معنى لصيرورته أجيرا كما لا يخفى. و يلزم بناء على ذلك عدم ضمان من حبس أجيرا امتنع بسبب الحبس صدور العمل المستأجر عليه عنه لما فوته على الأجير من المنافع إذ المفروض عدم مالكيته لمنافع نفسه.

و يمكن حل الإشكال (بدعوى)

أن منافع الإنسان لا تكون ما لا قبل وقوع العقد عليها و لكنها تصير مالا حينه فالعقد مقوم لماليتها.

فعلى هذا لا يجب عليه إيجار نفسه حتى يحج بمال الإجارة لعدم كونه حينئذ من المقدمات الوجودية فايجار نفسه على هذا تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

(و من هنا) يصح التفصيل في ضمان الحابس لأجرة العمل الفائت من الشخص المحبوس بين كون المحبوس أجيرا و عدمه.

و فيه: بعد تسليم توقف صحة العقد على مالية العمل أن نفس العقد لا يصحح المالية و إلا لزم الدور و (بعبارة أخرى) أن المالية تكون بمنزلة الموضوع و صحة العقد بمنزلة الحكم و لا إشكال في امتناع إثبات الموضوع بالحكم كما هو واضح.

فالتحقيق في حل الإشكال: هو الالتزام بعدم دخول إيجار النفس حقيقة في باب الإجارة بل هو تضمين و قابلية الذمة للضمان أمر بديهي. كما اتفق الفقهاء و غيرهم على الضمان بإتلاف مال الغير. و لا يخفى أنه ليس صحة التضمين متوقفة على صدق عنوان المال على العمل، فعلى هذا يمكن الالتزام بعدم مالية عمله قبل حصول التضمين الذي يسمى بإيجار النفس. و اما بعد حصوله، فيصدق عليه عنوان المالية لاعتبار العرف ماليته حينئذ.

و (من هنا) يصح ما مر من التفصيل في ضمان الحابس بين كون المحبوس أجيرا و عدمه و (من هنا) يصح أن يقال بعدم وجوب إيجار نفسه عليه، لأنه على هذا تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب. فلو طلب منه أن يقع أجيرا للخدمة بما يصير به مستطيعا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 172

لا يجب عليه القبول كما افاده المنصف (قده).

[المسألة السابعة و الخمسين أدلة اعتبار مؤنة العيال في الاستطاعة]

قوله قده: (يشترط في الاستطاعة مضافا الى مؤنة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به

عياله حتى يرجع فمع عدمه لا يكون مستطيعا.).

يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و فيه: ما عرفت سابقا من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف عن السنة لا المدركى، و في المقام من المحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية فلا عبرة به.

(الثاني)- الأخبار التي سيأتي ذكرها في المسألة الآتية- إن شاء اللّه تعالى- و لكن كثيرها أو جميعها قابلة للمناقشة دلالة أو سندا كما سيتضح لك- ان شاء اللّه تعالى.

(الثالث)- أن حفظ نفس العيال متوقف على إعطاء نفقتهم و لا شك في أنه أهم من الحج فهو مقدم عليه.

و لا يخفى أن هذا الوجه إنما يتم في صورة فرض توقف حفظ نفوسهم على ذلك بحيث لو لم ينفق عليهم نفقتهم إنجر ذلك الى تلفهم. و لكن المدعى أعم من ذلك، لأن المقصود إثبات اعتبار نفقة العيال في تحقق الاستطاعة مطلقا سواء لزم من عدم الإنفاق عليهم تلف نفوسهم أم لا.

(الرابع)- أنه لا ريب في أن نفقة العيال واجبة فلا بد من الحكم بعدم وجوب الحج عليه لمزاحمته لواجب آخر.

و فيه: ما بيناه في المباحث السابقة مفصلا من أن مزاحمته لواجب آخر لا توجب سقوط وجوب الحج عنه، لعدم دخالته في تحقق موضوع الاستطاعة، لما ذكرنا سابقا إلا ان يكون ذلك الواجب أهم من الحج فيقدم عليه، و إلا فالمرجع التخيير إلا أن يكون أحدهما محتمل الأهمية فيقدم.

(الخامس)- أدلة نفي العسر و الحرج و هذا كما ترى غير مختص بالعيال الواجبي النفقة، بل يشمل مطلق ما يصدق عليه العيال عرفا و إن كان مستحبى النفقة، و ليس هذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 173

داخلا في باب مزاحمة الواجب مع المستحب حتى

يقال بتقديم الواجب، و ذلك لأن التزاحم إنما يكون فيما إذا كان الواجب و المستحب في عرض واحد فيقدم الواجب عليه و هذا بخلافه في مفروض البحث. لان الواجب يكون في طول المستحب و يكون ذلك رافعا لموضوعه.

و بالجملة فالعمدة في دليل اعتبارها في تحقق الاستطاعة هو دليل نفي العسر و الحرج، و على هذا لو فرضنا عدم لزوم ذلك من ترك نفقتهم فلا بد من الحكم بعدم اعتبارها، لعدم دليل تعبدي على اعتبارها مطلقا. هذا كله بناء على المناقشة في جميع ما سيأتي من الأخبار، و الا فلا بد من القول باعتبارها مطلقا.

ثم، إن مؤنة العيال على فرض اعتبارها مطلقا لا يعتبر وجود ثمنها دفعة واحدة بل لو كان له مثلا بستان يفي بنفقة عياله من منافعه تدريجا كفى.

[المسألة الثامنة و الخمسين أدلة اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة]

قوله قده: (الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع الى كفاية.).

قد اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في اعتبار الرجوع الى الكفاية و عدم اعتبارها على قولين:

(الأول)- ما ذهب اليه صاحب المبسوط- رضوان اللّه تعالى عليه- حيث قال: (و الزاد و الراحلة شرط في الوجوب و المراعى في ذلك نفقته ذاهبا و جائيا و ما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته على قدر كفايتهم و يفضل معه ما يرجع اليه يستعين به على أمره، أو صناعة يلتجئ إليها، فإن كان ضياع، أو عقار، أو مسكن يمكنه أن يرجع إليها، و يكون قدر كفايته لزمه. إلخ).

و وافقه على ذلك صاحب المستند (قده) حيث قال: (الحق اشتراط الرجوع الى ضيعة، أو بضاعة، أو عقار، أو نحوها مما يكون فيه الكفاية عادة، بحيث لا يحوجه صرف المال في الحج إلى السؤال بعد العود. وفاقا للشيخين؛ و الحلبي؛ و

القاضي؛ و بنى زهرة؛ و حمزة و سعيد، و هو ظاهر الصدوق أيضا. و في المسالك: أنه مذهب أكثر المتقدمين. و في الروضة: أنه المشهور بينهم. و في المختلف: ذلك نقله السيد عن الأكثر. و عن الخلاف، و الغنية: إجماع الإمامية عليه).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 174

(الثاني)- ما ذهب اليه صاحب المعتبر (ره) حيث قال: (الرجوع الى الكفاية ليس شرطا. و به قال: أكثر الأصحاب. و قال الشيخ (ره): هو شرط في الوجوب لنا قوله تعالى (مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) و الاستطاعة هي الزاد و الراحلة مع الشرائط التي قدمناها فما زاد منفي بالأصل السليم عن المعارض. إلخ) و وافقه على ذلك صاحب الحدائق (قده) حيث قال: (و لو قيل: إن مقتضى عموم الآية أيضا حصول الاستطاعة بالزاد و الراحلة و ان لم يجد النفقة إلى عياله مدة غيبته قلنا:

نعم الأمر كذلك، و لكن قام الدليل كما تقدم على وجوب ذلك فيخصص به عموم الآية.

و أما هنا فلم يقم دليل على ذلك كما سيتضح ذلك- ان شاء اللّه تعالى. و يدل عليه أيضا الروايات المتقدمة في الشرط الثالث مثل صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي المشتملة على ان كل من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج).

و قال به أيضا صاحب قواعد الأحكام حيث قال: (ليس الرجوع الى الكفاية شرطا) و قال المحقق الكركي (قده) في جامع المقاصد في شرح قوله: (ليس الرجوع الى كفاية شرطا): و الأصح انه لا يشترط ذلك لصدق الاستطاعة.).

يمكن الاستدلال على اعتبار الرجوع الى الكفاية بوجوه:

(الأول)- الإجماع. (و فيه): بعد منعه لوجود المخالف كما عرفت أنه مدركي.

و قد ذكرنا مرارا أن الإجماع المعتبر

هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى. و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية فلا عبرة به و العبرة إنما تكون على المدرك ان تم.

(الثاني)- منع صدق الاستطاعة بدون الرجوع الى الكفاية و (فيه): أنها قد فسرت في كثير من الأخبار المتقدمة في صدر المبحث بالزاد و الراحلة و مقتضى إطلاقها عدم دخالة شي ء آخر في تحققها ما لم يقم دليل تعبدي آخر على دخالة شي ء آخر فيها.

(الثالث)- أصالة البراءة النافية لوجوب الحج لو شك في وجوبه عليه بدونه و (فيه):

أنه لا تصل النوبة الى الأصل مع وجود دليل اجتهادي فالمرجع في صورة الشك إطلاق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 175

الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة المقتضي لعدم دخالة قيد آخر سوى القيود المذكورة فيها إذا لم يرد دليل على التقييد.

(الرابع)- جملة من الأخبار التي يمكن الاستدلال بها على المطلوب- منها:

1- عن العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قوله تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) قال:

الصحة في بدنه، و القدرة في ماله «1» قال و في رواية حفص الأعور عنه قال: القوة في البدن و اليسار في المال «2» 2- عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سأله حفص الأعور و أنا أسمع عن قوله عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: ذلك القوة في المال و اليسار قال: فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع الحج؟ قال:

نعم «3» وجه الاستدلال بها هو دلالة ما فيها من عنوان

القدرة في المال و اليسار على اعتباره في تحقق الاستطاعة كدلالتها على اعتبار نفقة عياله فيه، إذ بدون ذلك لا يصدق عنوان القدرة في المال و اليسار و (فيه): بعد الإغماض عن سندها أن عنوان القدرة في المال و اليسار أمر مشكك ذو مراتب، و الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة لو لم يكن دليل آخر على اعتبار أزيد منها تصير قرينة على كون المراد من اليسار و القدرة في المال هو وجدانه للزاد و الراحلة، فإن الأخبار تفسر بعضها بعضا.

3- عن الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- في حديث شرائع الدين قال:

(و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا) و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع اليه بعد حجه «4» و هذا الحديث كما ترى صريح في اعتبار مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية و لكن سنده ضعيف فلا عبرة به. و جبر

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 12

(2) الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 13

(3) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(4) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 176

ضعفه بعمل الأصحاب غير معلوم، لعدم إحراز استنادهم اليه.

4- عن أبي الربيع الشامي و قد اختلفت نسخه فرواه المشايخ الثلاثة- رضوان اللّه تعالى عليهم- مسندا عنه هكذا: سئل أبو عبد اللّه- عليه السلام- عن قول الله عز و جل:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» فقال:

ما يقول الناس؟ قال: فقلت:

له الزاد و الراحلة قال: فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: قد سئل أبو جعفر- عليه السلام- عن هذا؟ فقال: هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه، لقد هلكوا إذا فقيل: له فما السبيل؟ قال: فقال:

السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله. أ ليس قد فرض اللّه الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك مأتي درهم «1» و رواه المفيد في المقنعة مثله الا أنه زاد بعد قوله: (و يستغنى به عن الناس يجب عليه أن يحج بذلك. ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا! ثم ذكر تمام الحديث، و قال فيه: يقوت به نفسه و عياله. هذا و النسخة الثانية كما ترى صريحة في اعتبار مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية.

و أما النسخة الأولى ففي قوله «و يبقى بعضا لقوت عياله» احتمالان:

(الأول)- أن يكون المراد منه إبقاء مقدار من المال لقوت عياله حتى لما بعد رجوعه عن الحج فالمقصود حينئذ ليس إبقاء قوت عياله فقط بل قوت عياله و قوت نفسه و عليه فيدل على اعتبار الرجوع الى كفاية كما يدل على اعتبار مؤنة العيال.

(الثاني): أن يكون المراد منه إبقاء قوت عياله فقط في مدة غيبته، و عليه يدل على اعتبار مؤنة العيال دونه، فالحديث بناء على النسخة الأولى مجمل ان لم نقل بظهوره في الاحتمال الثاني فلا يمكن الاستدلال به على المطلوب بناء عليها (لا يقال): إن قوله: «السعة في المال» ظاهر في المطلوب (لأنا نقول): إن السعة في المال أمر مشكك و قد فسرها بقوله:

«إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله». و قد عرفت آنفا أن فيه احتمالين، فلا يتجه الاستدلال به على النسخة الأولى.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 9- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1 و 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 177

و أما النسخة الثانية فإن كانت في الحقيقة رواية على حدة، فيمكن القول بمعارضتها مع الرواية الأولى لدلالتها على اعتبار الرجوع إلى الكفاية. و هذا بخلاف الرواية الأولى لدلالتها على عدم اعتباره بناء على ظهورها في الاحتمال الثاني، فإنه حينئذ لم يذكر فيها اعتباره، و لورودها في مقام التحديد تدل على عدم اعتباره.

و لكن التحقيق: عدم التعارض بينهما بعد تسليم كونهما روايتين، و ذلك لإطلاق الرواية الأولى القابل للتقييد فيقيد بالرواية الثانية- الدالة على اعتبار الرجوع إلى الكفاية- فلا تعارض بينهما أصلا. لكنه مع ذلك لا يمكن الاستدلال به على المطلوب، لإرسال الرواية الثانية.

و أما بناء على كونهما رواية واحدة و اختلفت النسخة فبعد تسليم عدم كون النسخة الثانية مرسلة (بدعوى) أن المفيد (ره) انما ذكر الحديث الذي ذكره الآخرون بالإسناد و هو (ره) حذف الاسناد فهي في الحقيقة مسندة نقول: إنه لا يمكن الاستدلال به على اعتباره إذا المفروض اختلاف النسخ و عدم العلم بصحة إحداهما بالخصوص. و ترجيح احتمال النقيصة على احتمال الزيادة- كما هو دأب أهل الدراية نظرا إلى أن الغالب هو النقصان دون الزيادة. أو إلى أن الناقص مقرر و الزائد ناقل- غير صحيح إذا المرجح لا بد من كونه حجة عند الشارع، و هذه المرجحات ليست إلا اعتبارات و استحسانات فلا عبرة بها.

هذا كله مضافا إلى أن أصل سند هذا الحديث ضعيف بوجود أبي الربيع الشامي هو

و ان قيل: إنه حسن لكن فيه كلام. و بالجملة ان أمكن إثبات كون أبي الربيع داخلا في عداد الحساب أو حصل الوثوق به- من جهة نقله المشايخ الثلاث و من جهة أن في سنده ابن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع- صح الاستدلال به على اعتبار مؤنة العيال فقط دون الرجوع إلى الكفاية، و إلا لا يتم الاستدلال به لشي ء منهما فعلى اى حال لا يمكن الاتكال عليه في إثبات المطلوب.

3- صحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من مات و لم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 178

يحج حجة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا «1» وجه الاستدلال به هو دلالته على أن الحاجة التي تجحف به مانعة عن وجوب الحج عليه لقوله: (و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به).

و من المعلوم أنه لو لم يكن له مقدار الرجوع إلى الكفاية زائدا على نفقة الحج كان ذلك إجحافا به و (فيه): أن الإجحاف أمر مشكك دو مراتب. نظير ما مر من عنوان القدرة في المال و اليسار و السعة، و ما ورد من تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة في الحقيقة مفسر لهذه العناوين، فيعلم من الأخبار المفسرة للاستطاعة أن المراد من عدم حصول الإجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدي آخر على اعتبار وجدانه زائدا من ذلك.

4- صحيح هارون بن حمزة الغنوي في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة؟ قال: هم أحق بميراثه إن شاؤا أكلوا و

إن شاءوا حجوا عنه «2».

5- صحيح معاوية بن عمار أو حسنه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل توفى و اوصى أن يحج عنه؟ قال: ان كان صرورة في جميع المال أنه بمنزلة الدين الواجب و إن كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك، فان شاؤا أكلوا و إن شاؤا حجوا عنه «3» وجه الاستدلال بهما هو صراحتهما في عدم وجوب الحج عنه على الورثة في صورة عدم تركه المال إلا بقدر نفقة الحج، فيعلم من ذلك أنه يعتبر في وجوب الحج عنه على الورثة. وجدانه أمرا زائدا عليها و هو الرجوع إلى الكفاية. و لكن يعارضهما في بادى النظر صحيح ضريس الكناسي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 14 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2، الباب 25- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 179

شكر ليحجن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذر الذي نذر؟ قال: إن كان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و إن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر

إنما هو مثل دين عليه «1» وجه المعارضة أن هذا الحديث كما ترى قد أمر بالحج عنه مع فرض عدم تركه المال إلا بقدر ما يحج به و هذا بخلاف الحديثين الأولين.

لكن التحقيق: عدم المعارضة بينه و بينهما، لكون مورد الحديث الأخير هو خصوص صورة استقرار الحج عليه بقرينة قوله: «رجل عليه حجة الإسلام» و هذا بخلاف الحديثين الأولين، لكونهما مطلقين، فيقيدان بالحديث الأخير، و يكون المحصل بعد التقييد عدم اعتبار الرجوع إلى الكفاية في صورة الاستقرار دون صورة عدم استقراره فيعتبر فيه.

و لكن التحقيق: عدم دلالتهما ايضا على اعتباره، و ذلك لأن غاية ما يدلان عليه هي أن وجدانه لنفقة الحج فقط لا يكفي في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه للزائد من ذلك و أما اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع إلى الكفاية فلا دلالة لهما عليه، فلعله يكفى كونه واجدا لمئونة العيال إلى زمان عوده إلى وطنه زائدا على نفقة حجه.

6- ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» مرويا عن أئمتنا- عليهم السلام- أنه الزاد و الراحلة و نفقة من تلزم نفقته، و الرجوع إلى كفاية، إما من مال، أو ضياع، أو حرفة، مع الصحة في النفس و تخلية السرب من الموانع و إمكان المسير «2» و لكن بطلان الاستدلال به على المدعى في غاية الوضوح و ذلك لأن الظاهر عدم كون هذا الكلام بنفسه رواية بل هو استنباط منه «ره» كذلك من الأخبار و بعد تسليمه لا يمكن الاعتماد عليه ايضا، لا رسالة.

و قد ظهر من جميع ما ذكرناه عدم إمكان إثبات اعتبار الرجوع إلى الكفاية بالأخبار

______________________________

(1) الوسائل- ج 2،

الباب 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب 9- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 180

لكون بعضها ضعيفا سندا و بعضها ضعيفا دلالة و بعضها ضعيفا سندا و دلالة.

و (دعوى) انجباره بعمل الأصحاب ممنوعة لعدم العلم باستنادهم في مقام الفتوى إلى الاخبار التي تكون دلالتها تامة عندنا، فلعله كان استنادهم في ذلك بما قلنا بضعفه منها من حيث الدلالة، أو كان استنادهم بقاعدة نفي العسر و الحرج، أو ببعض ما مر من الوجوه.

ان قلت: إنه لو كان استنادهم في الحكم باعتبار الرجوع الى الكفاية قاعدة نفي العسر و الحرج لكان عليهم الالتزام باعتباره أيضا في الاستطاعة البذلية، فمن حيث أنهم التزموا باعتباره في الاستطاعة المالية، فقط دون البذلية، فيعلم أن مستندهم في اعتباره في الاستطاعة المالية هو الاخبار لا غير، لعدم الفرق في هذا الحكم بين الاستطاعة المالية و البذلية.

قلت: (أولا): أنه يحتمل ان يكون مستندهم في اعتبار ذلك في الاستطاعة المالية قاعدة نفي العسر و الحرج و مع ذلك لم يعتبروا ذلك في الاستطاعة البذلية لوجهين:

(أحدهما) أنه لعلهم استفادوا من ظاهر رواياتها كفاية بذل نفقة الحج في وجوبه من دون احتياج إلى بذل الرجوع إلى الكفاية.

(ثانيهما) أن الإتيان بالحج البذلى و تركه لا يفترقان في ثبوت الحرج و عدمه غالبا، فإنه لو كانت معيشته حرجية فمع تركه ايضا حرجية و لو لم تكن حرجية لا يوجب إتيانه به صيرورتها حرجية، لعدم كون حجه بمال نفسه، بل يحج بما يبذله الباذل للحج.

و (ثانيا): أنه على فرض تسليم كون مستندهم في ذلك هو الأخبار لكن قد ذكرنا احتمال استنادهم في الحكم إلى ما

لا يتم دلالته عندنا و قد ذكرنا مرارا عدم حجية فهمهم لنا.

(الخامس)- قاعدة نفي العسر و الحرج و هي تختلف بحسب اختلاف الأشخاص و يثبت بها وجوب الحج على من كان واجدا لمقدار الرجوع إلى الكفاية على نحو لا يقع في العسر و الحرج بحسب حاله المختلف بحسب اختلاف شؤن الأشخاص و مصارفهم.

ثم اعلم أنه لو كان المستند في اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو الأخبار المشتملة على عنوان السعة و اليسار و نحو ذلك لم يكن المستفاد منها إلا ما يستفاد من قاعدة نفي العسر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 181

و الحرج. بل مهما كان للشخص مقدار للاعاشة بحيث لم يلزم من وجوب الحج عليه عسر و حرج صدق عنوان أنه في سعة و يسار و أن له ما يستغنى به عن الناس فلا فرق من هذه الجهة في النتيجة بين ما إذا كان المستند في اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو الاخبار، أو قاعدة نفي العسر و الحرج.

نعم يتضح الفرق بينهما في أن من يعيش أمره بالوجوه المنطقة عليه كطلبة العلم من السادة و غيرهم، و كذا الفقير الذي عادته أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب و الإياب، فهل يحكم بوجوب الحج عليه أم لا؟ و ذلك لأنه إن كان المستند في اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو الأخبار اتجه القول بعدم وجوبه عليه، لعدم واجديته له لا بالفعل و لا بقوة التكسب. و إن كان المستند فيه هو قاعدة نفي العسر و الحرج اتجه القول بوجوبه عليه، لعدم لزوم الحرج من وجوب الحج عليه، بل حاله قبل الحج و بعده سواه.

و (من هنا) يمكن الجمع بين كلام

القائلين بعدم اعتباره، و بين كلام القائلين باعتباره أن مراد القائلين بعدم اعتباره هو في صورة ما إذا لم يكن حجه مستلزما للعسر و الحرج، و مراد القائلين باعتباره هو في صورة ما إذا استلزم العسر و الحرج بدونه. و لكن لا بد من إمعان النظر في كتب القوم و كلماتهم حتى يعلم أن كلماتهم تلائم هذا الجمع أولا و كيف كان لا يهمنا ذلك (بقي الكلام) في شي ء: و هو أنه بعد أن ثبت اعتباره فهل يعتبر وجدانه لضياع أو كسب، أو عقار، و نحوها مما يكفيه لا عاشته إلى آخر السنة، أو أقل، أو أزيد، أو إلى آخر العمر؟

يمكن أن يقال: إنه لما كان مقتضى الإطلاقات كما عرفت عدم اعتباره الرجوع إلى الكفاية أصلا فبعد أن ثبت اعتبارها فإذا شك في مقدار اعتباره بحسب الزمان فلا بد من الاقتصار على القدر المتقين و الرجوع إلى الإطلاقات في مورد الشك، و إذا شككننا في اعتبار ذلك إلى ما بعد السنة فبمقتضى الإطلاقات يحكم بعدم اعتباره إلى ما بعدها، فيكفي كونه واجدا له إلى آخرها. بل قد يقال: إن اعتبارها إلى آخرها ايضا غير معلوم و لا بد من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 182

الأخذ بقدر المتقين لكن تمييز المتقين مشكل.

يمكن أن يقال باعتبارها الى آخر العمر و ذلك لتقييد الإطلاقات النافية لاعتبارها بدليل اعتبارها كما هو المفروض و المقيد مجمل مفهوما من حيث المدة و قد حققنا في الأصول عدم جواز التمسك بالمطلق في مورد إجمال المقيد و لو كان منفصلا و كان مجملا مفهوما لسراية إجمال المقيد إلى المطلق خلافا لما هو المشهور في عصرنا و عند من قارب عصرنا.

و الوجه في

ذلك أن المطلق بعد التقييد يعنون بعنوان المقيد مثلا إذا قال: أكرم العلماء و لا تكرم الفساق منهم، و تردد مفهوم الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعم منه و من مرتكب الصغيرة فحينئذ لا يمكن إثبات وجوب إكرام العالم المرتكب الصغيرة بقوله أكرم العلماء، لكشف دليل المخصص عن عدم كون موضوع الحكم هو عنوان العالم فقط حتى يتمسك في إثبات وجوب إكرامه بالعام، بل الموضوع هو العالم غير الفاسق، و مع الشك في الصغرى لا يمكن التمسك بالكبرى و تفصيل ذلك موكول الى محله، و المقصود في ما نحن فيه أنه بعد أن ثبت تقييد المطلقات باعتبار الرجوع الى الكفاية و شككنا في مفهوم المقيد من حيث الزمان لا يمكن إثبات الوجوب بالإطلاقات فلا بد من القول باعتبار وجدانه له إلى آخر العمل لأنه القدر المتقين في وجوب الحج عليه، و لو لم يكن كذلك و شككنا في وجوبه عليه فالمرجع هو البراءة.

و لكن التحقيق: سقوط هذا البحث من أصله بناء على ما اخترناه من أن الدليل على اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو قاعدة نفي العسر و الحرج، لعدم إجمال دليل نفي العسر و الحرج من حيث الزمان حتى يتأتى هذا البحث إذا المستفاد منه هو اعتبار كونه ذا صناعة، أو كسب، أو عقار، أو ضياع، و نحو ذلك حتى لا يصير الحج سببا لوقوعه في العسر و الحرج، و أما اعتبار بقاء ذلك الضياع أو الكسب، أو الصناعة إلى آخر العمر، أو إلى سنة، أو إلى يوم واحد، مثلا فلا وجه له فلو فرضنا في يوم رجوعه عن الحج تلف ضياعه، أو انتفاء قدرته على التكسب، لا يكشف ذلك عن عدم كون حجه

حجة الإسلام، إذ ليس الموقع له في العسر و الحرج هو الحج، بل تلف ماله أو غيره مما عرفت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 183

كما لا يخفى، بل يجرى هذا ايضا بناء على كون المستند في اعتباره هو الأخبار، و ذلك لأنه بعد فرض تسليم تماميتها سندا و دلالة لا يستفاد منها إلا كونه واجدا بعد الحج لما يكفيه لا عاشته من مال يتكسب به، أو ضياع يستفيد منها، أو نحو ذلك، و أما اعتبار بقاء ذلك إلى مدة، أو إلى آخر العمر فهو مما لا يدل عليه النصوص لا صراحة و لا ظهورا كما لا يخفى.

[المسألة التاسعة و الخمسين لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج]

قوله قده: (لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج.).

هذا هو الأشهر بل المشهور على ما في الجواهر. و حكى عن النهاية؛ و الخلاف، القول بوجوب ذلك إذا كان الوالد فقيرا و الولد غنيا. و عن المهذب القول بجوازه. و المحكي عن التهذيب أنه يأخذ من مال الولد و هذه العبارة كما ترى تلائم كل من الوجوب و الجواز.

و كيف كان فيدل على وجوب ذلك أو جوازه صحيح سعيد بن يسار سئل الصادق- عليه السلام- الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجة الإسلام قال: و ينفق منه؟ قال: نعم. ثم قال: مال الولد لوالده، أن رجلا اختصم هو و والده الى رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فقضى أن المال و الولد للوالد «1».

قد يقال بدلالته على الوجوب، و وجه الاستدلال به عليه أن قوله- عليه السلام-:

(نعم يحج منه حجة الإسلام) جملة خبرية فهي أدل على الوجوب من صيغة الأمر.

و قد يقال بدلالته على الجواز و وجه الاستدلال به عليه

ورود قوله- عليه السلام- (نعم يحج منه) في مقام توهم الحذر فلا يستفاد منه الوجوب. و كيف كان فهذا. الصحيح لا يعارضه الأخبار الدالة على عدم جواز تصرف الوالد في مال الولد زائدا على مقدار الضرورة، فإن تلك الأخبار مطلقة قابلة للتقييد بهذا الصحيح كما لا يخفى هذا و لا وجه لحمله في مقام الجمع بينه و بينها على محامل بعيدة، كالحمل على الاقتراض من ماله مع الاستطاعته من مال نفسه. أو على ما إذا كان فقيرا و كانت نفقته على ولده و لم يكن نفقته في السفر الى الحج أزيد من نفقته في الحضر، أو نحو ذلك. و العمدة إعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 36 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 184

عليهم- عنه، فهو موهون به و كلما ازداد صحة ازداد وهنا.

و لكن الإنصاف عدم الجزم بالإعراض، لقوة احتمال أن يكون عدم أخذهم به من باب التخيير، بعد ما رأوا التعارض كما يشهد تكافئهما من حيث الترجيح.

أما من حيث الشهرة، فلان كليهما مشهوران.

و أما من حيث الموافقة للكتاب و مخالفة العامة، فلان أحدهما موافق للكتاب و الآخر مخالف للعامة. و كيف كان فلا موجب للأخذ بهذا الخبر إما للاعراض. و إما لرجحان الأخذ بما هو موافق لفتوى المشهور.

فما افاده المصنف «قده» هو المختار فعلى هذا لا مجال لحمله على تلك المحامل من باب التورع التي عين الطرح فتدبر فما افاده المصنف قده متين جدا.

[المسألة الحادية و الستين يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية]

قوله قده: (يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب، أو كان حرجا عليه و لو على المحمل، لم يجب و كذا لو

تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته. و كذا لو احتاج الى خادم و لم يكن عنده مؤنته).

قال في الشرائع: (فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب لم يجب الحج).

و قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه. بل عن المنتهى: كأنه إجماعي. بل عن المعتبر: اتفاق العلماء عليه).

و قال في المستند: (فغير الصحيح لا يجب عليه الحج بالإجماع، و عدم صدق الاستطاعة و انتفاء الحرج، و كثير من الاخبار المتقدمة). و يدل على ذلك جملة من الاخبار و هي:

1- صحيح بن يحيى الخثعمي قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه- عليه السلام- و انا عنده عن قول اللّه عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال: ممن كان له مال. فقال له حفص الكناس: فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه و له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم «1».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 185

2- خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون قال:

و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة «1».

3- صحيح هشام عن أبي عبد اللّه في قوله عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2»» ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة «3».

4- عن عبد الرحمن عن أبي عبد

اللّه في قوله: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «4» قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو مستطيع للحج «5».

5- عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عز و جل:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. «6» إلخ»؟ قال: الصحة في بدنه و القدرة في ماله «7» قال: و في رواية حفص الأعور عنه قال: القوة في البدن و اليسار في المال «8».

6- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه في قول اللّه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. «9» إلخ» قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «10».

و لا يعارض هذه الأخبار ما في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «11» أ ليس قد جعل اللّه لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة، ليس استطاعة البدن. و ذلك لأن الظاهر أن السائل توهم أن مقتضى الآية الشريفة هو وجوب الحج بمجرد صحة البدن، فالإمام- عليه السلام- يكون

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(2) سورة آل عمران: الآية- 91.

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(4) سورة آل عمران: الآية- 91.

(5) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(6) سورة

آل عمران: الآية- 91.

(7) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 12

(8) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 13

(9) سورة آل عمران: الآية- 91.

(10) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(11) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 186

في مقام بيان عدم كفاية صحة البدن في وجوب الحج، و اعتبار وجدان الزاد و الراحلة فيه ايضا، و لا أقل من حمله على ذلك جمعا بينه و بين ما عرفت من الأخبار، هذا كله مضافا إلى ما فيه من ضعف السند.

[المسألة الثانية و الستين و يشترط الاستطاعة الزمانية]

قوله قده: (و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج، أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب.).

قال الشهيد (ره) في الدروس: (و سادسها) التمكن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق، أو احتاج إلى سير عنيف ليطوي المنازل و عجز سقط في عامه، و كذا لو قدر عليه بمشقة لا تتحمل عادة).

و قال النراقي (قده) في المستند: (للإجماع، و فقد الاستطاعة، و لزوم الحرج و العسر، و كونه أمرا يعذره اللّه تعالى فيه، كما صرح به في بعض الأخبار).

لا ينبغي الإشكال في ذلك، غاية الأمر أن ضيق الوقت إذا كان بحيث لا يتمكن من الحج أصلا فاعتبار عدمه شرط عقلي، و إذا كان بحيث يتمكن من الوصول اليه لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة فيدل على اعتبار عدمه أدلة نفي العسر و الحرج.

[المسألة الثالثة و الستين و يشترط الاستطاعة السربية]

قوله قده: (و يشترط أيضا الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات، أو إلى تمام الأعمال، و إلا لم يجب.).

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا. بل ادعى عليه الإجماع.

قال النراقي (قده) في المستند: (و اشتراطها مجمع عليه محققا و محكيا). و يدل على اعتبارها غالب الأخبار المتقدمة الدالة على اشتراط صحة البدن فلا نعيدها.

[المسألة الرابعة و الستين]
[إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف ماله في بلده]

قوله قده: (إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف ماله في بلده معتد به لم يجب).

هذا الكلام مما لا إشكال فيه إن استلزم ذلك العسر و الحرج.

[و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري]

قوله قده: (و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 187

سابق على حصول الاستطاعة أولا حق مع كونه أهم من الحج، كإنقاذ غريق، أو حريق و كذا إذا توقف على ارتكاب محرم كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة).

هذا من صغريات التزاحم فلا بد في التقديم من ملاحظة الأهمية و المهمية سواء كان ذلك التكليف المزاحم سابقا على الاستطاعة أم لاحقا لها. و ما أفاده المصنف (قده) من لزوم ملاحظة أهمية المزاحم في خصوص ما إذا كان مؤخرا عن الاستطاعة. و أما إذا كان سابقا عليها قدم عليه مطلقا فقد عرفت ما فيه سابقا.

و يمكن الاستدلال على انتفاء وجوب الحج بمزاحمته مع تكليف آخر وجوبي أو تحريمي و لو لم يكن ذلك التكليف أهم بما في صحيح حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» و بما عن على بن أبي حمزة عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال: من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس (له) عنه شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام «2». وجه الاستدلال بهما هو جعل عدم شغل يعذره اللّه به فيهما شرطا لوجوب الحج عليه، و يصدق على التكليف المزاحم أنه شغل يعذره

اللّه به فعلى هذا يقدم الواجب المزاحم للحج عليه و لو لم يكن أهم و (فيه): أن كونه شغلا يعذره اللّه به هو عين الدعوى و لا نسلمه إلا في صورة أهميته على الحج. و أما إذا كان الحج أهم لم يكن ذلك شغلا يعذره اللّه به في ترك الحج، و إذا تساويا اتجه التخيير، و قد تقدم سابقا أن تمييز الأهمية و المهمية ليس بيدنا، لقصور عقولنا عن إدراك المصالح، بل لا بد من استفادة ذلك من الاخبار إن أمكن ذلك، و إلا فإن كان أحدهما محتمل الأهمية دون الآخر قدم و إلا كان مخيرا.

[المسألة السادسة و الستين]
[إذا اعتقد كونه مستطيعا فحج ثم بان خلافه]

قوله قده: (إذا اعتقد كونه بالغا أو حرا مع تحقق سائر الشرائط فحج ثم بان أنه كان صغيرا أو عبدا، فالظاهر بل المقطوع عدم اجزائه عن حجة الإسلام).

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2- الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 188

هذا مما لا اشكال فيه. إذا البلوغ و الحرية بحسب ظاهر الأخبار شرط واقعي من دون دخل للعلم و الجهل في ذلك، لعدم الدليل عليه بل الدليل و هو الإطلاق يقتضي عدم دخل شي ء منهما فيه.

قوله قده: (و إن اعتقد كونه مستطيعا مالا و أن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج، ففي إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه وجهان: من فقد الشرط واقعا. و من أن القدر المسلم من عدم اجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة.)،

أوجههما عدم الاجزاء، بل لا ينبغي الارتياب في ذلك، إذا لا اثر للاعتقاد هنا.

بيانه: أن الدليل الدال على عدم اجزاء

حج غير المستطيع مالا ليس هو الإجماع فقط حتى يقال: إن القدر المتيقن منه هو غير صورة اعتقاده بكونه مستطيعا، لمدركية الإجماع.

بل الدليل هو القاعدة و هي عدم اجزاء غير الواجب عن الواجب و سيأتي البحث عن ذلك ان شاء اللّه تعالى.

فان تمت تلك القاعدة ثبت عدم الاجزاء بلا فرق بين اعتقاده لكونه مستطيعا أولا و إلا اتجه الاجزاء بلا فرق بين الصورتين ايضا.

قوله قده: (و إن اعتقد عدم الضرر، أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته).

التحقيق في هذه المسألة أيضا عدم دخالة الاعتقاد في الحكم بل لو قلنا في صورة علمه بلزوم الحرج بالاجزاء اتجه الاجزاء في صورة اعتقاده، لعدم الحرج ايضا. و لو قلنا بعدم الاجزاء في تلك الصورة اتجه عدم الاجزاء هنا أيضا. فالعمدة البحث عن أصل كون الحرج مانعا عن الاجزاء و عدمه، و سيأتي الكلام فيه- ان شاء اللّه تعالى- في المسألة الآتية.

قوله قده: (و ان اعتقد المانع من العدو، أو الضرر، أو الحرج، فترك الحج فبان الخلاف، فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان، و الأقوى عدمه، لأن المناط في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 189

الضرر الخوف و هو حاصل.).

ما افاده (قده) من كون المناط في الحكم هنا الخوف (ممنوع) فان المذكور في اخبار الباب هو عنوان تخلية السرب و هو عنوان واقعي، غير تابع للعلم، أو الجهل، أو الخوف أو غير ذلك.

قوله قده: (و ان اعتقد عدم مانع شرعي فحج فالظاهر الاجزاء إذا بان الخلاف.).

لا إشكال في كون سقوط وجوب الحج بمزاحمته لواجب آخر متوقفا على العلم بذلك الواجب، لأن قوام التزاحم بالعلم كما قد حقق ذلك في الأصول، فلو اعتقد عدمه و حج اجزء بلا اشكال.

بل لو علم بالمزاحمة و فرضنا أهمية المزاحم منه و مع ذلك عصى و حج فالظاهر الإجزاء ايضا إما للترتب و إما للملاك.

[حكم ما إذا حج فاقدا لبعض الشرائط]

قوله قده: (إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا، أو حج مع فقد بعضها كذلك، أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة، و أما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ، أو مع عدم الحرية، فلا إشكال في عدم إجزائه، إلا إذا بلغ، أو انعتق قبل أحد الموقفين على اشكال في البلوغ.).

أما إذا ترك الحج مع تحقق جميع شرائط الوجوب فلا إشكال في استقراره عليه و لا يحتاج الى البحث. و أما إذا حج فاقدا لبعض الشرائط، فإن كان الشرط المفقود هو الحرية، أو البلوغ فلا إشكال في عدم الاجزاء كما افاده المصنف (قده) للنصوص الخاصة المتقدمة. نعم، لو أعتق العبد قبل المشعر اجزء عنه للنصوص الخاصة الدالة على ذلك و لا وجه لإلحاق الصبي به في ذلك. و قد تقدم تفصيله في حج الصبيى فراجع. و ان كان الشرط المفقود غير البلوغ و الحرية من الشرائط، كما إذا حج بدون الاستطاعة المالية أو مع العسر و الحرج قبل الشروع في المقصود نقول: لا ينبغي الإشكال في أن حجة حجة الإسلام فيما إذا حج مع فقدانه لشرط من الشروط المعتبرة في وجوب الحج الى الميقات ثم حصل له ذلك منه فلو لم يكن بالغا في الطريق و بلغ قبل الميقات كفى ذلك في الاجزاء، و كذا لو لم يكن واجدا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 190

للراحلة و كان طي الطريق ماشيا حرجيا عليه و لكن مع ذلك كله مشى الى الميقات و تحمل الحرج و فرضنا

أنه وجد الراحلة من الميقات أو لم يكن المشي من الميقات إلى مكة عسريا عليه فلا ينبغي الإشكال في الاجزاء. هذا كله بناء على كون الإحرام جزءا للأعمال لا شرطا لها. و اما بناء على كونه شرطا لها كفى في حصول الاجزاء اجتماع الشرائط له قبل الأعمال و لو بعد الميقات كما لا يخفى.

و أما إذا فقد حين الأعمال بعض الشرائط فإن كان الشرط المفقود هو عدم المزاحمة لواجب أهم فلا إشكال في حصول الإجزاء. أما للترتب. و إما لوجود الملاك كما مر آنفا و (بعبارة أخرى) أن عدم المزاحمة في الحقيقة ليس شرطا لتحقق حجة الإسلام و قد حققنا ذلك سابقا و انما يقدم الواجب المزاحم عليها بالأهمية فلو عصى ذلك الواجب و حج صح و اجزء عن حجة الإسلام، لاجتماع جميع شرائط الوجوب له. هذا كله مما لا اشكال فيه انما الإشكال فيما إذا حج مع فقد شرط آخر غير مسألة عدم المزاحمة، و غير الحرية، و البلوغ فهل يجزى ذلك عن حجة الإسلام أو لا؟.

يمكن الاستدلال على الاجزاء بوجوه:

(الأول)- ما يتأتى بالنسبة الى جميع الشرائط الأخر، و هو أن الحج الواجب و المستحب ليسا ماهيتين مختلفتين بل حقيقتهما واحدة، فإذا أتى به و لو مع فقد بعض الشرائط يجزى عن الواجب.

ان قلت: كيف يكون كذلك مع ما بينهما من الاختلاف بحسب الآثار، فإنه تترتب على الحج الواجب آثار لا تترتب على الحج المستحب- و هي:

1- استحقاق العقاب على تركه بدون عذر يعذره اللّه تعالى به.

2- أن تركه بلا عذر، ترك لشريعة من شرائع الإسلام، كما في الاخبار.

3- أنه لو منعه مانع عن الحج كان عليه الاستنابة مطلقا، أو في صورة الاستقرار.

4- أنه

لو تركه مع اجتماع الشرائط استقر عليه الحج.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 191

5- أنه لو تركه الى أن مات يخرج من أصل تركته.

و هذه الآثار لا تترتب على الحج المستحب، و من المعلوم أن الاختلاف بينهما بحسب الآثار يدل على تعددهما، ماهية.

قلت: كون هذه الآثار آثارا مترتبة لنفس الحج الواجب حتى تدل على تعدد الماهية (ممنوع) لأنها آثار لنفس وجوبه. و أما ذات الحج الواجب مع ذات الحج المستحب فلا فرق بينهما ماهية و ملاكا أصلا فعلى هذا يجزى الحج المستحب عن الواجب. و هذا نظير ما إذا صلى الصبي المميز صلاة الظهر مثلا ثم بلغ لم يكن عليه اعادة صلاته بناء على مشروعية عباداته و ليس ذلك إلا لأجل وحدة الطبيعة و الملاك الثابت لفعله قبل البلوغ و بعده. غاية الأمر أنه خرج حج الصبي و المملوك عن حيز هذه القاعدة بالنصوص الخاصة التي تقدم ذكرها في محلها. هذا غاية ما يمكن أن يقال في إثبات كون مقتضى القاعدة إجزاء المستحب عن الواجب.

لكن و فيه: أن موضوع الوجوب بجميع حدوده و قيوده دخيل في الملاك قطعا كيف و الملاك مناط موضوعية الموضوع، و الا لزم اللغوية في فعل الحكيم تعالى، فبانتفاء قيد من قيود موضوعه ينتفي الملاك و هذا كاف في عدم حصول الاجزاء، لعدم كون المأتي به متعلقا للأمر الوجوبي، و لا واجدا لملاكه و ان لم نقل بتعدد الماهية بالمعنى الذي ربما يتوهم من كون عنوان حجة الإسلام أو الواجب من العناوين المنوعة بحيث احتاج في النية إلى قصد هذا العنوان.

ثم لو فرض الشك في تحقق ملاك الواجب و عدمه كفى ذلك في القول بعدم اجزاء الحج المستحب عن الواجب، لظهور

دليل ذلك الواجب في توجه الأمر الى من وجد الشرائط و لم يأت به، و المفروض حصولها له و عدم إتيانه بالواجب. و اجزاء ما أتى به ندبا قبل اجتماع الشرائط عن الواجب محتاج إلى دليل مفقود في المقام.

و اما قياس ذلك بما إذا بلغ الصبي بعد صلاة الظهر (ففيه):

(أولا): عدم تسليم الحكم في المقيس عليه، لأنه محل الكلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 192

و (ثانيا): بعد تسليمه أنه قياس مع الفارق. بيان ذلك أن الحج في الشريعة الإسلامية قد شرع في كل عام مرة واحدة فمع الاستطاعة يشرع الوجوب و بدونها يشرع الاستحباب. كما أن صلاة الظهر قد شرعت وجوبا أو ندبا في كل يوم مرة واحدة. أما الوجوب فموضوعه البالغ. و أما الاستحباب فموضوعه الصبي المميز، لمشروعيته عباداته على ما حقق في محله.

فكما لو فرض أنه صلى الصبيى في يوم ثم بلغ في اليوم اللاحق يحكم بوجوبها عليه في ذلك اليوم، لاستحباب ما اتى بها في اليوم السابق و اجزائها عن الصلاة الواجبة في اليوم اللاحق محتاج الى الدليل الخاص و هو مفقود، فكذلك في الحج لو حج غير المستطيع في عام ثم صار مستطيعا في العام اللاحق يحكم بوجوبه عليه في عام الاستطاعة بمقتضى الإطلاقات، لأن ما أتى به في العام السابق كان مستحبا، و اجزائه عن الحج الواجب في العام اللاحق محتاج الى دليل خاص و هو مفقود.

و بالجملة لو أريد قياس باب الحج بباب الصلاة فالمتجه قياسه بالصلاة في يوم و البلوغ في يوم آخر، لأن المفروض أنه حج في عام بدون الاستطاعة و حصلت له في عام آخر.

لا قياسه بالصلاة في يوم و البلوغ في ذلك اليوم. و (بعبارة

أخرى) نقول: أنه لو صلى الصبي صلاة الظهر ثم بلغ في ذلك اليوم أمكن القول بالأجزاء لعدم تشريع صلاة الظهر لشخص واحد في يوم واحد الإمرة واحدة، و المفروض أنه أتى بها. و اما استحباب إعادة الصلاة لمن صلاها فرادى ثم أدرك الجماعة فهو لأجل النص الخاص.

و الحاصل: أن صلاة الظهر المشروعة في يوم واحد بنفسها ليست إلا مرة واحدة و لو كان المفروض عدم تشريع الحج في تمام العمر إلا مرة واحدة- لا واجبا و لا مستحبا- اتجه قياس الحج في عام و حصول الاستطاعة في عام آخر بالصلاة في يوم و تحقق البلوغ في ذلك اليوم. فنقول: إن الحج لم يشرع الإمرة واحدة و المفروض أنه أتى به و لو مستحبا فلا وجه لأن مأتي به ثانيا بعد الاستطاعة، لكن ليس كذلك. بل الحج شرع في كل عام فما أتى به في العام السابق كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 193

مستحبا لذلك العام و إجزائه عن الحج الواجب لعام الاستطاعة محتاج الى الدليل و هو مفقود.

(الوجه الثاني) ما لا يتأتى إلا بالنسبة إلى الشرائط التي يكون مدرك اعتبارها قاعدة نفي العسر و الحرج نظير استثناء المستثنيات، و الرجوع الى الكفاية، و غير ذلك. و هو أنه و ان تقدم آنفا أن كل قيد من قيود موضوع الوجوب دخيل في الملاك بلا إشكال لكن القيد المستند إلى قاعدة نفي العسر و الحرج لا ملاك له إلا الامتنان و لا ربط له بأصل ملاك العمل، فعلى هذا لو حج مع لزوم العسر و الحرج يحكم باجزائه عن حجة الإسلام لاستيفائه جميع ملاك الحج الواجب و إنما لم يكن واجبا عليه بملاك الامتنان، و من

المعلوم أنه لا يقع الكسر و الانكسار بين ملاك الامتنان و ملاك أصل العمل. و ذلك نظير قوله: (رفع عن أمتي ما لا يعلمون) فإنه امتناني و له ملاك غير ملاك الوقع، و لا يقع الكسر بين ملاكه و بين ملاك الواقع و لذا يكون الاحتياط في مورد جريان البراءة حسنا و لو احتاط أدرك ملاك الواقع قطعا.

ان قلت: إنه و ان كانت قاعدة نفي العسر و الحرج و أصل البراءة كلاهما امتنانيين إلا أن بينهما فرقا واضحا من جهة أخرى و هي أن أصل البراءة لا ترفع الواقع، و الا لزم التصويب، و هذا بخلاف قاعدة نفي العسر و الحرج لأنه بناء على القول بذلك فيها لم يلزم منه التصويب.

و أما ما ذكر من عدم مزاحمة ملاك الامتنان لملاك ذات العمل فهو مسلم، و لكن الكلام في أصل وجود الملاك للواجب و هو الحج بعد رفع إلزامه بالامتنان، فان العلم بوجوده مع لزوم العسر و الحرج في الواجب علم بالغيب الذي لا يعلمه إلا هو فيشك في أن ما أتى به من الحج مع لزوم العسر و الحرج واجد لملاك حجة الإسلام أو لا، و ذلك لانتفاء كاشفة و هو الأمر، فعلى هذا الاكتفاء بالحج الموجب للعسر و الحرج في مقام الامتثال مشكل.

هذا كله مضافا الى ظهور دليل نفي العسر و الحرج في كون انتفائه دخيلا في أصل ملاك العمل نظير سائر القيود التي لا إشكال في أن ظاهر دليلها دخالتها في أصل الملاك.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 194

قلت: عدم لزوم التصويب من القول بكون قاعدة نفي العسر و الحرج مغيرة للواقع مسلم بل لا إشكال في تغير الواقع بها بمعنى انتفاء الوجوب،

لكن الفرق بين هذا القيد و سائر القيود في غاية الوضوح بعد تسليم كون القاعدة امتنانية، و ذلك لأنه و إن لم يكن الأمر الوجوبي موجودا حينئذ حتى ينكشف به ثبوت الملاك لكن يستكشف ثبوته من نفس امتنانية القاعدة، إذ لو لم يكن ملاك الوجوب ثابتا فلا امتنان في رفعه، لارتفاعه بانتفاء الملاك لا للقاعدة، فتسليم امتنانيتها مساوق لتسليم ثبوت الملاك على حاله.

و الإنصاف أن إنكار كون مثل قوله تعالى «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «1» و قوله تعالى «رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا» «2» واردا في مورد الامتنان مكابرة.

ظهر مما ذكرنا أنه لو حج مع فقد شرط من الشروط التي يكون مدرك اعتبارها قاعدة نفي العسر و الحرج أجزأ حجه عن حجة الإسلام، لوجود الملاك في عمله و هذا نظير ما هو المختار في باب الوضوء من أنه لو توضأ مع الحرج صح وضوئه و جاز له الدخول في الصلاة و غيرها من الغايات بل ثبوت الحكم فيما نحن فيه أولى من تلك المسألة، لأن فيها يتأتى شبهة: و هو أنه كيف يمكن أن يجتمع البدل و المبدل في عرض واحد و هذا الشخص الذي يكون الوضوء حرجيا عليه يتبدل تكليفه بالتيمم فلا يصح منه الوضوء و إلا يلزم كون التيمم الذي هو في طول الوضوء في عرضه و هذا بخلاف فيما نحن فيه كما لا يخفى. فلو حج مع عدم وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية، أو لنفقة العيال، أو المستثنيات، أو كان الوقت ضيقا وجد في المسير حتى أدرك الحج بمشقة، أو كان الحج حرجيا عليه، أجزأ حجه عن حجة الإسلام.

إن قلت:

إن هذا الكلام إنما يصح في مثل ما إذا كان الحرج في نفس الأعمال، أو كان ذلك في بقائه في مكة للأعمال من جهة حرارة الهواء مثلا. و أما إذا كان ذلك ناشئا من عدم وجدانه للرجوع إلى الكفاية، أو لمؤنة العيال، أو المستثنيات، فلا يمكن القول

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية- 185.

(2) سورة البقرة: الآية- 286.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 195

باجزاء حجه حينئذ و ذلك لأن وجدان الزاد و الراحلة حسب ما يستفاد من الأخبار المفسرة للاستطاعة موضوع لحجة الإسلام و جريان قاعدة نفي العسر و الحرج بالنسبة إلى الرجوع الى الكفاية، و المستثنيات، و مؤنة العيال، قرينة على كون المراد من وجدان الزاد و الراحلة هو وجدانهما مع قطع النظر عنها، فيتحصل أن موضوع حجة الإسلام ليس مطلق الزاد و الراحلة و لو تملكهما المكلف بثمن المستثنيات، أو من نفقة العيال، أو من مقدار الرجوع الى الكفاية، بل الموضوع هو الزاد و الراحلة زائدا عليها فمن لم يكن له ذلك فهو في الحقيقة ليس واجدا للزاد و الراحلة المعتبرين في حجة الإسلام، فلا يحصل الاجزاء، لعدم الدليل حينئذ على ثبوت الملاك.

و (بعبارة أخرى) أن عدم وجوب الحج عليه بهذا التقريب مستند الى عدم وجدانه للزاد و الراحلة لا إلى قاعدة نفي العسر و الحرج حتى يقال: أن نفي العسر و الحرج امتناني لا يرتفع به الملاك.

قلت: لو لا القاعدة لكنا نقول بكفاية وجدانه لمطلق الزاد و الراحلة في وجوب الحج عليه و لو كانا حاصلين من ثمن المستثنيات لكن القاعدة مانعة عن ذلك، فعدم وجوب الحج عليه مستند إلى قاعدة نفي العسر و الحرج و المفروض كونها امتنانية و من المعلوم عدم وقوع

الكسر و الانكسار بين المصلحة الامتنانية و المصلحة الواقعية و نفس كون امتنانية القاعدة دليل على بقاء الملاك الواقعي على حاله و عدم صلاحية مزاحمة المصلحة الامتنانية له فلو أتى به مع تحمل العسر و الحرج فقد أدرك الملاك بتمام مراتبه من دون تفويت شي ء منه لكون القاعدة ترخيصية لا إلزامية.

(الوجه الثالث)- ما لا يتأتى إلا بالنسبة الى من كان مستطيعا من حيث المال لكنه كان فاقدا لشرط آخر غير ما مر من البلوغ، و الحرية، كصحة البدن، أو لزوم العسر و الحرج و هو أنه قد دلت بعض الأخبار على وجوب الاستنابة لمن كان واجدا لمقدار ما يحج به لكنه منعه مانع من مرض، أو غيره، عن الحج. و هذا دليل على ثبوت حجة الإسلام عليه إذ لو لم يكن الحج واجبا عليه لما وجب عليه الاستنابة كما لا يخفى. فوجوبه عليه مسلم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 196

غاية الأمر أنه سقط عنه قيد المباشرة لأجل المانع و من المعلوم أن سقوط قيد المباشرة ترخيصي لا عزيمى، لان من الواضح أنه لو تحمل المرض، أو الحرج و حج مباشرة لم يرتكب حراما ما لم يصل ذلك الى حد الضرر المنهي عنه، و على هذا فلا وجه لعدم الاجزاء، لما عرفت من ثبوت حجة الإسلام عليه. و سقوط قيد المباشرة لم يكن عزيميا، فانطباق حجة الإسلام على المأتي به قهري و الاجزاء عقلي كما اتضح في محله.

و ما ذكرناه واضح بناء على وجوب الاستنابة عليه. و أما بناء على استحبابها فنقول أيضا أن ظاهر الأخبار هو إتيان النائب بما على المنوب عنه من جهة الاستطاعة المالية وجوبا، لا إتيانه بالحج المستحب عنه، لكون الاستحباب

بناء على القول به في محله صفة للاستنابة لا للحج الذي يأتي به نيابة عنه و سيتضح تحقيق ذلك في مبحث الاستنابة- إن شاء اللّه تعالى- فعلى أى حال تكون تلك الأخبار دليلا على ثبوت حجة الإسلام عليه مع فاقديته لشرط الصحة سواء قلنا بوجوب الاستنابة عليه أم باستحبابها فله ترك الاستنابة و الصبر الى زوال العذر، أو الى زمان الموت، لو استمر العذر، فيخرج من أصل المال. و بعد ضم ذلك أعنى ثبوت حجة الإسلام عليه الى ما عرفت من كون سقوط قيد المباشرة ترخيصيا لا عزيميا يتضح وجه الإجزاء لو حج بنفسه و سيأتي ذكر تلك الأخبار- إن شاء اللّه تعالى.

قوله قده: (إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجز عن حجة الإسلام و إن اجتمع سائر الشرائط لا لأن الأمر بالشي ء نهى عن ضده، لمنعه أولا و منع بطلان العمل بهذا النهى ثانيا لأن النهي متعلق بأمر خارج بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع و وجوب ذلك الواجب مانع و كذلك النهى المتعلق بذلك المحرم مانع و معه لا أمر بالحج.).

قد تقدم حكم ذلك في المباحث السابقة، و قلنا: إن استلزام الحج لترك واجب، أو فعل حرام، داخل في باب التزاحم، لا أن استلزامه لذلك رافع لموضوع الاستطاعة، فالأقوى في النظر هو الاجزاء.

[المسألة السابعة و الستين إذا كان في الطريق عدو طالب للمال]

قوله قده: (إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 197

الحج أو لا؟ أقوال: ثالثها الفرق بين المضر بحاله و عدمه، فيجب في الثاني دون الأول.).

إختار الأول المحقق (طاب ثراه) في الشرائع حيث قال: «و لو قيل يجب التحمل مع المكنة كان حسنا». و وافقه

على ذلك صاحب المدارك حيث قال: (و الأصح ما إختاره المصنف (ره) من وجوب بذل المال مع القدرة مطلقا، لتوقف الواجب عليه كأثمان الآلات).

و إختار الثاني: الشيخ (ره) و جماعة على ما حكاه صاحب المدارك (قده) لانتفاء الشرط و هو تخلية السرب و لأن المأخوذ على هذا الوجه ظلم فلا ينبغي دفعه إليه لأنه إعانة عليه.

و إختار الثالث: في المعتبر حيث قال: (و الأقرب أنه إن كان المطلوب مجحفا لم يجب دفعه عليه و إن كان يسيرا وجب بذله و كان كاثمان الآلات) و وافقه على ذلك المصنف (قده).

و تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال: إنه (تارة) يكون ما يأخذه العدو من المال مجحفا بحاله. فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه كما أفاده المصنف (قده) و صاحب المعتبر (ره)، لما مر في صحيح المحاربي من قوله: «. حاجة تجحف به» و نظير ذلك ما إذا استلزم حجه تلف مقدار معتد به من ماله بحيث يوجب الضرر عليه فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه و القدر المتيقن من ذلك كله هو صورة لزوم العسر و الحرج من دفع المال الى العدو.

و (أخرى) لا يكون كذلك، و حينئذ قد يكون المال الذي يأخذه العدو منه رافعا للاستطاعة المالية، فلا إشكال حينئذ في عدم وجوب دفع المال اليه، و قد لا يكون كذلك و هذا يتصور على نحوين:

(الأول)- أن لا يكون قصد العد من منعه سد الطريق عليه بل يكون قصده أخذ مقدارا من المال منه بحيث لو لم يعطه المال لوقع النزاع بينهما، فيصير ذلك قهرا مانعا عن الحج، ففي هذه الصورة لا بد من الحكم بوجوب دفع المال اليه. نظير المال

الذي يدفعه الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 198

الظالم، لتحصيل جواز العبور، و نحو ذلك مما هو مقدمة وجودية للحج لا وجوبية.

(الثاني)- أن يكون قصده ذلك لكن دفع المال اليه يكون من قبيل إيجاد الداعي له لرفع يده عن منعه، فالظاهر عدم وجوب دفع المال إليه، لأن خلو السرب حسب ما يستفاد من الأخبار المتقدمة في الشرط الثالث يكون دخيلا في تحقق الاستطاعة كالزاد و الراحلة و صحة البدن، فكما لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية كذلك لا يجب تحصيل خلو السرب، لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

اللهم إلا أن يقال: إن خلو السرب من المقدمات الوجودية لا الوجوبية، لكنه خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة الواردة في تفسير الاستطاعة جدا، لكونها في مقام شرح الاستطاعة التي هي موضوع الوجوب.

و يمكن أن يستدل على كون ذلك من المقدمات الوجودية: بأنه لو فرضنا عدم حصول خلو السرب له يحكم بوجوب الاستنابة عليه لو كان ذلك حاصلا لغيره، بناء على القول بوجوب الاستنابة على المستطيع من حيث المال لو كان له عذر من الذهاب الى الحج، و هذا دليل على ثبوت حجة الإسلام عليه و لو لم يكن خلو السرب حاصلا له، و إلا فلا معنى لوجوب الاستنابة عليه كما لا يخفى فعلى هذا يكون خلو السرب من المقدمات الوجودية لا من المقدمات الوجوبية.

لكن التحقيق: كونه من المقدمات الوجوبية بمقتضى ما تقدم من الأخبار المصرحة بكون ذلك دخيلا في الاستطاعة، غاية الأمر أنه بناء على القول بوجوب الاستنابة عليه في ذلك الفرض كان خلو السرب مقدمة وجوبية لقيد المباشرة لا لأصل الحج و بالجملة فلا ينبغي الارتياب في كون ذلك مقدمة وجوبية اما للحج، و اما لقيد المباشرة،

و من المعلوم أن تحصيل الموضوع غير واجب بالاتفاق، فلا يجب عليه دفع المال الى العدو في تلك الصورة إلا أن يقال بعدم كون المانع عن وجوب الحج مطلق العدو بل العدو الذي لا يندفع بالمال لكنه كما ترى مخالف لإطلاق الأدلة.

و بالجملة مهما كان العدو سادا للطريق و توقف دفعه على إعطاء مقدار من المال، أو على منازعة، أو مخاصمة، بحيث لم يصدق عنوان خلو السرب لم يجب دفعه بالمال، نعم، لو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 199

فرضنا اندفاعه بكلمة وعظ، و إنذار مثلا، أو بإعطاء مال قليل غير معتد به عند العقلاء بحيث يقال عرفا أنه واجد لخلو السرب، و ان هذا العدو لا يعد سادا للطريق، فلا إشكال في وجوب الحج عليه مباشرة.

[المسألة السبعين إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة]

قوله قده: (إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس، أو زكاة، أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها، و لو تركها عصى.

و أما حجة فصحيح، إذا كانت الحقوق في ذمته لا في عين ماله. و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لا يكون فيه خمس، أو زكاة أو غيرهما، أو كان مما تعلق به الحقوق، و لكن كان ثوب إحرامه، و طوافه، و سعيه، و ثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق، بل و كذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس و الزكاة إلا انه بقي عنده مقدار ما فيه منهما، بناء على ما هو الأقوى من كونها في العين على بنحو الكلي في المعين لا على وجه الإشاعة.)

الحق على ما أثبتنا في محله هو

أن الخمس و الزكاة يكون في العين بنحو الإشاعة فالمال مشترك بين المالك و بين السادة، و الفقراء، و على هذا فلو كان ثوب إحرامه من المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة يحكم ببطلان إحرامه، و كذلك لو كان ثمن هديه من ذلك و لو طاف أو سعى في ذلك الثوب كان طوافه و سعيه فيه نظير الصلاة في الثوب الغصبي.

[المسألة الثانية و السبعين مسائل الاستنابة]
اشارة

قوله قده: (إذا استقر الحج عليه و لم يتمكن من المباشرة، لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك، أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجا عليه، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه و هو الأقوى و إن كان ربما يقال بعدم الوجوب و ذلك لظهور جملة من الأخبار.).

يقع الكلام في هذه المسئلة من جهات كثيرة:

(الأولى)- في إثبات صحة أصل الاستنابة

في الجملة على الحر البالغ المستطيع من حيث المال إذا لم يتمكن من الإتيان بالحج مباشرة، لعذر يعذره اللّه به فنقول، لا يخفى أن الاستنابة إنما تكون على خلاف الأصل، لأن إطلاق الدليل الأولى في كل واجب من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 200

الواجبات يقتضي المباشرية، كما يقتضي العينية و التعينية، و النفسية، و التوصلية، على ما حققناه في الأصول، و ذلك أعني اقتضائه للمباشرة لوجوه ثلاثة:

(الأول)- أن فعل النائب لا يكون مصداقا لفعل المنوب عنه و لو بنحو المسبب التوليدي و لا يتعلق قدرة الشخص بفعل الغير، و الأمر المتوجه اليه لا يتعلق بفعل غيره، لعدم قدرته عليه و لا شك في قبح التكليف بغير المقدور، فعلى هذا اجزائه عن فعله محتاج إلى دليل ثانوي فإذا قام ذلك على الإجزاء فهو و إلا فلا وجه للإجزاء.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 200

(الثاني)- أن جعل الاستنابة عدلا لفعل هذا الشخص الذي صار واجدا للشرائط يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا فمقتضى الإطلاق عدمه ما لم يقم دليل تعبدي على ذلك:

(الثالث)- أنه مع قطع النظر عن الصناعة العلمية لا ينبغي الإشكال في أنه لو قال المولى

لعبده حج، أو صل مثلا لا يفهم العرف منه إلا إتيان العبد، بالعمل مباشرة كما لا يخفى إذا عرفت ذلك فنقول، لا إشكال في ثبوت خروج النيابة عن الميت عن حيز هذه القاعدة بالنصوص الخاصة الواردة في المقام بلا فرق بين الحج الواجب و المندوب، كما لا إشكال في صحة النيابة عن الحي المتمكن أيضا في الحج المندوب. و أما في الحج الواجب بالنسبة إلى الحي فإن كان متمكنا من الإتيان به مباشرة بدون العسر و الحرج فلا إشكال في عدم مشروعية النيابة عنه و انما الإشكال في صحة الاستنابة في الحج الواجب عن الحي الممنوع عن المباشرة لعذر يعذره اللّه فنقول، لا إشكال في مشروعية النيابة في حقه أيضا في الجملة إجماعا و نصا لدلالة جملة من النصوص على ذلك- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إن عليا رأى شيخا كبيرا لم يحج قط، و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز عليه رجلا فيحج عنه «1».

2- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض، أو حصر، أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه، فان عليه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 201

أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1».

3- في المقنعة عن الفضل بن العباس قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: إن أبي أدركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابته؟ فقال: لها رسول اللّه فحجي عن

أبيك «2».

4- خبر على بن أبي حمزة قال سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه؟ فقال:- عليه السلام- عليه ان يحج رجلا من ماله صرورة لا ماله له «3».

5- صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: كان على- عليه السلام- يقول: لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض، أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله، ثم ليبعثه من مكانه «4».

6- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إن أمير المؤمنين- عليه السلام- أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه «5».

7- خبر سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أن رجلا اتى عليا عليه السلام- و لم يحج قط فقال: إني كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبرت سني؟ فقال فتستطيع الحج؟ فقال: لا فقال له على- عليه السلام-: إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك «6».

8- خبر عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي جعفر- عليه السلام- عن أبيه أن عليا- عليه السلام- قال الرجل كبير لم يحج قط إن شئت أن تجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك «7».

(الجهة الثانية)- في إثبات وجوب الاستنابة عليه في الجملة

.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(4) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(5) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب

الحج و شرائطه الحديث 6

(6) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(7) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 202

و هذا هو المشهور بل ادعى الإجماع عليه كما عن المسالك، و الروضة، و المفاتيح، على ما حكاه صاحب المستند (قده) و يدل على ذلك ظاهر كثير ما تقدم من الأخبار في الجهة الاولى و لكن يعارضها ما تقدم من حديثي سلمة أبي حفص و عبد اللّه بن ميمون القداح المشتملين على كلمة (ان شئت) الظاهر بل الصريح في عدم وجوب الاستنابة، لأنه علق الاستنابة فيهما على المشية، و هو قرينة على عدم وجوبها، و حمله على أن المراد أنه إن شئت أن تعمل بتكليفك فجهز رجلا و نحو ذلك ليس على ما ينبغي لكونه في الحقيقة طرحا لهما لا جمعا بين الأخبار المذكورة، و ذلك لأن مقتضى الجمع بينها أن يقال: إن هذين الخبرين صريحان في عدم وجوبها بخلاف تلك الأخبار، لظهورها في الوجوب، فلا بد من رفع اليد عن ظاهرها تحكيما للاظهر على الظاهر، فعلى هذا لا بد أن يحكم باستحباب الاستنابة بمقتضى الجمع بينها و بين الخبرين هذا إذا لم نقل بأن لفظ (عليه) الواقع في تلك الأخبار نصا في الوجوب، و إلا يقع التعارض بينها.

هذا كله على فرض تسليم صحة سندهما، لكنهما ضعيفان سندا، مع عدم انجبار ضعفهما بالعمل، فلا يقاومان الأخبار المتقدمة- الدالة على وجوب الاستنابة- و حملهما على بعض المحامل البعيدة جمع تبرعي كما لا يخفى.

فما افاده المصنف (قدس سره) من الحكم بوجوب الاستنابة عليه متين.

ثم إن صاحب المستند (قده) ذهب إلى عدم

وجوب الاستنابة مطلقا، و أورد على الاستدلال بالأخبار على ذلك بإيرادات غير مرضية، و أمتنها أنه جعل تلك الأخبار بعد تسليم دلالتها على وجوب الاستنابة معارضة لصحيح محمد بن مسلم- الدال على عدم وجوبها عليه- حيث قال فيه: «لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض. فليجهز رجلا» و هذا يدل على عدم الوجوب، لأنه علق الاستنابة فيه على صورة إرادة الحج، و مقتضى مفهومه عدم وجوبها عليه على تقدير عدم ارادة الحج و مقتضى الإجماع المركب عدم التفصيل في وجوب الاستنابة بين صورة إرادة الحج و عدمها فنحمله على استحباب الاستنابة لمن أراد الحج، لأن من أراد خيرا ينبغي له فعله بأي نحو أمكن. و (فيه): أن هذا الحديث

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 203

لا يقتضي تعليق وجوب الاستنابة على ارادة الحج حتى يتم ما افاده (قده) فإنه نظير أن يقال إن من أراد الصلاة فليتوضأ. أو يقال مثلا: أن من أراد الطواف و لم يتمكن فليستنب و ليس معناه دخالة إرادة الصلاة في وجوب الوضوء، أو دخالة إرادة الطواف في وجوب الاستنابة و انما يقال ذلك من جهة أن من لا يريد الصلاة لا حاجة له إلى الوضوء، و كذا من لا يريد الطواف لا حاجة له إلى الاستنابة و هذا تعبير شائع في العرف، فما في هذا الحديث من تعليق الاستنابة على ارادة الحج لا يدل على عدم وجوبها كما افاده صاحب المستند (قده) نعم لو علقت الاستنابة على ارادة نفس الاستنابة كما عرفت في حديثي قداح، و ابى حفص، لكان ذلك دالا على عدم الوجوب، و لكن الأمر ليس كذلك كما هو واضح.

و بالجملة صحيح محمد بن مسلم الذي جعله

صاحب المستند (قده) معارضا للأخبار الدالة على وجوب الاستنابة لا ينفى وجوبها، و غاية ما في الباب هو القول بإجماله، فلا يصلح صارفا لظهور باقي الأخبار في الوجوب، فعلى هذا لا يبقى مجال لما ذهب اليه صاحب المستند (قده) من عدم وجوب الاستنابة، لما عرفت.

(الجهة الثالثة)- في أنه هل يحكم بوجوب الاستنابة على المستطيع المعذور مطلقا،

أو يقال بالتفصيل، و التفاصيل التي ظفرنا بها في كلمات الأصحاب في المحل المفروض ثلاثة:

(الأول) التفصيل بين صورة استقرار الحج عليه و عدمه، فيحكم بوجوب الاستنابة على الأول دون الثاني. كما هو المحكي عن جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- منهم الحلي، و المفيد، و العلامة، في القواعد.

و لكن الأقوى في النظر هو الحكم بوجوبها مطلقا من دون فرق بين صورة استقرار الحج عليه و عدمه وفاقا للإسكافي، و الشيخ، و أبي الصلاح، و ابن البراج، و الحسن في ظاهر، و الفاضل في (السرائر) على ما حكاه صاحب الجواهر. و يدل على ذلك إطلاق ما تقدم من الأخبار من صحيح الحلبي أو حسنه، و مضمرة على بن حمزة، و كذا صحيح محمد بن مسلم لو قلنا بتمامية دلالته على الوجوب. و لكن ما يمكن الاستدلال به على التفصيل وجوه:

(الأول)- دعوى انصراف الإطلاقات المتقدمة- الدالة على وجوب الاستنابة- إلى صورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 204

الاستقرار، و (فيه): أنه لو سلمناه، فهو بدوي.

(الثاني)- أن ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار الدالة على الوجوب، و بين ما دل على عدمه، و هو ما تقدم من حديث القداح، فنحمل الطائفة الأولى- الدالة على الوجوب- على صورة استقرار الحج عليه و الخبر على صورة عدم استقراره عليه.

و (فيه) أن هذا الجمع بلا شاهد بل الشاهد على عكس ذلك- اعنى القول بوجوب الاستنابة على

من لم يستقر الحج عليه و عدم وجوبها على من استقر عليه الحج- و ذلك لأن خبر أبي حفص صريح في عدم وجوبها على الرجل الكثير المال الذي فرط في الحج حتى كبر سنه بحيث لم يستطع الحج، و مقتضى الجمع بينه و بين الأخبار الدالة على الوجوب مطلقا هو تقييد إطلاقها بذلك، فيتجه القول بوجوب الاستنابة على من لم يستقر عليه الحج و عدم وجوبها على من استقر عليه الحج بمقتضى الإطلاق و التقييد بينها.

فظهر أنه لو أريد التفصيل في الحكم بوجوب الاستنابة بين صورة الاستقرار و عدمه فاللازم هو القول بوجوب الاستنابة في الثاني دون الأول و هذا كما ترى لم يقل به أحد.

و التحقيق ما عرفت من وجوب الاستنابة مطلقا و قلنا: إن حديث القداح ضعيف السند.

(الثالث)- أن يقال إن هذا مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة- الدالة على أن صحة البدن، و تخلية السرب، و انتفاء الاعذار و الموانع، دخيلة في وجوب الحج، و بدونها يحكم بعدم وجوب الحج عليه، و بين الأخبار الواردة في المقام- الدالة على وجوب الاستنابة- و ذلك لاختصاص ما دل على، أن تلك قيود للموضوع و هو الأخبار المفسرة للاستطاعة بالسنة الأولى و لا إشكال في الحكم بوجوب الحج عليه تحقق الشرائط له في السنة الاولى، فلو تركه استقر عليه الحج و لو مع انتفاء بعض الشرائط في السنوات اللاحقة كما. لا يخفى و ما دل على وجوب الاستنابة مطلق يشمل صورة الاستقرار و عدمه.

و الحاصل: أن الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة أخص من الأخبار الواردة في المقام الدالة- على وجوب الاستنابة- لاختصاص تلك الأخبار بالسنة الأولى، فيقدم عليها بالأخصية، فعلى هذا يفصل في

الحكم بوجوب الاستنابة بين صورة الاستقرار و عدمه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 205

و يقال باختصاص وجوبها بمن استقر الحج عليه دون غيره.

و (فيه): أن الجمع بينهما بالتخصيص يكون متفرعا على المعارضة بينها.

و التحقيق: عدم المعارضة بينهما، فان المستفاد من الأخبار المفسرة للاستطاعة- الدالة على اعتبار صحة البدن و غيرها في الاستطاعة- هو أن الواجد لتلك الشرائط يجب عليه الحج مباشرة كما لا يخفى، فتلك شروط لوجوب الحج مباشرة، و أما عدم وجوب الحج عليه بالاستنابة مع فقدان بعض تلك الشروط فلا يدل عليه تلك الأخبار بل هي ساكتة عن هذه الجهة، و أخبار الاستنابة كما ترى صريحة في وجوبها مطلقا سواء استقر عليه الحج أم لا فنأخذ بإطلاقها لكونه بلا معارض، فعلى هذا لا وجه للتفصيل بين صورة الاستقرار و عدمه في الحكم بوجوب الاستنابة في الأول دون الثاني إذ لا معارضة بين الأخبار حتى يجمع بينها بذلك.

ان قلت: انه لا شبهة لأحد في أن أصل هذا التكليف الذي هو من أهم التكاليف- اعنى وجوب حجة الإسلام- مشروط بالاستطاعة و أن الاستطاعة دخلية في أصل الوجوب لا في خصوصية المباشرية كما هو ظاهر الآية، و كذا الأخبار فهذا التكليف انما يتوجه الى المستطيع لا غير و عليه فكلما فسرت الاستطاعة به يكون هو دخيلا في أصل الوجوب لا في المباشرية فكما أن وجود الزاد و الراحلة اللذين فسر بهما الاستطاعة دخيل في أصل الحكم فكذلك صحة البدن و خلو السرب خصوصا مع عطفهما في تفسير الاستطاعة على الزاد و الراحلة فلا مجال لإنكار ظهور الأخبار المفسرة للاستطاعة في كونهما دخيلين في أصل الوجوب إن لم نقل بكونها نصا فيه فيتعارضان و تصل النوبة

إلى التخصيص.

يمكن أن يقال في رفع التعارض من بينهما بجعل الطائفة الثانية شارحة للأخبار المفسرة للاستطاعة، لدلالة تلك الأخبار على كون صحة البدن دخيلة في أصل وجوب الحج مطلقا لجزئيتها لموضوعه. و أما أخبار الاستنابة فهي متكفلة لكيفية الدخل لدلالتها على عدم جزئيتها في الاستنابة و إلا فلا يبقى للأخبار الاستنابة مورد.

(الثاني)- التفصيل بين المرض غير مرجو الزوال و غيره في الحكم بوجوب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 206

الاستنابة في الأول دون الثاني. قال في الجواهر: (قد صرح غير واحد بان الوجوب على تقدير القول به إنما هو فيما لم يرج زواله. و أما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه بل عن المنتهى: دعوى الإجماع عليه. و ربما يشهد له التتبع، بل في المدارك: (لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يجزى عن الواجب. إلخ).

هذا و لكن الأقوى في النظر هو الحكم بوجوب الاستنابة مطلقا بدون فرق بينما إذا كان المرض مرجو الزوال و غيره، و ذلك لإطلاق بعض ما مر من الأخبار الواردة في المقام بل نقول: إن حملها على صورة ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال حمل على الفرد النادر، فان المرض غالبا يكون مرجو الزوال. نعم، الأخبار الواردة في استنابة الشيخ الكبير ليس لها إطلاق. و ذلك لأن الشيخوخة ليست مما يرجى زواله، فتلك الأخبار مختصة بالمرض غير مرجو الزوال. لكن هذا كما ترى لا يصلح مقيدا للاخبار المطلقة- الدالة على وجوب الاستنابة مطلقا-، لكونهما مثبتين و لا تنافي بينهما، و أما القول بانصراف الإطلاقات إلى ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال (فمدفوع) لأنه على فرض ثبوته بدوي

فلا عبرة به. بل قد ذكرنا أن كون المرض غير مرجو الزوال فرد نادر و كيف يمكن دعوى انصراف الإطلاقات إلى الفرد النادر بل الحصر غالبا مظنون الزوال.

فظهر أن مقتضى إطلاق الأخبار- الواردة في المقام- عدم الفرق بين المرض المرجو الزوال و عدمه خلافا لما ذهب اليه صاحب الجواهر، و صاحب المنتهى (قدس سرهما) من التفصيل لكنه لما ذهب المشهور إلى عدم وجوبها فيما إذا كان المرض مرجو الزوال و نقل الإجماع عليه ايضا لا نقول بخلافه بل ينبغي الاحتياط.

(الثالث)- التفصيل بين المرض العارضي و المرض الخلقي في الحكم بالوجوب في الأول دون الثاني.

قال في الشرائع: (و لو كان لا يستمسك خلقة قيل سقط الفرض عن نفسه و عن ماله و قيل يلزمه الاستنابة و الأول أشبه).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 207

و في المدارك و الحدائق: القول بالوجوب و لو كان عذره بحسب الخلقة خلافا للمحقق (قد) على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) و قال صاحب الجواهر (ره) بعد إنكاره لأصل وجوب الاستنابة مطلقا: (و أما على الوجوب فيه فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للأصل بل صحيح محمد بن مسلم منها كالصريح في ذلك و (دعوى) ظهور صحيح الحلبي و خبر ابن أبي حمزة في العموم (ممنوعة). إلخ).

و لكن التحقيق: أن صحيح الحلبي و خبر ابن أبي حمزة مطلقان يشملان المرض الأصلي كشمولهما للمرض العارضي. و أما القول بانصرافهما عما إذا كان المرض بحسب الخلقة (فمدفوع)، و ذلك لأنه على فرض تسليمه بدوي لا عبرة به. و أما بعض الأخبار المختصة بالعذر الطارئ فهو لا تصلح لتقييد إطلاقهما، لكونهما مثبتين و لا تنافي بينهما.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه

صاحب الشرائع (قده) و صاحب الجواهر (ره) من اختصاص وجوب الاستنابة بما إذا لم يكن المرض خلقيا لما عرفت من إطلاق بعض الأخبار.

(فائدة): لا يخفى أن ظاهر قوله- عليه السلام- «أمر يعذره اللّه» هو مطلق العذر المسوغ لتأخير الحج عن عام الاستطاعة الرافع لمؤاخذة ترك الفورية و ان كان ذلك للمزاحمة مع واجب أهم أو لغير ذلك من الأعذار كالعسر و الحرج فمقتضى هذا الإطلاق عدم خصوصية للمرض و الكبر، و ما وقع التصريح به في منطوق الروايات من خصوص بعض الأعذار انما هو من باب المثال لا لأجل دخله في الحكم.

(الجهة الرابعة) في أنه هل يجزى حج النائب عنه لو زال عذره

فلا يجب عليه الإتيان به ثانيا مع بقاء الاستطاعة أم لا؟ قال في الشرائع: (فإن أحج نائبا و استمر المانع فلا قضاء. و إن زال و تمكن وجب عليه ببدنه و لو مات بعد الاستقرار و لم يؤد قضى عنه).

و قال في المدارك بعد ذكر كلام المحقق- طاب ثراه-: (أما سقوط القضاء مع استمرار المانع فلا ريب فيه لتحقق الامتثال. و أما وجوب الحج مع زوال المانع و التمكن منه فعزاه المصنف في المعتبر الى الشيخ في النهاية؛ و المبسوط؛ و ظاهر العلامة في التذكرة؛ أنه لا خلاف فيه بين علمائنا. و استدل عليه: بأن ما فعله كان واجبا في ماله و هذا يلزمه في نفسه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 208

و مرجعه إلى إطلاق الأمر بالحج المتناول لجميع المكلفين ممن لم يحج، و من استناب في الحج لا يصدق عليه أنه حج حقيقة فيتناوله الإطلاق. و احتمل بعض الأصحاب عدم الوجوب كما لو لم يبرء للأصل، و لأنه أدى حج الإسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حج ثان كما لو حج بنفسه

و هذا الاحتمال غير بعيد إلا أن الأول أقرب تمسكا بإطلاق الأمر).

و إختار في الجواهر: (أنه إن قلنا بوجوب الاستنابة اتجه الاجزاء. و إن قلنا باستحبابها فلا). و حيث أنه ذهب الى عدم وجوب الاستنابة في غير صورة استمرار العذر مع استقرار الحج عليه إختار (قده) هنا عدم الاجزاء وفاقا للمحقق- طاب ثراه.

و لكن الأقوى في النظر هو الاجزاء مطلقا وفاقا للمنصف (قده) و خلافا لصاحب الجواهر، و المدارك، و الشرائع، و غيرهم من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- و ذلك لأن الظاهر من الاخبار الواردة في المقام أن حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه و اشتغلت ذمته به و هو حجة الإسلام فإذا اتى به النائب فقد حصل ما كان واجبا على المنوب عنه من حجة الإسلام، فعلى هذا يتجه الاجزاء إلا إذا قام دليل تعبدي على وجوبه ثانيا عليه مباشرة و هو مفقود.

إن قلت: أن مقتضى الإطلاقات- الدالة على وجوب الحج على المستطيع مرة واحدة مباشرة- هو لزوم الإعادة على من زال عذره. قلت: هذا الإطلاق مقيد بالأخبار الواردة في المقام- الدالة على وجوب الاستنابة- لما عرفت من دلالتها على الاجزاء لان الظاهر منها هو إتيان النائب بما على المنوب عنه من حجة الإسلام.

هذا و غاية ما يمكن أن يستدل به على عدم الاجزاء هو إنكار أصل الاستنابة كما أفاده صاحب الجواهر (ره)، فيقال: إنه لما لم تكن الاستنابة واجبة بل هي مستحبة فلا وجه للاجزاء لان المستحب لا يجزى عن الواجب، فالإطلاقات الدالة على وجوب الحج مباشرة مع التمكن باقية على حالها فإذا زال عذره يحكم بوجوب الحج عليه مباشرة.

و فيه: (أولا): ما عرفت من وجوب الاستنابة بمقتضى ظاهر

الاخبار الواردة في المقام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 209

و (ثانيا): أنه على فرض تسليم عدم وجوبها نقول: إن نفس الاستنابة مستحبة و أما الحج الذي يأتي به النائب فليس إلا الحج الثابت على المنوب عنه بمقتضى ظاهر الاخبار فهذا الشخص المعذور موسع عليه في التأخير كتأخير الصلاة عن وقت الفضيلة لكنه بمقتضى ظاهر الاخبار يستحب له الإسراع في إفراغ الذمة و إتيان ما عليه بالاستنابة كإتيان الصلاة في وقت الفضيلة فالعمل الذي استنيب فيه هو حجة الإسلام الثابتة في الذمة و إن كان نفس الاستنابة مستحبا و هذا هو الذي يوجب الاجزاء لا نفس الاستنابة حتى يقال: إنها لما كانت غير واجبة مطلقا فيحكم بعدم الاجزاء فيما إذا زال عذره أو يقال إن زوال العذر يكشف عن عدم وجوبها و أن المستحب لا يجزى عن الواجب.

و من هنا ظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر (ره) بقوله: إنه إن قلنا بوجوب الاستنابة اتجه الاجزاء و إن قلنا بعدم وجوبها فلا، و حيث إختار عدم وجوبها ذهب الى عدم الاجزاء، و ذلك لانه بناء على ما ذكرنا يحكم بالاجزاء فيما إذا زال عذره سواء قلنا بوجوب الاستنابة كما هو المختار أو قلنا باستحبابها [1].

(الجهة الخامسة)- في أنه إذا زال عذر المنوب عنه في أثناء عمل النائب،

أو قبل شروعه في الإحرام فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ و على تقدير عدم الانفساخ هل يجزى عمل النائب حينئذ إذا أتمه عن المنوب عنه أم لا؟

قد مال المصنف (قده) الى عدم انفساخها بارتفاع عذر المنوب عنه، و الى إجزاء حج النائب عن المنوب عنه.

و ذهب المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- الى انفساخها بمجرد زوال عذره

______________________________

[1] و لكنه دام ظله اختار في حاشيته على العروة الوثقى عدم اجزاء حج النائب

عنه لو زال عذره و ذكر دام ظله وجهه في أفعال الحج في مبحث الرمي فيما إذا لم يكن متمكنا منه مباشرة و استناب ثم زال عذره.

و بيانه بتوضيح و تفصيل يضيق به المقام هنا و نحن نذكره في ذلك المبحث- ان شاء اللّه تعالى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 210

لانتفاء موضوعها و هو عذر المنوب عنه، لأن وجوده شرط في صحتها و المفروض زواله فيحكم ببطلانها نظير ما إذا آجر شخصا لقلع ضرسه المولم و قبل قلعه ارتفع عنه الألم فتنفسخ الإجارة فيه، لانتفاء موضوعها و هو قلع الضرس المؤلم.

تحقيق الكلام في هذا المقام: أن يقال: إنه (تارة) يزول عذر المنوب عنه في سعة الوقت و (أخرى) في ضيقه بحيث لا يتمكن من الحج لضيق الوقت. لا ينبغي الإشكال في صحة الإجارة و إجزاء حجه عن المنوب عنه في الصورة الثانية، لأن نفس ضيق الوقت أيضا عذر يعذره اللّه فيه فهو و ان ارتفع إلا أن له عذر آخر فلا يبقى مجال للقول بانفساخ إجارته لتبدل عذره و هو المرض مثلا بعذر آخر و هو ضيق الوقت و لا شك في أن ضيق الوقت أيضا عذر من الأعذار المسوغة للاستنابة فاستنابته لحجة الإسلام مشروعة في حقه بمقتضى ما تقدم من الإطلاقات الواردة في المقام كما لا ينبغي الإشكال في عدم إجزاء حج النائب عنه في الصورة الأولى، لأن ارتفاع عذره في سعة الوقت يكشف عن عدم كونه مأمورا بالاستنابة لحجة إسلامه، و من المعلوم أن مجرد اعتقاده بكونه مأمورا بها لا يوجب الاجزاء كما لا يخفى.

و من هنا يمكن القول بانفساخ الإجارة حينئذ، لعدم كون ما يأتي به النائب حجة الإسلام الثابتة في ذمة

المنوب عنه فبارتفاع عذره قد انتفى الموضوع كما في مثال قلع الضرس فيحكم بانفساخها.

و لكن الأقوى في النظر عدم انفساخها في هذا الفرض كالفرض الأول وفاقا للمصنف (قده) لعدم كون حجة الإسلام كما بيناه سابقا عنوانا منوعا حتى يقال باعتبار ذلك العنوان لكون النائب أجيرا للإتيان بالأعمال المخصوصة في الأزمنة الخاصة و ليس موضوع الإجارة إلا تلك الإعمال و بعد ارتفاع عذره لا مانع من الإتيان به عن المنوب عنه و معلوم عدم اعتبار قصد ذلك العنوان في حجة الإسلام، فعلى هذا لا مجال للقول بانفساخ الإجارة و غاية ما في الباب أن المنوب عنه قد اعتقد وجوب الحج عليه على هذا الوجه و كون عمل النائب حج إسلامه و بعد ارتفاع عذره تبين أن عمل الأجير كان حجا ندبيا له على وجه النيابة و ان الاستنابة كانت مستحبة له لا واجبة، فهو يكون من باب الاشتباه في التطبيق و لا ينافي ذلك صحة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 211

الإجارة. و هذا نظير ما إذا استأجر أحدا لزيارة الحسين- عليه السلام- بتخيل وجوبها عليه بنذر أو شبهه و تبين له بعد الإجارة بطلان النذر لفقدان شرط من شرائطه ففيما نحن فيه إذا تخيل أن عليه حجة الإسلام و كان معذورا عن الإتيان بها مباشرة فاستناب ثم تبين خلافه، لفقدان شرط من الشروط فالإجارة صحيحة و الاستنابة مستحبة و الزيارة و الحج يقعان عن المنوب عنه ندبا و ما نحن فيه أيضا كذلك. و هذا بخلاف مسألة قلع الضرس لا مكان القول ببطلان الإجارة فيها مطلقا. أما بناء على قيدية الوجع للموضوع- أعنى الضرس- فواضح لانتفاء الموضوع بزوال الألم.

و أما بناء على داعويته لاستيجاره لقلعه

فلانتفاء بعض شرائط صحة الإجارة و هو عدم انتفاع المستأجر بعمل الأجير فقياس المقام بتلك المسألة قياس مع الفارق ففي ما نحن فيه تكون الإجارة صحيحة بعد ارتفاع عذر المنوب عنه لوجود الركن الثاني من أركان الإجارة فيه كالركن الأول منها و غيرهما من الأمور التي لها دخل في صحة الإجارة.

نعم، لو فرضنا وقوع الإجارة على حجة الإسلام بنحو التقييد كما إذا قال استأجرتك على المناسك مقيدة بكونها حجة الإسلام، أو فرضنا وقوعها على عنوان إفراغ ذمة المنوب عنه فلا إشكال في انفساخ الإجارة، لانتفاء موضوعها بزوال العذر. فما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- إنما يتم فيما إذا فرضنا وقوع الإجارة كذلك. و أما مطلقا كما أفاده المصنف (قده) فلا يمكن المساعدة عليه.

هذا و لكن المتعارف خلافه حيث أنه لا يستأجر أحد بعنوان إفراغ الذمة، أو للأعمال على نحو التقييد بل يستأجر للأعمال و يكون تخيل استمرار عذره من قبيل الداعي لهذا الاستيجار لا قيدا للعمل المستأجر عليه و تخلف الداعي لا يضر بصحة الإجارة كما لا يخفى.

نظير ما إذا باع داره بتخيل أشرافها على الخراب ثم تبين كونها في غاية الاستحكام أو باعها بزعم انحطاط قيمة المنازل فيما بعد فاتفق ارتفاعها و غلو أسعارها. و نظير، ما إذا تخيل عدم استطاعته فحج بداعي الاستحباب ثم تبين كونه مستطيعا أو بالعكس.

(الجهة السادسة) [دلالة الأخبار على وجوب الاستنابة]

في أنه لا شبهة و لا إشكال في دلالة الأخبار الواردة في المقام على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 212

وجوب الاستنابة مع عدم التمكن من المباشرة في الحج الواجب بالاستطاعة المالية كما لا يخفى كما أنه لا إشكال أيضا في شمول أخبار الباب للحج الإفسادى بناء على القول بكونه حجة الإسلام

و الأول عقوبة.

انما يقع الكلام في شمولها للحج الواجب بالنذر و شبهه و كذا الحج الافسادى بناء على القول بأنه عقوبة و الأول حجة الإسلام و عدمه.

قال في محكي الدروس: (و لو وجب عليه الحج بإفساد، أو نذر، فهو كحجة الإسلام بل أقوى). و وافقه على ذلك صاحب المستند (قده) حيث نقل عنه أنه ادعى: (ان الظاهر عدم الخلاف في عدم اختصاص الحكم بحجة الإسلام).

و اختار في الجواهر خلافه تبعا لصاحب المدارك حيث قال: (انه غير واضح في النذر بل و لا الإفساد أيضا ان قلنا إن الثاني عقوبة، لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النص و هو حج الإسلام و النذر و الإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة و قد سقط بالعذر). و وافقه على ذلك المصنف (قده)، و لكن الأقوى في النظر عدم شمول الأخبار الواردة في المقام للحج النذري و الإفسادى بناء على كون الثاني عقوبة وفاقا. لصاحب المدارك، و صاحب الجواهر، و المصنف (قدس سرهم) و ذلك لورود غالب ما مر من الأخبار في خصوص حجة الإسلام فلا بد من الاقتصار على موردها، لكون الحكم على خلاف الأصل كما أفاده صاحب المدارك (ره) و لكن قد يدعى إطلاق حديثين منها:

(الأول)- في صحيح محمد ابن مسلم لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض، أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه من مكانه «1».

(الثاني)- خبر على بن أبي حمزة سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه؟ فقال- عليه السلام-: عليه أن يحج رجلا من ماله صرورة لا مال له «2».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2-

الباب 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2- الباب 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 213

و (فيه): أنه يمكن دعوى انصرافهما الى حجة الإسلام مضافا الى ما في (الأول) من إمكان المناقشة في دلالته على الوجوب باشتماله على كلمة «أراد» بناء على أنها توجب الإجمال لاشتراك الإرادة بين الحج الواجب و المستحب و لو كان المراد خصوص الواجب لكان المناسب ان يقال لو أن رجلا كان عليه الحج و ما (في الثاني) من ضعف السند مع الإضمار و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الدروس و صاحب المستند (قدس سرهما) من عدم اختصاص الحكم بحجة الإسلام. لكن الانصراف بدوي، و لفظ أراد أيضا لا يوجب الإجمال كما مر سابقا فإذا ما ذهبا اليه هو الأقوى فتدبر.

(الجهة السابعة)- أنه لو كان الحج مستقرا عليه قبل طرو العذر عن المباشرة

ثم طرء العذر عنها فلا إشكال في بقاء الاستقرار عليه سواء تمكن من الاستنابة و سامح فيها الى أن زال تمكنه منها أو لم يتمكن منها و أنه لو مات خرج من أصل ماله. و أما إذا طرء عليه العذر من المباشرة قبل استقرار الحج عليه فان فرضنا حصول التمكن له من الاستنابة و مع ذلك تركها عمدا فلا إشكال أيضا في استقرار الحج عليه كما هو مقتضى الأخبار الواردة في المقام- الدالة على وجوب الاستنابة- حيث أنه يستفاد منها أن التمكن من المباشرة لبس شرطا في أصل وجوب الحج، و إنما هو شرط في وجوبه عليه مباشرة، فلو مات بعد تمكنه من الاستنابة و مضى زمان يمكن إتيان الأعمال فيه فلا إشكال في خروج مؤنة حجه من أصل ماله. هذا كله مما لا

كلام لنا فيه، و إنما الكلام في فرعين:

(الأول)- ما إذا طرء العذر قبل الاستقرار و تمكن من الاستنابة و مات قبل مضى زمان يكفي لتمام الأعمال فهل يخرج نفقة حجه من صلب ماله أم نكشف عن عدم وجوب شي ء عليه أصلا؟

يمكن أن يقال بالأول (بدعوى) أنه يكفي في الحكم بوجوب الاستنابة التمكن منها ابتداء لا ابتداء و استدامة.

ان قلت: كيف يمكن القول بذلك مع أن الاستنابة انما تجب على المستطيع، و من قيود الاستطاعة الحياة حدوثا و بقاء، فعلى هذا لو مات قبل مضى وقت يمكن الإتيان بجميع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 214

الأعمال فيه يكشف عن عدم استطاعته من أول الأمر فيكشف عن عدم وجوب الاستنابة عليه كذلك من أول الأمر.

قلت: لم يدل دليل على اعتبار الحياة حدوثا و بقاء في الحكم بوجوب الاستنابة. نعم العقل حاكم باعتبارها حدوثا و بقاء في وجوب الحج مباشرة، لعدم تمكنه من الإتيان بالحج مباشرة لو انتفت بقاء. و أما اعتبارها حدوثا و بقاء في وجوب الاستنابة فلا دليل عليه نعم، العقل حاكم بأنه يعتبر في وجوب الاستنابة التمكن منها الناشئ عن حياته حين الاستنابة فحينئذ إذا لم يستنب الى أن مات وجب إخراج الحج من أصل ماله إذ المفروض تمكنه من الاستنابة و موته قبل مضى زمان يكفي لتمام الأعمال.

و الحاصل: أنه فرق بين الحج المباشري و الاستنابى في اعتبار الحياة فيهما بنظر العقل و هو أن التكليف بالحج مباشرة مع عدم بقاء الحياة ممتنع عقلا، لتوقف المباشرة على بقائها و أما التكليف بالاستنابة فلا يتوقف عقلا على بقائها، فلو فرضنا أنه أمر المولى من تمكن الاستنابة للحج مع علمه بعدم بقاء حياته الى آخر ما

يأتي به النائب من الأعمال لم يكن فيه محذور عقلي فثبوت اعتبار بقاء حياته في وجوب الاستنابة موقوف على ورود دليل تعبدي بالخصوص و هو مفقود. و لكن المسألة بعد لا تخلو من التأمل.

(الثاني) ما إذا طرء عليه العذر قبل الاستقرار مع عدم تمكنه من الاستنابة الى أن مات فهل يكون الحج مستقرا عليه و يخرج من أصل المال أم لا؟ وجهان:

أما (وجه الأول) فلأن المفروض أنه تحقق له الاستطاعة بجميع اجزائها و شرائطها من الزاد؛ و الراحلة؛ و البلوغ؛ و الحرية؛ و العقل، و غير ذلك من الأمور المعتبرة فيه.

و أما التمكن من الإتيان به مباشرة فهو على الفرض ليس شرطا في أصل وجوب الحج و إن كان ظاهر أدلة الاستطاعة اشتراطه لو لا أدلة الاستنابة و لكن بواسطة أخبار الباب نقول: إن التمكن من المباشرة شرط في وجوبه مباشريا لا في أصل وجوب الحج.

و أما كون مطلق التمكن أعم من الحج مباشرة و استنابه شرطا لوجوب الحج فلم يقم عليه دليل تعبدي، فيصير ما نحن فيه نظير ما إذا اقترض أحد من شخص ما لا و لم يتمكن من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 215

الأداء فهو و ان لم يكن مخاطبا بالوفاء لعدم القدرة لكن لا إشكال في اشتغال ذمته بالدين و استقراره عليه و خروجه بعد الموت من أصل المال فاتجه استقرار الحج في ذمته و خروجه من أصل التركة مطلقا، أو في خصوص ما إذا مات بعد مضى زمان يفي بتمام الأعمال.

فظهر بما ذكرنا أن عدم تمكنه من الحج مباشرة و استنابة لأجل العذر في الأول و لفقد النائب في الثاني يكون من الأعذار المسوغة لتأخير الحج عن عام الاستطاعة.

و أما أصل الحج فيكون ثابتا في ذمته.

و الأقوى هو الثاني- أعني عدم استقرار الحج في ذمته- فان التكاليف و ان اشتملت على الوضع أيضا لكنه فرق بين الأحكام الوضعية و الأحكام التكليفية إذ المجعول في (الأول) هو الوضع المستتبع للتكليف و في (الثاني) هو التكليف المستتبع للوضع- أعنى اشتغال الذمة- فوجوب الصلاة و الصوم و الحج أوجب اشتغال الذمة بها فلو لم تجب لم تستقر في الذمة بخلاف الدين و سائر الضمانات فان اشتغال الذمة بها أولا استتبع التكليف- أعنى وجوب الأداء. و من الواضح ان كل تكليف مشروط بالقدرة سواء قلنا بدخل القدرة في الملاك أم قلنا بدخلها في حسن الخطاب و توجهه اليه فلا نحتاج الى دليل خاص على اشتراط الحج على المباشرة أو الاستنابة كي يقال بعدم ورود الدليل و المفروض أنه لم يتمكن لا من المباشرة و لا من الاستنابة فلا تكليف و لا اشتغال و لا استقرار للحج و لا خروج من الأصل.

ان قلت: إن القضاء تابع لفوت الملاك لا التكليف.

قلت: إنه مع عدم التكليف لا كاشف لنا عن وجود الملاك.

[المسألة الثالثة و السبعين موت الحاج]
[إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق بعد الإحرام]

قوله قده: (إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق فان مات بعد الإحرام و دخول الحرم اجزء عن حجة الإسلام.).

و يدل عليه مضافا إلى الإجماع المحكى عن المنتهى جملة من النصوص الواردة في المقام- منها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 216

1- صحيح ضريس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال: إن مات في الحرم فقد اجزئت عن حجة الإسلام. و أن مات دون الحرم فليقض عنه وليه «1».

2- صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام-

عن رجل خرج حاجا و معه جمل، و زاد، و نفقة، فمات في الطريق؟ قال:- عليه السلام- إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزء عنه حجة الإسلام. و إن كان مات و هو صرورة قبل إن يحرم جعل جمله، و زاده، و نفقته، و ما معه في حجة الإسلام. إلخ «2».

3- مرسلة المقنعة قال: قال الصادق- عليه السلام-: من خرج حاجا فمات في في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنه وليه «3».

[و ان مات قبل ذلك]

قوله قده: (و ان مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى خلافا للشيخ و ابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضا و لا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي.).

قد تقدم ذكر الصحيحة و مقتضى مفهوم ذيلها حيث يقول: «و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام» انه لو كان أحرم ثم حصل له الموت لم يكن عليه حجة الإسلام و لو لم يدخل في الحرم، و هذا كما ترى معارض لمفهوم صدرها حيث يقول فيه: «إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزء عنه حجة الإسلام» و مقتضى مفهومه أنه لو حصل له الموت قبل دخوله في الحرم لم يجز عنه حجة الإسلام و ان كان قد أحرم، كما أنه تقع المعارضة أيضا بين مفهوم ذيلها- الدال على الاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و لو لم يدخل الحرم- و بين سائر الأخبار الدالة على اعتبار الدخول

في الحرم في الحكم بالاجزاء إذا مات فيه و لكن لما كانت صحيحة بريد العجلي مجملة، لتعارض

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 217

مفهوم ذيلها، و مفهوم صدرها فترفع اليد عنها و يتعين الأخذ بمقتضى الأخبار الدالة على اعتبار الدخول في الحرم في الحكم بالاجزاء، لأنها بلا معارض بل نقول: إنه لا تعارض أصلا لا بين مفهوم ذيلها و صدرها و لا بين مفهوم ذيلها و الأخبار الدالة على اعتبار الدخول في الحرم، لدلالتها ايضا على اعتبار الدخول في الحرم، و ذلك لأن قوله: «قبل ان يحرم» كما يمكن ان يراد به «قبل الدخول في الإحرام» كما هو المتبادر منه في بادى النظر لو لا القرينة كذلك يمكن أن يراد به قبل الدخول في الحرم كما يقال أنجد اى دخل في النجد و أنجف اى دخل في النجف، و أيمن اى دخل في اليمن و هذا و ان كان خلاف الظاهر لو لا القرينة لكن نلتزم به من جهة أن مفهوم صدرها- الدالة على اعتبار الدخول في الحرم- قرينة على أن المراد من كلمة قبل أن يحرم في ذيلها هو المعنى الثاني- أعني الدخول في الحرم- فلا إجمال في البين و لا تعارض، فعلى هذا يقال إنه إذا مات في الحرم فيحكم بالاجزاء و إذا مات بعد الإحرام قبل الدخول في الحرم فلا.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الشيخ و ابن إدريس- قدس سرهما-

من كفاية الموت بعد الإحرام في الحكم بالاجزاء.

[و لا يعتبر دخول مكة]

قوله قده: (و لا يعتبر دخول مكة و ان كان الظاهر من بعض الاخبار ذلك.).

مراده (قده) من بعض الأخبار صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- إذا أحصر الرجل بعث بهديه. إلى ان قال: قلت فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟

قال:- عليه السلام-: يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «1» و هذا كما ترى معارض بما مر من الأخبار الدالة على كفاية الإحرام و دخول الحرم في الحكم بالاجزاء و لو لم يدخل في مكة، لدلالة هذا الصحيح على الإجزاء فيما إذا مات بعد دخول مكة.

و يمكن الجمع بينهما بوجوه:

(الأول)- حمل المطلق على المقيد. بتقريب: أن يقال إن ما مر في الأخبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 218

- الواردة في المقام من قوله: «مات في الحرم» الدال على الإجزاء- مطلق يشمل صورتي دخول مكة و عدمه، و هذا بخلاف صحيح زرارة لدلالته على اعتبار دخول مكة في الحكم بالاجزاء فنقيد به تلك الإطلاقات فنتيجة هذا الجمع اعتبار دخول مكة في الحكم بالاجزاء.

(الثاني)- حمل المطلق على المقيد أيضا بأن يقال: إن قوله في صحيح زرارة: «قبل ان ينتهي إلى مكة»- الدال على عدم الاجزاء- مطلق يشمل صورتي الدخول في الحرم و عدمه فيقيد هذا الإطلاق بالأخبار الدالة على كفاية الدخول في الحرم في الحكم بالاجزاء فيحمل هذا الصحيح على صورة عدم دخوله في الحرم هذا.

و لكن الإنصاف أن هذين الجمعين مما لا يساعد عليه العرف، لورود قوله: «قبل أن أن ينتهي إلى مكة» في

مقام التحديد بلا اشكال فهو كالمصرح باعتبار دخول مكة في الحكم بالاجزاء كورود قوله في تلك الأخبار: «مات في الحرم» في مقام التحديد فهو كالمصرح بكفاية الدخول في الحرم في الحكم بالاجزاء و عدم اعتبار دخول مكة في ذلك خصوصا بمقتضى ما في صدر بعضها من قوله: «مات في الطريق» فعلى هذا تبقى المعارضة على حالها.

(الثالث)- حمل الانتهاء إلى مكة- الواردة في صحيح زرارة- على الانتهاء إلى قريب مكة- اعنى الحرم- كما قد يطلق عرفا على من قرب من النجف الأشرف أنه انتهى إلى النجف، لشمول عنوان النجف لخارجه كشموله لنفس البلد.

و الإنصاف ان هذا الجمع ايضا مما لا يساعد عليه العرف و لا شاهد له خصوصا مع انه لو مات في أول الحرم لم يكن قريبا من مكة حتى يصدق عليه أنه مات في مكة كما لا يخفى» و يمكن أن يقال برفع اليد عن صحيح زرارة- الدال على اعتبار دخول مكة في الاجزاء- لإعراض الأصحاب عنه لعدم إفتاء أحد بمضمونه، و كلما ازداد صحة ازداد و هنا هذا و أن كان قابلا للمناقشة لأنه لم يثبت أن عدم افتائهم بمضمونه كان لأجل إعراضهم عنه بل لعله كان نظرهم إلى الجمع الثاني، أو الثالث، أو اختاروا ما دل على عدم الاعتبار من باب الأخذ باخبار التخيير.

و لكن الإنصاف أنه بعد عدم إفتاء أحد بمضمونه لا يبقى لنا وثوق به فيخرج عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 219

حيز دليل الاعتبار و يبقى غيره من الأخبار المتقدمة بلا معارض فيحكم بالاجزاء فيما إذا مات في الحرم و لو لم يدخل مكة.

[اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام]

قوله قده: (ثم الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام فلا يجرى الحكم في الحج

النذري و الإفساد.).

لا ينبغي الإشكال في عدم شمول أخبار الباب للحج النذري. و أما شمولها للحج الإفسادى و عدمه فهو مبنى على كون الثاني حجة الإسلام أو الحج العقوبى فعلى (الأول) لا إشكال في شمولها له و على (الثاني) لا إشكال في عدم شمولها له كما لا يخفى هذا.

و مقتضى إطلاق أخبار الباب عدم الفرق في الحكم بالاجزاء- إذا مات بعد دخول الحرم و عدم الاجزاء إذا مات قبل دخول الحرم- بين ما إذا كان حجة إسلامه بالاستطاعة المالية و بين ما إذا كانت بالاستطاعة البذلية.

[من مات مع عدم استقرار الحج عليه]

قوله قده: (و هل يجرى الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم، و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان بل قولان.).

تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال إن من ذهب إلى الحج في العام الأول من الاستطاعته و مات بعد الدخول في الحرم فمقتضى القاعدة كشف موته عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر كما لو مات قبل خروجه من بلده لا انه كان عليه الحج و سقط وجوبه بموته في الحرم إلا أن يقوم دليل تعبدي على خلاف ذلك و قد قام على خلافها و هو إطلاق ما عرفت من الأخبار- الدالة على الحكم بالاجزاء فيما إذا مات بعد الدخول في الحرم- فان مقتضى إطلاقه عدم الفرق في الحكم بالاجزاء بين من استقر عليه الحج و غيره و كيف كان فلا يترتب على ذلك ثمرة عملية، لعدم الفرق من حيث النتيجة بين القول بكشف موته في الحرم عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر و بين القول بكون الحج عليه و

لكنه سقط بالموت و إنما تظهر النتيجة فيمن مات في العام الأول من استطاعته قبل دخوله في الحرم فمقتضى القاعدة كشف موته قبل دخوله في الحرم عن عدم وجوب الحج عليه فلا يجب القضاء عنه و لكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 220

قد ورد دليل تعبدي على خلاف مقتضى القاعدة و هو الإطلاقات الدالة على أنه لو مات قبل الدخول في الحرم فيجب القضاء عنه لأنها بإطلاقها تشمل من مات في العام الأول من استطاعته كما افاده صاحب المستند (قده) حيث قال: (لو مات المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الإحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الأقرب المنصور).

إلا أن يقال بانصرافها الى من استقر عليه الحج. و التحقيق: أنه بدوي ناش عن انس الذهن بالفتاوى و من استبعاد وجوب القضاء عمن مات في العام الأول من استطاعته و لا عبرة بهما. كما يمكن دعوى انصرافها الى خصوص من مات في العام الأول من استطاعته.

و التحقيق أن كلا من الانصرافين بدوي، و الإطلاقات- الدالة على وجوب القضاء- محكمة سواء مات بعد استقرار الحج عليه أم لا.

و ذهب المصنف (قده) الى أن الأمر بالقضاء هنا للقدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب، ففي صورة استقرار الحج يكون الحكم وجوبيا و في صورة عدم استقراره يكون الحكم استحبابيا.

و (فيه): (أولا): أن الأمر انما هو لإنشاء النسبة. أما الوجوب فهو أمر ينتزعه العقل من ظهور كلام المولى في كون إنشائه بداعي الجد لا بداع آخر، و في المحل المفروض لا بد من الأخذ بظاهر أمر المولى من كونه بداعي الجد مطلقا من غير فرق في ذلك

بين صورة الاستقرار و عدمه، الا أن تقوم قرينة على الخلاف و لم يثبت ذلك في ما نحن فيه.

ان قلت: قامت القرينة على الخلاف في صورة عدم الاستقرار و هي أن مقتضى القاعدة عدم وجوب القضاء عنه، لأن الحياة شرط عقلي في وجوب الحج حدوثا و بقاء فمع عدم بقائها يكشف عن عدم وجوب شي ء عليه حتى يقضى عنه.

قلت: إن الحياة و ان كانت شرطا حدوثا و بقاء الى زمان يفي بتمام الأعمال في صحة توجه الخطاب و لكن لا مانع عقلا من قيام دليل تعبدي على كفاية حياته الى ما قبل دخول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 221

الحرم مع استطاعته في اشتغال ذمته بالحج و من الحكم بوجوب القضاء عنه و قد قام ذلك الدليل و هو إطلاق الأخبار.

و (ثانيا): ان صحيحتي ضريس و بريد صريحان في أن ما يؤتى به عن هذا الميت هو حجة الإسلام. و مرسلة المقنعة أيضا في قوة التصريح بذلك، فعلى هذا كيف يمكن أن يحمل الأمر فيها على القدر المشترك بين الوجوب و الندب كما افاده المصنف (قده) فيحكم بوجوب القضاء عمن مات قبل الدخول في الحرم و لو كان العام الأول من استطاعته خلافا للقاعدة بمقتضى إطلاقها.

[المسألة السادسة و السبعين حج المرتد]

قوله قده: (لا تجري فيه [يعني في حق المرتد] قاعدة الجب لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر.).

لا يخفى أن مقتضى إطلاق أخبار الجب عدم الفرق بين كون الكفر أصليا و عارضيا الا أن يدعى انصرافها عن المرتد ان لم نقل: إنه بدوي إذ لا يعتد بالانصراف إلا إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن دائرة الإطلاق كان توضيحا للواضح. و هذا في

المقام غير معلوم. هذا بالنسبة الى ما صدر عنه من مخالفة التكاليف في حال ارتداده.

و أما بالنسبة الى ما صدر عنه من العمل بالتكاليف في حال إسلامه ثم ارتد فهذا الارتداد الواقع بعد العمل ليس مبطلا لأعماله الصادرة عنه سابقا في حال إسلامه بلا اشكال و آية الحبط- المختصة بمن مات على ارتداده- لا دلالة فيها على البطلان، لانه غيره و معنى الحبط هو ان ما فعله من الأعمال قبل ارتداده يجعله كان لم يكن بمعنى عدم ترتب الثواب عليها، و ليس له في الآخرة من خلاق لا بمعنى اشتغال ذمته بتلك التكاليف كما هو واضح.

ثم إنه لو ارتد في أثناء العمل و لم يأت بما بقي منه حتى تاب فأتمه تائبا صح ذلك.

نظير، ما إذا شرع في حال الإسلام ثم ارتد في أثنائها و تاب قبل إتيانه بالباقي.

و ما إذا لو غسل وجهه في الوضوء مثلا ثم ارتد و تاب قبل فوات الموالاة، و قبل طرو سائر القواطع من الحدث، و غيره، فغسل اليدين، و مسح المسحين، في حال الإسلام، و ما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 222

إذا ارتد بعد التجاوز من الميقات ثم تاب قبل شروعه في الأعمال و هكذا صح جميع ذلك لوقوع جميع أجزاء العمل على المفروض في حال الإسلام و لم يقم دليل تعبدي على مبطلية الارتداد الحاصل في الأثناء ما لم يكن مخلا بما هو المعتبر فيه جزء أو شرطا.

و الحاصل: أن الارتداد الحاصل في أثناء العمل في العبادات الارتباطية لا يخرج السابق من الأجزاء عن قابلية لحوق اللاحق به. و ما ذكرنا مبتن على ما هو الحق من قبول توبة المرتد كما حقق في محله، و الا

فيحكم ببطلان عمله كما لا يخفى، لعدم مقارنة باقي الأجزاء مع الإسلام الصحيح

[المسألة السابعة و السبعين حج المخالف]

قوله قده: (إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق.).

يقع الكلام هنا في مقامين:

(الأول) انه هل الولاية شرط لصحة العبادات أم لا؟

(الثاني) أنه على فرض الاشتراط لو أتى بها في حال ضلالته ثم استبصر و أقر بالولاية هل يكون عليه إعادتها أم لا؟

أما (المقام الأول) فنخبة الكلام فيه أن الظاهر من أخبار الباب هو كونها شرطا لصحتها و بدونها تقع باطلة و لا بأس بذكر بعض تلك الأخبار تيمنا و استشهادا بها على المقصود- و هو:

1- صحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السلام- يقول: كل من ذان اللّه عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له فسعيه غير مقبول، و هو ضال متحير و اللّه شانئ لأعماله. الى أن قال: و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمد ان أئمة بالجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه، قد ضلوا و أضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1».

______________________________

(1) الوسائل- ج 1، الباب 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 223

2- صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته. أما لو أن رجلا قام ليله، و صام نهاره، و تصدق بجميع ماله، و

حج جميع دهره، و لم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته اليه ما كان له على اللّه حق في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان «1».

3- رواية عبد الحميد ابن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه في حديث قال: و اللّه لو أن إبليس سجد للّه بعد المعصية و التكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك و لا قبله اللّه ما لم يسجد لآدم كما أمره اللّه عز و جل أن يسجد. و كذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيها- صلى اللّه عليه و آله و سلم- بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم لهم، فلن يقبل اللّه لهم عملا، و لن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا اللّه من حيث أمرهم، و يتولوا الإمام الذي أمرهم اللّه بولايته، و يدخلون من الباب الذي فتحه اللّه و رسوله لهم «2».

4- عن حمزة الثمالي قال: قال لنا على بن الحسين- عليه السلام-: أى البقاع أفضل؟ فقلنا: اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم. فقال: أفضل البقاع لنا ما بين الركن و المقام و لو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار و يقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي اللّه بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا «3».

5- عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: لو أن عبدا عبد اللّه مائة عام ما بين الركن و المقام يصوم النهار و يقوم الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه هرما جاهلا بحقنا لم يكن له ثواب «4».

6- عن ميسر عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال: إن أفضل البقاع ما بين الركن و المقام

و باب الكعبة و ذات حطيم إسماعيل. و اللّه لو أن عبدا صف قدميه في المكان و قام الليل مصليا حتى يجيئه النهار و صام النهار حتى يجيئه الليل و لم يعرف حقنا و حرمتنا أهل البيت لم يقبل اللّه منه شيئا أبدا «5»

______________________________

(1) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 2

(2) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 5

(3) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 12

(4) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 13

(5) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 224

7- عن محمد بن حسان السلى عن محمد بن جعفر عن أبيه- عليه السلام- قال: نزل جبرئيل على النبي- صلى اللّه عليه و آله- فقال: يا محمد السلام و يقرئك السلام و يقول:

خلقت السموات السبع و ما فيهن و خلقت الأرضين السبع و من عليهن و ما خلقت موضعا أعظم من الركن و المقام. و لو أن عبدا دعاني منذ خلقت السموات و الأرضين ثم لقيني جاهد الولاية على لأكببته في سقر «1».

8- عن سليمان الديلمي عن أبيه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال:

أى البقاع أعظم حرمة؟ قال: اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم. قال: يا ميسر بين الركن و المقام روضة من رياض الجنة و ما بين القبر و المنبر روضة من رياض الجنة. و و اللّه لو أن عبدا عمره اللّه ما بين الركن و المقام و ما بين القبر و المنبر يعبده الف عام ثم ذبح على فراشه مظلوما كما يذبح الكبش الأملح ثم

لقي اللّه بغير ولايتنا لكان حقا على اللّه عز و جل أن يكبه على منخريه في نار جهنم «2».

9- عن المفضل بن عمر أن أبا عبد اللّه- عليه السلام- كتب اليه كتابا فيه أن اللّه لم يبعث نبيا قط يدعوا إلى معرفة اللّه ليس طاعة في أمر و نهى و انما يقبل اللّه من العمل بالفرائض التي افترضها اللّه على حدودها مع معرفة من دعا اليه، و من أطاع و حرم الحرام ظاهرة و باطنة و صلى و صام و اعتمر و عظم حرمات اللّه كلها و لم يدع منها شيئا عمل بالبر كله و مكارم الأخلاق كلها و تجنب شينها و زعم أنه يحل الحلال و يحرم الحرام بغير معرفة النبي- صلى اللّه عليه و آله- لم يحل للّه حلالا و لم يحرم له حراما. و أن من صلى و زكى و حج و اعتمر و فعل ذلك كله بغير معرفة من افترض اللّه طاعته عليه فلم يفعل شيئا من ذلك.

الى أن قال: ليس له صلاة و ان ركع و ان سجد و لا له زكاة، و لا له حج، انما ذلك كله يكون بمعرفة رجل من اللّه على خلقه بطاعته و أمر بالأخذ عنه «3».

10- عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال:

من لم يأت اللّه عز و جل يوم القيامة بما أنتم عليه لم يتقبل منه حسنة و لم يتجاوز له عن سيئة «4» 11- عن إسماعيل بن نجيح عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: الناس سواد و أنتم الحاج «5».

______________________________

(1) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 15

(2)

الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 16

(3) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 18

(4) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 3

(5) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 225

12- عن فضل عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: أما و اللّه ما للّه عن ذكره حاج غيركم و لا يتقبل إلا منكم «1».

13- عن معاذ بن كثير انه قال لأبي عبد اللّه في حديث أن أهل الموقف لكثير فقال غثاء يأتي به الموج من كل مكان لا و اللّه ما الحج إلا لكم لا و اللّه ما يتقبل اللّه إلا منكم «2».

إلى غير ذلك من الأخبار و هذه الأخبار و إن كان بعضها لا يدل على نفي صحة العمل بدون الولاية، لنفيه الثواب عليه، و يحكم بأنه معاقب عند اللّه لكن بعضا منها ظاهرة في نفي صحته بدونها.

و لكن مع ذلك ذهب جمع كثير من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى عدم كون الولاية شرطا لصحة الأعمال و إنما هي شرط لقبولها، اقتصارا على ما هو صريح هذه الأخبار من نفي القبول. و هذا إنما يصح بناء على الالتزام بان القبول غير الصحة بأن يقال: إن الصحيح هو ما يكون تام الإجزاء و الشرائط بحيث كان المأتي به مطابقا للمأمور به، و تفرغ الذمة بذلك سواء كان محبوبا و مطلوبا للمولى بحيث يوجر عليه أم لا و أما القبول فهو عبارة عن وقوع العمل محبوبا و مطلوبا له، بحيث يقرب صاحبه إلى اللّه تعالى زلفى، و يستحق الثواب عليه.

و لكن التحقيق: أن صحة العمل و

موافقتها لما أمر به المولى ايضا تعد عند العرف مرتبة من القبول، فلو قال المولى: أن ما اتى به عبدي من العمل صحيح عندي- و موافق لما أمرته به- صدق عرفا و لغة أنه قبل هذا العمل من عبده كما لا يخفى.

و أما تخصيص مفهوم القبول بما إذا كان العمل بحيث يقربه إلى اللّه تعالى زلفى،- و يثاب عليه- فهذا مما اشتهر في لسان كثير من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و كون المراد منه في لسان الأخبار ايضا ذلك غير معلوم.

نعم، مهما قامت قرينة- حالية، أو مقالية- على كون المراد من القبول مرتبة

______________________________

(1) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 8

(2) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 226

اخرى غير الصحة قلنا به كما في قوله تعالى «إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» «1» لو قلنا بان المراد من التقوى ترك الفسق، فان من ضروريات الفقه أن ترك الفسق ليس من شرائط صحة العمل. و أما في ما نحن فيه فلم تقم قرينة على كون المراد من القبول مرتبة اخرى غير الصحة. و قد فهم صاحب الوسائل و جملة من المحدثين أو كثير منهم من هذه الأخبار اشتراط الولاية في صحة العبادات.

ثم لو سلمنا دلالتها على نفي مرتبة القبول و هي غير مرتبة الصحة فلا ينبغي الإشكال في الحكم بصحة عباداته لو أتى بها على طبق مذهب أهل الحق مع فرض تمشي قصد القربة منه. و أما لو اتى بها على وفق مذهبه بحيث كان عند مذهب أهل الحق فاقدا لشرط أو جزء فمقتضى القاعدة هو البطلان إلا إذا قام دليل تعبدي

على سقوط ذلك الجزء أو الشرط عنه، و لم يرد ذلك هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما (المقام الثاني) فملخص الكلام فيه أنه لا إشكال في الجملة في عدم لزوم إعادة اعماله السابقة بعد استبصاره و هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا. و يدل عليه جملة من النصوص- منها:

1- عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال:

كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّه تعالى عليه، و عرفه الولاية، فإنه يؤجر عليه، إلا الزكاة، لأنه وضعها في غير مواضعها، لأنها لأهل الولاية. و أما الصلاة، و الحج و الصيام، فليس عليه قضاء «2».

2- عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد العجلي كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليه السلام- انهما قالا: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية، و المرجئة، و العثمانية، و القدرية، ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية- 30.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 و في ج 1- الباب 31- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 227

أو صوم أو زكاة، أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة فلا بد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، و انما موضعها أهل الولاية «1».

3- عن عمار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه- عليه السلام-:

و انا جالس انى منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم

صلاتين أقضى ما فاتنى قبل معرفتي؟

قال: لا تفعل، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة «2».

4- ما في الذكرى نقلا من كتاب على بن إسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم قال:

كنا عند أبي عبد اللّه- عليه السلام- إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا: إنا كنا نقول بقول، و أن اللّه من علينا بولايتك فهل يقبل شي ء من أعمالنا؟ فقال: أما الصلاة و الصوم، و الحج، و الصدقة، فإن اللّه يتبعكما ذلك و يلحق بكما. و أما الزكاة فلا، لأنكما أبعدتما حق امرء مسلم و أعطيتما غيره «3».

و هذه الأخبار كما ترى صريحة في عدم لزوم اعادة عباداته التي أتى بها في حال مخالفته بعد استبصاره إلا الزكاة فتجب عليه إعادتها. هذا مما لا كلام لنا فيه و لكن يقع الكلام في أمور:

(الأول)- أن في هذه الأخبار بالنسبة إلى الأعمال التي اتى بها في حال مخالفته احتمالين:

(الأول): أنه باستبصاره يحكم بصحة ما اتى به منها على نحو الشرط المتأخر، و هذا هو الظاهر منها. و أما إشكال الشرط المتأخر فهو الإشكال المعروف السيال في جميع الموارد فيدفع في المقام بما يدفع به في سائر المقامات.

(الثاني): أنه ببركة استبصاره يعفو اللّه تعالى عنه عما سلف من إتيانه بالعبادات باطلا تفضلا منه تعالى عليه، لأنه كان في حال مخالفته فاقدا لما هو أعظم من بطلان عباداته

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

(2) الوسائل- ج 1، الباب 31- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 4.

(3) الوسائل- ج 1، الباب 31- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 228

فإذا عفى عن ما هو أعظم منه،

فيعفى عما دونه. و هذا هو الذي أفاده صاحب الحدائق تبعا لصاحب المدارك على ما نقل في الجواهر. و كيف كان فلا تترتب ثمرة عملية على هذين الاحتمالين.

(الثاني)- أنه قد علل في هذه الأخبار لزوم إعادة الزكاة عليه بأنه «وضعها في غير موضعها» فلو فرضنا أنه وضعها في موضعها كما إذا أعطاها لمستحقيها من أهل الولاية مع فرض تمشي قصد القربة منه فليس عليه أعادتها.

(الثالث)- أنه يقع الكلام فيما هو المنساق من هذه الروايات في أنه هل يختص بما إذا اتى بها على طبق مذهبه، أم بما إذا اتى بها على طبق مذهب أهل الحق، أم يعمهما بل يشمل ما إذا كان عمله مخالفا لكليهما؟ وجوه:

(الأول)- أن يقال باختصاص هذه الأخبار بما لو اتى بالأعمال على طبق مذهبه (بدعوى) انصرافها إلى خصوص ذلك.

و (فيه): أنه ممنوع أولا و على فرض ثبوته بدوي ثانيا.

(الثاني)- أن يقال باختصاصها بما إذا اتى بها على طبق مذهب أهل الحق مع تمشي قصد القربة منه، و ذلك لورودها في مقام تصحيح عمل المخالف الفاقد لشرط الولاية المتعقب بها. و ليست في مقام نفي اعتبار سائر الشرائط أيضا حتى يستفاد منها أن اعماله و أن كانت فاقدة لشرائط آخر غير الولاية لكنها تصح بالولاية المتحققة بعدها.

و الحاصل: أنها ناظرة إلى التوسعة بالنسبة إلى خصوص شرط واحد و هو الولاية لا بالنسبة إلى كل شرط و جزء، فمعنى هذه الأخبار أنه لو اتى المخالف بعمل جامع لجميع الأجزاء و الشرائط سوى الولاية يحكم بصحتها إذا لحقته الولاية. و هذا بخلاف ما لو كان عمله مخالفا لمذهب أهل الحق فهو باطل، لفقد ان بعض الأجزاء أو شرائط غير الولاية و إن كان عمله

موافقا لمذهبه.

و (فيه): أنه لو قلنا بذلك لزم حملها على مورد نادر، لأن المخالف إنما يأتي بالعمل غالبا على طبق مذهبه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 229

(الثالث)- أن يقال بعدم الفرق بينما إذا كان عمله موافقا لمذهبه، أو موافقا لمذهب أهل الحق، أو مخالفا لكليهما، لعدم ذكر التقييد فيها.

و (فيه): عدم ثبوت الإطلاق لها بهذا المقدار من التوسعة، لما عرفت في الوجه الثاني من ورود هذه الأخبار في بيان كفاية تحقق شرط الولاية بعد العمل، و ليست ناظرة إلى سائر الشرائط و الأجزاء، و لهذا ربما يتراءى في النظر اختصاص مفادها بخصوص ما إذا اتى بالعمل على طبق مذهب أهل الحق لكن قد عرفت انه يلزم من ذلك اختصاصها بالمورد النادر فالأقوى في النظر هو شمولها لموردين:

(الأول): صورة مطابقة عمله لمذهبه.

و (الثاني): صورة مطابقة عمله لمذهبنا، و لا تشمل ما إذا اتى بعمل لم يكن موافقا لمذهبه و لا لمذهب أهل الحق، لأنه لو اتى به كذلك ففي الحقيقة لم يأت بعمل، و انما هو معلق في الهواء نظير ما إذا أتى بصورة الركوع من باب اللهو و اللعب.

(الرابع)- قد اختلفت الأخبار في أنه لو استبصر بعد الحج فهل عليه حجة الإسلام ثانيا أم لا؟ فطائفة منها تدل على عدم لزوم الإعادة عليه. و تلك الطائفة على قسمين:

(الأول): ما عرفت من الأخبار الدالة على اجزاء مطلق اعماله من الحج، و الصلاة و الصوم، و غيرها، سوى الزكاة فإنها تشمل الحج أيضا.

(الثاني): الأخبار الخاصة الدالة على عدم لزوم اعادة خصوص الحج عليه صريحا و هو ايضا على قسمين:

(الأول): ما دل على صرف عدم لزوم اعادة الحج عليه من غير تعرض لاستحباب الإعادة عليه و عدمه، كصحيح

بريد العجلي، و مصحح الفضلاء، المتقدم ذكرهما.

(الثاني): ما دل على استحباب الإعادة عليه كصحيح بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّه تعالى عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته و لو حج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 230

لكان إلى أحب. إلى أن قال: و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضى حجة الإسلام؟ فقال:

يقضي أحب. الحديث «1».

و حسنة عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه- عليه السلام- اسأله عن رجل حج و لا يدرى و لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّه تعالى عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضة اللّه؟ قال: قد قضى فريضة اللّه، و الحج أحب إلى «2».

و المتحصل من جميع هذه الأخبار أنه إذا حج ثم استبصر لا يجب عليه إعادته و لكن يستحب له ذلك و لكن قد ورد في قبال هذه الأخبار ما يدل على وجوب الإعادة عليه بعد استبصاره و هو خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة فأن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. و كذلك الناصب إذا عرف، فعليه الحج و ان كان قد حج «3».

و خبر سهل عن على بن مهزيار قال كتب إبراهيم إلى أبي جعفر- عليه السلام- انى حججت و انا مخالف و كنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج؟ قال: فكتب إليه

أعد حجك «4».

هذا و التحقيق عدم صلاحيتهما للمعارضة مع ما تقدم من الأخبار، لعدم صراحتهما في وجوب الإعادة كما لا يخفى. هذا مع الإغماض عن اختصاص الأول منهما بالناصب فعلى فرض القول بلزوم الإعادة في الناصب لا يمكن تسرية الحكم إلى سائر أضاف المخالفين الا بالنظر إلى الحديث الثاني، و هو مكاتبة إبراهيم الظاهرة أن موضوع الحكم بلزوم الإعادة كونه مخالفا في حال إتيانه بالعمل بلا فرق بين أصناف المخالفين، فيقع التعارض بينه و بين ما دل على

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 23- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 23- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) صدره في الوسائل- ج 2 الباب 21- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5 و ذيله في الباب- 23- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(4) الوسائل ج 2- الباب 23 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 231

عدم لزوم الإعادة. إن لم نقل بكونه قضية في واقعة و ليس فيه كبرى كليه و لعل السائل كان قبل استبصاره ناصبا، و الا فلا تعارض في البين.

و لا يخفى أنه لو كانت الأخبار المعارضة له منحصرة في القسم الأول- أعني المطلقات- لكان مكاتبة إبراهيم مقدما عليها بالأخصية لاختصاصه بالحج دونها لكن العمدة في المعارضة هو القسم الثاني- أعني الأخبار المصرحة في خصوص الحج بلزوم إعادته عليه.

و يمكن الجمع بين ما دل على عدم وجوب إعادته عليه و بين ما دل على وجوبها بحمل ما دل على وجوب إعادته على ما لو كان أخل بركن، فان استبصاره حينئذ لا يكون مصححا لعمله هذا و

لا يفترق الأمر بين كون المراد من الإخلال بالركن هو الركن عند مذهبه، أو الركن عند مذهب أهل الحق، و ذلك لعدم الاختلاف في الحج بين مذهب أهل الحق، و بين مذهبه في ركنية الأركان، فكل ما هو ركن عند أهل الحق يكون ركنا عندهم و بالعكس.

و أما طواف النساء و صلاته و إن كان واجبا على مذهب الخاصة لا على مذهب العامة لكنهما ليسا من اجزاء الحج و مقوماته بحيث حتى يبطل حجه بتركهما بل هما خارجان عن الحج و موجبان للخروج عن الإحرام الموجب لحل النساء.

و كيف كان فهذا الجمع مما لا شاهد له. فان كلتا الطائفين مطلقة من حيث الإخلال بالركن و عدمه و بأدنى تأمل يعلم أن موضوع الكلام في كلتا الطائفين هو صورة عدم الإخلال بالركن، لما مضى من أن هذه الأخبار غير ناظرة إلى صورة بطلان العمل من جهة أخرى، و انما يكون نظرها إلى صورة فقدان الولاية التي هي شرط الصحة، أو القبول مع كونه قد أتى بالعمل على طبق مذهبه، أو على طبق مذهب أهل الحق، فعلى هذا لا يرتفع التعارض من بينهما.

و لكن التحقيق: أن يقال إن ما دل على عدم وجوب اعادة الحج عليه صريح في ذلك لقوله- عليه السلام-: «لو حج لكان أحب» و قوله- عليه السلام-: «أما الصلاة، و الحج، و الصيام، فليس عليه قضاء» و غير ذلك من الأخبار المتقدمة و هذا بخلاف ما دل على وجوب الإعادة عليه لأن قوله- عليه السلام-: «أعد حجك» في مكاتبة إبراهيم لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 232

يدل على وجوب الإعادة إلا بالنظر إلى ظهور الأمر في كونه بداعي الجد فترفع اليد عن هذا

الظهور بواسطة تلك النصوص، فلا يبقى معارضة في البين و نحوه الكلام في قوله في حديث ابى بصير «عليه الحج» لو سلمنا عدم خصوصية للمورد و هو الناصب، فحاصل الجمع حمل هذين الحديثين على الاستحباب كما فعله الشيخ (قده).

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ضعف ما حكى عن ابن الجنيد، و البراج: من وجوب الإعادة مطلقا و ان الحق ما ذهب إليه الشرائع، و محكي الدروس، و القواعد، و المعتبر، و المنتهى، و التحرير، من التفصيل بين الإخلال بالركن و عدمه في وجوب الإعادة على الأول، و عدمه على الثاني بل في المدارك نسبه الى الشيخ و أكثر الأصحاب.

ثم لا يخفى عدم إمكان الجمع بين ما دل على عدم وجوب الإعادة و حديث أبي بصير- المختص بالناصب- بتقييدها به. بان يقال بوجوب الإعادة على المخالف إذا كان ناصبا و بعدمه إذا كان من سائر أضاف المخالفين، و ذلك لان في بعض ما مر من الأخبار التصريح بعدم وجوب الإعادة على الناصب فالجمع الصحيح هو ما عرفت من حمل ما دل على وجوب الإعادة على الاستحباب.

[المسألة الرابعة و السبعين حج الكافر]
[الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع]

قوله قده (الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع.).

لا إشكال في أن الكفار مكلفون بالفروع كما هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم قديما و حديثا. بل ادعى عليه الإجماع بقسميه، لشمول أدلة الفروع له، فلا مجال للإشكال في ذلك، و اختصاص بعض الخطابات بالمؤمنين كقوله تعالى «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ.» «1» لكن هذا كما ترى لا ينهض مخصصا أو مقيدا لما دل بالعموم أو الإطلاق على وجوب الصوم على كافة البالغين بلا فرق بين المسلم و الكافر و ذلك لأنهما من المثبتين اللذين لا تنافي

بينهما.

هذا مضافا الى أن ما في ذيل الآية الشريفة من قوله تعالى «كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية- 179.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 233

يدل على تعميم الحكم فتأمل.

[أدلة شرطية الإسلام لصحة العبادات]
اشارة

قوله قده: (و لكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات و ان كان معتقدا لوجوبه و آتيا به على وجه قصد القربة، لأن الإسلام شرط في الصحة.).

قد تطابقت فتاوى الإمامية على ذلك قديما و حديثا فلا كلام فيه من حيث الفتوى و إنما الكلام في دليله و مدركه. و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع.

(و فيه): أنه قد تكرر منا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية فلا عبرة به.

(الثاني)- عدم تمشي قصد القربة منه

و من المعلوم اعتباره في العبادات بل تقومها به و (فيه): أن وزان عبادات الكافر الموحد وزان عبادات العامة، فكما يتمشى منهم قصد القربة و يحكم بصحة عباداتهم مع كونهم فاقدين لا عظم أركان الإسلام و هو الولاية كما في الخبر، فكذلك يتمشى من الكافر المعتقد بآلة العالم- عظمت كبريائه كاليهودي و النصراني- قصد القربة فالقول بصحة عبادات الكافر من ناحية قصد القربة وجيه.

ان قلت: إنه لا يفرض في حقه الإتيان بالعمل صحيحا، لأنه لو اتى به على وفق مذهبه فغير صحيح، و لو أتى به على طبق مذهبنا لم يتمش منه قصد القربة، لاعتقاده ببطلانه.

قلت: قد يفرض إتيانه به مع تمشي قصد القربة منه، من جهة عدم قطعه ببطلانه، أو يفرض أنه اعتقد في عمل بان الصحيح هو أن يأتي به على طبق مذهبنا، أو يفرض أنه أتى به على طبق مذهبنا نسيانا، أو بتخيل أنه على طبق مذهبه و تمشي منه قصد القربة.

(الثالث)- عدم كونه أهلا للكرامة و التقرب فلا تصح عباداته

. و (فيه): أنا لا نقول بان عمله يوجب كرامة له عند اللّه تعالى، أو أنه يقربه من اللّه تعالى زلفى حتى يقال عدم كونه قابلا للكرامة و التقرب، بل نقول بعدم ورود دليل تعبدي على اشتراط الإسلام في صحة الأعمال، فمقتضى كون انطباق المأمور به على المأتي به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 234

قهريا و الاجزاء عقليا هو أجزاء أعمالها العبادية و سقوط أوامرها عقلا و لو لم يحصل له من ذلك كرامة عند اللّه تعالى، كما أنه لا إشكال في اجزاء اعماله التوصلية التي ليست مشروطة بقصد القربة و سقوط أوامرها. و قد عرفت أن الاشتراط بذلك لا يصلح فارقا في هذه الجهة.

مضافا الى أنه لو قلنا

ببطلان أعماله العبادية لكونه غير قابل للكرامة و التقرب، لتأتي عين هذا الكلام في حق العامة، لكونهم أيضا كذلك و لا فرق بينهما من هذه الجهة مع أن المشهور لم يلتزموا بذلك.

(الرابع)- الأخبار الدالة على اعتبار الايمان في قبول العبادات،

و سنذكرها في حج المخالف- ان شاء اللّه تعالى- فتبطل عبادات الكافر لانتفاء الايمان فيه، بناء على ارادة البطلان من عدم القبول. و لكن المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- هو أن المراد بالقبول و عدمه ليس هو الصحة و البطلان بل القبول هو ترتب الثواب على العمل فيكون فوق مرتبة الصحة و الايمان شرط لمرتبة القبول لا لمرتبة الصحة، و لهذا قالوا بصحة عبادات العامة.

هذا لكن الإنصاف أن التأمل في بعض النصوص يعطى شرطية الايمان في الصحة كما سيتضح لك ذلك في حج المخالف- ان شاء اللّه تعالى- عند ذكر الأخبار.

و الحاصل: أنهم فرقوا بين مرتبة الصحة و القبول بأن الصحة عبارة عن مطابقة المأتي به للمأمور به الموجبة للإجزاء سواء بلغ العمل الى تلك الدرجة من المحبوبية التي يترتب عليها الأجر أو لم يبلغ الى تلك الدرجة فلا يترتب عليه الثواب أصلا.

و أما القبول فهو عبارة عن وقوع العمل محبوبا و مرضيا عند المولى جل شأنه بالدرجة العليا أو دونها على حسب اختلاف مراتب القبول الموجب لاختلاف مقدار الثواب أيضا. و الحاصل: ان لسان الأخبار الواردة فيما نحن فيه هو لسان كثير من الاخبار الواردة في بيان شرائط قبول الأعمال- كحضور القلب و غيره- فبانتفاء بعض تلك الشرائط يسقط العمل عن درجة القبول مع بقاء صحته و حصول الاجزاء به بلا إشكال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 235

غاية الأمر أن لعدم القبول درجات مختلفة و عمل الفاقد للايمان واقع

في أدنى الدرجة، فلا يترتب عليه شي ء من الثواب، و لا يقربه من اللّه تعالى زلفى، و هذا لا ينافي صحة عمله و اجزائه.

فظهر أن هذه الوجوه كلها قابلة للمناقشة. و لكن مع ذلك كله لا ينبغي الإشكال في شرطية الإسلام لصحة العمل لتسالم جميع الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على ذلك و هو يوجب الوثوق و الاطمئنان بالحكم و ان لم نقف على دليل تعبدي عليه. مع أنه من البعيد جدا استنادهم في ذلك الى عدم تمشي قصد القربة من الكافر، لوضوح إمكان تمشيه منه، أو الى عدم قابليته للإكرام و التقرب، مع وضوح اندفاعه أيضا. أو الى أخبار عدم قبول العمل بدون الايمان مع كون المراد بالقبول عند المشهور ما عرفت.

و بالجملة الإجماع بنفسه و ان لم يكن حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة كما بيناه سابقا لكنه مهما صار منشأ لحصول الاطمئنان بالحكم- و لو بضميمة المؤيدات- لا إشكال في حجية ذلك الاطمئنان.

ثم إنه مع الغض عن جميع ذلك نقول: لا إشكال في أن الكافر لا يمكنه الإتيان ببعض اعمال الحج صحيحا، ضرورة: أن الطواف كصلاته مشروط بالوضوء و هو لا يتمكن منه صحيحا، لكونه نجسا. و من الواضح أن من شرائط صحة الوضوء طهارة أعضائه و كذلك الكلام بالنسبة إلى صلاة الطواف، لأن من اجزاء صحة الصلاة الشهادتين و هو لا يشهد بأن محمدا عبده و رسوله.

إلا أن يقال إنه و ان لم يتمكن مباشرة من الطواف و صلاته على الوجه الصحيح الا أنه متمكن من ذلك تسبيبا، إذ له أن يستنيب مسلما فيهما بناء على صحة نيابة المسلم عن الكافر.

و (فيه): أنه قد ذكرنا سابقا أن النيابة انما تكون

على خلاف الأصل، فلا بد من الاقتصار فيها على مورد الدليل، و لم يرد دليل تعبدي على جواز النيابة فيما نحن فيه.

[في أن الإسلام يجب ما قبله]
اشارة

قوله قده: (و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذلك لو استطاع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 236

بعده و لو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه على الأقوى، لأن الإسلام يجب ما قبله، كقضاء الصلاة، و الصيام. حيث أنه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه).

قال في الجواهر: (لو أسلم وجب عليه الإتيان به إذ استمرت الاستطاعة، و إلا لم يجب ايضا و ان فرض مضى أعوام عليه مستطيعا في الكفر، لأن الإسلام يجب ما قبله).

و هو خيرة العلامة (ره) في التذكرة على ما حكاه صاحب المستند (قده).

قال في المدارك: (لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا و بدونها في أظهر الوجهين). و وافقه على ذلك النراقي (قده) في المستند حيث قال:

(و لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج ان بقيت الاستطاعة إجماعا و الا فعلى الأظهر، للاستصحاب وفاقا للذخيرة و صاحب المدارك).

اعلم أن الاخبار الواردة بهذا المضمون- اعني الإسلام يجب ما قبله- كثيرة و كلها مرمية بضعف السند لكنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فنعلم إجمالا بورود هذا المضمون عن المعصوم- عليه السلام- منها:

1- ما نقل عن المناقب انه جاء رجل الى عمر فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة، و في الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتى يجي ء علي بن أبي طالب- عليه السلام- فجاء علي- عليه السلام- فقال: قص عليه قصتك فقص عليه القصة فقال علي- عليه السلام-: (هدم الإسلام ما

كان قبله هي عندك على واحدة) «1».

يمكن المناقشة في دلالته بأن قوله- عليه السلام-: (هدم الإسلام ما كان قبله) فيه احتمالان:

(أحدهما) ما هو المقصود و هو أن الكافر إذا أسلم فقد جب عنه ما كان قبله من التكاليف الثابتة عليه في حال كفره فيكون المراد من الإسلام إسلام الشخص.

______________________________

(1) المروي في البحار- ج 9- في باب قضايا أمير المؤمنين- عليه السلام- نقلا عن المناقب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 237

(ثانيهما) انه بعد ان شرع النبي- صلى اللّه عليه و آله- من اللّه تعالى الإسلام انهدم ما كان صدر من الناس قبل تشريعه من طلاق، و غيره، فليس المراد من الإسلام إسلام الشخص بل المراد هو تشريع الإسلام و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و (فيه): أن الاحتمال الثاني، خلاف الظاهر إذ الظاهر أن المراد بالإسلام هو إسلام الشخص لا تشريع الإسلام فيتم دلالته على المدعى.

2- عن تفسير على بن إبراهيم فقالوا «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» فإنها نزلت في عبد اللّه بن أبي أمية أخ أم سلمة- رحمة اللّه عليها- أنه قال لرسول اللّه قبل الهجرة: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «1» فلما خرج رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- إلى فتح مكة استقبل عبد اللّه بن أبي أمية فسلم على رسول اللّه فلم يرد عليه فاعرض عنه فلم يجبه بشي ء، و كانت أخته أم سلمة مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فدخل إليها فقال يا أختي: أن رسول اللّه قد قبل إسلام الناس كلهم ورد إسلامي فليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول اللّه على أم سلمة قالت بأبي أنت و أمي يا

رسول اللّه: سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش رددت إسلامه و قبلت إسلام الناس كلهم! فقال رسول اللّه بأم سلمة: ان أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد في الناس هو الذي قال لي: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) إلى قوله تعالى كتابا يقرء قالت أم سلمة: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه أ لم تقل (الإسلام يجب ما كان قبله)؟ قال: نعم فقبل رسول اللّه إسلام أخ أم سلمة. «2» و في هذا الحديث إشكالان:

(الأول)- أن الإسلام ليس من العقود حتى يحتاج إلى القبول فما معنى ما في هذا الحديث من أن رسول اللّه لم يقبل ابتداء إسلام عبد اللّه أخ أم سلمة ثم قبله بالتماس منها هذا لكن لعله كان صحة الإسلام في ذلك الزمن محتاجا إلى قبوله- صلى اللّه عليه و آله- فلعل

______________________________

(1) سورة الإسراء: الآية- 92.

(2) المروي في البحار- ج 6 في باب- فتح مكة عن تفسير علي بن إبراهيم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 238

الإسلام في ذلك الزمن كان نظير المبايعة نحو ما قاله تعالى «إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» «1» و لا استبعاد فيه.

(الثاني)- أنه كيف لم يقبل إسلامه ابتداء ثم قبله بالتماس أختها مع انه- صلى اللّه عليه و آله- عالم بما صدر منه في حال كفره و بان الإسلام يجب ما قبله فكان عليه أن يقبل إسلامه من أول الأمر.

و الجواب أنه لعله كان في ذلك مصلحة، أو كان ذلك لإظهار شأن أم سلمة و جلالتها أو لاحترامها و إكرامها، أو أنه لم يكن عبد اللّه قابلا لأن يقبل إسلامه الا بالتماس أختها لما صدر منه من التكذيب الشديد الذي

أسقطه عن درجة قابليته لقبول إسلامه بلا واسطة فكان خارجا ابتداء عن حيز قوله- صلى اللّه عليه و آله. «الإسلام يجب ما قبله» بالتخصيص و لكن بالتماس أختها صار قابلا لأن يقبل إسلامه فدخل تحت هذه القاعدة. لانطباق الكبرى على الصغرى حينئذ.

3- ما ورد في قصة إسلام المغيرة قال: كان المغيرة يحدث حديث إسلامه قال: خرجت مع قوم من بنى مالك، و نحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر فدخلنا إلى الإسكندرية و أهدينا للملك هدايا كانت معنا، فكنت أهون أصحابي عليه، و قبض هدايا القوم و أمر لهم بجوائز و فضل بعضهم على بعض، و قصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له، و خرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، و هم مسرورون و لم يعرض أحد منهم على مواساة، فلما خرجوا حملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها فاشرب معهم، و نفسي تأبى أن تدعني معهم و قلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا و ما حباهم به الملك و يخبرون قومي بتقصيره بي و ازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم فقلت: إني أجد صداعا فوضعوا شرابهم و دعوني فقلت رأسي يصدع و لكن اجلسوا فاسقيكم فلم ينكروا من امرى شيئا، فجلست أسقيهم و اشرب القدح بعد القدح، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت اصرف لهم و انزع الكأس، فاهمدتهم الخمر حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم

______________________________

(1) سورة الفتح: الآية- 18.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 239

فقتلتهم جميعا.

و أخذت جميع ما كان معهم و قدمت المدينة فوجدت النبي بالمسجد و عنده أبو بكر و كان بي عارفا، فلما رآني قال: ابن أخي عروة؟ قلت: نعم قد جئت اشهد ان لا إله إلا

اللّه، و أن محمدا رسول اللّه. فقال أبو بكر: من مصر أقبلت؟ قلت: نعم قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت كان بيني و بينهم بعض ما يكون بين العرب و نحن على دير الشرك، فقتلتهم و أخذت إسلامهم، و جئت بها إلى رسول اللّه ليخمسها، فإنها غنيمة من المشركين. فقال رسول اللّه: أما إسلامك فقد قبلته و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمسها لأن هذا غدر و الغدر لا خير فيه فأخذني ما قرب و ما بعد، فقلت يا رسول اللّه: إنما قتلتهم و انا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة. فقال- عليه السلام-: (الإسلام يجب ما قبله) «1».

4- عن الطبراني: الإسلام يجب ما قبله و الهجرة تجب ما قبلها «2».

5- نحوه أيضا الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها اى يقطعان و يمحوان ما كان قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب «3».

6- و نحوه الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب «4».

7- ورد في قصة إسلام هبار بن الأسود بن المطلب الذي روع زينب بنت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فأباح رسول اللّه دمه لذلك فروى: أنه اعتذر إلى النبي- صلى اللّه عليه و آله- من سوء فعله و قال: و كنا يا نبي اللّه أهل شرك فهدانا اللّه تعالى بك

______________________________

(1) في الجزء العشرين- من شرح النهج- لابن أبي الحديد [ص] 1 من الجزء المذكور نقلا عن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.

(2) المروي في الجامع الصغير للسيوطي- (ص) 95.

(3) المروي في نهاية ابن أثير (ص 166).

(4) المروي في مجمع البحرين- كتاب الباء- باب

ما أوله الجيم- في لغة جبب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 240

و أنقذنا بك من الهلكة فاصفح عن جهلى و عما كان يبلغك عني، فإني مقر بسوء فعلى معترف بذنبي. فقال- عليه السلام-: قد عفوت عنك و قد أحسن اللّه إليك حيث هداك إلى الإسلام و الإسلام يجب ما قبله «1».

8- ما روى أن عبد اللّه سرحان يوم الفتح لما علم بإهدار النبي- صلى اللّه عليه و آله- دمه لجأ إلى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة و جعله واسطة عند النبي. و قيل: إنه أسلم و بائع النبي- صلى اللّه عليه و آله- بمر الظهران و صار يستحيى من مقابلته- صلى اللّه عليه و آله- فقال صلى اللّه عليه و آله-: لعثمان: أما بايعته و امنته؟ قال: بلى و لكن يذكر جرمه القديم فيستحيي منك قال: (الإسلام يجب ما قبله) «2».

و كيف كان فلا إشكال في الجملة في أن الإسلام يجب ما قبله لكن يقع الكلام في مقدار دلالته و إطلاقه لجميع الموارد و عدمه و تنقيح البحث في ذلك موقوف على التعرض لمقامين:

(أحدهما) في الأحكام التكليفية و (الأخر) في الأحكام الوضعية.

أما (المقام الأول) [في الأحكام التكليفية]

فمحصله أنه لا إشكال في عدم جريان قاعدة الجب في الواجبات الموقتة إذا أسلم الكافر في أوقاتها فلو أسلم قبل غروب الشمس و كان الوقت باقيا بمقدار يمكنه الإتيان بالظهرين مع الشرائط فلا ينبغي الإشكال في وجوبهما عليه فلو تركهما يعاقب و عليه القضاء كما هو كذلك في حق المسلم، كما لا إشكال في جريانها في الواجبات الموقتة إذا أسلم بعد أوقاتها فلو أسلم بعد خروج وقت صلاتي الظهرين مثلا فليس عليه شي ء من العقاب و القضاء ببركة هذه القاعدة.

لكن يقع الكلام

و الإشكال في جريانها في الواجبات غير الموقتة كالحج، و غيره، كما لو فرضنا ان الكافر صار واجدا لما يحج به في حال كفره و استقر الحج عليه و زالت عنه

______________________________

(1) المروي في سفينة البحار- (ص)- 412- باب- علة خلق العباد.

و مفصل القصة- في السيرة الحلبية- ج 3- (ص)- 106- باب فتح مكة.

(2) المروي- في السيرة الحلبية- ج 3- (ص) 104.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 241

الاستطاعة ثم أسلم فهل يحكم بوجوب الحج عليه تسكعا، لأنه أسلم في الوقت، حيث أن وجوب الإتيان به لم يكن مقيدا بسنة خاصة بل يجب عليه الإتيان به بعد تحقق الاستطاعة و استقراره إلى آخر عمره غاية الأمر فورا ففورا أم لا، لأن وجوب الحج قد استقر عليه في حال كفره و بإسلامه جب عنه ما كان قبله من وجوب الحج المستقر عليه قبل إسلامه خصوصا مع كون الحج فوريا فهو أشبه بالواجبات الموقتة التي أسلم الكافر بعد أوقاتها فيصدق عليه عنوان ما كان قبله؟ وجهان:

(أحدهما): عدم جريانها في ذلك (بدعوى) أن معنى: (الإسلام يجب ما كان قبله) هو جب الواجب الذي لم يكن وقته باقيا حين حدوث إسلام الكافر و إلا فلا يصدق عليه عنوان ما كان قبل إسلامه حتى يجبه الإسلام، و لذلك لو فرضنا أنه أسلم في وقت صلاة كان عليه الإتيان بها لوجود موضوعه- و هو صرف الوجود من الوقت- و من هذا القبيل الحج و نحوه مما يكون وقته إلى آخر العمر. كصلاة الآيات الواجبة لحدوث الزلزلة أو الخسوف، أو الكسوف، أو غيرها من الآيات.

و الحاصل: أن صرف توقيت الواجب بوقت خاص و عدمه لا يوجب فرقا في الحكم فكما يقال بعدم جريان

القاعدة في الواجبات الموقتة لو أسلم في أوقاتها فكذلك نقول بذلك في غير الواجبات الموقتة، لأن وقته إلى آخر العمر. نعم، لا إشكال في جريانها بالنسبة الى ما صدر عنه في حال كفره من ترك فورية الحج فلا يعاقب عليه. و أما أصل الحج فلا بد من أن يأتي به بعد الإسلام لعدم جريانها بالنسبة إليه.

(ثانيهما): و هو الأقوى في النظر وفاقا للمصنف و صاحب الجواهر و صاحب التذكرة- قدس سرهم- جريان هذه القاعدة في الواجبات الغير الموقتة ايضا فلو أسلم بعد زوال الاستطاعة عنه يحكم بعدم وجوب الحج عليه تسكعا ببركة جريان هذه القاعدة و كذلك يحكم بعدم وجوب صلاة الزلزلة الحادثة حين كفره عليه و نحو ذلك، لأنها تكاليف قبلية قد استقرت عليه و كل تكليف قبلي فالإسلام يجبه و لو أنكرنا جريانها في مثل هذه الأمور لزم إنكار جريانها أيضا في الواجبات الموقتة بعد انقضاء أوقاتها مع انه لم يلتزم بذلك أحد من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 242

الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

بيان ذلك: أنه (تارة) نقول: بأن وجوب العمل في خارج الوقت قضاء يحتاج إلى أمر جديد و هو كاشف عن كون أصل الفعل مع قطع النظر عن خصوصية الوقتية ذا ملاك في الوقت و بعده و (اخرى) نقول: إن وجوبه في خارج الوقت قضاء ليس محتاجا إلى ذلك بل الأمر به يكشف عن بقاء نفس الأمر الادائى الأول المتعلق بأصل الفعل في الوقت و كونه على نحو تعدد المطلوب فالأمر المتوجه إليه في خارج الوقت عين الأمر المتوجه إليه في الوقت. غاية الأمر أن الخصوصية الوقتية قد فاتته فالأمر المتعلق بالفعل مع الخصوصية الوقتية كان امرا على حدة و

قد انتفى و لا يضر ذلك بكون أصل الفعل مأمورا به أيضا.

فإن قلنا بالثاني- و هو كون دليل القضاء كاشفا عن بقاء الأمر الادائى الأول في خارج الوقت- فلا ينبغي الإشكال في كون حال هذا الأمر بعينه حال الأوامر المتعلقة بالواجبات غير الموقتة، كالحج، و صلاة الآيات، و نحوهما، فلا بد في الجميع من الموقتات و غيرها من إنكار جريانها فيها، فلو أسلم بعد انقضاء وقت صلاة الفريضة فلا بد من الحكم بوجوبها عليه قضاء و لا يجب و لا ينهدم عنه الصلاة الثابتة عليه في حال كفره، لأن ذات الأمر المتعلق بالأعمال المسماة بالصلاة لم يكن موقتا بوقت خاص بل وقته إلى آخر العمر و الخصوصية الوقتية كانت تعلق الأمر بها على حدة، فلا وجه لجب الصلاة عنه تشبثا بقوله- صلى اللّه عليه و آله-: (الإسلام يجب ما قبله) و ذلك لأن المفروض كون الأمر الأول موسعا يشمل ما بعد الإسلام أيضا و عدم اختصاصه بما قبل إسلامه حتى يقال: إنه يجبه الإسلام.

و ان قلنا بالأول- أعني كون القضاء بأمر جديد- فنقول: إن هذا الأمر الجديد ليس موقتا بوقت فيكون حاله بعينه حال الأوامر المتعلقة بالواجبات الموسعة إلى آخر العمر كالحج، و صلاة الآيات، فلا بد ايضا من إنكار جريان القاعدة في جميعها، فلو أسلم بعد انقضاء وقت الصلاة لا يجب عنه الأمر بالقضاء، لأنه لم يكن وجوب القضاء عليه مختصا بحال كفره حتى يجبه الإسلام بل كان وقته موسعا من حين وجوبه عليه الى آخر عمره

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 243

كالحج، و صلاة الآيات، فقاعدة الجب لا تجري في مثل هذه الأمور و انما تجري فيما ارتكبه الكافر في حال كفره

من المعاصي كالزنا، و شرب الخمر، و نحوهما، بمعنى انها تعفى عنه و لا يعاقب عليها و لا يجرى عليه الحد أو التعزير [1] و كذلك تجري القاعدة بالنسبة الى تركه الصلاة الذي كان ذلك معصية له و لا يعاقب عليه و لا يحد و لكنها لا تجري بالنسبة إلى قضاء الصلاة فلا يجب عنه قضاء صلاته، لأن وقتها موسع من حين وجوبها الى آخر العمر كما عرفت.

و بالجملة على هذا يكون جريان قاعدة الجب مختصا بما صدر منه في حال كفره من المعاصي و غيرها كالطلاق كما هو مورد النص المتقدم.

و أما الواجبات الموسعة و منها القضاء فلا يشملها الدليل.

و الحاصل: أنه قد ظهر مما ذكرنا ثبوت التلازم بين إنكار جريان القاعدة في الواجبات الموسعة و بين إنكار جريانها في قضاء الواجبات الموقتة، لاندراج قضائها على ما بيناه في الموسعات فكما أن حدوث الآية كالزلزلة موضوع للحكم بوجوب الإتيان بالصلاة من أول حدوثها الى آخر عمره، فكذلك تحقق الاستطاعة المالية الممتدة من أول الموسم إلى آخره موضوع للحكم بوجوب الحج عليه إلى آخر عمره و كذا فوات الصلوات الموقتة فإنه سبب لوجوب القضاء عليه من حين ثبوته الى آخر عمره، فالواجبات الموسعة بالأصالة كالحج، و صلاة الآيات، أو بالعرض كفوت الموقتات في أوقاتها الموجب لقضائها طول العمر على نمط واحد فلا يسقط شي ء منها بقاعدة الجب هذا.

و لكن التحقيق: جريانها في قضاء الواجبات الموقتة و غيرها من الواجبات الموسعة كالحج، و صلاة الآيات و ذلك لأن حمل قوله- صلى اللّه عليه و آله:- «الإسلام يجب ما قبله» على رفع خصوص العقاب خلاف الظاهر بل الظاهر سقوط نفس الواجب ايضا عن ذمته و معلوم أنه

لو فرضنا اختصاص واجب بحال كفره انتفى ذلك الواجب بمجرد

______________________________

[1] لا يخلو من تأمل لأن وجوب الحد أو التعزير ليس موقتا بل هو موسع ايضا فلو لم يدل نص خاص على سقوط الحد عن الكافر بالإسلام لا يسقط عنه، نعم. يسقط عنه العقاب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 244

اختياره الإسلام لانتفاء شرطه بلا احتياج الى جريان هذه القاعدة فقاعدة الجب، إنما تجري في الواجبات الثابتة عليه في حال كفره بحيث لو لا جريانها تبقى تلك الأحكام عليه بعد إسلامه.

و الحاصل: أن معنى قوله- صلى اللّه عليه و آله-: «الإسلام يجب ما قبله» ليس انهدام وجب التكاليف المختصة بما قبل الإسلام، فإنه لو كان كذلك لا نحتاج في الحكم بانتفائها إلى جريان القاعدة، لانتفائها بالإسلام و انما المراد منه أنه ينهدم و يجب كل تكليف كان ثابتا على الكافر من قبل تشرفه بالإسلام- و استقر عليه في حال كفره و يقتضي البقاء بعده- فقاعدة الجب تمنع عن تأثير المقتضى فيما بعد الإسلام فببركة جريانها لا يبقى في ذمته شي ء كي يحتاج إلى الإفراغ.

و على هذا لو فرضنا أنه أسلم بعد انقضاء وقت الصلاة فنقول: إنه كانت الصلاة مستقرة عليه في حال كفره و هذا الاستقرار كما ترى تكليف قبلي قد بقي عليه فيشمله قوله:

«الإسلام يجب ما كان قبله». و كذلك لو أسلم بعد استقرار الحج عليه و زوال الاستطاعة عنه كما هو المحل المفروض فنقول: إن استقرار الحج عليه كان قبل الإسلام فيجبه الإسلام و كذلك الحكم بالنسبة إلى غيره من الواجبات الموسعة كصلاة الآيات التي مضت الآية قبل إسلامه [1].

______________________________

[1] المؤلف: و يؤيد ذلك بما خطر بالبال القاصر و هو أن هذه القاعدة امتنانية

و لاهمية الإسلام و شرافته شرعت في حق الكافر لان يوسع الأمور عليه، فكل مورد كان جريانها على وفق الامتنان فلا بد من القول به، كأدلة نفي العسر و الحرج الواردة في الشريعة، و القدر المتيقن من موارد جريانها هو بالنسبة إلى التكاليف الثابتة عينه في حال كفره بجميع أنحائها من الموسعات و الموقتات، و ذلك لحصول الامتنان في ذلك، فلا محالة بسبب اختياره الإسلام يرتفع عنه كلما كان ثابتا عليه في حال كفره من الصلاة، و الحج، و غيرهما، فلا يمكن القول بوجوب الحج عليه بعد إسلامه لمنافاته مع ورود القاعدة امتنانا. إلا إذا تجددت الاستطاعة له بعد إسلامه أو كانت باقية و حيث أن الموضوع على المفروض و هو الاستطاعة لا يكون باقيا و لا متجددا بعد إسلامه فلا يجب الحج عليه، لأن الإسلام يجب ما كان قبله.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 245

ان قلت: على هذا يلزم جريان القاعدة في الواجبات المضيقة كما إذا فرضنا أنه أسلم في وقت الصلاة و لكن لا في أول وقتها بل بعد انقضاء مقدار من أول الوقت الذي يفي بتمام الصلاة. فنقول: إنه فاستقر عليه الصلاة في أول الوقت قبل إسلامه فيجبها الإسلام فيلزم الحكم بعدم وجوب الصلاة عليه في حال بعد إسلامه مع أنه في الوقت و لم يقل به أحد.

قلت: هذا النقض غير وارد علينا، و ذلك لأن صرف الوجود من الوقت في الموقتات موضوع لوجوب الفعل الموقت و المفروض بقاء الموضوع في حال إسلامه، فلو قلنا يجب الإسلام الصلاة التي قد استقرت عليه في حال كفره في أول الوقت كفى في وجوبها عليه بعد إسلامه نفس بقاء الموضوع- و هو صرف الوجود من

الوقت- نظير، ما إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت.

و الحاصل: انه إما نقول بجريان قاعدة الجب في الفرض المتقدم بالإضافة إلى استقرار الصلاة عليه ثم يحكم بوجوبها عليه ثانيا لوجود موضوعه- و هو صرف الوجود من الوقت- و (اخرى) نقول بعدم جريانها من رأس للزوم اللغوية، و ذلك لوجوبها عليه ثانيا و لو قلنا بجريانها بالنسبة إلى استقرارها عليه، لوجود الموضوع.

و في ما نحن فيه ايضا لو فرضنا أنه أسلم و كان موضوع وجوب الحج- اعنى الاستطاعة- باقيا، أو متجددا بعد زوالها، لا إشكال في وجوب الحج عليه بعد إسلامه و لو قلنا بجريانها بالنسبة إلى استقرار الحج عليه.

إن قلت: إنه لا شك في أن صرف الوجود من الوقت موضوع للحكم بوجوب الصلاة و لا شك أيضا في أن صرف الوجود من الصلاة محقق لحصول الواجب و الامتثال فإذا فرضنا دخول وقت صلاة الفريضة و مضى مقدار من الزمان الذي يتمكن من الإتيان بها فيه، فلا إشكال في استقرار صرف الوجود منها عليه و حينئذ إذا أسلم جب عنه ذلك، لتقدمه على الإسلام، و لا دليل على وجوبها ثانيا عليه، فان كل صلاة لا تجب في كل يوم الإمرة واحدة كما أشرنا إليه سابقا، و قد وجبت عليه ثم جبت عنه بالإسلام فلا وجه للحكم بوجوب الصلاة عليه لو أسلم مع بقاء الوقت.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 246

قلت: ما ذكرته من أنه لا دليل على وجوبها ثانيا (ممنوع)، فان الدليل على ذلك هو ما عرفت من بقاء الموضوع للحكم- و هو صرف الوجود من الوقت- فإطلاق الدليل الدال على وجوب الصلاة على كل مكلف في الوقت يشمله، فإن إطلاق دليل وجوبها في الوقت شامل

لكل من أدرك الوقت الوافي بالواجب جامعا لجميع شرائط الوجوب.

نعم، لو أسلم و لم يبق من الوقت إلا بمقدار أربع ركعات و لم يأت به فلا إشكال في عدم وجوب الصلاة عليه لارتفاع الموضوع- و هو صرف الوجود من الوقت- للصلاة مع قطع النظر عن دليل: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الصلاة».

و أما بالنظر اليه فصرف الوجود من الوقت بعد باق، فيحكم بوجوب الصلاة عليه إلا إذا لم يكن الوقت الباقي وافيا بمقدار ركعة من الصلاة فحينئذ يحكم بعدم وجوبها عليه لعدم بقاء الموضوع.

كما أن في الصوم لو فرضنا أنه أسلم بعد مضى آن من الفجر يحكم بعدم وجوب الصوم عليه لعدم بقاء موضوعه و هو تمام اليوم. نعم، قبل إسلامه كان الصوم واجبا عليه و لكن بإسلامه جب عنه.

و كيف كان فقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن قاعدة الجب تجري في جميع الواجبات الموسعة و في قضاء الواجبات المضيقة و لكنها لا تجري في الواجبات الموقتة قبل خروج وقتها.

و حاصل الفرق: أن في الواجبات الموقتة قبل مضى الوقت لو فرضنا أنه أسلم يكون سبب الوجوب- اعنى موضوعه و هو صرف الوجود من الوقت- موجودا و المفروض أنه لم يصدر منه العمل فيحكم بوجوبها عليه و هذا بخلاف القضاء فان موضوع وجوبه ليس الا استقرار العمل على ذمته في الوقت و قد جب عنه ذلك، لأنه تكليف قبلي و قد بقي عليه، و كل تكليف قبلي يجبه الإسلام، و كذلك الواجبات الموسعة كالحج، و صلاة الزلزلة و نحوهما فان سبب وجوبهما- اعنى الاستطاعة و الزلزلة- قد تحقق قبل إسلامه و زال و قد جب بالإسلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 247

نعم، هنا

إشكال في جريان القاعدة بالنسبة إلى خصوص الحج الذي استقر عليه في حال كفره دون صلاة الزلزلة و نحوها.

بيان ذلك: أنه لا إشكال في اشتراك الكفار و المسلمين في الأحكام المترتبة على موضوعاتها بالكيفية المستفادة من الأدلة من الحدوث و البقاء مثلا الاستطاعة المالية ليست موضوعة لوجوب الحج إلا في عام حدوث الاستطاعة و أما في السنوات اللاحقة فلا، فوجوب الحج تابع لحدوث الاستطاعة لإبقائها فيما بعد عام الاستطاعة و لذا يجب عليه الحج متسكعا ان لم يحج في عام الاستطاعة مع زوالها، و عليه فلو أسلم الكافر فلو لم يكن أتى بالحج في السنة الأولى يحكم بوجوب الحج عليه في السنوات اللاحقة مع التمكن و عدم المزاحمة مع واجب أهم و لو زالت عنه الاستطاعة المالية و لا يحتاج الحكم بوجوبه عليه فيها إلى تجدد الاستطاعة أو بقاء الاستطاعة الأولى، فعلى هذا لو فرضنا أنه أسلم الكافر بعد زوال استطاعته فلا بد من الحكم بوجوب الحج عليه بعد إسلامه، لكونه واجدا لجميع شرائط الوجوب من العقل، و البلوغ، و الحرية، و تخلية السرب، و عدم المزاحمة لواجب أهم، و التمكن من الذهاب، و غير ذلك من الأمور المعتبرة فيه.

و أما الاستطاعة المالية فهي و إن لم تكن باقية لكن المفروض عدم كونها جزء للموضوع في السنوات اللاحقة، و انما كانت جزء له في السنة الأولى و على الفرض تحقق له فيها و لو قلنا بثبوت جريان هذه القاعدة في حقه، للزم القول بعدم وجوب الحج عليه لو استطاع ثانيا بعد الإسلام، أو كانت الاستطاعة الأولى باقية، لما عرفت من أن الاستطاعة الثانية و بقاء الاستطاعة الأولى ليست موضوعا لوجوب الحج، فعلى هذا لا بد

من ان يحكم بوجوب الحج عليه بعد إسلامه و هذا بخلاف صلاة الآيات التي مضت الآية في حال كفره فلا يجب عليه الإتيان بها بعد إسلامه بصرف تحقق الآية قبل الإسلام إلا إذا فرض تجدد الموضوع له بعد إسلامه بأن يحدث زلزلة أخرى، و ذلك لأن الموضوع للحكم بوجوب صلاة الآيات ليس إلا الزلزلة و قد انتفت فلا وجه لوجوبها عليه ثانيا، لعدم الموضوع. و أما الوجوب الأول فقد جب بالإسلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 248

و أما في الحج فليس الموضوع لوجوبه في السنوات اللاحقة إلا الشرائط المذكورة و المفروض وجدانه لها بعد إسلامه فيحكم بوجوب الحج عليه.

فظهر أن القاعدة تجري في صلاة الآيات الثابتة عليه في حال كفره و لا تجري في الحج هذا.

و لكن التحقيق: جريانها في الحج أيضا، لأن الاستطاعة المالية موضوع لوجوب الحج عليه في أي سنة كانت. غاية الأمر أن صرف وجودها موضوع لوجوب صرف الوجود من الحج الى آخر العمر و إذا أسلم بعد زوال الاستطاعة المالية، فقد جب عنه هذا الوجوب، لانه تكليف قبلي، و كل تكليف قبلي فالإسلام يجبه، و لكن لو استطاع ثانيا بعد إسلامه، أو كانت باقية كانت تلك الاستطاعة أيضا موضوعا لوجوب الحج عليه، لأن الإطلاقات- الدالة على وجوب الحج على المستطيع- شاملة لكل من كان واجدا للاستطاعة و لم يحج، فيحكم بوجوب الحج عليه هذا تمام الكلام في المقام الأول المتكفل لحكم قاعدة الجب بالنسبة إلى الأحكام التكليفية.

و أما (المقام الثاني) و هو الأحكام الوضعية
اشارة

فحاصل الكلام فيه أنه (تارة) يبحث فيها بالنسبة إلى حقوق الناس كالقرض، و الوديعة، و الجناية، و المال الذي سرقه في حال كفره، و الزكاة، و الخمس، و غير ذلك من الأحكام الوضعية الثابتة

عليه في حال كفره و (اخرى) يتكلم فيها بالنسبة الى غير حقوق الناس كالطهارة، و النجاسة، و الصحة، و البطلان، و غير ذلك من الأحكام الوضعية التي هي أجنبية عن حقوق الناس و ثابتة عليه في حال كفره فها هنا جهتان من البحث.

أما (الجهة الأولى) [حقوق الناس]

فملخص الكلام فيها أنه (تارة) يكون مال الغير بغيه موجودا عنده كما لو كان ما سرقه من المال، أو أخذه بعنوان القرض، أو الوديعة، أو غير ذلك موجودا و (اخرى) يكون تالفا فان كان موجودا بعد إسلامه، فلا إشكال في وجوب رده الى صاحبه لأن الإسلام ليس من المملكات و النواقل الشرعية حتى يقال بخروج ذلك المال من ملك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 249

صاحبه و دخوله في ملك هذه الكافر الذي أسلم.

و من هذا القبيل وجود مقدار حصة الفقير من الخمس و الزكاة بعد إسلامه المتعلقين بالمال قبله بناء على القول بتعلقهما بعين المال على نحو الشركة العينية كما هو الحق، بل و كذا الأمر بناء على القول بتعلقهما بماليته المال على نحو الشركة المالية و إن لم يكن موجودا بعد إسلامه و صار في الذمة، كما لو أسلم بعد تلف ما سرقه من زيد، أو بعد تلف المال المتعلق للخمس أو الزكاة فلا إشكال في ثبوت حق الغير بذمته إلى الا بد، فهو بعينه يكون من قبيل الواجبات الموسعة إلى آخر العمر و ان كان عليه الأداء فورا ففورا فحينئذ:

لو قلنا بعدم جريان هذه القاعدة في الواجبات الموسعة، فلا بد من الالتزام بعدم جريانها فيما نحن فيه ايضا بطريق أولى، لأنها من حقوق الناس دونها.

و أما لو قلنا بجريانها في الموسعات كما هو الحق و قد حققناه في المقام

الأول. فيمكن أن يقال. إن مقتضى إطلاق الدليل جريانها في الواجبات الموسعة التي تكون من حقوق الناس الثابتة عليه في حال كفره ايضا فيحكم بعدم ضمانه لما أتلفه في حال كفره من أموال الناس، أو الزكوات و الأخماس، و كذا ليس عليه أن يؤدى ديات ما أوردها في حال كفره من الجناية، و الجراحة، و القتل.

و يؤيد ما ذكرنا- من أن الإسلام يجب حقوق الناس ايضا- أنا ما رأينا في الأخبار التي بأيدينا و لا سمعنا أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أخذ من الكفار التي أسلموا ديات ما أوردوهم في حال كفرهم من الجنايات بعد اختيارهم الإسلام مع أن كثيرا منهم كان قد صدر عنهم القتال و الجرح و تفريط مال الناس و غير ذلك كما لا يخفى. و لم يكن النبي- صلى اللّه عليه و آله- يطالبهم بهذه الأمور و لم يكن يأمرهم بدفع هذه الحقوق إلى أهلها.

فعلى هذا يقال: إنه كما تجري القاعدة بالنسبة إلى الواجبات الموسعة التي تكون من حقوق اللّه كالحج، و صلاة الآيات، كذلك تجري بالنسبة إلى حقوق الناس.

إن قلت: إنه لا مانع من أن يعفو اللّه تعالى عن حقوقه. و أما عفوه عن حقوق الناس فهو خلاف العدالة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 250

قلت: لا شك في أن اللّه تعالى ولى كل ولى، و مالك الملوك، و صاحب كل حق، و ذي حق، فلو اقتضت الحكمة أن يعفو عن حقوق الناس الثابتة على الكافر في حال كفره بعد إسلامه فلا مانع منه.

مضافا إلى انه يمكن أن يرضى اللّه تعالى في الآخرة أرباب الحقوق عن الجاني ببذل عطاياه الجزيلة و مواهبه الكثيرة إياه أضعافا مضاعفة عما استقر

على ذمة الكافر الذي أسلم.

و لكن الأقوى في النظر أنه لا يمكن الالتزام بجريان هذه القاعدة في مثل هذه الأمور- اعنى حقوق الناس- أصلا، و ذلك لأنها امتنانية و لا تجري في مورد كان جريانها فيه على خلاف الامتنان، فحقوق الناس خارجة عن حيز الدليل، و خروجها عن دائرته ليس تخصيصا بل يكون تخصصا لأن جبها عن الكافر الذي اختار الإسلام و إن كان امتنانا عليه لكن يكون خلاف الامتنان بالنسبة إلى صاحب الحق، لأنه إضرار عليه، فلا وجه للامتنان عليه مع معارضته بلزوم خلاف الامتنان على صاحب الحق.

و بالجملة الحكم الذي شرع امتنانا على العباد لا يلاحظ فيه شخص دون شخص، أ فهل ترى: أن الإسلام ينفع الكافر الذي أسلم و يضر صاحب الحق!. و يمكن أن يفرض أن صاحب الحق ايضا، كان كافرا فأسلما معا، فكيف يمكن القول بأن الإسلام نفع أحدهما و أضر بالآخر، فعلى هذا لا يمكن الالتزام بجريانها في حقوق الناس الثابتة عليه في حال كفره بعد إسلامه.

و أما عدم أمر رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- بعد إسلامه بدفع هذه الحقوق الثابتة عليه في حال كفره فلعله كان برضى من صاحب الحق، أو كان من جهة عفوه- صلى اللّه عليه و آله- باعتبار أنه ولى الجميع، فله العفو عن حقوق الغير عند اقتضاء المصلحة له أو كان في مطالبته لهم خوف رجوعهم إلى الكفر.

هذا كله مضافا إلى أنه لم يثبت أنه- صلى اللّه عليه و آله- لم يكن يأمرهم بدفعها و صرف عدم وجداننا له أثرا في الأخبار و التواريخ و عدم سماعنا لذلك لا يدل على نفيه، فان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 1، ص: 251

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا عدم جريان هذه القاعدة في حقوق الناس مطلقا.

نعم تجري بالنسبة إلى استحقاقه العقوبة بواسطة تأخير أداء ديونه إذا كان متمكنا من أدائها و لم يؤدها.

ثم، إن المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه-: فصل في الزكاة بين صورة بقاء النصاب بعد إسلامه و عدمه فتجري القاعدة في الثاني دون الأول. و لعل نظره إلى أنه مع بقاء النصاب بعد الإسلام يكون موضوع الحكم موجودا، فعليه الزكاة بخلاف الصورة الأولى.

و التحقيق: ما عرفت من عدم جريان القاعدة مطلقا في حقوق الناس خصوصا مع فرض بقاء مقدار حصته الفقير، و ذلك لما عرفت من أنه لو كان مقدار حصته باقيا فلا ينبغي الإشكال في وجوب رده إلى الفقير بناء على الشركة العينية و المالية، لأن الإسلام ليس من المملكات. و كذلك لا تجري القاعدة و لو لم يكن مقدار حصته باقيا خلافا للمحقق و ذلك لما مضى من انها امتنانية فلا تجري في مورد لزوم خلاف الامتنان على الغير.

و أما لو قلنا بأن الزكاة صرف حكم تكليفي و ليس من حقوق الناس فليست هي إلا من قبيل الواجبات الموسعة و تجري القاعدة مطلقا و لو كان مقدار النصاب باقيا إلا أن يحول عليه الحول.

بعد الإسلام فإن نفس النصاب ليس تمام الموضوع بل هو جزئه و ذهاب الحول جزء آخر و لا عبرة بتحقق الموضوع قبل الإسلام لجريان القاعدة.

فظهر أنه على اى تقدير لا يبقى مجال للتفصيل الذي ذكره المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه.

ثم إنه لو شككنا في كون شي ء من حقوق اللّه أو من حقوق الناس كما لو شك في أن الخمس و الزكاة هل هما حكم

تكليفي صرف أو انهما من حقوق الناس، فلا يمكن التمسك بدليل الجب في إثبات عدم وجوب أدائهما بعد الإسلام لما عرفت من اختصاصه بغير حقوق الناس.

و من المحتمل كونه من حقوق الناس فالتمسك به في المحل المفروض تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و هل المرجع حينئذ الأصل العملي أم العمومات الدالة على ثبوت الخمس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 252

و الزكاة و غيرهما؟

التحقيق: هو الأول لأن المفروض أن تلك العمومات قد خصصت بمجمل مصداقا فلو تمسكنا بها كان نظير التمسك بقوله: «أكرم العلماء» مع الشك في الفسق من باب الشبهة المصداقية بعد أن ورد قوله: (لا تكرم الفساق منهم) و قد حققنا في الأصول بطلانه فالمرجع فيما نحن فيه هو الأصل العملي و هو هنا استصحاب الاشتغال أو أصالة الاشتغال على الخلاف المذكور في الأصول.

و المختار هو الثاني في مثل المقام مما يكون الشك فيه تمام الموضوع لحكم العقل من دون دخل للواقع فيه أصلا. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

و أما (الجهة الثانية) و هي الأحكام الوضعية غير حقوق الناس

فملخص الكلام فيها أنه يمكن أن يقال بعدم جريانها فيها فإذا لاقى يد الكافر في حال كفره شيئا مع الرطوبة ثم أسلم لم يحكم بطهارة ذلك الشي ء فلا بد من تطهيره بعد إسلامه. و كذا لو ذبح غنما في حال كفره ثم أسلم لا يحكم بحلية ذبيحته و طهارتها و غيرهما من الأحكام الوضيعة.

و ذلك لأنه فرق بين الأحكام الوضيعة الثابتة عليه في حال كفره و بين الأحكام التكليفية لأن الأحكام التكليفية قد توجهت إلى نفس الكافر قبل إسلامه و اشتغلت ذمته بها قبله فإذا أسلم يحكم بانهدام تلك التكاليف، لصدق ثبوتها عليه قبل إسلامه، و كل تكليف قبلي فالإسلام يجبه.

و هذا بخلاف

الأحكام الوضعية، لعدم ثبوتها على ذمة الكافر في حال كفره، و انما حكم الشارع بتحقق اثر عند وجود موضوعه كالحكم بتنجس ما لاقى جسد الكافر مع الرطوبة و نحو ذلك، و هذه ليست تكاليف متوجهة إلى نفس الكافر حتى يجبها الإسلام فدليل الجب منصرف عن مثل هذه الأحكام الوضعية.

و لكن لا يبقى مجال لدعوى انصراف الدليل عنها، خصوصا مع أن مورد حديث الجب المروي عن علي- عليه السلام- هو الحكم ببطلان الطلاق الصادر عنه في حال كفره تمسكا بأن الإسلام يهدم ما قبله، مع أن من المعلوم أن صحة الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 253

نعم، لا يعبد أن يقال: إن الآثار في الأحكام الوضعية لو كانت مترتبة على الفعل الاختياري للكافر كما في الآثار المترتبة على الطلاق الذي هو فعل اختياري له، ففي مثل هذه الأمور يحكم بجريانها و يحكم بفساده إذا كان ذلك نافعا له، لأن القاعدة امتنانية.

و أما إن لم يكن الأثر مترتبا على فعله الاختياري بقيد الاختيار، كما في مثال تنجس ما لاقاه مع الرطوبة فلا تجري فيها القاعدة، لخروج هذا القسم من الأحكام الوضعية عن عمل الكافر فيحكم بانصراف الدليل عن هذه القسم من الحكم الوضعي، فلو أسلم الكافر لم يحكم بحلية ذبائحه و بطهارة ملاقياته و نحو ذلك كما افاده المشهور.

ثم، إنه لو أتى الكافر في حال كفره باعمال باطلة كما إذا صلى فاقدا لشرط الصحة ثم أسلم فهل يحكم بصحتها بهذه القاعدة بأن يقال: إن الإسلام جب فساد عمله أو أحرم بإحرام العمرة أو الحج ثم أسلم و كذا باقي العبادات، فلو أسلم في الوقت بعد أن صلى لم يجب

عليه إعادة صلاته و كذا لا يجب عليه إعادة إحرامه فيما إذا أحرم الكافر من الميقات و دخل الحرم ثم أسلم بل يأتي بأعمال الحج و العمرة.

و التحقيق: خلافه و ذلك لأن قاعدة الجب شأنها النفي دون الإثبات، فلا يمكن إثبات صحة ما اتى بها من الأعمال في حال كفره باطلا بها، ثم لا يخفى أن اللازم على ما ذكرنا هو أنه لو عقد على امرأة في حال كفره ثم أسلم هو الحكم ببطلان عقده، لأنه سابق على إسلامه فيجب بالقاعدة و لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان بطلانه نافعا له، لأنها امتنانية و لكن مع ذلك الالتزام به مشكل كما أن الالتزام بعدم بطلانه أيضا مشكل، لأن المذكور في الحديث هو بطلان الطلاق الصادر قبل الإسلام و لا خصوصية للمورد فأي فرق بين بطلان العقد و بطلان النكاح و المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

[بيان عدم تعقل اشتغال ذمته بالقضاء]

قوله قده: (و دعوى أنه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصح منه إذا اتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا أسلم مدفوعة.).

اعلم أنه قد نشأ من مسلمية أمور ثلاثة اشكال:

(أحدها): أن الكافر مكلف بالفروع.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 254

(الثاني): أن الإسلام شرط في صحة عمله:

(الثالث): أنه لو أسلم بعد انقضاء وقت أداء الصلاة مثلا جب عنه ما كان قبله، و ذلك الاشكال هو عدم تعقل اشتغال ذمته بالقضاء، لعدم الفائدة في توجه الأمر إليه فلا يصح.

بيان ذلك: هو أن الكافر ما دام كافرا لا يصح منه القضاء، لعدم وجود شرطه و هو الإسلام و لو أسلم فلا تكليف له بالقضاء، لأنه جب عنه ما كان قبله فأي فائدة في تكليفه بالقضاء بل يلزم من ذلك

الأمر بالمحال، فإنه لا يتمكن من القضاء لا مع الكفر و لا مع الإسلام.

أما مع الكفر فلان الإسلام شرط للصحة و بدونه يقع العمل باطلا.

و أما مع الإسلام فلانه لا يبقى في ذمته شي ء حتى يأتي به، لأن المفروض إن الإسلام يجب ما قبله.

و يمكن الجواب عن ذلك بوجوه:

(الأول)- هو الالتزام بأن الأمر المتوجه إلى الكافر تهكمى لأجل أن يصح عقابه عليه.

و فيه: (أولا): أن ذلك لا يصحح العقاب على ترك امتثال أمر يستحيل امتثاله قبيح عقلا.

و (ثانيا): أن ظاهر الإطلاقات الشاملة للكافر و المسلم هو أن الأمر بالنسبة إلى الكافر أيضا حقيقي لا انه بالنسبة إلى المسلم حقيقي و بالنسبة إلى الكافر تهكمى.

(الثاني)- أن الأمر بالقضاء لا يتوجه اليه بعد مضى وقت الأداء حتى يقال بلزوم اللغوية و الأمر بالمحال، بل الأمر به يتوجه اليه حين ثبوت وقت الأداء على نحو الواجب المعلق فلا يلزم منه المحذور لأن الإسلام في الوقت لا يجب عنه الواجب، فعلى هذا مع تركه الإسلام في الوقت فوت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه.

و (فيه): أن التعليق و إن كان ممكنا ثبوتا كما حققناه سابقا لكن نلتزم به إثباتا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 255

فيما إذا قام دليل تعبدي عليه كما في قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» الظاهر في أن تمام الموضوع لوجوب الحج هو الاستطاعة بدون دخالة الموسم، و أما ثبوت الأمر بالقضاء حين وقت الأداء على نحو التعليق فلم يثبت من الأدلة.

(الثالث)- أنا لا نقول بتوجه أمر على حدة بالقضاء اليه بعد فوات وقت الأداء حتى لزم ما عرفت من المحذور، بل نقول إنه انما توجه إليه

الأمر بإتيان العمل في الوقت و كان ذلك ممكنا له بان يسلم ثم يأتي بالعمل في الوقت و هذا الأمر إنما يكون على نحو تعدد المطلوب، لما ورد من دليل قضاء الفوائت.

و على هذا لو لم يسلم و ترك العمل المأمور به في الوقت فلا محالة يبقى في ذمته، فلو أسلم جب عنه ذلك، و لو لم يسلم بقي في ذمته و عوقب عليه و هذا معنى تكليفه بالقضاء لا انه توجه اليه خطاب آخر بالقضاء حتى يقال بتعلقه بغير مقدور، أو أنه خطاب بلا فائدة.

نعم، هنا إشكال في خصوص الصوم و هو أنه قبل طلوع الفجر لا يكون مكلفا بالصوم و توجه التكليف اليه به من أول طلوع الفجر تكليف بالمحال، لأنه في حال كفره لا يصح منه الصوم و لو أسلم، فبمجرد ذلك يمضى آن من آنات النهار فاقدا لشرط الصحة فلا يتمكن من صوم تمام النهار جامعا للشرائط و صوم بعضه غير صحيح إلا في مورد قام دليل تعبدي عليه.

و (بعبارة أخرى) الإسلام ليس واجبا عليه بالوجوب المقدمي قبل طلوع الفجر، لعدم تحقق زمان ذي المقدمة و حين طلوعه لو أسلم مضى آن من الوقت.

(و الجواب) ان حال الإسلام قبل الوقت حال سائر المقدمات المفوتة كالغسل قبل الفجر فبأي نحو دفعنا الاشكال فيها من الالتزام بتولد خطاب شرعي، أو الالتزام بحكم العقل، أو بالتعليق أو بغير ذلك نقول به فيما نحن فيه أيضا فكل على مسلكه في المقدمات المفوتة.

[المسألة التاسعة و السبعين حج المرأة]
[لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة]

قوله قده: (لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها.).

لا ينبغي الكلام في ذلك، و قد ثبت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا. و يشهد

له

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 256

جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح محمد عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن المرأة لم تحج و لها زوج و أبي أن يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها أن تحج؟ قال- عليه السلام-:

(لا اطاعة له عليها في حجة الإسلام) «1».

2- صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أمرية لها زوج فأبى أن يأذن لها في الحج و لم تحج حجة الإسلام فغاب عنها زوجها، و قد نهاها أن تحج؟ فقال- عليه السلام-: (لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة لتحج إن شائت) «2».

3- صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن أمرية لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج؟ قال: (تحج و ان لم يأذن لها) «3».

4- مرسلة المقنعة قال: سئل- عليه السلام- عن المرية تجب عليها حجة الإسلام يمنعها زوجها من ذلك أ عليها الامتناع؟ فقال- عليه السلام-: (ليس للزوج منعها من حجة الإسلام و ان خالفته و خرجت لم يكن عليها حرج) «4». الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

[و كذا في الحج الواجب بالنذر و نحوه]

قوله قده: (و كذا في الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيقا).

لا يخفى أن هذا الحكم انما يتم فيه بعد فرض انعقاد نذرها باذن زوجها لو قلنا باشتراطه في نذرها فبعد انعقاده منها جامعا للشرائط يحكم بوجوبه عليها و ليس له منعها عنه.

إلا أن يقال: إن صحة نذرها مشروطة بإذن زوجها حدوثا و بقاء و سيأتي الكلام في ذلك- ان شاء اللّه تعالى- في مبحث الحج النذري مفصلا. و المقصود هنا أنه بعد فرض

تحقق وجوب الحج عليها بنذر و نحوه ليس له أن يمنعها عنه كما في مرسلة المعتبر قال- عليه السلام-: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) «5» و هذا الحديث و ان كان مرسلا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 3

(3) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 4

(4) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 6

(5) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 257

لكن مضمونه مما تسالم عليه الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما يظهر من تتبع كلماتهم في موارد مختلفة: كمبحث رجوع المولى عن اذن العبد في الحج بعد تلبسه بالإحرام و غير ذلك. بل لا يبعد أن يقال: إن اختصاص اذن من يشترط اذنه من المخلوقين، كالمولى، و الزوج بغير الواجبات من ضروريات الفقه.

[أما في الحج المندوب فيشترط اذنه]

قوله قده: (و أما في الحج المندوب فيشترط اذنه.)

بلا خلاف أجده في ذلك، و هذا هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا بل في الجواهر بعد نقل كلام المحقق- طاب ثراه-: (لا يصح حجها تطوعا إلا بإذن زوجها). (إجماعا محكيا عن التذكرة. بل في المدارك: نسبته إلى علمائنا اجمع. بل فيها عن المنتهى: (لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم و هو الحجة).

و يدل عليه- مضافا الى ما ثبت في محله: من اشتراط جواز خروجها عن بيت زوجها باذنه- موثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: سألته عن المرأة الموسرة قد

حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني من مالي أ له أن يمنعها من ذلك؟

قال: نعم. و يقول: لها حقي عليك أعظم من حقك على في هذا «1».

[و المطلقة الرجعية كالزوجة]

قوله قده: (و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط اذن الزوج ما دامت في العدة).

لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا من دون تعرض لخلاف فيه و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: المطلقة ان كانت صرورة حجت في عدتها. و ان كانت حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها «2».

2- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام. في حديث قال:

لا تحج المطلقة في عدتها «3».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2، الباب 60- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2، الباب 60- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 258

3- رواية أبي هلال عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في التي يموت عنها زوجها تخرج الى الحج و العمرة و لا تخرج التي تطلق، لأن اللّه تعالى يقول (وَ لٰا يَخْرُجْنَ) «1» الا أن يكون طلقت في سفر «2» و هذه الاخبار و ان كان مقتضى إطلاقها عدم جواز الحج المندوب لها و لو باذن زوجها لكنها محمولة على خصوص صورة عدم اذنه لها، لموثق معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه- عليه السلام-: قال سمعته يقول: المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها «3».

[بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه]

قوله قده: (بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه).

لا يخفى أن إطلاق ما تقدم من الاخبار- المقتضية لاشتراط إذن زوجها في حجها المندوب- منزلة على صورة كون الطلاق رجعيا. و اما لو كان بائنا فلا يعتبر اذنه فيه،

لانقطاع عصمتها عنه و مالكيتها لنفسها و تذهب حيث شائت. كما يدل على ذلك صحيحة سعيد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السلام- عن شي ء من الطلاق؟ فقال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها و ملكت نفسها، و لا سبيل له عليها و تعتد حيث شائت، و لا نفقة لها، قال: قلت: أ ليس اللّه عز و جل يقول:

(لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ)؟ قال: فقال: إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة، فتلك لا تخرج و لا تخرج حتى تطلق الثالثة، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، و لا نفقة لها، و المرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلوا أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها، و لها النفقة و السكنى حتى تنقضي عدتها «4».

[و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجبا كان أو مندوبا]

قوله قده: (و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجبا كان أو مندوبا)

لا ينبغي الإشكال فيه و يدل عليه موثق زرارة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- سألته

______________________________

(1) سورة: الطلاق الآية- 1.

(2) الوسائل- ج 2 الباب 60- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(3) الوسائل- ج 3، الباب- 22- من أبواب العدد الحديث 2.

(4) الوسائل- ج 3، الباب 20- من أبواب العدد الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 259

عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أ تحج؟ فقال: نعم «1».

و ما عن ابن بكير قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن المتوفى عنها زوجها تحج في عدتها؟ قال: نعم تخرج و تنتقل من منزل الى منزل «2» الى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم- عليهم السلام.

[المسألة الثمانين تتمة مبحث حج المرأة]
[لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة]

قوله قده (لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بعضها كما دلت عليه جملة من الاخبار و لا فرق بين كونها ذات بعل أولا).

لا ينبغي الإشكال في ذلك و عليه جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا).

و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- قد عرفتني بعملي تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها و حبها إياكم، و ولايتها لكم ليس لها محرم؟ فقال- عليه السلام-: إذا جائت المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة ثم تلا هذه الآية:

(وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ «3») «4».

2- صحيح هشام بن سالم عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في المرأة تريد الحج ليس لها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال: نعم

إذا كانت مأمونة «5».

3- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولى؟ فقال- عليه السلام-: لا بأس تخرج مع قوم ثقات «6» 4- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن المرأة تحج بغير وليّ؟ قال: لا بأس و ان كان لها زوج، أو أخ، أو ابن أخ، فأبوا أن يحجوا بها و ليس لهم سعة، فلا ينبغي لها أن تقعد و لا ينبغي لهم أن يمنعونها «7»،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 61 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 61 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(3) سورة التوبة: الآية- 72.

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 1

(5) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 2

(6) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 3

(7) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 260

5- عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن المرأة تحج بغير وليها؟ فقال: إن كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم «1».

6- في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السلام- أن عليا- عليه السلام- كان يقول: لا بأس أن تحج المرأة الصرورة مع قوم صالحين إذا لم يكن لها محرم، و لا زوج «2».

7- مرسلة المقنعة قال: سئل عن المرأة أ يجوز لها أن تخرج بغير محرم؟ فقال:

إذا كانت مأمونة

فلا بأس «3».

و مقتضى هذه الأخبار هو الحكم بوجوب الحج على المرأة المستطيعة بمجرد وجود الرفقة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها.

[و أما إذا لم تكن مأمونة]
[يجب عليها استصحاب المحرم]

قوله قده: (و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة مع تمكنها منها.).

لا ينبغي الكلام في ذلك لكون استصحاب المحرم من المقدمات الوجودية لا من المقدمات الوجوبية و ليس تحصيلا للاستطاعة كما لا يخفى.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 260

[لا تكون مستطيعة و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم وجهان]

قوله قده: (و مع عدمه [يعنى مع عدم الأمن] لا تكون مستطيعة و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟ وجهان.).

قد عرفت مما مضى من الأخبار أن المرأة مع عدم وجود محرم لها انما يحكم بوجوب الحج عليها لو كانت مأمونة على نفسها، و الا فلا. و يقع الكلام فعلا في أنها لو لم تكن مأمونة على نفسها بالخروج إلى الحج بدونه هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم أم لا؟ وجهان:

مبنيان على أنه هل يكون اعتبار الأمن في الحكم بوجوب الحج عليها من جهة دخله في تحقق الموضوع كالزاد و الراحلة، أو يكون منشأ اعتباره من جهة أهمية حفظ النفس و العرض؟

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 7

(3) الوسائل- ج 2، الباب 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 261

فان قلنا بالأول كما يمكن أن يدعى دلالة الأخبار المتقدمة- الدالة على أنه لو لم تكن مأمونة لم يجب عليها الحج- على ذلك فالمتجه حينئذ عدم وجوب تحصيله عليها بالتزويج لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

و إن قلنا بالثاني فالمتجه وجوب تحصيله بالتزويج و لو بالعقد المنقطع و

لكن لا مطلقا بل فيما إذا تمكنت من ذلك بدون لزوم عسر و حرج بحيث لا يعاب عليها بمرتبة يوجب هتك حرمتها و ذهاب ماء وجهها، هذا و الإنصاف أن الأخبار المتقدمة- الدالة على عدم وجوب الحج عليها مع عدم الأمن- ليس صريحا و لا ظاهرا في دخالة الأمن في تحقق الموضوع، لكونه الأعم من أن يكون وجه اعتباره من جهة دخله في الموضوع، أو من جهة أهميته، لعدم كون خطاب المهم فعليا عند امتثال خطاب الأهم، فيصدق عدم كونها مخاطبة بالحج.

و الأخبار المتقدمة إنما دلت على عدم وجوب الحج عليها مع عدم الأمن و عدم وجود المحرم، و لم يبين فيها أنه هل ذلك لأجل دخالة الأمن في الموضوع، أو لأجل الأهمية فالأخبار من هذه الجهة مجملة فيشك في دخله في الموضوع و المرجع حينئذ هو إطلاق الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة الخالية عن ذكر هذا القيد المقتضية بإطلاقها لعدم دخله في تحقق الموضوع، فيحكم بوجوب تحصيل المحرم عليها، لكونه حينئذ من المقدمات الوجودية، و يتفرع على ذلك أمور:

(الأول): ما عرفت من وجوب تحصيل المحرم عليها لو لم تكن مأمونة بدون ذلك إذا لم يستلزم العسر و الحرج.

(الثاني): أنها لو حجت بلا محرم مع عدم الأمن أجزأ حجها عن حجة الإسلام لعدم دخالة الأمنية على المفروض في الموضوع- أعني الاستطاعة.

(الثالث): أنها لو تركت الحج من جهة عدم تمكنها من التزويج في صورة عدم الأمن يحكم باستقرار الحج عليها فيما إذا حصل لها الأمن في السنوات اللاحقة و أن لم تبق استطاعتها إلى تلك السنوات، و ذلك لعدم سقوط أصل خطاب الحج عنها بصرف عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 262

الأمن و انما

يسقط بذلك فوريته، فان عدم الأمن لم يكن مزاحما لأصل الحج و انما كان مزاحما لفورية وجوبه فاستقر أصل الحج في ذمتها و سقطت الفورية عنها. ثم، إنه قد يقال بتعين الاستنابة عليها في هذا الفرض و يستدل له بوجهين:

(الأول)- قاعدة الميسور بأن يقال: إنه لا إشكال في وجوب الحج عليها في هذه السنة مباشرة لو كانت مأمونة، و لكن من جهة عدم أمنها تسقط عنها قيد المباشرة، فعليها الاستنابة.

و (فيه):- مضافا إلى أن سقوط قيد المباشرة ليس بأولى من سقوط قيد الفورية- أن الاستنابة لا تعد عرفا ميسورا للحج المباشري كما لا يخفى.

(الثاني)- إطلاق النصوص الدالة على وجوب الاستنابة للحج على المستطيع المعذور عن المباشرة الشامل لمطلق المعذور و لمطلق العذر و إن كان مرجو الزوال و إن كان امرأة- المتقدمة في مبحث الاستنابة- إذ تخصيصه بذلك خلاف إطلاق الأخبار، فيتعين عليها الاستنابة فإذا استنابت في عام استطاعتها ثم زالت استطاعتها في السنة اللاحقة لم يكن عليها الحج قطعا. و أما لو بقيت استطاعتها، أو زالت ثم تجددت ففي وجوب الحج عليها مباشرة و عدمه كلام قد تقدم في الاستنابة من أن الحج النيابي عن الحي المعذور عن المباشرة هل يجزى عنه مع فرض ارتفاع عذر المستنيب في السنين اللاحقة و بقاء الاستطاعة أو تجددها أم لا، لكون المقام من صغرياته فراجع.

(فائدة): لا إشكال في أن اخبار البذل مطلقة و ليست منصرفة إلى خصوص الرجال، فلو عرض الحج على المرأة الصرورة و بذل لها مقدار نفقة الحج يحكم بوجوبه عليها مع ثبوت الأمن لها من دون اعتبار اذن زوجها في ذلك.

هذا و أما لو لم يعرض عليها الحج لكن أراد شخص أن يهب لها

مقدارا من المال الموجب لاستطاعتها لا بعنوان عرض الحج، فهذا داخل في الاستطاعة المالية و لا يجب عليها قبولها، لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. و لكن لو قبلتها يحكم بوجوب الحج عليها إذا كانت جامعة لجميع الشرائط الأخر، و لا يشترط اذن زوجها كما عرفت لكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 263

الكلام في اشتراط اذن زوجها و عدمه في قبولها الهبة.

يمكن أن يقال بذلك، لأن قبولها لها موجب لسقوط حقوق زوجها من الاستمتاع و غيره، لصيرورتها بذلك مستطيعة فيصير زوجها ممنوعا عن استيفاء ماله عليها من الحقوق فله منعها عن قبولها حتى لا يجب عليها الحج.

و لكن التحقيق: عدم اعتبار اذنه في قبولها للهبة و ذلك لعدم كون قبولها في نفسه مما يشترط فيه اذن زوجها غاية الأمر أن ذلك يوجب تحقق موضوع الحكم الشرعي المسقط لحق الزوج و هو الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج عليها، و لم يقم دليل تعبدي على كون ذلك موجبا لاعتبار اذن زوجها في ذلك. فيكون من قبيل ما لو تكسبت المرأة إلى ان صارت مستطيعة، فإنه ليس للزوج منعها عنه حذرا عن حصول الاستطاعة إلا إذا كان التكسب موقوفا على خروجها عن دار زوجها أو منافيا لحقوق زوجها فان له حينئذ منعها.

[في اختلاف الزوج و الزوجة في الامنية و عدمها]

قوله قده: (و لو كانت ذات زوج و ادعى عدم الأمن عليها و أنكرت قدم قولها مع عدم البنية أو القرائن الشاهدة و الظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها.).

اعلم أن اختلاف الزوج و الزوجة في ثبوت الأمنية يتصوين على نحوين:

لأنه (تارة) لا يكون مصب الدعوى إثبات حق لأحدهما على الآخر، و انما الاختلاف بينهما في صرف ثبوت الأمنية حتى يكون الحج واجبا عليها و عدمها حتى

لا يكون واجبا عليها بأن تدعى الزوجة ثبوتها و أنكره الزوج و (اخرى) يكون مصب الدعوى بينهما حقا من الحقوق كان يكون النزاع بينهما في بقاء حق الاستمتاع و عدمه بأن يدعى الزوج البقاء، لعدم الأمنية، و تدعى الزوجة السقوط، لثبوتها. و في بقاء حق النفقة و عدمه بأن تدعى الزوجة ثبوتها و لو في حال سفرها للأمنية و يدعى الزوج سقوطها، لعدمها.

و كذلك حق الاستيذان بناء على كون استيذان الزوجة للزوج في الخروج عن المنزل من حقوق الزوج لأمن الأحكام على الزوجة، بأن يدعى الزوج ثبوته، و ادعت الزوجة سقوطه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 264

أما إذا كان الاختلاف بينهما على (النحو الأول) بأن اختلفا في وجوب الحج، لوجود الأمن، و عدمه، لعدمه، فلا إشكال في عدم دخوله في باب التداعي و المدعى و المنكر حتى يقال بلزوم رفع النزاع إلى الحاكم و يحكم بمقتضى البينة و اليمين، لأنه يعتبر فيه أن يكون مصب الدعوى حقا من الحقوق. و ما نحن فيه ليس كذلك، لاختلافهما في التكليف، فلا بد لكل من الزوج و الزوجة العمل على طبق اعتقاده فيجب على المرأة الخروج إلى الحج حسب اعتقادها من ثبوت الأمن، و للزوج منعها من الخروج إليه بإيجاد المانع من سفرها و تهية مقدماته حسب اعتقاده من عدم ثبوت الأمن لها، لأن ذهابها اليه بحسب عقيدته مناف لحفظ نفسها- و عرضها الذي هو مهم بنظر الشارع المقدس- بحيث حكم بوجوب حفظهما على اى حال.

و ليس هذا من باب النهى عن المنكر حتى يقال: إنها باعتقادها الأمنية ليست قاصدة لارتكاب المنكر حتى يجب نهيها عنه، بل من باب أن حفظ النفس و العرض من الواجبات المهمة بنظر

الشرع، فعلى الزوج الذي يعلم بعدم الامنية لها منعها عن الخروج اليه باطنا بأي نحو أمكنه. بل لا يختص هذا التكليف بالزوج، لوجوبه على كل من اعتقد بعدم الأمن لها في خروجها إلى الحج و لو اعتقدت هي الأمن على نفسها و بضعها.

و أما إذا كان الاختلاف بينهما على (النحو الثاني): بأن اختلفا في بقاء حق الاستمتاع لعدم الأمن، و بعدمه، لوجوده. فنقول:

إنه (تارة) يفرض أن الحالة السابقة ثبوت الأمنية و قد حصل الاختلاف بينهما في بقائها و انتفائها بأن ادعت الزوجة بقائها و أنكره الزوج.

و (اخرى) يفرض عدمها في السابق، و قد وقع الاختلاف بينهما في أصل حصولها و عدمه.

و (ثالثة) يفرض عدم العلم بالحالة السابقة.

فعلى (الأول): يكون القول قول الزوجة مع اليمين، لكونها منكرة، فان قولها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 265

موافق للأصل الموضوعي و هو استصحاب بقاء الأمن.

و على (الثاني): يكون القول قول الزوج مع اليمين، لموافقة قوله مع الأصل الموضوعي و هو استصحاب عدم الأمن فهو المنكر و على (الثالث): يكون من باب التداعي في فرض رجوع الاختلاف في الأمن و عدمه إلى دعوى الحقوق، بأن يدعى الزوج ثبوت حقه عليها من الاستمتاع و غيره، كما هو المفروض من قابليتها للاستمتاع و عدم المانع عنه من مرض، أو حيض و غيرهما من موجبات سقوط حق الزوج و عدم إمكان الزوج من استيفاء حقه، و هي تدعي ثبوت حقها عليه من النفقة في صورة تمكن الزوج من إعطائها لها، و عدم سقوط نفقتها بأحد موجباته.

و بالجملة انما يكون فرض المسألة فيما إذا كانت الزوجة قابلة للاستمتاع و عدم سقوط نفقتها، و كيف كان فيكون من باب التداعي، لعدم كون قول واحد

منهما موافقا للأصل كما لا يخفى.

[المسألة الحادية و الثمانين]
[إذا استقر عليه الحج و أهمل حتى زالت الاستطاعة]

قوله قده: (إذا استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها صار دينا عليه و وجب الإتيان به بأي وجه تمكن.).

لا يخفى أن من استقر عليه الحج (تارة) يفرض عدم تمكنه من الخروج إلى الحج و لو متسكعا و (اخرى) يفرض تمكنه منه.

أما (الفرض الأول): فهو خارج عن محط البحث و الكلام و لا إشكال في عدم توجه خطاب الحج إليه، لأنه تكليف بغير المقدور و هو قبيح.

و لكن لا إشكال في اشتغال ذمته به و لو مع فرض امتداد عدم قدرته من الإتيان به متسكعا إلى آخر عمره.

و تظهر الثمرة حينئذ بعد موته فإنه يحكم بوجوب إخراج نفقة حجه من ماله لو كان له مال بمقدارها و لو ميقاتيا. و تظهر أيضا في التبرع بان يتبرع عنه بعد موته بإتيان ما عليه من حجة الإسلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 266

و أما (الفرض الثاني): فمحصله أنه (تارة) يتمكن منه متسكعا بدون عسر و حرج كما لو فرضنا تمكنه من خدمة القوم و الذهاب معهم و عدم كون ذلك حرجيا عليه و (اخرى) يتمكن منه متسكعا لكن مع كونه حرجيا عليه.

أما (الفرض الأول) فملخصه أنه لا ينبغي الإشكال في وجوبه عليه كذلك، لاستقراره في ذمته، لتركه بدون عذر إلى أن زالت عنه الاستطاعة.

و أما (الفرض الثاني): فيقع فيه الكلام في أنه هل يجب عليه ذلك أم لا؟ مقتضى قاعدة نفي العسر و الحرج هو عدمه، لحكومتها على جميع الأدلة الأولية فينتفى بها الخطاب بالحج متسكعا، لئلا يقع في العسر و الحرج. نعم، ذمته مشغولة به فيجب أن يقضى عنه بعد موته إن كانت له

تركة.

و قد يقال بوجوبه. و يمكن أن يستدل عليه بوجوه:

(الأول)- الإجماع، فإن الظاهر من كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- هو التسالم على وجوب الحج متسكعا على من استقر عليه الحج، إلا إذ انتفى مع انتفاء الشرائط أصل القدرة. و أما مع بقاء القدرة فيجب عليه و لو استلزم الحرج.

و (فيه): بعد تسليم هذا الإجماع أن كونه تعبديا غير معلوم، لاحتمال كون مدرك المجمعين ما سنذكره من الوجوه.

(الثاني)- أنه أوقع نفسه بسوء اختياره في هذا المحذور، فعليه الحج و لو كان حرجيا. و هذا التقريب نظير قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

و (فيه): أن مقتضى إطلاق دليل نفي العسر و الحرج هو شموله لما إذا نشأ العسر و الحرج من سوء اختياره كشموله لغير ذلك، إلا إذا ورد دليل على التقييد و هو مفقود كما أن ما يقال من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار إنما يصح ذلك بالنسبة إلى العقاب دون الخطاب، كما قد حقق في محله.

(الثالث)- الأخبار المتقدمة في الاستطاعة البذلية- الدالة على أنه ليس له أن يستحيي بل يجب عليه الخروج إلى الحج و لو على حمار أجدع أبتر- (بدعوى) كون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 267

الاستطاعة المالية كالبذلية.

و (فيه): أن تلك الاخبار تدل على وجوب خروج المبذول له إلى الحج في عام البذل و لو ببذل حمار أجدع أبتر، و أى ربط لذلك بما نحن فيه.

(الرابع)- خبر أبي بصير قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشى و يركب قلت: لا

يقدر على ذلك أعني المشي؟ قال: يخدم القوم و يخرج معهم «1».

و هذا الخبر كما ترى غير مختص بصورة الاستقرار، إلا أن يحمل على ذلك جمعا بينه و بين الأخبار الدالة على اعتبار الاستطاعة الشرعية في الحكم بوجوب الحج، فيصير شاهدا على المدعى.

و لكن التحقيق: عدم صحة الاستدلال به أيضا لأن فيه احتمالات كثيرة موجبة لإجماله:

(الأول): أن يكون المراد منه ما هو المقصود- و هو وجوب الحج على من استقر عليه الحج و زالت عنه الاستطاعة و لو بخدمة القوم. و هذا كما ترى خلاف ظاهره، فان الظاهر منه كونه في مقام بيان تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة لوقوعه الجواب عن السؤال عنها.

(الثاني): أن يكون المراد منه عدم اعتبار وجدان الراحلة في تحقق الاستطاعة لمن كان قادرا على المشي. و أما ذيله و هو قوله- عليه السلام-: «يخدم القوم و يخرج معهم» فهو معرض عنه.

(الثالث): أن يقال: إن المراد منه اعتبار استطاعة أخرى غير الاستطاعة المالية (بدعوى) أن الحج عمل بدني و مالي و يجب عن استطاعة بدنية و مالية من دون ربط لإحداهما بالأخرى.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2 الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 268

و يترتب على ذلك أمور:

(الأول): عدم اجزاء حج المستطيع عن حجة الإسلام لو أتى به متسكعا و بالخدمة.

(الثاني): وجوب الحج عليه ثانيا بالمباشرة لو استطاع بالاستطاعة المالية دون البدنية و استناب ثم حصل له الاستطاعة البدنية. فأخبار النيابة ناظرة إلى وجوب الحج من حيث الاستطاعة المالية دون البدنية.

(الثالث): وجوب الحج عليه مع وجود الاستطاعة البدنية فقط دون المالية من المعلوم أن بعض هذه الفروع خلاف المسلمات. و أصل المبنى خلاف ظاهر

الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة، حيث أن الظاهر منها أن الاستطاعة عبارة عن مجموع أمور مخصوصة بحيث يكون لاجتماعها دخل في وجوب الحج، فلو تخلف واحد منها فلا وجوب.

و لو سلم كون المراد منه هو الاحتمال الأول فلا يتم دلالته على المدعى، و ذلك لعدم كون الخروج إلى الحج و لو بخدمة القوم حرجيا لكل أحد حتى يقال: إنه حكم ثبت بعنوان العسر و الحرج و لا يرفعه قاعدة نفي العسر و الحرج بل يختلف ذلك باختلاف الأشخاص، فرب شخص لا يكون خروجه اليه متسكعا و لو بالخدمة حرجيا عليه، و رب شخص يكون ذلك حرجيا عليه أشد الحرج، فبالنسبة الى من هو حرجي عليه تجري القاعدة.

هذا كله مضافا الى ما فيه من ضعف السند.

(الخامس)- الأخبار الدالة على أن من استطاع و ترك الحج بلا عذر فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال اللّه تعالى:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ «1» قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة و إن كان سوفه للتجارة فلا يسعه. و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذ هو يجد ما يحج به «2».

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91-

(2) الوسائل ج 2- الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 269

2- صحيح حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1».

3- خبر أبي حمزة عن أبي عبد اللّه-

عليه السلام- قال من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت، فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام «2» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و الأخبار الدالة على أنه يحشر يوم القيامة أعمى- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل له مال و لم يحج قط؟ قال: هو ممن قال اللّه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ «3» قال: قلت سبحان اللّه أعمى؟ قال: أعماه عن طريق الحق «4».

و رواه الصدوق- رحمه اللّه- بإسناده عن معاوية بن عمار مثله الا أنه قال: لم يحج قط و له مال و قال في آخره: عن طريق الخير. و رواه على بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله الا أنه قال: عن طريق الجنة.

2- عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن احمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: من مات و هو صحيح موسر لم يحج، فهو ممن قال اللّه تعالى «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ» قال: قلت:

سبحان اللّه أعمى؟ قال: نعم، أن اللّه عز و جل أعماه عن طريق الحق «5».

3- عن محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن عن قول اللّه عز و جل «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» فقال نزلت في من سوف الحج حجة الإسلام و عنده ما يحج به فقال: العام أحج، العام أحج حتى يموت قبل أن يحج «6».

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب-

6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9.

(3) سورة طه: الآية- 124-

(4) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(5) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7.

(6) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 270

4- عن كليب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال سأله أبو بصير و أنا اسمع فقال له: رجل له مائة ألف فقال: العام أحج العام أحج، فأدركه الموت و لم يحج حج الإسلام؟

فقال: يا أبا بصير أما سمعت قول اللّه «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا»؟ «1» أعمى عن فريضته من فرائض اللّه «2».

و الأخبار الدالة على أنه كافر و أنه يموت يهوديا أو نصرانيا- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: هذا لمن كان عنده مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك. و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، إذ ترك الحج و هو يجد ما يحج به و إن دعاه أحد إلى أن يحمله فاستحيى فلا يفعل، فإنه لا يسعه الا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر و هو قول اللّه «وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» «3» قال: و من ترك فقد كفر؟ قال: و لم لا يكفر و قد ترك شريعة من شرائع الإسلام! و

في قول اللّه «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ.» «4».

2- صحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا «5» و رواه الشيخ- رحمه اللّه- بإسناده عن محمد ابن يعقوب مثله الا أنه قال: إن شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا.

3- عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي- صلى اللّه عليه و آله- لعلي- عليه السلام- قال: يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة القتات، و الساحر، و الديوث، و ناكح المرأة حراما في دبرها و ناكح

______________________________

(1) سورة الإسراء: الآية- 75.

(2) الوسائل- ج 2- الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 12

(3) سورة آل عمران: الآية- 97.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(5) الوسائل- ج 2 الباب- 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 271

البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بايع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج، يا علي تارك الحج و هو مستطيع كافر يقول اللّه تبارك و تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة

يهوديا أو نصرانيا «1» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام-، فإنه و إن كان خروجه إلى الحج فعلا كذلك حرجيا عليه، لكن المفروض أنه تركه في ابتداء الأمر بلا عذر، فلو لم يأت به إلى أن مات كان مشمولا لتلك الأخبار.

و (فيه): أنه ببركة قاعدة نفي العسر و الحرج ينفي الوجوب عنه لحكومته على جميع الأدلة، غاية الأمر أنه مذنب باعتبار عدم إتيانه به بلا عذر و لكن هو يرفع بالتوبة. نعم لو ارتفع الحرج عنه كان قبول توبته مشروطا بإتيانه به.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا أنه لم ينهض دليل معتبر على وجوب الحج متسكعا مع استلزامه العسر و الحرج و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط.

[و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار]

قوله قده: (و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال: فالمشهور مضى زمان يمكن الإتيان بجميع أفعاله فيه مع الشرائط و هو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة و قيل: باعتبار مضى زمان يمكن إتيان الأركان فيه جامعة للشرائط فيكفي بقائها إلى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى. و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم. و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و إن فقدت بعض ذلك، لأنه كان مأمورا بالخروج معهم. و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية، و البدنية، و السربية، و أما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائه إلى آخر الأعمال.).

التحقيق: هو ما ذهب اليه المشهور من لزوم بقاء الشرائط إلى زمان يمكن الإتيان فيه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2-

الباب- 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 272

بجميع الأعمال حتى يتحقق الاستقرار، فلو تلف ماله قبل ذلك لا يستقر عليه، لأنه قضية تبعية الحكم- و هو وجوب الحج في المقام- لموضوعه و هو الاستطاعة، و دورانه مدار موضوعه وجودا و عدما. و لذا لو دخل وقت الصلاة و لم يصل و مات قبل مضى زمان أربع ركعات، لم يجب عليه القضاء، لعدم بقاء الموضوع إلى مقدار يتمكن فيه من تمام العمل. و كذلك الأمر فيما نحن فيه، لعدم كون الموضوع لوجوب الحج وجود الاستطاعة حدوثا فقط بل الموضوع له وجودها حدوثا و بقاء، و لو بقيت الاستطاعة إلى زمان يتمكن من الإتيان بجميع الأعمال فيه كفى في تحقق الاستقرار، و إلا فلا خلافا لما أفاده المصنف (قده) من اشتراط بقائه إلى زمان يمكن العود فيه الى وطنه، و ذلك لعدم كون العود إلى الوطن من أعمال الحج.

و أما نفقته فهي و إن كانت دخيلة في تحقق الاستطاعة، و كذلك الرجوع الى الكفاية لو صح استفادته من الأخبار، أو قلنا: إن دليل نفي العسر و الحرج مقيد للواقع لكن يكفي في تحقق الحكم وجدانه لنفقة العود الى وطنه، و لمقدار الرجوع الى الكفاية إلى آخر الأعمال. و لا يضر في استقرار الحكم على ذمته تلفه قبل الرجوع الى وطنه و بعد الأعمال.

ان قلت: لو فرض عدم تأثير تلف مقدار نفقة عوده الى وطنه، و الرجوع الى الكفاية قبل رجوعه فما فائدة اعتباره.

قلت: هذا نظير تلف مقدار الرجوع الى الكفاية بعد العود فإنه كما ترى لم يكن وجدانه مجديا، إذا المفروض أنه تلف بعد الرجوع فورا. و قد بينا

سابقا في مبحث اعتبار الرجوع الى الكفاية أنه مع ذلك لا إشكال في كون حجه حجة الإسلام.

و بالجملة المستفاد من الآية الشريفة: (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) و الأخبار المفسرة لها- التي تقدم ذكرها في مبحث الاستطاعة المالية- وجوب الحج على المستطيع، و الحج عبارة عن اعمال خاصة، فيكفي في استقراره حدوث الاستطاعة بأي معنى فسرت و بقائها إلى آخر الوقت المقرر لتلك الأعمال و لا يعتبر في تحقق الاستقرار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 273

بقائها أزيد من ذلك، فاعتبار وجدانه لنفقة العود و الرجوع الى الكفاية دخيلا في تحقق الاستطاعة، لا يستلزم اعتبار بقاء الاستطاعة إلى زمن الرجوع في تحقق الاستقرار. هذا خصوصا إذا لم يكن مريدا للرجوع إلى وطنه بعد إتيانه باعمال الحج، بل أراد البقاء في مكة فحينئذ لا ينبغي الإشكال في كفاية وجود الاستطاعة إلى آخر زمان الأعمال في تحقق الاستقرار كما لا يخفى.

ثم، إنه يمكن أن يقال بكفاية بقاء شرائط الاستطاعة في تحقق الاستقرار إلى زمان الدخول في الحرم استنادا الى الأخبار الواردة في أن من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه ذلك.

و (فيه): أنه حكم تعبدي ثبت في مورد خاص و لا يدل على تحقق استقرار الحج على من بقيت استطاعته الى زمان التمكن من الإحرام و دخول الحرم كما لا يخفى. فالأقوى في النظر هو ما افاده المشهور في ما به يتحقق الاستقرار.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف سائر الأقوال كما عن العلامة (قده) من احتمال الاجتزاء فيه بمضي زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم، و ما عن الشهيد (ره) من احتمال الاجتزاء بمضي زمان تتأدى به الأركان خاصة

و هو مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى. و حكى عن المهذب و التذكرة اختياره.

ثم، إنه لو علم من أول الأمر بعدم بقاء استطاعته الى آخر الأعمال فلا إشكال في عدم وجوب الخروج إلى الحج عليه. و لو علم ببقائها إلى آخر الأعمال فلا إشكال في وجوب خروجه اليه.

و أما لو شك في بقائها و عدمه فالمرجع هو الاستصحاب فيحكم بوجوب خروجه إلى الحج ظاهرا. ثم لو لم يخرج الى الحج و زالت استطاعته قبل مضى زمان يمكنه الإتيان بجميع الأعمال فيه، فان كان زوالها مستندا إلى عدم خروجه الى الحج بأن علم انه لو خرج الى الحج لم يتلف ماله، فلا إشكال في استقرار الحج عليه.

و أما إذا علم بعدم دخل ذهابه و عدمه إلى الحج في تلف ماله، فلا إشكال في عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 274

استقرار الحج عليه، و ذلك لكشف تلفه عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر واقعا و أما لو شك في ذلك فقد شك في استقرار الحج عليه فالمرجع هو البراءة.

[و لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال]

قوله قده: (و لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال كفى حجه عن حجة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية، أو المالية، أو السربية، و نحوها على الأقوى.).

لا يخفى أن ما أفاده المصنف (قده) هنا انما يتم بناء على القول بكفاية الاستطاعة حدوثا في استقرار الحج على المستطيع. و أما على المختار من أن الموضوع هو الاستطاعة حدوثا و بقاء الى آخر الأعمال، و كذلك على مختار المصنف (قده) الذي ذكره آنفا و

هو أن الموضوع لتحقق الاستقرار هو الاستطاعة حدوثا و بقاء الى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه، يتجه هنا القول بعدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام، لعدم بقاء الموضوع الى آخر الأعمال، و لا وجه للتفكيك بين الاستقرار و الاجزاء. بأن يقال بلزوم اعتبار بقاء الاستطاعة إلى آخر الأعمال أو زمن العود في تحقق الاستقرار، و بعدم اعتبار بقائه إلى آخر الأعمال في الحكم بالاجزاء، فظهر من ذلك التهافت بين كلامي المصنف (قده).

نعم يمكن ان يقال بالاجزاء لو انتفى بعض الشرائط بعد الإحرام و دخول الحرم لما ورد من الاجزاء في من مات بعد الإحرام و دخول الحرم.

و هذا ايضا كما ترى لا يصح، لأنه قياس محض و تنقيح المناط القطعي في الشرعيات غير ممكن، لأن غاية ما يحصل منه الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا.

[المسألة الثانية و الثمانين إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط]

قوله قده: (إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الإفراد أو القران ثم زالت استطاعته فكما مر يجب عليه أيضا بأي وجه تمكن.).

لا يخفى أن هذا الكلام بإطلاقه مشكل بعين ما عرفته، لتماميته بالنسبة الى ما إذا لم يكن الإتيان بالحج متسكعا حرجيا عليه. و أما إذا كان الإتيان بالحج أو العمرة حرجيا عليه. فقد عرفت عدم ثبوت دليل تعبدي على لزوم تحمله له و مع ذلك قلنا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 275

بلزوم الاحتياط.

قوله قده: (و ان مات يقضى عنه.).

لا إشكال في اشتغال ذمته بالحج أو العمرة، فلو تبرع متبرع بالقضاء عنه صح و أجزأه و أما وجوب القضاء عنه فبالنسبة إلى الحج فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لما سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- من الأخبار. و أما بالنسبة

إلى العمرة المفردة فإن قلنا بلزوم خروج كل واجب مالي من أصل المال- لأنه دين و الدين مقدم على الإرث- أو قلنا: إن خصوص الواجبات المالية كذلك و لكن التزمنا بدخول العمرة في الواجبات المالية، اتجه القول بوجوب القضاء عنه بإخراجها من أصل المال، و الا فلا دليل على وجوب قضاء العمرة المفردة، إلا إذا أوصى بها فتخرج من ثلث ماله إن كان وافيا بها.

ثم تنقيح البحث في خروج جميع الواجبات، أو خصوص الواجبات المالية من أصل المال و عدمه، و كذا تنقيح البحث في أنه هل الحج و العمرة من الواجبات المالية أم لا سيتضح لك تحقيق ذلك- ان شاء اللّه تعالى- في مبحث الحج النذري مفصلا.

و لنذكرها هنا فرعا لم يتعرض له المصنف (قده): و هو أنه إذا مات المستطيع في العام الأول من الاستطاعة فهل يحكم بوجوب القضاء عنه أيضا أم لا؟ فنقول: (تارة) يتكلم فيه بما تقتضيه القاعدة و (اخرى) بما تقتضيه النصوص، فالكلام يقع في مقامين:

أما (المقام الأول): فملخصه أنه يمكن القول بوجوب القضاء عنه، و ذلك لعدم ورود دليل تعبدي على دخالة الحياة في الاستطاعة، و انما كانت دخالتها لأجل دخلها في القدرة العقلية التي ليست من شرائط الاستطاعة شرعا بل هي شرط لحسن الخطاب عقلا، و على هذا فيحكم بوجوب القضاء عنه من أصل المال، لتمامية الموضوع كما هو المفروض فيشمله إطلاق الأخبار الدالة على لزوم إخراج حجة الإسلام من أصل التركة.

و (فيه): أن القدرة و ان لم تكن دخيلة شرعا في الموضوع و لا في الملاك؛ لكن لا ريب في كونها شرطا عقلا في حسن الخطاب بحيث يدور الخطاب مدارها وجودا و عدما فلا خطاب في البين

بدونها فلم تشتغل ذمته بالحج كي يحكم بوجوب القضاء عنه، لإفراغ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 276

ذمته عنه كما هو واضح.

اللهم إلا أن يقال بكفاية فوت الملاك التام في وجوب القضاء و عدم توقفه على الخطاب، فحينئذ يتجه وجوب القضاء في المقام، لتمامية ملاك الحج فيه، إذ المفروض عدم دخل القدرة في الملاكات و دخلها في حسن الخطاب فقط.

هذا لكن الإنصاف أن تبعية القضاء لفوت الملاك دعوا بلا شاهد، فمقتضى القاعدة عدم وجوب القضاء عنه، هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما (المقام الثاني) فنخبة الكلام فيه أنه يمكن استظهار وجوب القضاء عنه من إطلاق الروايات- منها:

1- عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و يترك مالا؟ قال: عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1».

2- عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم «2».

3- عن رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم «3».

4- عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم «4».

إلى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم- عليهم السلام.

و هذه الأخبار كما ترى مطلقة لا تختص بما بعد عام الاستطاعة بل مقتضى إطلاقها وجوب القضاء عن كل من مات و ترك من المال ما يحج به و لو لم يكن مستطيعا في حال حياته لفقد شرط آخر كما كان

فاقدا لخلو السرب لكن قيد هذا الإطلاق بالنصوص الخاصة- الدالة على عدم وجوب القضاء عمن لم يكن مستطيعا في حال حياته منها-:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل توفى و أوصى

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 6

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 277

أن يحج عنه؟ قال: ان كان صرورة في جميع المال أنه بمنزلة الدين الواجب. و ان كان قد حج فمن ثلثه. و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك إلا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك، فان شاؤا أكلوا، و إن شاؤا حجوا عنه «1».

2- صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال: أن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام. و ان كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته، و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين قلت: أ رأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال: يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى

عنه، أو يكون أوصى بوصيته فينقل ذلك لمن أوصى له و يجعل ذلك من ثلثه «2».

3- ما عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة؟ قال: هم أحق بميراثه ان شاؤا أكلوا و إن شاؤا حجوا عنه «3».

فهذه الأخبار كما ترى صريحة فيما تقتضيه القاعدة و ضرورة الفقه من عدم وجوب إخراج مؤنة الحج من مال الميت الذي لم يكن مستطيعا فالأخبار السابقة- الدالة على وجوب القضاء- مختصة بمن مات و كان مستطيعا و هي و ان كانت مطلقة من حيث كون موته قبل استقرار الحج عليه أو بعده و لكنه لا يظن التزام أحد بإطلاقها.

و يمكن تقييد إطلاقها بمفهوم صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام قال: سألني رجل عن أمرية توفيت و لم تحج فأوصت أن ينظر قدر ما يحج به فان كان أمثل أن يوضع في فقراء ولد فاطمة وضع فيهم و ان كان الحج أمثل حج عنها فقلت: له ان كان عليها حجة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 25 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 14 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 278

مفروضة فأن ينفق ما أوصت به في الحج أحب الى من ان يقسم في غير ذلك «1».

قوله عليه السلام: (فان ينفق ما أوصت به في الحج أحب الى) ليس المقصود منه الا حبية بمعنى صرف أفضلية الحج كيف و المفروض وجوب

الحج عليها! بل المراد الاحبية التعيينية نظير الأولوية في قوله تعالى (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) «2» حيث ان المراد الأولوية التعيينية حيث انه- عليه السلام- علق تعين صرف المال في الحج على كون الحجة مفروضة عليها كما هو مقتضى الشرطية في قوله- عليه السلام-: (ان كان عليها حجة مفروضة) فمفهومها أنه لو لم يكن الحج مستقرا عليها لم يتعين صرف مالها في الحج، لأنه لو مات قبل مضى زمان يتمكن فيه من أعمال الحج كشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليها لما مضى من أن القدرة شرط عقلي لحسن الخطاب.

و الحاصل: أن هذا الحديث يدل على أن وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت تابع لاشتغال ذمته بها و لا يكون هذا الا في صورة الاستقرار فما يستفاد من الأخبار بعد الجمع بينها مطابق لما تقتضيه القاعدة.

[المسألة الثالثة و الثمانين تقضى حجة الإسلام من أصل التركة]

قوله قده: (تقضى حجة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوصى بها سواء كانت حج التمتع أو القران أو الإفراد.).

بلا خلاف أجده في ذلك بل ادعى الإجماع بقسميه عليه.

قال في المدارك: (أما وجوب القضاء عن الميت من أصل تركته مع استقرار الحج في ذمته فقال العلامة في التذكرة و المنتهى: (انه قول علمائنا اجمع و وافقنا عليه أكثر العامة).

و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه ايضا خلافا لأبي حنيفة، و مالك، و الشعبي، و النخعي). و في المستند: (الظاهر انه إجماعي) و يدل على ذلك الأخبار- منها:

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: يقضى عن الرجل حجة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 65 من كتاب الوصايا الحديث 4.

(2) سورة الأنفال: الآية- 76-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 279

الإسلام من

جميع ماله «1».

2- موثق سماعة قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوصى بها و هو موسر؟ فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك «2».

قوله قده: (و كذا إذا كان عليه عمرتها.).

ما أفاده (قده) انما يتم بناء على كونها واجبا ماليا و الواجبات المالية تخرج من أصل المال أو على ان كل واجب يخرج من أصل المال، و الا فلم يرد دليل تعبدي على خروج العمرة المفردة من أصل المال، لخلو الأخبار عن ذكرها.

قوله قده: (و أما إذا أوصى بالثلث وجب إخراجها منه.).

لا كلام فيه و هذا في الحقيقة إرفاق منه لوراثه و يعمل بوصيته.

قوله قده: (و الأقوى أن حج النذر ايضا كذلك بمعني انه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه.).

سيتضح لك ما هو المختار- إنشاء اللّه تعالى- عند تعرض المصنف (قده) لهذه المسألة في مبحث الحج النذري.

قوله قده: (و لو كان عليه دين، أو خمس، أو زكاة، و قصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدم لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما و ان كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس.).

بلا كلام فيه، و ذلك لأنه كما يتعلق حق الديان بعد موت المديون بعين تركته كذلك يتعلق الحج ايضا بعين تركته، فيحكم بتقسيم التركة عليها و على الحج بالحصص، لعدم الفرق بينها في كيفية أصل الثبوت و التعلق بالتركة.

قوله قده: (و قد يقال بتقديم الحج على غيره و إن كان دين الناس لخبر معاوية ابن عمار.).

هو مصحح معاوية بن عمار قلت: له رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من

الزكاة و عليه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2، الباب 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 280

حجة الإسلام و ترك ثلاثة مائة درهم و أوصى بحجة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال- عليه السلام-: (يحج عنه من أقرب ما يكون و يرد الباقي في الزكاة) «1».

و نحوه خبره عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل مات و ترك ثلاثة مائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و أوصى ان يحج عنه؟ قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة «2».

لكنهما كما ذكره المصنف (قده) موهونان بالإعراض مع اختصاصهما بباب الزكاة.

قوله قده: (و ربما يحتمل تقديم دين الناس، لأهميته.).

لا يخفى أنه لا سبيل لنا إلى إحراز أهمية بعض الواجبات من بعض، لقصور عقولنا عن إدراكها، و عدم احاطتنا بملاكات الأحكام، فطريق إحرازها منحصر ببيان من الشارع المقدس لها، و هو في المقام مفقود.

قوله قده: (و الأقوى ما ذكر من التحصيص، و حينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو، و الا فان لم تف الا ببعض الأفعال، كالطواف فقط أو هو مع السعى، فالظاهر سقوطه و صرف حصته في الدين، أو الخمس، أو الزكاة، و مع وجود الجميع توزع عليها.).

ما أفاده المصنف (قده) متين و مراده ما في ذيل قوله: (و مع وجود الجميع توزع عليها بالحصص) هو توزيعها في غير الحج من الزكاة و الخمس و الدين و غيرها، لما عرفت من سقوط الحج في صورة عدم وفاء حصته الا ببعض أعماله كما هو المفروض ضرورة:

عدم اجزاء بعض أعمال

الحج كالطواف و السعى عن الحج الذي اشتغلت ذمته به، و فراغ ذمته عنه سواء قلنا بارتباطية أعمال الحج كالصلاة، أم قلنا إنها أعمال متعددة مستقلة لكن يشترط وقوعها في سنة واحدة، فإن هذا ايضا نوع من الارتباط، و لذلك لا مجال لجريان

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 21- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 42 من أبواب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 281

قاعدة الميسور في المقام و لو قلنا بصدق الميسور عرفا.

قوله قده: (و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران الافراد تصرف فيهما مخيرا بينهما و الأحوط تقديم الحج.).

الوجه فيما ذكره (قده) أولا من التخيير في صرف تلك الحصة في الحج أو العمرة هو أن المفروض وجوب كليهما عليه و عدم وفاء ماله بهما معا و لا فائدة في إتيان بعض أجزاء العمرة و بعض اجزاء الحج فيتجه التخيير بين صرفها في الحج أو العمرة.

و اما ما ذكره (قده) من أن الأحوط تقديم الحج على العمرة فله وجهان:

(الأول)- أن خروج الحج من أصل التركة منصوص في الروايات الكثيرة و أما خروج العمرة المفردة منه فلم يرد به نص أصلا، و انما قال به المصنف (قده) لالتزامه بان جميع الواجبات من البدنية و المالية تخرج من أصل المال، لكونها دينا للّه تعالى فيدخل في إطلاق الآية الشريفة: «من بعد وصية يوصى بها أو دين».

(الثاني)- احتمال أهمية الحج من العمرة المفردة، لما ورد في الاخبار من التشديدات التي لم ترد فيها بالنسبة إلى العمرة، فلا يترك الاحتياط بتقديم الحج على العمرة

قوله قده: (و في حج التمتع الأقوى السقوط و صرفها في الدين و

غيره و ربما يحتمل فيه ايضا التخيير، أو ترجيح الحج، لأهميته، أو العمرة لتقدمها، لكن لا وجه له بعد كونهما في التمتع عملا واحدا و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام.).

ما أفاده (قده) من سقوط الحج فيما إذا كان على الميت حج التمتع و لم يف المال بالعسرة و الحج معا متين و لا ينبغي التأمل فيه. و أما وجه التخيير الذي ذكره (قده) احتمالا فلثبوتهما في ذمة الميت و المفروض عدم وفاء التركة بكليهما فيتجه التخيير.

و وجه تقديم الحج على العمرة ما ذكره (قده) من أهميته أو احتمال أهميته.

و وجه تقديم العمرة ما ذكره (قده) أيضا من تقدمها زمانا.

و الجواب عن جميع هذه الاحتمالات ما ذكره (قده) من كون الحج و العمرة في التمتع عملا واحد. مضافا الى ما يرد على خصوص الأخير- أعني تقديم العمرة على الحج- أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 282

مجرد التقدم الزماني لا يوجب التقديم، و قد حققنا ذلك في الأصول.

ثم ما ذكره المصنف (قده): من أن قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام انما يبتنى على ما اختاره في الأصول من اناطة جريانها في كل مورد بعمل الأصحاب، كما ذهب اليه المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فحيث أنه لم يثبت عملهم بها في المقام فلا بد من رفع اليد عنها.

و لكن قد حققنا في الأصول عدم توقف جريان القاعدة على عمل الأصحاب بل تشخيص موردها كاف في جريانها، إذ المحوج الى عملهم كما قيل هو احتمال تقيد مصب القاعدة بقيد قد اختفى علينا، و عدم سبيل لنا إلى إحراز ذلك القيد الا عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فاجرائها في كل مورد موقوف على عملهم

بها.

هذا لكنك خبير بما فيه ضرورة: وهن هذا الاحتمال بعد الاطلاع على اهتمامهم بضبط الروايات و نشرها، و عدم كتمانها، فلو كان في مصب القاعدة قيد لوصل إلينا قطعا و من عدم وصوله إلينا يستكشف عدم وجوده عندهم.

و كيف ما كان فلا تجري القاعدة في ما نحن فيه لأن بعض أعمال الحج لا يعد ميسورا من الحج و لو استنيب عنه بإتيان الطواف فإنما أتى النائب بأمر مستحب له و لا يسقط عنه بعض ما كان في ذمة الميت كما لا يخفى.

[المسألة الرابعة و الثمانين لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج]

قوله قده: (لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقا لها بل مطلقا على الأحوط.) [1]

______________________________

[1] يمكن ان يقال بجواز التصرف للورثة في التركة بعد الافراز و لو قبل الأداء، و ذلك لأنه فرق بين ما نحن فيه و بين الشريكين لثبوت الولاية فيما نحن فيه للورثة في تعيين حصة الديان و حصة الحج و يمكنهم أن يؤدوا ديون الميت من غير تركة الميت و ان يعينوا حصة الحج من مال مخصوص من أمواله أو بمال آخر غير تركته و لهم الحج عنه تبرعا و ليس لأحد مزاحمتهم.

و هذا بخلاف باب الشركة، لعدم ثبوت الولاية في تقسيم العين المشتركة لأحدهما بدون رضى الآخر، فعلى هذا لما كان ولاية التعيين في المقام بيدهم يحكم بجواز تصرفهم في التركة بأي نحو شائوا-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 283

لا يخفى عدم اختصاص هذا البحث باستقرار الحج في ذمة الميت و جريانه في غير الحج

______________________________

- بعد إفراز ديون الميت و حصة الحج. و هذا بخلاف باب الشركة، فيحكم بعدم جواز التصرف في العين المشتركة بدون رخصة الآخر، لوجود الفارق.

و «فيه»: ان

هذا المقدار من الولاية لهم في المقام لا يسوغ تصرفهم في التركة قبل الأداء لأن القدر المسلم من ثبوت الولاية لهم في المقام هو جواز تأدية الديون، و الحج، للورثة بمال مخصوص من التركة، أو بمال آخر غيرها، و ليس لأحد منعهم عنه.

و اما كون صرف الافراز موجبا لتعين حق الديان، و حصة الحج في خصوص مقدار من المال الذي افرزوه فلم يدل عليه دليل، فيصير ما نحن فيه نظير باب الشركة، فكما لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون رضى الآخر فكذلك في ما نحن فيه لا يجوز للورثة التصرف في التركة بدون رضى الديان سواء قلنا بالإشاعة على نحو الكسر المشاع و الكلي في المعين كما هو الحق.

أم قلنا بالإشاعة بنحو آخر بمعنى ان يكون كل جزء من أجزاء المال نصفه لهذا الشخص و نصفه الآخر لشريكه، و كذلك في جزء من ذلك الجزء يكون نصفه له و نصفه الآخر لشريكه، و هكذا الى ان انتهى الأمر إلى جزء لا يتجزء لكن هذا القسم من الإشاعة باطل، و الا لزم في الوقف المشاع صيرورة الوقف ملكا و الملك وقفا، لانه على ذلك يكون النصف من حق الموقوف عليه ملكا و يكون النصف من حق المالك وقفا و هو باطل.

فالحق في باب الإشاعة هو المعنى الأول و هو كونها على نحو الكسر المشاع بمعنى ان يكون النصف الكلي من هذا المال الغير المعين لهذا الشخص و نصفه الآخر منه لشريكه في مقام التقسيم بحيث كان سهم كل واحد منهما قابلا للانطباق على ما صار قسمة له.

و يترتب عليه: انه من كان له نصف الدار و باعه لا يكون بيعه فضوليا بل يكون

صحيحا و نافذا، لأنه باع نصفا كليا من الدار على نحو الكسر المشاع و الكلي في المعين و هو قابل للانطباق على نصف نفسه فيسلمه إلى المشتري إلا إذا كان في البين قرينة على الخلاف و اما بناء على المعنى الثاني و هو القول بكونها على نحو الإشاعة بنحو آخر فيلزم ان يكون البيع بالنسبة إلى ربع الدار فضوليا و بالنسبة إلى ربعها الآخر صحيحا لأنه في الحقيقة على هذا باع نصفا من سهمه و نصفا من سهم شريكه و لم يلتزم أحد بذلك.

و كيف كان سواء قلنا بالأول أم الثاني فليس لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون رضى الآخر و ما نحن فيه من هذا القبيل فلا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل الأداء هذا كله على ما تقتضيه القاعدة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 284

مما استقر في ذمته من الدين، و الكفارات، و الجنايات، و الخمس، و الزكاة، مع تلف العين التي تعلقا بها و نحوه مما يوجب استقرارهما في الذمة و اشتغالها بهما. فهنا يقع الكلام في مقامين:

(المقام الأول) في أنه هل ينتقل المال إلى الورثة قبل أداء الديون أم لا؟

(المقام الثاني) في انه على فرض تسليم انتقاله إلى الورثة هل يتعلق حقوق الديان بأعيان التركة أم لا؟ و على فرض تعلق حقهم بها فهل يكون من قبيل حق الرهانة، أو الجناية، أو حق آخر غيرهما؟ فنقول:

أما الكلام (في المقام الأول) يمكن أن يقال بعدم انتقاله إلى الورثة و ذلك لظاهر قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» «1» حيث أنها ظاهرة في كون الإرث بعد الوصية و الدين و متأخر عنهما، و قد ورد بذلك أخبار كثيرة- منها:

1-

خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: أن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على أثر الدين، ثم الميراث بعد الوصية، فإن أول القضاء كتاب اللّه «2».

2- خبر السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: أول شي ء يبدأ به من المال: الكفن ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث «3» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و لكن يمكن المناقشة في ظهورها في عدم انتقالها إلى الورثة، و ذلك لأن فيها احتمالات ثلاثة:

(الأول)- أنه قبل إنفاذ الوصية و إخراج الدين لا إرث حقيقة، و هذا هو الظاهر منها، لاقتضاء الترتيب بينها ذلك.

إن قلت: انه يلزم من الحكم بذلك محذور و هو لزوم بقاء المال بلا مالك

______________________________

(1) سورة النساء: الآية- 10-

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 28- من أبواب الوصايا الحديث 2

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 28- من أبواب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 285

قلت: الذي يستحيل عقلا هو بقاء الملك بلا مالك، لكونه إضافيا. و أما بقاء المال بلا مالك فلا استحالة فيه، فلا يملكه الورثة إلا بعد تنفيذ الوصية و أداء دينه ان قلت: انه يلزم من عدم انتقاله إلى الورثة كونه من قبيل المباحات الأصلية، فمن حاز ملكه مع أنه مما لا يمكن التزام أحد به.

قلت: لا يلزم منه ذلك، لثبوت حق الاختصاص للورثة المتعلق بالمال، فليس من قبيل المباحات الأصلية، بل هو محكوم بحكم الملك.

(الثاني)- ثبوت الإرث قبل إخراج الدين و الوصية لكن المقصود من الاخبار- الدالة على الترتيب بينها- هو عدم جواز تصرفهم في التركة بعنوان الإرث قبل إخراج ديون الميت و الوصية.

(الثالث)- كون المال باقيا على ملك الميت

إلى زمان أداء ديونه و العمل بوصاياه ثم انتقاله منه الى الورثة.

هذا و لكن لا شاهد عليه حتى استصحاب بقاء مالكية الميت الثابتة له في حال حياته، لعدم إمكان جريانه مع تغير الموضوع فكون الميت مالكا محتاج إلى الدليل و هو مفقود و كيف كان فعلى جميع الاحتمالات يستفاد منها عدم جواز تصرفهم في التركة قبل أداء ديونه أو إرضاء الديان و إخراج الحج إما لعدم الإرث قبل ذلك أو لحجرهم عن التصرف حتى يخرجوا ديونه.

و مقتضى إطلاق الأخبار عدم الفرق في عدم جواز تصرفهم في التركة بين الدين المستوعب و غيره كما عرفت ان مقتضى القاعدة أيضا ذلك. و لكن ترفع اليد عن إطلاقها في خصوص الدين غير المستوعب و يحكم بجواز تصرفهم في التركة قبل الإخراج إذا كان الدين كذلك لأجل النص، و هو صحيح البزنطي أنه سئل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: ان استيقن أن الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1». و موثق عبد الرحمن بن الحجاج

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 29 من أبواب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 286

عن أبي الحسن مثله إلا أنه قال: ان كان يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم. و ان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1» فمقتضاهما هو التفصيل في الحكم بعدم جواز تصرفهم في التركة بين الدين المستوعب و بين غيره بعدم جوازه في الأول و بجوازه في الثاني، فمع استيعاب الدين تكون جميع تصرفاتهم في التركة قبل أداء ديونه محرمة و

يترتب عليه أنه لو صلى الوارث في دار الميت بدون إذن الديان بطلت صلاته إلا أن يكونوا جاهلين بالحكم أو غافلين فيحكم بصحة الصلاة حينئذ، لأن بطلانها إنما يكون من جهة التزاحم مع الحرام و هو الغصب و قوام التزاحم بالعلم و المفروض عدمه فتصح الصلاة ظهر أنه لا يمكن إثبات عدم انتقال المال إلى الورثة بظاهر قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ».

هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما (المقام الثاني) و هو تسليم انتقال التركة إلى الورثة قبل أداء الديون فمحصل الكلام فيه انه لا إشكال ظاهرا في تعلق حق الديان بالتركة بعد موت المديون انما الإشكال في انه هل يكون من قبيل حق الرهانة أو الجناية أو غيرهما حيث انه لا يجوز للورثة التصرف في التركة إذا كان من سنخ الأول دون الثاني و قبل الخوض في المقصود لا بأس بذكر الفرق بين حق الرهانة و حق الجناية فنقول:

ان الفرق بينهما هو ان حق الرهانة يتعلق بالمال لا بما هو هو بل بما انه ملك للشخص الخاص و انه باق على ملك مالكه، فلا يجوز للراهن بيع ذلك المال المرهون، لاستلزامه خروجه عن ملكه، و هو مناف لحق المرتهن، لكون المفروض تعلق حقه به بما انه ملك للراهن و بالبيع يخرج عن كونه كذلك.

و حق الجناية يتعلق بالمال بما هو هو لا بما انه ملك لشخص خاص، فلو جنى العبد على أحد كان حق الجناية ثابتا عليه و يتبعه أين ما كان و لو بيع مرات، فلو باعه المالك الأول من شخص ثم باعه مالكه الثاني من شخص آخر و هكذا الى مرات عديدة لم يكن

______________________________

(1) الوسائل- ج

2- الباب- 29- من أبواب الوصايا الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 287

ذلك منافيا لحق المجني عليه و تبعه حق الجناية و يستقر الضمان بالأخرة على مالكه الأول، فما نحن فيه ان كان من قبيل الأول لم يجز لهم التصرف في التركة و لو فرضنا كون الدين غير مستغرق. و إن كان من قبيل الثاني جاز لهم التصرف فيها و لو فرضناه مستغرقا و الأقرب في النظر كون ما نحن فيه من قبيل الأول لوجهين:

(الأول)- أنه لا إشكال في أن تعلق حق الغرماء بمال المفلس المحجور عن التصرف في حال حياته إنما يكون من قبيل تعلق حق الرهانة بالمال المرهون. و لذا يحكم بعدم جواز التصرف في ماله مطلقا، أو خصوص التصرف المنافي، لأن حق الديان إنما تعلق بماله لا بما هو هو بل بما أنه ملك له فكذلك الأمر فيما نحن فيه، لعدم الفرق بينهما إلا موت المالك هنا دون المفلس و هذا لا يصلح فارقا بينهما إذ في المقام و إن مات المالك لكن قام الوارث مقامه كما ذكر في محله من أنه (تارة) يتبدل نفس الإضافة دون طرفها كما في الهبة و (أخرى) يتبدل طرف الإضافة اعنى المال كما في البيع و (ثالثة) يتبدل الشخص المضاف اليه كما في الإرث و إن كان هذا التشقيق قابلا للمناقشة و تحقيقه موكول الى محله. و كيف كان فلا يخفى ما في هذا الوجه لأن تنظير ما بعد الموت بما قبله قياس صرف و لا نقول به.

(الثاني)- إن المفروض أن المديون الذي يطالبه الديان هو الميت فلا محالة يتعلق حقوقهم بماله بما أنه تركته لا بما هو هو، فلهم الاستيفاء منه و لو فرض

بيع ذلك المال من شخص آخر مع صحة البيع فبخروجه بالبيع من ملكه يخرج عن كونه متعلقا لحق الديان، لعدم تعلق حقوقهم بمال المالك الفعلي فأخذهم المال من المشترى لا يكون استيفاء للحق الثابت على الميت بل يكون أخذا من غير من عليه الدين كما لا يخفى.

فظهر أن تعلق حق الديان و كذلك حصة الحج بالتركة إنما يكون من قبيل تعلق حق للرهانة بالعين المرهونة، فلا يجوز للورثة التصرف فيها قبل إخراجها، لأن جواز النقل إلى الذمة يحتاج إلى الدليل و هو مفقود

قوله قده: (إلا إذا كانت واسعة جدا فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 288

على إخراج الحج من بعضها الآخر.).

ما ذهب اليه المصنف (قده) في صورة عدم استيعاب الدين- من التفصيل بين كون التركة واسعة جدا و عدمه بجواز التصرف في الأول دون الثاني- مما لا وجه له، بل لا بد إما من القول بعدم جواز التصرف مطلقا كما هو مقتضى القاعدة و الإطلاقات المتقدمة أو بجوازه مع عدم الاستغراق مطلقا كما هو الحق، لما عرفت من الدليل الخاص.

[المسألة الخامسة و الثمانين إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون]

قوله قده: (إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع و ان لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته.)

لا يخفى أنه لو أقر أحد الشركاء بشريك آخر و أنكره الآخرون كان مقتضى القاعدة الإشاعة في حصته. و اما لو أقر أحد الورثة بوارث آخر أو بدين و أنكره الباقون فمقتضى القاعدة أيضا هو الإشاعة، فيكون ما في يد المقر مشاعا بينه و بين المقر له. و لكن المشهور أو المجمع عليه في

هذه الصورة هو أنه لا ينزل إقراره على الإشاعة في حصته و انما عليه دفع الزائد من حقه بحسب زعمه.

مثلا لو أقر أحد الورثة بأخ له و أنكره الباقون أو أقر بدين و أنكره الآخرون فمقتضى القاعدة تنصيف حصته بان يكون إنكار الباقي من الورثة ضررا واردا على المقر و المقر له معا، لما تقتضيه قاعدة الإشاعة من أن ما بقي بقي لهما و ما تلف تلف منهما. لكن قالوا بتوجه الضرر من جهة إنكار الباقين الى المقر له، فالمقر يأخذ حصته بزعمه و يدفع الباقي الذي هو أقل من النصف الى المقر له و قالوا: ان الوجه في مخالفة القاعدة في ذلك هو النص، كما افاده صاحب الجواهر (ره) و قد جعل الفارق هو النص بمعنى أن مقتضى القاعدة هو الإشاعة و لكن ورد النص في الإرث و الدين على الخلاف، و هو عدم نفوذ الإقرار إلا في ما زاد على حقه بسبب إقراره.

و كيف كان تحقيق ذلك موكول الى محله و هو كتاب الإقرار و انما المقصود هنا هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 289

أنه هل يلحق الإقرار بالحج مع إنكار باقي الورثة بمسئلة الإقرار بالوارث أو الدين حيث قالوا فيهما بأنه ينفذ الإقرار فيما زاد على حقه بحسب إقراره أو يلحق بمسئلة ما إذا أقر بشريك و أنكره الآخرون حيث قالوا فيها بالإشاعة؟ فيه وجهان:

يمكن أن يقال بالأول كما ذهب اليه المصنف (قده) و ذلك لأن الحج كما يستفاد من الآية الشريفة و الاخبار دين فيكون حكم الإقرار به حكم الإقرار بالدين الكلام الكلام و لكن الأقوى في النظر هو الثاني، لأنه إن تم القول بنفوذ الإقرار في خصوص الزائد عن

حصته بزعمه في الإقرار بالوارث، أو الدين، فإنما يكون لأجل النص الخاص بناء على تمامية النص سندا و دلالة و هو ورد بالنسبة إلى ديون المخلوق و لم يرد ما يشمل بإطلاقه حقوق اللّه تعالى ففي مثل الحج الذي ليس من حقوق اللّه تعالى لا بد في الإقرار به من العمل على طبق ما تقتضيه القاعدة و هو الإشاعة فتدبر.

[المسألة السادسة و الثمانين إذا كان على الميت الحج و لم تكن تركته وافية به]

قوله قده: (إذا كان على الميت الحج و لم تكن تركته وافية به و لم يكن دين فالظاهر كونها للورثة و لا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت لكن الأحوط التصدق عنه للخير.).

و هو ما عن الصادق- عليه السلام- عن رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء؟ فقالوا: تصدق بها فقال- عليه السلام-: ما صنعت بها؟ فقال: تصدقت بها فقال- عليه السلام-: ضمنت الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان «1» لا يخفى أن مقتضى إطلاقه أن الوصي إذا رأى عدم كفاية المال الموصى به للحج فتصدق به و لو بدون إذنهم لم يفعل حراما و لم يكن أيضا ضامنا للورثة خلافا لما تقتضيه القاعدة، فإن مقتضاها أنه بعد عدم وفاء المال بالحج لا بد من رده الى الورثة لا التصدق عنه، لانتفاء المانع عن الإرث، لأن المانع عنه هو وجوب الحج فان فرض عدمه لعدم كفاية ماله لم يكن مانع عن الإرث فالتصدق به عنه مشروط بإذن الورثة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 37- من أبواب الوصايا الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 290

ثم لا

يخفى أنه قد رواه السابري و اسمه على و اختلف النسخ في اسم أبيه هل هو «مزيد» أو غيره و كيف كان فهو مهمل مجهول الحال فلا يمكن إثبات الحكم المخالف للقاعدة به، لضعف سنده الا أن يقال بعدم مضرية الجهالة بحاله في اعتبار السند، لأنه قد روى بسند صحيح عن محمد بن أبي عمير و هو ممن أجمعت الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على تصحيح ما يصح عنه، فلا ينظر الى من قبله من الرجال.

[المسألة السابعة و الثمانين إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت]

قوله قده: (إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة.)

هذا إذا كان الحج واجبا، فإنه سقط عنه بالتبرع و هذا هو المراد من كلام المصنف (قدس سره) و أما إذا كان الحج مستحبا و كان أوصى به الميت ففيه تفصيل بين ما لو أوصى بالحج من بعد تعيين نفقته في مال مخصوص و بين ما أوصى به بمال معين، فعلى (الأول) لو تبرع عنه متبرع يأتي فيه الكلام في أنه هل يرجع المال إلى الورثة كما هو الحق، أو يصرف في وجوه البر كما هو الأحوط.

و أما (على الثاني) فلا بد من صرف ذلك المال الخاص في الحج عنه و ان تبرع عنه متبرع بالحج. نعم لو نقص ذلك المال عن مؤنة الحج أو زاد عليه يأتي الكلام في أنه هل يرجع الناقص فيما إذا لم يف المال الموصى به أو الزائد عليه إلى الورثة أو يصرف في نفقة حجه يمكن أن يقال بعدم تصور الزيادة فيه، فإنه و ان فرض المال الذي أوصى بصرفه في الحج كثيرا بلغ ما بلغ لكن يمكن إعطاء جميعه للأجير بعنوان الأجرة حتى لا يبقى منه شي ء و ان فرض

كونه أزيد من أجرة المثل، فعلى هذا لا يزيد شي ء حتى يقال انه هل يرجع الى الوارث أو يصرف في وجوه البر. الا ان يفرض طرو الغفلة عن ذلك بان أعطى مقدارا من ذلك المال للأجير و لم يجعل جميعه أجرة له لغفلته عن محذور الزيادة ثم التفت بعد ذلك الى زيادة المال عن مصرف الحج فحينئذ يرجع الزائد إلى الورثة كما هو الحق لانتفاء المانع منه أو يصرف في وجوه البر كما هو الأحوط و انما نقول بذلك الاحتياط الندبي مع رضى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 291

جميع الورثة و عدم وجود قاصر بينهم و الا فلا نقول به. ثم انه يقع الكلام في أصل صحة التبرع. فنقول: انه مما لا ينبغي الارتياب فيه قال في الجواهر: (و لو لم يكن له مال أو كان و لم يخرج منه فتبرع عنه وليه أو غيره فحج عنه أجزأ بلا خلاف و لا اشكال نصا و فتوى).

و يدل عليها النصوص- منها:

1- صحيح معاوية ابن عمار سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فأحج عنه بعض إخوانه هل يجزى ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال- عليه السلام-: بل هي حجة تامة «1» و قد حمله بعض على ما إذا لم يكن له مال حين الموت و كان الحج قد وجب عليه من قبل، و هذا واضح.

2- عن عامر بن عميرة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: بلغني عنك انك قلت: لو أن رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض اهله أجزأ ذلك عنه؟

فقال: نعم، اشهد بها على أبي أنه

حدثني ان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أتاه رجل فقال يا رسول اللّه: أن أبي مات و لم يحج؟ فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- حج عنه فان ذلك يجزى عنه «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام.

[المسألة الثامنة و الثمانين هل الواجب الاستيجار عن الميت من الميقات أو البلد]
اشارة

قوله قده: (هل الواجب الاستيجار عن الميت من الميقات أو البلد؟.

الأقوى هو القول الأول.).

قد اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة على قولين:

(الأول)- ما ذهب اليه المحقق- طاب ثراه- في الشرائع حيث قال: (يقضى الحج من أقرب الأماكن).

و قال في الجواهر بعد ذكر كلام المحقق- طاب ثراه-: (عند الأكثر بل المشهور بل عن الفقيه الإجماع عليه. و المراد كما في المدارك أقرب المواقيت إلى مكة، إن أمكن الاستيجار منه، و إلا فمن غيره، مراعيا الأقرب فالأقرب).

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 292

و حكى عن المستند نسبته: إلى الفاضلين في كتبهما و المسالك، و الروضة، و المدارك، و الذخيرة، و في محكي كشف اللثام إلى الخلاف، و المبسوط، و الوسيلة.

(الثاني) أنه ان اتسع المال فمن بلد الميت، و إلا فمن حيث أمكن و هو ظاهر المحكي عن الحلي، و نسبه في الجواهر الى الدروس.

و نقل في الشرائع قولا ثالثا حيث قال: (و قيل يستأجر من بلد الميت و هذا القول نسبه في الجواهر الى الشيخ، و ابن إدريس، و يحيى بن سعيد، و غيرهم). و الظاهر أن مرجع هذا القول الى القول الثاني اللهم إلا أن يكون المراد منه انه ان

اتسع المال يقضى من بلده و ان لم يتسع فلا يجب القضاء من الأقرب فالأقرب بل يكفى القضاء من الميقات، فهذا احتمال ثالث في قبال القولين الأولين.

و كيف كان يتكلم في هذه المسألة (تارة) على ما تقتضيه القاعدة و (اخرى) على ما تقتضيه الأدلة الخاصة.

اما بناء (على الأول) فلا ينبغي الإشكال في كفاية الحج الميقاتي، لأن الواجب عليه إنما يكون هو الأعمال مبدئها الميقات. و اما طي الطريق و قطع المسافة فليس له دخل في الواجب لعدم دخوله فيه لا على نحو الجزئية و لا على نحو الشرطية و لم يكن صرف المال في حال حياته واجبا عليه و لذا لو أتى به متسكعا بعد تحقق الاستطاعة له يجزى، فطى الطريق لم يكن واجبا عليه الا بالوجوب المقدمي العقلي دون الشرعي بل لو فرضنا كون وجوبه شرعيا لا يتجه أيضا وجوب الحج البلدي، لأن الوجوب الشرعي لطى الطريق إنما يتجه بعد فرض توقف الحج عليه بحيث لم يتمكن من الإتيان به بنحو آخر. و اما مع فرض إمكان الاستيجار من الميقات فليس الأمر كذلك، فالحكم بوجوبه من ابتداء طي الطريق محتاج إلى النص.

فظهر أنه على القاعدة ليس لطى الطريق دخل في الواجب و لذا قلنا مرارا أنه إذا كان واجدا لمقدار ما يحج به و مشى الى الميقات و لكن لا لأجل الحج بل لأجل التجارة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 293

و قصد الحج منه و اتى به فلا إشكال في أن حجه مجز عن حجة الإسلام بل هو حجة الإسلام و كذا الحال فيما إذا حصلت الاستطاعة لمسافر حين قربه من الميقات فلا إشكال حينئذ في وجوب الحج عليه. و إذا أتى به

فقد أتى بحجة الإسلام فيكفي الإخراج من الميقات. و هذا كله واضح و لا ينبغي إطالة الكلام فيه.

و أما بناء (على الثاني) و هو ما تقتضيه الأدلة الخاصة فالحق أنه لا يستفاد منها وجوب الحج البلدي و الذي يمكن الاستدلال به على وجوب الحج البلدي أمران:

(الأول): ما تقدم من اخبار الاستنابة في حال الحياة لمن كان معذورا من المباشرة حيث قال الإمام- عليه السلام- فيها: «عليه أن يجهز رجلا من ماله» و (فيه) (أولا): أنها لا تدل على وجوب التجهيز من البلد بل يكفى من الميقات فالحكم في المقيس عليه ليس بثابت حتى يقاس عليه المقام.

و (ثانيا): بعد تسليم ظهورها في وجوب التجهيز من البلد ان ذلك مختص بالاستنابة في حال الحياة.

و بعد بطلان القياس و الالتفات إلى قضية ابان يظهر عدم المجال للاستدلال على وجوب الحج البلدي بتلك الأخبار، لاحتمال خصوصية فيها، و التعدي عنها محتاج الى تنقيح المناط القطعي و انى لنا ذلك لأن غاية ما يحصل منه هو الظن و هو لا يغني من الحق شيئا، فإسراء الحكم منها الى المقام قياس محض و هو ليس من مذهب أهل الحق.

(الثاني): الأخبار الخاصة الواردة في المقام منها-:

1- صحيح الحلبي و ان أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت «1» و هذا كما ترى ظاهر في أنه لو بلغ ماله حج عنه من البلد و ان لم يبلغ حج عنه من الميقات و هذا ينطبق على القول الثالث المذكور في صدر المبحث لكن قوله- عليه السلام-

______________________________

(1) الوسائل- ج 2 الباب 25- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 294

:

«فليحج عنه من بعض المواقيت» محمول على صورة عدم وفاء المال بالحج عنه مما قبل الميقات بقرينة ما سيأتي من الاخبار فحينئذ ينطبق على القول الثاني 2- صحيح على بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ جميع ما ترك الا خمسين درهما؟ قال: يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- من قرب «1» و يرد على الاستدلال به أنه ليس مفهومه أنه لو و في المال وجب الحج عنه من البلد بل مفهومه هو أنه في صورة وفاء المال وجب الحج عنه مما قبل الميقات و أما مقدار القبلية فلا يعلم منه.

3- موثق عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟ قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه «2» و هذا كما ترى ظاهر في وجوب الحج من المكان الذي يفي به المال 4- خبر محمد بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن الرضا- عليه السلام- عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله إن وسعه ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فان لم يسعه من الكوفة، فمن المدينة «3» و هذا كما ترى صريح في وجوب الحج عنه من المكان الذي يفي به المال و ليس في سنده من يتوقف لأجله سوى محمد بن عبد اللّه و هو إمامي مجهول لكن الراوي عنه هو البزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع 5- خبر سعيد عن أبي عبد

اللّه- عليه السلام- عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة؟ قال: يحج بها عنه رجل من موضع بلغه «4» و رواه الشيخ مسندا إلى سعيد عن أبى عبد اللّه على ما حكى عنه في الوسائل 6- خبر عمر بن يزيد أو حسنه قال: قال: أبو عبد اللّه- عليه السلام- في رجل

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 2.

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 3.

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 295

أوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة تجزي حجته من دون الوقت «1» 7- رواية عمر بن يزيد قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- رجل أوصى بحجة فلم تكفه؟ قال: فيقدمها حتى يحج دون الوقت «2» 8- خبر أبي بصير عمن سأله قال: قلت: له رجل أوصى بعشرين دينارا في حجة؟

فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه «3».

9- حديث المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال بسنده عن عدة من أصحابنا، قالوا: قلنا لأبي الحسن يعني علي بن محمد- عليه السلام-: أن رجلا مات في الطريق و أوصى بحجة و ما بقي فهو لك فاختلف أصحابنا؟ فقال: بعضهم يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشي ء أن يبقى عليه و قال: بعضهم يحج عنه من حيث مات؟ فقال- عليه السلام-: يحج عنه من حيث مات «4» و لكن هذا الحديث خارج عما نحن فيه لوروده في خصوص من مات في الطريق.

و يعارض هذه الاخبار ما ورد عن زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن

رجل مات و أوصى بحجة أ يجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال:

أما ما كان دون الميقات فلا بأس به «5» و يمكن الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة بوجوه:

(الأول)- حمل الأخبار المتقدمة على استحباب الحج البلدي لئلا ينافي ما هو صريح خبر زكريا بن آدم من عدم وجوبه و هذا جمح حكمي.

(الثاني)- التفصيل بين حجة الإسلام و غيرها بحمل ما دل على وجوب الحج عنه من البلد على حجة الإسلام و تقييد إطلاق خبر زكريا بن آدم بغيرها.

و الشاهد على هذا الجمع ما مر من صحيح الحلبي و صحيح على بن رئاب الواردين في خصوص حجة الإسلام.

(الثالث)- التفصيل بين ما إذا كانت الوصية بالحج بمقدار معين من المال و عدمه بوجوب الحج عنه من المكان الذي يفي به المال في الأول و عدم وجوبه عنه الا من الميقات

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 6.

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 7.

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 8.

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 9.

(5) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 296

في الثاني لتقييد إطلاق خبر زكريا بذلك.

و الشاهد على ذلك ما مر من خبري أبي سعيد و أبي بصير الواردين في خصوص الوصية بمال معين.

(الرابع)- أن يقال: إن ما دل على وجوب الحج البلدي مختص بصورة وفاء المال بذلك كما لا يخفى. و ما دل على عدم وجوبه مطلق فيقدم المقيد على المطلق فيقال بوجوب الحج البلدي مع وفاء المال و الا فمن الأقرب فالأقرب و

ذلك لعدم فرق بين كون وصيته بمال معين و عدمه و ما ورد في خصوص كون وصيته بمال معين لا يعارض الأخبار المطلقة، لأنهما مثبتان و لا تنافي بينهما و هذا الجمع أظهر الوجوه.

و كيف كان فالاستدلال بهذه الاخبار على وجوب الحج البلدي في حجة الإسلام على الإطلاق غير صحيح، لورودها في خصوص صورة الوصية و لا يمكن التعدي منها الا بتنقيح المناط القطعي الذي هو ممتنع مع احتمال دخل خصوصيته المورد، فمع عدم الوصية لا بد أن يرجع الى القاعدة و إطلاقات أخبار وجوب إخراج حجة الإسلام من المال و هو كفاية الحج الميقاتي. ثم إذا لم نقل بالجمع كصاحب الجواهر «ره» فالمرجع بعد قصور الاخبار هو القاعدة.

[و لو أوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية]

قوله قده: (و لو أوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على ارادتها.).

قد عرفت ان ظاهر الاخبار المتقدمة هو لزوم الإخراج من البلد في صورة الوصية إذا قلنا برابع الجموع المتقدمة. نعم لو لا ذلك كان مقتضى القاعدة كما عرفت عدم وجوبه من البلد.

هذا و أما عوى انصراف الوصية إلى البلد فلا يصغى إليها، لمنعها إذ لا فرق بنظر العرف بين قول الموصى: «حجوا عنى» و بين قول الشارع: «حجوا عنه» فكما لا انصراف في الثاني إلى الحج البلدي فكذلك في الأول، فعلى هذا لا وجه للتفصيل بينهما فبعد تسليم كون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 297

مقتضى القاعدة كفاية الميقاتية لا وجه لاحتمال انصراف كلام الموصي إلى البلدي.

و كيف كان فاتضح لك أن مقتضى ظاهر الأخبار وجوب الإخراج من البلد مع وفاء المال في صورة الوصية دون غيرها. نعم، لو كان هناك قرينة على تعلق

وصيته بخصوص الحج الميقاتي فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج البلدي في صورة الوصية أيضا.

[و لو أوصى بالاستيجار من البلد وجب]

قوله قده: (و لو اوصى بالاستيجار من البلد وجب و يحسب الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث.).

يمكن أن يقال في خصوص الحج بنفوذ الوصية و لو كانت بأزيد من الثلث سواء أوصى به من الميقات أم البلد و سواء كان حجا واجبا أم مستحبا، لإطلاق موثق ابن بكير المتقدم.» رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟ قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه» «1».

بتقريب أن الظاهر من قوله: «أوصى بماله» هو الوصية بجميع ماله و أنه مطلق لم يفصل فيه بين الحج الواجب و المندوب و ظاهره وجوب الحج عنه من ماله من اى مكان وسع المال.

و نحوه ما مر من خبر محمد بن عبد اللّه، لأن الظاهر أن المراد من قوله فيه: «على قدر ماله» «2» جميع التركة فيقيد بهما إطلاق الأخبار المتواتر الدالة على عدم نفوذ الوصية في الزائد على الثلث.

أن قلت: لا يصلح هذان الخبران لتقييد إطلاق تلك الأخبار، لأنهما و ان كانا أخص منها في بادى النظر لكنه بعد ملاحظة انقلاب النسبة تكون النسبة بينهما العموم من وجه.

بيان ذلك: ان الأخبار هناك على طوائف ثلاثة:

(الأولى): ما يدل على عدم نفوذ الوصية في أكثر من الثلث، كحديث أبي بصير عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل له الولد يسعه ان يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 2- من أبواب النيابة الحديث 2.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 2- من أبواب النيابة الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 298

يصنع به ما شاء الى أن

يأتيه الموت قال: فإن أوصى به فليس له الا الثلث). و نحوه ما في الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

(الثانية) ما يدل على جواز الوصية بتمام المال و لكن لا مطلقا بل فيما إذا لم يكن له وارث و المراد به الوارث غير الامام- عليه السلام- كما لا يخفى. و هو خبر السكوني عن الصادق- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام- أنه سئل عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبته؟ قال: يوصى بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل «1». و ما عن محمد بن عيسى قال: كتب اليه محمد بن إسحاق المتطبب: و بعد أطال اللّه بقاك نعلمك أنا في شبهة في هذه الوصية التي أوصى بها محمد بن يحيى درياب و ذلك أن موالي سيدنا و عبيده الصالحين ذكروا: أنه ليس للميت أن يوصى إذا كان له ولد بأكثر من ثلث ماله، و قد أوصى محمد بن يحيى بأكثر من النصف مما خلف من تركته فان رأى سيدنا و مولانا أطال اللّه بقاه ان يفتح غياب هذه الظلمة التي شكونا و يفسر ذلك لنا نعمل عليه- إنشاء اللّه تعالى- فأجاب- عليه السلام-: ان كان أوصى بها من قبل أن يكون له ولد فجائز وصيته و ذلك ان ولده ولد من بعده «2».

(الثالثة) ما يدل على جواز الوصية في خصوص الحج بأزيد من الثلث و هو ظاهر ما مر من موثق ابن بكير و خبر محمد بن عبد اللّه من قوله في الأول: «رجل أوصى بماله في الحج» الظاهر في أنه أوصى بجميع المال و من قوله في الثاني: «على قدر ماله» الظاهر في جميع التركة و الطائفة الثالثة

و ان كانت بدوا أخص من الطائفة الأولى و تكون النسبة بينها و بين الطائفة الأولى العموم و الخصوص المطلق لكن بعد تقييد الطائفة الأولى بالطائفة الثانية تنقلب النسبة و ترجع نسبتها مع الطائفة الثالثة إلى العموم من وجه، فمادة الاجتماع هو ما إذا أوصى بأزيد من الثلث في الحج مع وجود الوارث، و مادة الافتراق للطائفة الأولى ما إذا أوصى بأزيد من الثلث في غير الحج مع وجود الوارث، و مادة الافتراق للطائفة الثالثة ما إذا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 12 من أبواب الوصية الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 12 من أبواب الوصية الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 299

أوصى بأزيد من الثلث في الحج مع عدم وجود الوارث.

فتحصل أن الطائفة الثالثة لا تصلح لتقييد الطائفة الأولى للمعارضة بينهما بالعموم من وجه.

قلت: (أولا): أن هذا القسم من انقلاب النسبة غير صحيح كما قد حقق في الأصول فإنه لا وجه لتقييد العام أولا بأحد الخاصين ثم ملاحظة نسبته مع الخاص الأخر و ليس ذلك أولى من العكس، فالمتجه ملاحظة نسبته مع كلا الخاصين دفعة واحدة.

و (ثانيا): ان فرض عدم وجود وارث فرض نادر فيما انه لا يمكن حمل الطائفة الثالثة عليه، للزوم حمله على الفرد النادر تعد الطائفة الأولى أعم منه فهذا القسم من انقلاب النسبة لو صح لا يصح في هذا المورد.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا ان الوصية بالحج نافذة و لو كانت أزيد من الثلث و بعد فللمناقشة في ذلك مجال واسع، و ذلك لأن كلمة «ماله» الموجودة في موثق ابن بكير و خبر محمد بن عبد اللّه كما يحتمل كونه بكسر اللدم فمعناه المال المنسوب الى الميت

كذلك يحتمل كونه بفتح اللدم بان تكون «ما» موصولة «و اللدم» جارة فعلى هذا الاحتمال لا يتم دلالتهما على المدعى و هو نفوذ الوصية أزيد من الثلث في خصوص الحج، و لا أقل من إجمال الحديثين ان لم نقل بظهوره في الاحتمال الثاني فلا يمكن الاستدلال بهما على جواز الوصية بالحج بأزيد من الثلث على الإطلاق فالمتجه أن يقال ان الحج الذي أوصى به ان كان حجا ندبيا خرج من الثلث و ان كان حجة الإسلام فمع عدم الوصية يخرج الحج الميقاتي أو البلدي من جميع المال على الخلاف السابق و قد عرفت ان الحق هو الأول و مع الوصية يخرج ايضا الحج الميقاتي أو البلدي من جميع المال على الخلاف.

و قد عرفت ان الحق هو الثاني خلافا لصاحب الجواهر (ره) ثم لو قلنا بعدم وجوب الحج البلدي و لو مع الوصية بالحج كما افاده صاحب الجواهر اتجه ما ذكره المصنف (قدس سره) هنا من أنه لو أوصى بالبلدية يحسب الزائد على الميقاتية من الثلث، و إلا فلا.

[المسألة التاسعة و الثمانين لو لم يمكن الاستئجار الا من البلد وجب]

قوله قده: (لو لم يمكن الاستئجار الا من البلد وجب و كان جميع المصرف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 300

من الأصل.).

لا ينبغي الإشكال في ذلك و وجهه واضح.

[المسألة التسعين إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف]

قوله قده: (إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استؤجر من الميقات أو تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته.).

لا ينبغي الكلام في ذلك، لحصول الحج الواجب عليه من الميقات. و أما وجوب الإخراج من البلد فكان تكليفا زائدا عليه و لم يكن دخيلا في قوام تحقق الواجب.

فما افاده صاحب الدروس (ره) من الحكم بالاجزاء- فيما إذا حج عنه من الميقات مع لزوم إخراج الحج البلدي- متين. حيث قال: (فيقضى من أصل تركته من منزله و لو ضاق المال فمن حيث يمكن و لو من الميقات على الأقوى، و لو قضى مع السعة من الميقات اجزاءه و ان أثم الوارث.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك (ره) من الإشكال في حصول المأمور به حينئذ حيث قال بعد نقل كلام الشهيد (قده): (و يملك المال الفاضل و لا يجب صرفه في نسك أو بعضه أو في وجوه البر، و يشكل بعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه على هذا التقدير فلا يتحقق الامتثال) فما افاده المصنف (قده) متين.

[المسألة الحادية و التسعين الظاهر ان المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه]

قوله قده: (الظاهر ان المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه كما يشعر به خبر زكريا بن آدم- رحمهما اللّه- سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال- عليه السلام-: ما كان دون الميقات فلا بأس به مع انه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج و ربما يقال: إنه بلد الاستيطان لأنه المنساق من النص و الفتوى و هو كما ترى، و قد يحتمل البلد الذي صار مستطيعا فيه و يحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة.

و الأقوى ما ذكرنا. وفاقا لسيد المدارك (قده) و نسبه الى ابن إدريس- رحمه اللّه- ايضا، و ان كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قويا جدا.).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في المسألة على أقوال:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 301

(الأول)- ما ذهب اليه صاحب المدارك (قده) حيث قال: (الظاهر ان المراد من البلد الذي يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس و دل عليه دليله) و وافقه على ذلك المصنف (قده).

(الثاني)- ما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (و كيف كان فالمراد بالبلد- على تقدير اعتباره بلد الاستيطان، لأنه المنساق من النص و الفتوى خصوصا من الإضافة فيهما سيما خبر محمد بن عبد اللّه).

(الثالث)- ما ذهب اليه المصنف (قده) في آخر الفرع حيث قال: (و ان كان احتمال الأخير و هو التخيير قويا جدا).

(الرابع)- ما احتمله المصنف (قده) و هو البلد الذي صار مستطيعا فيه. و حكاه صاحب الجواهر (ره) عن بعض العامة القول به و احتمله ايضا حيث قال: (و لا بلد اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها و ان احتمل ايضا بل عن بعض العامة القول به).

و الذي يقوى في النظر هو انه بناء على اعتبار البلدية تكون العبرة ببلد الاستيطان كما افاده صاحب الجواهر (ره)، و ذلك لأن العمدة في دليل القول باعتبار البلدية هي الأخبار التي منها موثق عبد اللّه بن بكير المتقدم. سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده «1» و لفظ البلد عند الإطلاق ينصرف الى بلد الاستيطان كما لا يخفى و لفظ «بلاده» و إن كان مذكورا في

كلام السائل و لكن تقرير الامام له- عليه السلام- كاف لنا في الاستدلال به على المدعى و نحوه في الظهور في إرادة بلد الاستيطان خبر محمد بن عبد اللّه: «عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله ان وسعه ماله فمن منزله، و ان لم يسعه ماله فمن الكوفة، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة فإن قوله- عليه السلام-: «ان وسعه ماله فمن منزله» منصرف الى بلد استيطانه كما لا يخفى.

و أما ما ذكره المصنف (قده): من إنكار كون المنساق من النص و الفتوى بلد

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 302

الاستيطان فليس على ما ينبغي. و أما استشهاده (قده) بخبر زكريا بن آدم- رحمهما اللّه- على ارادة بلد الموت- فليس بصحيح و ذلك، لأن بلد الموت مذكور في كلام السائل لا في كلام الإمام فإن ثبت تقرير الامام- عليه السلام- له صح استشهاده (قده) و إلا فلا و معلوم أن ذلك ليس بثابت لأنه ردعه- عليه السلام- عن أصل اشتراط البلدية في الحج عنه و هو لا يدل على أنه على فرض الاشتراط تكون العبرة ببلد الموت في الحج عنه دون بلد الاستيطان أو بلد الاستطاعة.

و بالجملة لا بد من استظهار المراد من البلد من الأخبار الدالة على اعتبار البلدية و عليها الاعتبار لا من خبر زكريا بن آدم- رحمهما اللّه- الدال على عدم اعتباره الذي لم يذكر فيه لفظ بلد الموت في كلام الامام- عليه السلام- و لم يثبت تقريره- عليه السلام- للسائل على ذلك.

ثم ان من استدل على اعتبار بلد الموت بأنه لو كان حيا لكان

مكلفا بالسفر من ذلك المكان فكذلك بعد الموت لا بد من قضاء حجه من ذلك المكان- فمقتضاه ان العبرة بمكان الموت- فمما لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك لأن ذهابه في حال حياته من ذلك المكان الى وطنه أو بلد استطاعته أو لا لم يكن واجبا عليه في ذهابه الى الحج بل كان يكفيه الذهاب الى الحج من ذلك المكان لكن الكلام في أصل دليله على مدعاه، فان وجوب المقدمة عليه لم يكن وجوبا شرعيا و على فرض التسليم لا يجب قضائه كما مر بيانه.

[المسألة الثانية و التسعين لو عين بلدة غير بلده]

قوله قده: (لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو كربلا تعين.).

قد يناقش في صحة هذه الوصية و كذا في وصاياه التي تكون من هذا القبيل، لأن الوصية حقيقة هي تفويض الموصى ماله من الولاية إلى الوصي فيعتبر في صحة الوصية ان يكون متعلقها مما ثبت للوصي و لآية عليه كصرف ثلثه في الوجوه البرية، الخاصة أو العامة، فلا تصح بما لا يكون للموصى ولاية عليه كان يصلى زيد مثلا في كل يوم في مسجد الكوفة ركعتين أو يقضي فلان ما على الموصى من الصلاة و الصيام فان قضاء صلاته و صومه ليس تكليفا له بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 303

هو تكليف للورثة و ما نحن فيه من هذا القبيل فان قضاء الحج عنه ليس تكليفا له بل تكليف للورثة، فعلى هذا لا بد أن يحكم بعدم صحة وصيته بالحج عنه من مكان مخصوص، لعدم ثبوت الولاية له على ذلك.

نعم، إذا أوصى ان يغسله شخص خاص يقتضي الاحتياط أن يعمل بوصيته بدعوى ثبوت الولاية على بدنه. و أما في غير هذه الصورة فلا.

و لكن

الأقوى هو صحة وصيته كذلك لو كان حجا ندبيا، و ذلك لأن الحج الندبي إنما يخرج من ثلث ماله و لا إشكال في ثبوت الولاية له على ثلث ماله، فله ان يوصى بصرف ذلك في الحج من مكان مخصوص أو بان يحج عنه شخص مخصوص.

و أما إذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام فبناء على القول بان الخارج من الأصل هو الحج الميقاتي دون البلدي و لو في صورة الوصية و في البلدي يخرج المقدار الزائد على الميقات من الثلث نقول بصحة وصيته كذلك ايضا، لثبوت الولاية له على ثلث ماله.

و أما بناء على القول بخروج الحج البلدي من أصل ماله مع الوصية فلو كان أوصى به من بلده فلا اثر لهذه الوصية، فإنه على اى حال يخرج مصارفه من أصل ماله.

و أما لو اوصى بالحج عنه من بلد آخر فان كان مصرفه زائدا على الحج من بلده فكذلك نقول بصحة وصيته، لخروج الزائد من الثلث و المفروض ثبوت الولاية له عليه، و ان لم يكن مصرفه زائدا على الحج من بلده أمكن القول بعدم صحة وصيته، لخروج مصرف الحج على اى حال من أصل المال لا من الثلث حتى يقال بثبوت الولاية له عليه.

اللهم الا ان يقال بخروج مصرف الزائد من الميقات من الثلث مطلقا فيما لو أوصى كذلك، و ذلك لأن القدر المتيقن من الأدلة الدالة على خروج الحج البلدي عند الوصية من أصل المال انما هو الحج عنه من بلده لا من بلد آخر و لو كان مصرفه أقل من مصرف الحج من بلده.

[المسألة الثالثة و التسعين إذا كفت الميقاتية يكفي كل بلد دون الميقات]

قوله قده: (على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم ان يكون من الميقات أو الأقرب فالأقرب بل يكفي

كل بلد دون الميقات.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 304

ما أفاده قده متين، لأن القول بكفاية الحج عنه من الميقات لا يدل على لزوم الحج منه بحيث لو أتى به من بلده دون الميقات لا يكتفى به.

قوله قده: (لكن الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستيجار منه لا يخرج من الأصل و لا من الثلث إذا لم يوصي بالاستيجار من ذلك البلد.).

لا ينبغي الكلام فيه أما عدم خروجه من الأصل فلعدم كون مصارف الزائد على الحج الميقات داخلا في مصارف الحج. و أما عدم خروجه من الثلث فلعدم الوصية به.

قوله قده: (إلا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعين مصرفه و من دون أن يزاحم واجبا ماليا عليه.)

بلا خلاف أجده فيه.

[المسألة الرابعة و التسعين إذا لم يكن الاستيجار من الميقات و أمكن من البلد وجب]

قوله قده: (إذا لم يكن الاستيجار من الميقات و أمكن من البلد وجب.)

بلا كلام في ذلك و يدل على ذلك إطلاق النصوص الدالة على وجوب إخراج حجة الإسلام من صلب المال.

قوله قده: (و ان كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما بمعنى انها توزع عليهما بالنسبة.).

قد تقدم حكم هذه المسألة و قلنا بان بحث التخصيص و التوزيع انما يثمر بناء على القول بوجوب الحج البلدي و أما بناء على كفاية الميقاتية فلا ثمرة فيه فإذا لم تف تركته بالحج عنه من الميقات و بديونه لا بد ان يصرف جميع تركته في ديونه فان زاد شي ء فهو للورثة.

[المسألة السابعة و التسعين يجب المبادرة إلى الاستيجار في سنة الموت]

قوله قده: (الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستيجار في سنة الموت.).

بمقدار لا يعد تهاونا بالميت و أما وجوب المبادرة أزيد من ذلك فليس لنا دليل عليه اللهم الا يقال بفورية القضاء.

[المسألة الثامنة و التسعين إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستيجار ضمن]

قوله قده: (إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستيجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستيجار ضمن.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 305

هذا مبتن على أنه هل المبادرة واجبة أو يجوز التأخير؟ فإن قلنا بعدم جواز تأخيره اتجه الضمان، لخروج يده عن كونه امانيا بالتأخير و ان قلنا بجوازه لم يكن ضامنا في صورة التلف، لكون يده على المال حينئذ أمانة شرعية.

[المسألة الحادية بعد المائة المدار على تقليد الميت]
[إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية]

قوله قده: (إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت.).

لا يخفى جريان هذا البحث في موارد كثيرة كالمقام و كالاختلاف في مسائل الحبوة أو مسائل الصلاة الثابتة في ذمة الميت، أو غير ذلك و كيف كان قد عرفت في المباحث المتقدمة ان حجة الإسلام تقضى عن الميت بعد استقرارها عليه من الميقات مع عدم الوصية هذا مما لا إشكال فيه مع توافق الميت و الوارث في الحكم المذكور تقليدا أو اجتهادا. و أما لو اختلفا في ذلك بان كان الواجب في نظر الميت هو البلدي بحسب تقليده أو اجتهاده. و في نظر الوارث هو الميقاتي كذلك فهل العبرة حينئذ في الحج عنه بنظر الميت أو الوارث؟

فيه خلاف ذهب المصنف (قده) إلى الأول و اختاره في نظائر المقام كما لو اختلفا في الصلاة و الصوم و غيرهما، و ذهب الى الثاني المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- و هو كون المدار بنظر الوارث و اختاره في نظائر المقام.

و الأقوى في النظر هو القول الثاني الذي اختاره المحقق النائيني، لما قد ثبت في محله من أن الحكم الواقعي على مذهب المخطئة واحد و ليس الاجتهاد أو التقليد مغيرا له و لا مثبتا لحكم ظاهري مخالف له، لما حققناه

في الأصول من عدم إمكان الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، و ان الاجتهاد أو التقليد معتبر من باب الطريقية و الكشف عن الواقع، فإن أصاب الواقع فهو و الا فهو معذر و لا موضوعية له أصلا، فما اشتغل به ذمة الميت في نظره و ان كان ما يوافق تقليده أو اجتهاده، الا ان الولي الذي يجب عليه إفراغ ذمته عما اشتغلت به يرى بحسب تقليده أو اجتهاده اشتغال ذمته بما يوافق تقليده أو اجتهاده، فاللازم على الوارث العمل على مقتضى اجتهاده أو تقليده في مقام إفراغ ذمة الميت عن الواجب، لأنه هو المكلف بالاستنابة أو الحج عنه، فإذا كان اجتهاد الميت أو تقليده يقتضي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 306

الحج من البلد و اجتهاد الوارث أو تقليده يقتضي الحج من الميقات لم يكن على الوارث الا الحج من الميقات أو الاستنابة منه.

نعم، لو كان الاجتهاد أو التقليد معتبرا من باب الموضوعية لكان المدار بنظر الميت كما افاده المصنف (قده)، إلا انه لا إشكال في بطلان الموضوعية بنظر العدلية، فإنه مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه و لذا نحكم في موارد تبدل رأى المجتهد، أو تبدل المجتهد بالمجتهد مع الاختلاف بينهما بحيث يكون ما أتى به من الأعمال غير صحيح بحسب فتوى المجتهد الثاني بأن مقتضى القاعدة هو نقض الآثار المترتبة على الرأي السابق، أو فتواه، و لزوم الإعادة، إلا ان يقوم دليل خاص على عدم لزوم الإعادة من إجماع تعبدي كاشف قطعي عن عدم لزومها، أو نص خاص كحديث (لا تعاد) بالنسبة الى غير الأركان من الصلاة و غير ذلك.

فتحصل أن العبرة انما تكون بنظر الوارث بحسب اجتهاده أو تقليده كما افاده المحقق النائيني-

رضوان اللّه تعالى عليه- و لا عبرة باجتهاد الميت و تقليده، لما عرفت من أنه لا موضوعية للاجتهاد و التقليد للحكم الواقعي و انما هما طريقان اليه و لا إشكال في اشتغال ذمة الميت بالحكم الواقعي، فعليهم العمل بما هو الحكم الواقعي للميت بنظرهم و الطريق لهم للوصول اليه هو اجتهادهم أو تقليدهم لا تقليد الميت أو اجتهاده، لسقوطهما بموته رأسا.

[و أما إذا علم ان الميت لم يكن مقلدا في هذه المسألة]

قوله قده: (و إذا علم ان الميت لم يكن مقلدا في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده ان كان متعينا و التخيير مع تعدد المجتهدين و مساواتهم؟ وجوه.).

قد يقال: إن العبرة بنظر الوارث و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الاختلاف بين الميت و الوارث من جهة الاختلاف في التقليد أو الاجتهاد، و بين ما إذا كان الاختلاف بين الوارث و الوصي و الأجير و الأقوى هو الرجوع الى حكم الحاكم، لدخوله تحت الضابط سيظهر لك- ان شاء اللّه تعالى-،

قوله قده: (و على الأول فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده فمن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 307

يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع وفاء البلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد، و يحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير، ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة.).

لا بأس لنا (أولا) من بيان ضابط الرجوع الى حكم الحاكم على نحو الإجمال فنقول:

مهما وقع الخلاف بين شخصين فلا يخلوا إما أن يكون اختلافهما في الموضوعات و إما في الأحكام و (على الأول) فاما أن يكون مرجع الاختلاف بينهما إلى إثبات حق أو مال

على الآخر و (اخرى) لا يكون كذلك، فان كان اختلافهما من قبيل الثاني فلا إشكال في عدم تعيين الرجوع الى الحاكم و على الثاني- أعني لو كان اختلافهما في الأحكام- فاما أن لا يكون مرجع اختلافهما الى الاختلاف في إثبات حق أو مال على الآخر و إما يكون مرجعه الى ذلك- كما لو رأى أحدهما بحسب تقليده أو اجتهاده عدم انفعال ماء الغسالة و رأى الآخر انفعاله و فرضنا أن القائل بعدم انفعال ماء الغسالة قد أدخل يده المتنجسة في دهن و لا إشكال في ان مرجع اختلافهما في ذلك الى إتلاف هذا الدهن و عدمه فيدعى صاحب الدهن إتلافه له و يدعى الضمان عليه و يدعى الآخر بعدم إتلافه فليس على الضمان لطهارة الغسالة بنظره، فان لم يكن مرجع اختلافهما إلى الحق أو المال فلا إشكال في عدم الرجوع إلى الحاكم. و أما إذا كان الاختلاف أولا و بالذات في حق أو مال أو كان مرجعه الى ذلك فحينئذ (تارة) يكون الجمع بينهما ممكنا، و (اخرى) لا.

مثال الأول: ما لو أقر أحد الشريكين بشريك ثالث و أنكره الأخر، فهذا ليس موردا للرجوع الى الحاكم، لا مكان الجمع بينهما بان يعمل كل منهما بمقتضى معتقده فتوجه الضرر الى المعترف بالنسبة كما لا يخفى.

و مثال الثاني هو ما مر آنفا- الراجع الى النزاع في إتلاف المال و عدمه- و حينئذ تصل النوبة إلى الرجوع الى حكم الحاكم و كيف كان تفصيل ذلك موكول الى محله.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنه في المقام ليس المرجع حكم الحاكم، لأنه ظهر لك في بيان الضابطة أن الرجوع الى الحاكم موقوف على ثبوت المرافعة بحيث لم يمكن التوفيق بينهما

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 1، ص: 308

بان يعمل كل منهم على طبق معتقده و وظيفته- كما في اختلاف الورثة في الحبوة، أو في ثبوت الوصية التمليكية للميت بأن ادعى بعض الورثة تمليك الميت له مقدارا من تركته و أنكره الآخر، فمثل هذه الموارد يرجع الى الحاكم، لعدم إمكان التوفيق و الجمع بينهما و أما اختلافهم في مفروض المقام و هو الاختلاف في البلدي و الميقاتي فحيث أنه يمكن لكل واحد منهما العمل بوظيفته- بان يبذل القائل بالبلدية ما يخصه من اجرة الحج حسب نصيبه و يبذل القائل بالميقاتية ما يخصه من نصيبه- فلا موجب للرجوع الى الحاكم.

هذا كله فيما إذا اختلف الورثة في وجوب الحج البلدي و الميقاتي. و أما إذا اختلف الوصي و الوارث- بان كان مقتضى اجتهاد الوصي أو تقليده إخراج الحج البلدي و مقتضى اجتهاد الوارث أو تقليده الحج الميقاتي- فيكون حكم هذا الاختلاف كاختلافهم في الحبوة فيرجع الى حكم الحاكم، لعدم إمكان الجمع بينهما، فكلما حكم به الحاكم هو المتبع و ينتقض به الفتوى ما لم يعلم بفساد مدركه. و أما إذا علم بفساده- كما إذا علم اتكال الحاكم في حكما على ما لا يمكن الاعتماد عليه كالرؤيا و الاستخارة و نحو ذلك- فلا مجال للاعتماد عليه، فينحصر الحكم بالتراضي و المصالحة في هذا الفرض. ثم، إنه لو فرضنا أن الوصي أو الوارث اعتقد خطاء ما اعتمد عليه الحاكم في حكمه فهل هو ايضا مانع عن اتباع حكمه أم لا؟ الظاهر هو الأول.

[إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه]

قوله قده: (و إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه بان يكون الميت مقلدا لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع الى كفاية فكان يجب عليه

الحج و الوارث مقلدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه أو بالعكس؟ فالمدار على تقليد الميت.)

قد تقدم الإشكال فيه و قلنا بأن المدار بنظر الوارث بحسب اجتهاده أو تقليده، فعلى هذا إذا كان الرجوع الى الكفاية شرط الوجوب في نظر الوارث دون الميت لم يجب عليه الحج عنه مع افتقاد الميت إلى هذا الشرط.

[المسألة السادسة بعد المائة إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنه أتى به أم لا]

قوله قده: (إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنه أتى به أم لا؟ فالظاهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 309

وجوب القضاء عنه، لأصالة بقائه في ذمته و يحتمل عدم وجوبه عملا بظاهر حال المسلم و أنه لا يترك ما وجب عليه فورا. و كذلك الكلام إذا علم أنه تعلق به خمس أو زكاة أو قضاء صلاة أو صيام و لم يعلم أنه أداها أولا.).

لا ينبغي الإشكال في أنه لو علم الوارث باستقرار الحج في ذمة الميت و شك في تأديته مقتضى الاستصحاب وجوب الحج عنه على الوارث، لتمامية أركانه. بل قد يقال بجريانه بالنسبة الى كل ما استقر في ذمة الميت و شك في أدائه.

و أما ظاهر حال المسلم فلا دليل على حجيته ما لم يحصل الاطمئنان.

و أما (دعوى) جريان أصالة الصحة- في فعل المسلم و حكومتها على الاستصحاب- يدفعها أن جريان هذا الأصل على تقدير اعتباره موقوف على صدور العمل من الغير و الشك في كونه أتى به على الوجه الصحيح أولا، و مقامنا ليس كذلك، للشك في أصل قيام الميت بما وجب عليه من حجة الإسلام.

مضافا الى إمكان المناقشة في اعتبار هذا الأصل كبرويا- فاننا لم نقف على دليل تعبدي يعتمد عليه في إثبات اعتباره و أنه قد يتمسك له ببعض الأخبار الواردة في المذمة على

اسائة الظن بأخ المؤمن و هو قوله: «ضع فعل أخيك على أحسنه» فهو غير واف بإثبات المطلوب، لأن المستفاد منه شي ء آخر و هو حمل فعل الصادر منه على الوجوه المباحة و لا يظن في حقه السوء.

و أما السيرة فلم تثبت قيامها على اعتبار هذا الأصل. نعم، في باب العقود يمكن دعوى الاتفاق على جريانه فيها بعد إحراز وقوعه من العاقد إذا شك في صدور منه على الوجه الصحيح أو الفاسد.

و الحاصل: أن دعوى جريان أصالة الصحة في المحل المفروض لا يخلوا عن المناقشة صغرا و كبرى، و لكن قد ذكرنا في الأصول اعتباره في الجملة و تمام الكلام في أصالة الصحة موكول الى محله و كيف كان فالمرجع على هذا هو الرجوع الى استصحاب عدم إتيانه بالحج.

ان قلت: إنه لا يمكن القول بجريان الاستصحاب في حقه و إثبات اشتغال ذمته بالحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 310

و ذلك لأن حكم كل شخص لا بد من إثباته بيقينه و شكه لا بيقين و شك غيره، فان المدار في الاستصحاب إنما يكون على اليقين و شك من له الحكم فلما يكون الحكم و هو وجوب الحج للميت فلا بد بأن يثبت بيقينه و شكه لا بيقين شخص آخر فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بجريانه، لأنه متوقف على ثبوت الوجوب عليه في الزمن السابق و هو فرع شكه في الزمن اللاحق و لا طريق لنا إلى إحراز ذلك. و اما يقيننا و شكنا فلا ثمرة فيه قلت: إن أصل الحج و إن كان تكليفا للميت و لكن علم الورثة باشتغال ذمته به سابقا يثبت لهم التكليف و هو لزوم القضاء عنه بإخراجه من أصل التركة

فلا مانع من جريان الاستصحاب لهم، لتمامية أركانه- و هو اليقين السابق و الشك اللاحق- لأن مفروض المقام علم الوارث بوجوب الحج عليه سابقا لعلمه بتحقق الاستطاعة له في حال حياته و شكه فيما بعد موته أنه أتى به أولا و منشأ شكه هو احتمال عدم إتيانه به مع أن المفروض ترتب الثمرة الشرعية عليه فيجري الأصل و لا ينبغي الإشكال في جريان الحكم في تمام الموارد لعدم الفرق بين ما إذا علم باشتغال ذمته بالحج في حال حياته و شك بعد موته أنه أتى به أولا و بين ما إذا علم باشتغال ذمته بالزكاة أو الخمس أو غيرهما من الماليات. و كذلك الكلام إذا علم باشتغال ذمة الميت بقضاء صلاة أو صيام و لم يعلم أنه أداها أولا ففي الجميع يحكم بوجوب الأداء على الوارث كما أفاده المصنف (قده) في المقام و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) في باب الزكاة حيث حكم بوجوب الأداء في مفروض المقام إذا لم يعلم أنه أداه دون الزكاة حيث قال في ختام باب الزكاة:

(الخامسة «من المسائل المتفرقة» إذا علم أن مورثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شك في أنه أداها أم لا ففي وجوب إخراجه من تركته، لاستصحاب بقاء تكليفه أو عدم وجوبه، للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث و استصحاب بقاء تكليف الميت بالنسبة إلى الوارث لا ينفع في تكليف الوارث؟ وجهان أوجههما الثاني). و ذلك لعدم الفرق بين المقامين فكما لا مانع من جريان الاستصحاب في مفروض المقام لتمامية جميع شروطه و أركانه فكذلك في الزكاة فلا وجه لاختصاص جريانه بالمقام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 311

و تفصيل الكلام هو

أنه (تارة) نقول بتعلق الزكاة بالذمة و بكونها صرف حكم تكليفي و (اخرى) نقول بتعلقها بعين المال على نحو الشركة العينية.

و (ثالثة) بماليته على نحو الشركة المالية.

فإن قلنا بالأول فلا ينبغي الإشكال في صيرورتها كالحج فكما يجرى الاستصحاب فيه فيما إذا لم يعلم أنه أداه أولا فكذلك يجري بالنسبة إليها فيما إذا لم يكن يعلم أنه أداها أولا و ان قلنا بالثاني أو الثالث فان كان المال المتعلق به الزكاة موجودا فكذلك بل جريانه في هذا الفرض اولى. و اما إذا لم يكن موجودا فان علم بأنه أتلفه عمدا في حال حياته فالمرجع أيضا هو الاستصحاب و هو استصحاب عدم إعطائه الزكاة الحاكم على استصحاب عدم انتقالها الى ذمته فلا يضر إتلافه بحق الفقراء بل على الوارث أدائها بتمامه كما عرفت في دين الحج. و اما إذا علم بأنه تلف بالآفة السماوي لا بالإتلاف فلا إشكال في عدم ضمان الميت فلا يجب أدائها على الوارث و اما إذا شك في أنه هل كان ذلك من باب التلف أو الإتلاف فمقتضى استصحاب عدم الإتلاف هو عدم ضمان الميت الموجب لعدم وجوب الأداء على الوارث و لا يعارضه استصحاب عدم التلف لانه، مثبت لعدم ترتب الأثر عليه إلا بإثبات لازمه و هو الإتلاف فكيف كان ما افاده المصنف (قده) في الزكاة- من منع وجوب إفراغ ذمة الميت عما اشتغلت ذمته به منها مع الشك في أدائها حال الحياة- بإطلاقه لا يخلو عن المناقشة. نعم، إنما يتم قوله لو كان المفروض تلف المال المتعلق به الخمس أو الزكاة من دون تفريط من الوارث و لعل ذلك هو مراد المصنف و لذا قد يقال بأنه لا ينفى جعل ما

ذكره من المنع إشكالا عليه ثم انه لو فرض تلف بعض الأعيان المتعلقة به الخمس و الزكاة فهل يقسط التالف على الوارث و الفقير أو لا؟ فان كان ذلك بتفريط من الوارث فلا يضر ذلك بحق الفقراء بل على الوارث أداء حقها بتمامه. و أما إذا كان التلف سماويا بغير تفريط من الوارث فعلى هذا الفرض يختلف الحكم باختلاف المباني فعلى القول بتعلق الزكاة بعين المال على نحو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 312

الإشاعة يقسط التالف على الوارث و الفقير حسب النصيب. و اما بناء على القول بتعلقهما بالمال على نحو الكلي في المعين فلا يحسب التالف على الفقير ما دام كان المال باقيا بمقدار الحق. و اما ان بقي منه أقل من الفريضة أو لم يبق شي ء منه فان كان التلف سماويا يحسب على الفقراء. هذا بناء على القول بتعلق الزكاة و غيرها بالأعيان. و أما على القول بتعلقها بالذمة يجب على الوارث أدائها بعد استقرارها على الميت و إن لم يبق منه شي ء من دون تفريط مثل الحج.

فتحصل من جميع ما ذكرنا انه إذا علم باستقرار الحج عليه و لم يعلم انه أتى به أولا بحكم الاستصحاب يحكم بوجوب الحج عنه أو الاستنابة عنه على الوارث و كذا الكلام في الزكاة و الخمس فما أفاده- قدس سره- هنا مناف لما سبق منه في باب الزكاة ان قلت: انه لا تصل النوبة إلى استصحاب الاشتغال، و ذلك لكفاية أصالة الاشتغال في هذا الحكم قلت: انها و ان كانت ثابتة للميت لاشتغال ذمته به يقينا، و أما بالنسبة إلى الورثة فمرجع الشك فيه إنما يكون في أصل اشتغال ذمتهم بوجوب إخراج الحج لا في

مرحلة الفراغ حتى تجري أصالة الاشتغال فالمرجع هو الاستصحاب.

و كيف كان فلا تترتب ثمرة عملية على كون المرجع أصالة الاشتغال أو استصحابه.

قوله قده (لا يكفي الاستيجار في براءة ذمة الميت و الوارث بل يتوقف على الأداء و لو علم ان الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانيا و يخرج من الأصل أن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير)

ما أفاده (قده)- من أنه لا يبرء ذمة الميت من أداء الفريضة بمجرد الاستنابة- متين لا ينبغي الكلام فيه و كذا ما أفاده من وجوب الاستيجار ثانيا في صورة العلم بأن الأجير لم يأت بالواجب من أصل تركته ان لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير، لإطلاق ما دل على أن حجة الإسلام تخرج من أصل المال فما دام الحج يكون باقيا فلا بد من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 313

الإخراج و إن لزم صرف الجميع هذا كله مما لا كلام لنا فيه إنما الكلام في صورة ما إذا لم يعلم ان الأجير أنى به أولا و التحقيق أنه: في صورة الشك أيضا يحكم بوجوب إعطاء الحج على الوارث ثانيا لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

و من هنا يظهر أيضا وجوب إعطاء الحج ثانيا فيما لو علم بإتيان الأجير بالحج و لكن لم يعلم أنه قصد بإتيانه عن نفسه، أو عن الغير لا عن الميت أو عنه و لا يكفي اخبار الأجير عن أنه أتى بالحج عن الميت ما لم يحصل الاطمئنان للوارث و لو كان الأجير عادلا بناء على القول بعدم كفاية العدل الواحد في الموضوعات تعبدا.

و لا يمكن هنا إقامة البينة على إتيانه بالحج بعنوان الميت فإن النية أمر قلبي لا يطلع عليه غيره، فالمدار في كفاية

الاستئجار عن الميت بالحج هو العلم بتحقق العمل من الأجير في الخارج. نعم، لا يعتبر تحصيل العلم الوجداني بذلك بل يكفي حصول الاطمئنان بذلك- الذي هو العلم النظامي العادي الذي عليه مدار العالم و أساس عيش بنى آدم- و هو حجة عند العقلاء و لم يرد من جانب الشارع ردع عنه و نفس عدم الردع إمضاء له كما لا يخفى

[المسألة العاشرة بعد المائة لا يجوز نيابة من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه]
اشارة

قوله قده: (من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة، و كذا ليس له أن يحج تطوعا. و لو خالف فالمشهور البطلان: بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه. و بعضهم الإجماع عليه. و لكن عن سيد المدارك التردد في البطلان.)

قال في الشرائع: (لا يصح نيابة من وجب عليه الحج و استقر الا مع العجز و لو ماشيا، و كذا لا يصح حجه تطوعا و لو تطوع قيل يقع عن حجة الإسلام و هو تحكم و لو حج عن غيره لم يجز عن أحدهما).

و في الجواهر: في شرح قول المحقق- طاب ثراه- (ادعى عدم وجدان الخلاف في الأول و هو الحج عن غيره بإجازة أو تبرعا) و قال المحدث الفيض الكاشاني في ذيل خبر سعد الآتي: (لعل معنى قوله: (فليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 314

يجزى عنه) ليس يجزى عن نفسه، و ان أجزأ عن الميت يعنى أن حج الصرورة بمال الميت عن الميت يجزى عن الميت سواء كان له مال أم لا، و لا يجزى عن نفسه إلا إذا لم يجد ما يحج به عن نفسه، فحينئذ يجزى عنهما- أى يوجران عليه- و لا ينافي وجوب الحج عليه إذا أيسر كما مضت الإشارة إليه

في خبر آدم بن على).

[مقتضى القاعدة الصحة و إن كان عاصيا]

قوله قده: (و مقتضى القاعدة الصحة و إن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه).

بلا كلام فيه لإتيانه بالحج بجميع أجزائه و شرائطه، فانطباق المأتي به على المأمور به قهري و الاجزاء عقلي.

قوله قده: (إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى أن الأمر بالشي ء نهى عن ضده و هي محل منع و على تقديره لا يقتضي البطلان، لأنه نهى تبعي)

لا يخفى أنه لو سلمنا كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فلا بد من الالتزام ببطلان الحج عن الغير هنا، لتعلق النهى و لو تبعيا به. و قد حقق في الأصول أن النهى في العبادات يوجب البطلان.

و الفرق بين النهي النفسي و التبعي في استلزام البطلان و عدمه مما لا وجه له فما أفاده المصنف (قده)- من أنه على تقديره لا يقتضي البطلان- مما لا يمكن المساعدة عليه و لكن الذي يسهل الخطب هو أن قاعدة اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده في نفسها ممنوعة كما قد حقق ذلك في الأصول.

ثم إنه ربما يستدل على عدم الصحة بأن مفروض المقام وجوب الحج عليه لنفسه فورا، فليس قادرا على تركه حتى يقدر على الحج عن غيره نيابة.

و (فيه): أن تعلق الوجوب بشي ء لا يوجب انتفاء القدرة التكوينية على تركه، و الا لزم انتفاء القدرة على فعله أيضا، لأن القدرة لا بد أن تكون في طرفي النقيض بحيث إن شاه فعل و ان لم يشأ لم يفعل، فيلزم من تعلق الوجوب بشي ء عدمه، لأن المفروض كون تعلق الوجوب به مستلزما لخروج المتعلق عن حيز القدرة، و هذا مستلزم لانتفاء التكليف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 315

لقبح التكليف بغير المقدور.

إن قلت: إن تعلق

الوجوب بشي ء لا يوجب انتفاء القدرة تكوينية على الإتيان بشي ء مناف له لكنه يوجب انتفاء القدرة الشرعية على ذلك، و من المعلوم أن الحج مشروط بها فيبطل بانتفائها. فظهر أن من وجب عليه الحج لا يصح أن يحج عن غيره لا لاقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده حتى يقال بمنعه. بل إنما يقال بذلك لأجل انتفاء القدرة الشرعية المشروطة في الحج له قلت: (أولا): أن القدرة الشرعية إنما تكون شرطا للوجوب لا لامتثاله حتى يوجب انتفائها بطلانه.

و (ثانيا): انه إن أريد من القدرة الشرعية المعتبرة في الحج عدم المزاحمة مع واجب آخر فاشتراطها في الحج كذلك أول الكلام. و إن أريد منها ان أخذ القدرة في لسان الدليل يكشف عن دخلها في الملاك فهذا غير مستلزم لاعتبار عدم المزاحمة مع واجب آخر فيه كما لا يخفى.

و (ثالثا): أن كشف أخذ القدرة في لسان الدليل عن دخلها في الملاك أول الكلام، لإمكان كونه إرشادا إلى حكم العقل و (رابعا): انه ذكرنا سابقا في الشرط الثالث ان القدرة المأخوذة في لسان دليل الحج ليست إلا الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة و قد فسرت تلك الاستطاعة في الأخبار الواردة في تفسيرها بأمور ليس منها عدم المزاحمة مع واجب آخر- و قد بيناه سابقا مفصلا.

و ما في بعض الأخبار من ذكر عدم عذر يعذره اللّه ليس المقصود منه ان ذلك شرط في أصل وجوب الحج و انما الظاهر منها انه لو ترك الحج مع العذر الشرعي لم يعاقب، لتركه الواجب عن عذر. و بالجملة الاستدلال على بطلان الحج عن الغير مع وجوبه على نفسه بانتفاء القدرة مما لا أساس له و ربما يستدل على عدم الصحة بأنه لا إشكال

في توجه التكليف اليه بعد تحقق الاستطاعة، و انه يقتضي التوقيت الذي يمنع عن قابلية الوقت لوقوع حج غيره فيه،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 316

فيختص الزمان بحجة الإسلام، كالصوم في شهر رمضان، فكما لا يجوز له أن يصوم فيه عن غيره لا بالنيابة و لا التبرع، لاختصاص الزمان بصوم نفسه، فكذا لا يجوز له أن يحج عن غيره فيما نحن فيه و (فيه): أن الأمر الفعلي المتعلق بشي ء لا يقتضي اختصاص الوقت به بحيث لا يصلح لوقوع غيره فيه، و انى لنا إثبات ذلك. و اما قياس المقام بصوم شهر رمضان فلا وجه له، لكونه مع الفارق و هو النص الخاص، فإثبات اختصاص الزمان في المقام بحج نفسه موقوف على دليل خاص و هو مفقود.

قوله قده: (و ربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبى الحسن موسى- عليه السلام- عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال- عليه السلام-:

نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله، و هي تجزى عن الميت إن كان للصرورة مال و ان لم يكن له مال «1» و قريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-

مراده (قده) بصحيح سعيد الأعرج هو ما عن سعيد بن عبد اللّه الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال- عليه السلام-: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال

«2»

قوله قده: (و هما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى فإن غاية ما يدلان عليه انه لا يجوز له ترك حج نفسه و إتيانه عن غيره و اما عدم الصحة فلا. نعم، يستفاد منهما عدم اجزائه عن نفسه).

قد يقال بما أفاده (قده) و ذلك لأن الظاهر من قوله- عليه السلام- في ذيل خبر سعد ابن أبي خلف: (و هي تجزى عن الميت ان كان للصرورة مال و ان لم يكن له مال) هو الصحة كما لا يخفى. و لكن يمكن الاستدلال بفقرتين منه على البطلان:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 317

(الاولى): بقوله- عليه السلام- في صدره: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه) المقتضى بمفهومه أنه لو كان واجدا لما يحج به لم يجز له الحج نيابة أو تبرعا عن الميت، فيكون حجه عنه باطلا للنهى عنه (الثانية): بقوله- عليه السلام- فيه: (فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله) بناء على أن الضمير في «عنه» راجع الى الميت لا إلى النائب، و لما لم يأت به لنفسه فهو باطل، لكونه منهيا عنه. و لكن يحتمل رجوع الضمير في «عنه» إلى النائب بأن يقال: إن السؤال و ان كان عن اجزاء الحج عن الميت و عدمه لا عن أجزائه عن النائب و عدمه لكنه ذكر- عليه السلام- في البين جملة معترضة- و هو عدم اجزائه عن النائب- ثم ذكر- عليه السلام- جواب السائل بقوله: «و هي تجزى عن الميت ان كان

للصرورة مال و ان لم يكن له مال» و لكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال من البعد، لأن دعوى كون ذلك جملة معترضة قدمها الامام- عليه السلام- على جواب السائل بعيد عن المحاورات العرفية و لا يليق هذا المعنى بشأنه- عليه السلام- فالظاهر رجوع الضمير في «عنه» الى الميت، فيدل على البطلان هذا و لكن ذيله و هو قوله- عليه السلام-: «و هي تجزى عن الميت. إلخ» ظاهر في الصحة كما لا يخفى. فحينئذ يقع التهافت بين صدره و بين ذيله، لدلالة صدره و هو قوله: (فليس يجزى عنه) على عدم إجزاء حجه على الميت. و هذا بخلاف ذيله و هو قوله: (و هي تجزى عن الميت) فلا بد في رفع التهافت من ارتكاب خلاف الظاهر، فنقول: ما يمكن أن يقال في تفسير الحديث على وجه يرتفع التهافت من صدره و ذيله وجوه ستة:

(الأول): ان يكون المراد منه ما يظهر من ذيله- و هو صحة الحج عن الميت- و أما صدره و هو قوله: «أ ليس يجزى عنه» فيقال برجوع الضمير في «عنه» إلى النائب لا الى الميت حتى لا ينافي ذيله و أما قوله- عليه السلام-: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه) المقتضى بمفهومه النهى عن حجه عن الميت ان كان له ما يحج به عن نفسه فليس المراد به النهي المولوي التحريمي الموجب للبطلان بل المراد به الإرشاد الى ما يحكم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 318

به العقل من لزوم الإتيان بحج نفسه، لأنه لو أتى به في سنته عن الميت لما تمكن فيها من الإتيان بالحج عن نفسه الذي هو واجب فوري يوجب تأخيره استحقاق العقوبة،

لكونه عصيانا، فعليه ترك الحج عن الميت في هذه السنة و الإتيان بالحج عن نفسه فيها و عليه فمفهوم قوله- عليه السلام-: (إذا لم يجد الصرورة ما يحج به) هو أنه ليس له أن يحج عن غيره إرشادا لا تكليفا.

(الثاني): ان المقصود منه ما يظهر من صدره من بطلان الحج و اما قوله: «و هي تجزى عن الميت» فيحمل على ما إذا أتى بالحج أولا ثم أتى به ثانيا عن الميت في السنة الثانية (الثالث): ان المراد من الصرورة الواقعة في منطوقه هو الميت لا النائب فعليه لا يدل ذيله على صحة الحج مع فرض كون النائب ذا مال حتى ينافي صدره.

(الرابع): ان المراد بقوله: (ان كان للصرورة مال. إلخ) ليس هو المال الوافي بالحج حتى يناقض الصدر بل المراد به كونه واجدا لمقدار أقل من ذلك و عليه فالمقصود انه لا يشترط في النائب الصرورة ان يكون فقيرا مستحقا للزكاة بل يجوز نيابته و استنابته و لو كان غنيا شرعيا بحيث لم يستحق الزكاة لكنه لم يكن واجدا بمقدار ما يحج به.

(الخامس): ان للنائب حالات ثلاثة: الاولى: ان يكون له من المال ما يحج به.

الثانية: ان لا يكون له ذلك. الثالثة: كونه مالكا لما يحج به و لكنه لتلف ماله غير متمكن من الحج فبين- عليه السلام- حكم القسم الأول بقوله: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه) و حكم القسم الثاني بقوله: (أو لم يكن له مال) و حكم القسم الثالث بقوله:

(و هي تجزى عن الميت ان كان للصرورة مال) (السادس): ان المراد ليس هو النهى عن استنابة الصرورة الذي له مال بل المراد ان السائل لما تخيل أن الصرورة

لو حج عن الميت اجزء عنهما فبين الامام- عليه السلام-:

أن الحج الواحد لا يجزى عن اثنين، فما أتى به عن الميت يقع عن الميت و عليه الإتيان بالحج عن نفسه ان كان له مال هذه هي الوجوه المتصورة في رفع التهافت، فإن أمكن رفع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 319

التهافت من صدره و ذيله بأحد هذه الوجوه فهو، و الا فيصير مجملا و لا بد من الرجوع الى مقتضى القاعدة لو لا قيام نص آخر بالخصوص على البطلان. هذا تمام الكلام في خبر سعد ابن أبي خلف.

و أما صحيح سعيد الأعرج فيمكن الاستدلال به على الصحة بما في ذيله من قوله- عليه السلام-: (و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن) بناء على رجوع الضمير في قوله: (له) إلى النائب لا الى الميت وفاقا لما افاده (قده) و لكن يمكن الاستدلال بفقرتين منه على البطلان:

(الاولى): قوله- عليه السلام-: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به) فان مقتضى مفهومه انه لو وجد الرجل ما يحج به لم يجز له الحج عن الميت، و قد حقق في الأصول ان النهى في العبادة يوجب البطلان.

(الثانية): قوله- عليه السلام-: (فان كان له مال فليس له ذلك) فان الظاهر ان المراد منه أنه ان كان له مال لم يجز له ان يحج عن الميت. و يحتمل ان يراد به أنه ان كان له من المال ما يوجب الحج عليه فليس له الاكتفاء بالحج عن نفسه بما أتى به من الحج عن الميت بل عليه أن يأتي به عن نفسه على حدة و على هذا فلا دلالة في هذه الفقرة على البطلان بل تدل على الصحة

لكن هذا المعنى خلاف الظاهر. و اما ذيله و هو قوله- عليه السلام-: (و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن) فكما يحتمل ان يكون الضمير في قوله: (له) راجعا إلى النائب و حينئذ يدل على الصحة فكذلك يحتمل ان يكون راجعا الى الميت لكن ظهور صدر الحديث في البطلان قرينة على رجوع الضمير في ذيله الى الميت لا النائب.

فالتحقيق: انه يدل على البطلان خلافا لما أفاده المصنف من دلالته على الصحة و يدل على البطلان ايضا ما عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال قال يحج عنه صرورة لا مال له «1» و المستفاد منه بظاهره أمران:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 5 من أبواب النيابة. الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 320

(الأول): اعتبار كون النائب عنه صرورة لدلالة ذيله و هو قوله: (يحج عنه صرورة) و هذا خلاف الإجماع ان لم نقل بكونه خلاف ضرورة الفقه و ذلك لانه لا ينبغي الارتياب في جواز استنابة غير الصرورة عنه.

(الثاني): اشتراط ان لا يكون للنائب الصرورة مال و هذا هو المطلوب. ثم إنه لما كان الحكم- و هو عدم جواز النيابة لمن كان واجدا لما يحج به- على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار على مورد النص و هو الاستنابة عن الميت فلو استنيب الصرورة الذي له مال يحج به عن الحي المعذور عن الحج مباشرة يحكم بصحته و ان أثم بتأخير الحج عن نفسه لعدم شمول الأخبار الدالة على اعتبار عدم كونه ذا مال يحج به للاستنابة عن الحي، لعدم إمكان استظهار كبرى كلية منها بعد

احتمال دخل خصوصية للمورد و هو الاستنابة عن الميت في الحكم بعدم الجواز كما لا يخفى. نعم يمكن اعتبار ذلك في الاستنابة عن الحي أيضا بمضمر علي بن أبي حمزة قال: سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه؟ فقال عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1» و لكنه لا ينهض لإثبات الحكم المخالف للقاعدة فإن فيه مضافا الى الإضمار ضعف السند، فتحصل من جميع ما ذكرنا ان من كان عليه حج واجب و كان متمكنا من أدائه لا يجوز له النيابة عن الغير بإجارة أو تبرع كما هو المشهور و لو خالف فهو باطل. هذا الحكم و ان كان على خلاف القاعدة الا إنه يرفع اليد عنها لأجل التعبد على خلافها و هو الاخبار المتقدمة. هذا إذا قلنا بدلالتها على البطلان و أما إذا لم نقل بذلك و ناقشنا في دلالتها عليه فالمرجع هو ما تقضية القاعد- و هو الصحة- لما عرفت.

[و أما إذا لم يتمكن من حج نفسه فلا إشكال في الجواز و الصحة]

قوله قده: (هذا كله لو تمكن من حج نفسه و أما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز و الصحة عن غيره).

و في المدارك: (و اما المنع من الحج عن الغير فإنما يتم مع التمكن من الإتيان بالواجب، فلو تعذر جازت الاستنابة لجواز تأخير ذلك الواجب

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 321

الفوري بالعجز عنه و متى جاز التأخير انتفى المانع من الاستنابة كما هو ظاهر) و في محكي الدروس: (و يشترط الخلو من حج واجب على النائب الا ان يعجز عن الوصلة اليه).

و في الجواهر: (من وجب عليه حجة

الإسلام و كان متمكنا منها لا يحج عن غيره متبرعا أو بإجارة).

ما أفاده (قده) متين، لاختصاص الأخبار المتقدمة على تقدير تماميتها في المنع بصورة تمكنه من الحج عن نفسه.

[و كذا إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه]

قوله قده: (بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه، لعدم علمه باستطاعته).

لا يخفى ان ما أفاده المصنف (قده)- من صحة حجه في صورة عدم علمه باستطاعته- انما يتم بناء على القول بأن المانع عن صحة حجه عن الميت هو مزاحمته للحج الواجب على نفسه فورا لان قوام التزاحم بالعلم و لكن قد عرفت ان المانع عن صحة حجه هو دلالة الأخبار المتقدمة و هي لا تختص بصورة العلم. فالأخبار المتقدمة على تقدير تماميتها شاملة لغير صورة العلم كما لا يخفى.

[في المفروض الإجارة باطلة قطعا و لو قيل بصحة الحج و إجزائه]

قوله قده: (ثم على فرض صحة الحج عن الغير و لو مع التمكن و العلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة مع كون حجه صحيحا عن الغير الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه.).

لا ينبغي الإشكال في انه بناء على بطلان الحج تكون الإجارة باطلة إنما الكلام و الاشكال في انه بناء على صحته هل تكون الإجارة صحيحة أم لا؟

التحقيق عدم إمكان التفكيك بين صحة الحج و صحة الإجارة فلو صح حجه صحت إجارته أيضا، فإن للإجارة ركنين: (الأول): قدرة الأجير على تسليم العمل المستأجر عليه، لأن ما لا يكون مقدورا له لا يقع موردا للمعارضة كما قد حقق في محله.

(الثاني): قابلية المستأجر لاستيفاء المنفعة و كلاهما حاصلان في المقام كما هو واضح فلا وجه لبطلانها، غاية ما يمكن أن يتوهم كونه دليلا على بطلان الإجارة مع فرض صحة الحج وجوه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 322

(الأول)- عدم قدرة الأجير شرعا على العمل المستأجر عليه لوجوب الحج على نفسه فورا و معلوم ان القدرة على العمل المستأجر عليه

شرط في صحة الإجارة و عدم القدرة في المقام و ان كان شرعيا فقط، لوجود القدرة التكوينية له لكنه قد قرر في محله أن المانع الشرعي كالمانع العقلي. و فيه: (أولا): ما مر من الجواب عنه بما لا مزيد عليه. (و ثانيا):

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 322

أنه على فرض تماميته يقتضي بطلان أصل الحج ايضا فلا وجه للتفكيك بين الحج و الإجارة في الصحة و البطلان.

(الثاني)- أنه لو صحت الإجارة توجه إليه الأمر بالوفاء بها، فيلزم اجتماعه مع الأمر بالحج لنفسه و هما متنافيان، لعدم القدرة على امتثال كليهما. و (فيه): أن غاية الأمر دخول ذلك في باب التزاحم فيجري عليه حكم التزاحم من تقديم الأهم إن كان على الآخر و من كون المهم ايضا مأمورا به بناء على الترتب. هذا فيما إذا كان أحدهما أهم من الآخر.

و أما إذا لم يكن أحدهما أهم من الآخر فان قلنا بصحة الترتب من الطرفين تحقق كلا الأمرين على نحو الترتب و ان قلنا بعدم صحته، كما هو الحق على ما بيناه في الأصول فيكفي وجود الملاك في صحته.

(الثالث)- ان يقال ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده و هذا النهى لا يوجب فساد أصل الحج، لكونه نهيا تبعيا لكنه يوجب فساد الإجارة. و (فيه): (أولا):

منع أصل المبنى و (ثانيا): أنه على فرض صحته لا وجه للتفصيل بين أصل الحج و الإجارة بكون النهي التبعي مفسدا للإجارة دون أصل الحج.

(الرابع)- ان يقال ان الإنسان لا يملك في آن واحد منافعه المتضادة و لذا قد بينا في محله من أنه

لو صار أجيرا لشخص للإتيان بعمل ثم صار أجيرا لشخص آخر في ذلك الزمان يحكم ببطلان الإجارة الثانية، لعدم موضوعها و هو القدرة على العمل المستأجر عليه، و على هذا فنقول في المقام ان الشارع قد أوجب الحج على نفس الأجير فورا، لتحقق موضوعه- و هو الاستطاعة- فصار عمله ملكا للّه تعالى و ليس بعد ذلك مالكا لعمل آخر حتى يقع أجيرا عليه، لما عرفت من أن الشخص لا يملك منافعه المتضادة فالإجارة باطلة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 323

و لكن أصل الحج صحيح، لعدم اعتبار مالكية العمل في صحة الحج، و هذا بخلاف الإجارة، لاعتبارها فيها.

و (فيه): أنه ان أريد من صيرورة عمله ملكا للّه تعالى لأجل وجوب الحج عليه عن نفسه هو الملكية بالمعنى المتعارف المعهود عند المخلوقين فهو لا يتصور في حق اللّه تعالى و لا يناسب شأنه العزيز، و لا يمكن التفوه بذلك و تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و ان أريد من ذلك هو المعنى المناسب للّه تعالى فلا إشكال في انه مالك الملوك و لا يخرج عن ملكه شي ء كما لا يخفى. فتحصل مما ذكرنا أنه لا وجه للتفكيك بين صحة الحج و الإجارة، فما أفاده المصنف (قده)- من صحة الحج و بطلان الإجارة- مما لا يمكن المساعدة عليه.

[نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له ان يؤجر نفسه للحج عن غيره]

قوله قده: (نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له ان يؤجر نفسه للحج عن غيره و ان تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته.).

لا يخفى ان المدار انما هو بالتمكن من الحج في وقته لا قبله فعليه مع عدم تمكنه من الحج عن نفسه ثم تمكنه بعد الإجارة في وقته كشف

عن بطلان الإجارة من أول الأمر.

و الحاصل: انه لا وجه للتفصيل في صحة الإجارة و بطلانها بين كون عدم التمكن من الحج عن نفسه ثابتا قبل الإجارة و بين طروه بعدها، لأن المدار انما هو بالتمكن حين العمل فالإجارة أما صحيحة مطلقا و إما باطلة مطلقا فما افاده المصنف (قدس سره) من صحة الإجارة في مفروض المقام مما لا يمكن المساعدة عليه.

[لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه]

قوله قده: (بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه فآجر نفسه للنيابة)

ما افاده (قده) انما يصح بناء على كون المانع عن صحة الإجارة هو مزاحمتها مع واجب آخر، لكون قوام التزاحم بالعلم و اما بناء على كون المانع عن ذلك عدم مالكية الأجير للعمل أو غير ذلك من الوجوه فلا فرق في الحكم بين العلم و عدمه.

[لو نوى الندب غفلة يجزي]

قوله قده: (نعم لو نوى الأمر المتوجه اليه فعلا و تخيل أنه أمر ندبي غفلة عن كونه مستطيعا أمكن القول بكفاية حجه عن حجة الإسلام).

لا يخفى أن إجزائه عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 324

حجة الإسلام مع قصد الأمر الندبي ليس مشروطا بصغرويته لكبرى الخطأ في التطبيق بل لو قصد الأمر الندبي واقعا لا الأمر الفعلي المتوجه اليه المتخيل أنه ندبي حتى يكون خطاء في التطبيق صح أيضا لأنه ليس مرجع ذلك الى التقييدية. نعم، لو كان قصده إتيانه بشرط وقوعه ندبا بحيث لو وقع واجبا لا يريده كان تقييدا و لكنه لا يصدر ذلك عن عاقل كما لا يخفى

[إذا كان الحج الواجب عليه حجا نذريا أو غيره فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام]

قوله قده: (ثم إذا كان الحج الواجب عليه حجا نذريا أو غيره و كان وجوبه فوريا فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام من عدم جواز حج غيره و انه لو حج صح أولا و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.).

ما أفاده (قده) انما يتم بناء على مقتضى القاعدة. و أما بناء على ما عرفت من ان الدليل على بطلان الحج هو النصوص الخاصة المتقدمة الدالة على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار على موردها و هو استنابة من عليه حجة الإسلام لا مطلق الحج الواجب عليه، لأن هذا الحكم لما يكون مخالفا لمقتضى القاعدة لا بد بان يقتصر على موردها.

[الفصل الثالث في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين]

[أدلة اعتبار البلوغ في انعقادها]
اشارة

قوله قده: (و يشترط في انعقادها البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار فلا تنعقد من الصبي و ان بلغ عشرا و قلنا بصحة عباداته، و شرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه.).

قد تسالم الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- على اعتبار البلوغ في انعقاد النذر و العهد و اليمين، كاعتبارهم العقل و القصد و الاختيار في ذلك، فلا كلام فيه من حيث الفتوى، انما الكلام في دليله و مدركه. و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول) [الإجماع]

- ما في نذر الجواهر من الإجماع بقسميه عليه. و (فيه): أنه قد تكرر منا مرارا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية، فلا عبرة به، بل العبرة بالمدرك ان تم.

(الثاني) [حديث رفع القلم]

-

ما اشتهر الاستدلال به في الجواهر و غيره: من حديث رفع القلم: و هو ما عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: أتى عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فقال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 325

على- عليه السلام-: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ؟! «1» و نحوه ما في الإرشاد و لكن زاد فيه: أن النبي- صلى اللّه عليه و آله- قال: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم. إلخ «2».

و (فيه): أن الظاهر من مثل هذا الحديث بقرينة كلمة المجاوزة- الظاهرة في رفع منشأ الثقل- هو كون المرفوع قلم التكليف الإلزامي، لأنه الموجب لاستحقاق العقاب في المؤاخذة، فلا يشمل الأحكام الوضعية، فإطلاق أدلة سببية الأسباب- الشامل للبالغ و غيره على وزان واحد- محكم. و عليه فلا يستقيم الاستدلال بحديث رفع القلم على عدم صحة نذر الصبي. الا أن يقال: إن استشهاد الامام- عليه السلام- بحديث رفع التسعة على عدم وقوع الطلاق، و العتاق، و صدقة ما يملك يدل على عموم الحديث لجميع الآثار الشرعية و ان كانت وضعية فتدبر.

(الثالث)- ما دل على أن عمد الصبي خطاء:

و هو:

1- عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: عمد الصبي و خطأه واحدة «3».

2- عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه- عليهما السلام- أن عليا كان يقول عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة «4» و نحوهما ما في الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و (فيه): ما لا يخفى، لورودها في باب الضمانات، فهي أجنبية عما نحن فيه كما لا يخفى.

(الرابع)- ما قيل: من أنه مسلوب العبارة

و (فيه): أنه لم يدل عليه حجة معتبرة.

______________________________

(1) الوسائل- ج- 1- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.

(2) الوسائل- ج- 3 الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2 و لكن هذه الزيادة ليست في الإرشاد و لا في الوسائل.

(3) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب العاقلة الحديث 2.

(4) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب العاقلة الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 326

(الخامس)- مقتضى الأصل العملي،

لحصول الشك في أصل انعقاده بدون البلوغ و (فيه): أنه مقطوع بالعمومات و الإطلاقات- الدالة على سببية الأسباب التي لم يفرق فيها بين البالغين و غيرهم.

فظهر مما ذكرنا عدم دليل معتبر على اعتبار البلوغ في انعقادها. و لكنه مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في أصل اعتبار البلوغ في انعقادها، لتسالم جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- على ذلك الموجب للقطع بالحكم. مع أن من البعيد جدا أن يكون مستندهم في ذلك هو حديث رفع قلم الوجوب عنه مع وضوح المناقشة فيه، كما عرفت؛ أو كون عمد الصبي خطاء مع وضوح ما عرفته ما فيه، أو غير ذلك مما تقدم آنفا.

و بالجملة قد تكرر منا أن الإجماع بنفسه و لو لم يكن حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة و لكن قد بينا مرارا أنه مهما صار منشئا لحصول الاطمئنان بالحكم فلا إشكال في حجية ذلك الاطمئنان فالعمدة حينئذ في وجه اعتبار البلوغ في انعقادها هو الإجماع لا غير.

هذا و يمكن إثبات اعتبار البلوغ في صحة نذره و عهده و يمينه بحديث رفع القلم وفاقا للمصنف (قده) و غيره من الفقهاء. بتقريب: أنه و ان سلمنا أن دليل الرفع امتنائى و أن لفظ (رفع) خصوصا مع تعديته بعن

يدل على رفع الثقل فيناسب رفع التكاليف الإلزامية به؛ إلا أن الامتنان و رفع الثقل لا ينحصر في التكاليف الإلزامية بل يتأتى ذلك في بعض الأحكام الوضعية الموجبة للتضيق عليه كما في نذره، و عهده؛ و يمينه، و هبته، و عتقه و نحوها لكونها الموجبة للضيق عليه و رفعها امتنان عليه كما لا يخفى. و على فرض تسليم اختصاص الرفع بالأحكام التكليفية الإلزامية نقول: إن النذر أمر عرفي تكويني خارجي موضوع لحكم الشارع بوجوب الوفاء به، لأن معنى صحة نذره هو أن الشارع قد حكم حكما تكليفيا بوجوب العمل به خصوصا في نذر الفعل، و معنى عدم صحته هو عدم حكمه بوجوب الوفاء به، و ليست الصحة فيه كالصحة في العتق التي هي عبارة عن سببيته لحكم وضعي و هو الحرية فعليه يكون حكم الشارع بوجوب الوفاء به عليه مرفوعا، لكونه من التكاليف الإلزامية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 327

المرفوع بحديث رفع القلم، فنذره غير صحيح. ثم، إنه لو رفعنا اليد عنه يكفينا في هذا الحكم الدليل الثالث، و ذلك لأنه و ان كان بعض الروايات مختصا بباب الضمانات لتذييله بقوله- عليه السلام-: «تحمله العاقلة» الا أن بعضها الآخر غير مختص بها، لعدم تذييله به فقوله- عليه السلام- في صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «عمد الصبي و خطأ واحد» مطلق و يحكم بمقتضى إطلاقه عدم صحة نذره، لكون عمده كخطأه في عدم ترتب الأثر، و لكنه انما يتم بناء على صحة سنده، أو جبره و عدم وجدان قرينة على اختصاصه بمورد خاص، و على فرض تماميته يصير دليلا ايضا على الوجه الرابع و هو ما قيل: من ان الصبي مسلوب العبارة كما هو واضح.

و لكنه مع ذلك كله تحتاج المسألة إلى التأمل.

[انعقاد النذر و أخويه من الكافر]
[بيان تمشي قصد القربة من الكافر]

قوله قده (و الأقوى صحتها من الكافر وفاقا للمشهور في اليمين خلافا لبعض للمشهور في النذر وفاقا لبعض.)

قد ذهب جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- الى عدم صحة النذر من الكافر منهم المحقق- طاب ثراه- حيث قال في الشرائع: (فلا يصح من الصبي و لا من الكافر، لتعذر نية لقربة منه لكن لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء). و منهم صاحب الجواهر (ره) حيث آل: (لم أجد خلافا في عدم صحته منه بين أساطين الأصحاب، كما اعترف به في الرياض. نعم أمل فيه سيد المدارك. و تبعه في الكفاية، فإنهما بعد ان اعترفا بالشهرة و ذكرا الدليل لذكور قالا: و فيه منع واضح، لإمكان التقرب من الكافر المقر باللّه. و في الرياض:

لا يخلو من قوة ان لم يكن الإجماع على خلافه كما هو الظاهر، إذ لم أره مخالفا سواهما من لأصحاب». و منهم العلامة في القواعد حيث قال: «لو نذر الكافر لم ينعقد لتعذر نية القربة؟؟ ه». و منهم الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام حيث قال: (لتعذر نية القربة منه و إن استحب له الوفاء إذا أسلم، و لو حلف انعقد على رأى).

و الأقوى هو ما افاده المصنف قده- من انعقادها من الكافر-، و ذلك لعدم؟؟؟ النذر و أخويه من الأمور العبادية المتقومة بقصد القربة- كالصلاة و الصوم و نحوهما العبادات- حتى يقال بعدم انعقادها منه، لعدم تمشي قصدا لقربة، بل النذر و أخواه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 328

من الأمور التوصلية التي لا يعتبر في تقومها ذلك فعليه لا مانع من انعقادها من كل أحد.

ان قلت: إن خصوص صيغة النذر تقتضي اعتبار

القربة فيه و هو قول الناذر: «للّه على كذا» و ذلك لأن مفادها هو الالتزام بالفعل أو الترك للّه تعالى و القربة المعتبرة في العبادة ليست الا ذلك المعنى، فعليه يكون النذر من التعبديات لا من التوصليات، فيحكم بعدم انعقاد النذر من الكافر، لعدم تحقق شرطه منه و هو قصد القربة.

قلت: (أولا): بالنقض، لأن القول به في النذر يوجب الالتزام به في أخويه أيضا لعدم الفرق بين كلمة: «للّه على كذا» في النذر. و كلمة: «عاهدت اللّه» في العهد، و كلمة:

و اللّه «على كذا» في اليمين، فلا بد من اعتبار قصد القربة في اليمين و العهد مع أن المشهور لم يلتزموا بذلك فيهما. هذا إذا لم نقل بان في صيغة النذر خصوصية.

و (ثانيا): بالحل، لأن مفاد صيغة النذر و أخويه هو إنشاء التزام العبد بفعل أو ترك له سبحانه و تعالى- بحيث يصير بالإنشاء المزبور مديونا له تعالى و الملتزم به مملوك له عز و جل- فاللام في قوله: «للّه على كذا» للملك بالمعنى المناسب له تعالى شانه نظير اللام في قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «1» و لا تدل على اعتبار القربة في شي ء من النذر و أخويه، و مجرد كون شي ء للّه تعالى لا يقتضي عباديته و الا يلزم عبادية جميع الواجبات الشرعية و عدم توصلية شي ء منها و هو كما ترى، فالحق عدم اعتبار نية التقرب في النذر و أخويه و انعقادها و لو بداعي الشهوة.

و لا ينافي هذا ما أفاده صاحب الجواهر (ره) في مبحث النذر في شرح قول المحقق طاب ثراه: «و يشترط مع الصيغة نية القربة» حيث قال: (لا إشكال في اعتبار

نية القربة فيه لكن لا على معنى قصد الامتثال بإيقاعه كغيره من العبادات التي تعلق الأمر بإيجادها على جهة الوجوب أو الندب ضرورة عدم الأمر به. الى ان قال بل المراد بها ان شاء الالتزام بذلك للّه لا لغرض آخر كما لا يخفى).

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 329

و (ثالثا): على فرض تسليم كون جميعها أو خصوص النذر من التعبديات المتقومة بقصد القربة فنمنع الصغرى و هو عدم تمشي قصد القربة منه وفاقا للمصنف (قده) و خلافا لصاحب كشف اللثام و صاحب الشرائع و غيرهما من الفقهاء- قدس سرهم- ممن ذهب الى عدم تمشي قصد القربة منه، لعدم المانع من تمشي ذلك منه خصوصا من الكفار القائلين بثبوت الصانع لهذا العالم- كاليهود و النصارى و غيرهما من أهل الكتاب ممن يعتقد بوجود الصانع جلت عظمته و ان جميع الموجودات العلوية و السفلية مخلوقة للّه تعالى- فيمكن لهؤلاء الكفار أن يتقربوا الى اللّه تعالى بما يرونه مقربا لهم اليه تعالى من النذر و غيره هذا كله بالنسبة الى أهل الكتاب. و أما الكفار الذين يعبدون الأصنام فكذلك، إذ لا مانع من تمشي قصد القربة منهم بأن يتقربوا بأحد هذه الأسباب إليه تعالى و بغيرها مما رأوها وجها للتقرب، و ذلك لأن هذه الطائفة من الكفار لا يعبدون الأصنام حقيقة لذاتهم و بما أنها معبودة من دون نظر الى غيرها بل انما يعبدونها و يخضعون و يخشعون في قبالها ليقربوهم اليه تعالى و يجعلوها واسطة في قضاء حوائجهم كما حكى اللّه تعالى في كتابه المجيد عن ذلك بقوله: «مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلّٰا لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ «1» فتحصل مما ذكرنا انعقاد النذر و

أخويه من الكافر كانعقادها من المسلم.

و لكن لا يخفى أن ما أفاده صاحب الجواهر (ره)- من عدم صحته من الكافر- انما يتم فيما إذا لم يكن الكافر معتقدا بوجود الصانع كالماديين و أما غيره فلا لما عرفت آنفا.

[أدلة عدم اعتبار قصد القربة في النذر]

قوله قده: (و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر و لا يتحقق القربة في الكافر.).

ما أفاده قده في وجه التفصيل بين اليمين و النذر في الحكم بانعقاد الأول من الكافر دون الثاني نقلا عنهم مما لا يمكن المساعدة عليه. أما (أولا): فلعدم ورود دليل تعبدي على اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر فيكون توصليا. و أما القول باقتضاء نفس صيغة النذر اعتبار القربة فيه فقد عرفت ما فيه. و (ثانيا): على فرض تسليم اعتباره فلا مانع من

______________________________

(1) سورة الزمر: الآية- 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 330

حصولها من الكافر كما عرفت.

قوله قده: (و فيه ان القربة لا تعتبر في النذر بل هو مكروه.).

يمكن ان يقال بما افاده المصنف (قده) و يستدل عليه- اى على عدم اعتبار قصد القربة- بوجهين:

(الأول)- مقتضى الإطلاقات الدالة على وجوب الوفاء بالنذر إذا شك في اعتبار قصد القربة فيه، إذ التعبدية تحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا و الأصل عدمها الا ان يقوم دليل تعبدي آخر على اعتبارها فيه و لم يثبت فيدفع الشك بالإطلاقات.

و لا يخفى ان جواز التمسك بها على عدم اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر موقوف على الإشارة ما هو محرر في الأصول و هو أن التقابل بين الإطلاق و التقييد ان كان تقابل التضاد كما نسب الى المشهور، أو السلب و الإيجاب، كما عزى الى السلطان (ره) فيتمسك

بالإطلاق لدفع الشك في اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر و أخويه، و ان كان تقابل العدم و الملكة كما عليه جماعة منهم الميرزا المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فجواز التمسك بالإطلاق موقوف على كون القربة مطلق الداعي الإلهي، إذ لو كانت القربة خصوص قصد الأمر فيمتنع التقييد، لتأخر القربة حينئذ عن الأمر و ترتبها عليه و يستحيل دخل ما يترتب على الأمر في متعلقة المتقدم رتبة على الأمر كما اتضح مفصلا في محله و امتناع التقييد يوجب امتناع لإطلاق، لأن المطلق هو ما من شأنه أن يقيد و لا يقيد، فيكفي في امتناع الإطلاق امتناع التقييد. لكن هذا في التقييد اللحاظي دون ما هو نتيجة التقييد، لأنه بمكان من الإمكان فلا مانع حينئذ من التمسك بالإطلاق غاية الأمر أن هذا الإطلاق مقامي لا لفظي و هو كاف في رفع الشك، كالإطلاق اللفظي كما لا يخفى.

(الثاني)- ما دل من الأخبار على كراهة النذر و هو ما في موثق إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: انى جعلت على نفسي شكرا للّه ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم ثم قال: إني لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه. قلت: إني لم اجعلهما للّه على إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا للّه و لم أوجبهما على نفسي أ فأدعهما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 331

إذا شئت؟ قال: نعم «1» و ما عن على بن أسباط عن الحسن بن على الجرجاني عمن حدثه عن أحدهما قال: لا توجب على نفسك الحقوق و اصبر على النوائب «2». الى غير ذلك من الإخبار الواردة عنهم- عليهم السلام-

الدالة على كراهة النذر و دلالتهما على الكراهة واضحة فإذا كان مكروها فكيف يمكن ان يتقرب به.

و فيه: (أولا): احتمال ورود هذه الإخبار في مقام الإرشاد لا المولوية حتى يقال بدلالتها على الكراهة. و المقصود منها أنه لا وجه لأن يزيد المكلف تكليفا على نفسه بالنذر أو بغيره مع وجود تكاليف عديدة في عهدته لا يمكنه مخالفتها، لأنه قد يتفق مع وجودها مخالفة النذر و يتحقق بها المعصية كما قد يتفق به ترك الواجب الإلهي بغير النذر فعليه لا يتم دلالتها على الكراهة.

و (ثانيا): أنه بعد تسليم دلالتها على الكراهة، لظهورها في المولوية لا الإرشاد لا يمكن الاستدلال بها ايضا على نفي اعتبار القربة في النذر، و ذلك لأن كراهة النذر لا تنافي عباديته كيف و قد وقع ذلك في الشريعة المقدسة كالصلاة في الحمام و صوم يوم عاشوراء و غيرهما فيكون النذر قربيا و يحكم باعتبار قصد القربة في انعقاده و لو قلنا بكراهته، غاية الأمر أنه يلزم هنا اشكال و هو اجتماع حكمين متضادين في مورد واحد، لتضاد الأحكام من الوجوب و الحرمة و الكراهة و الندب فيخرج عن كونه عباديا، لعدم إمكان التقرب إلا بما كان محبوبا، و المفروض على ما يستفاد من الأخبار عدم كونه كذلك كي يتقرب به فيكون النذر توصليا كما أفاده المصنف (قده) و إلا فلا و أما في الصلاة في الحمام و صوم يوم عاشوراء و غيرهما من العبادات المكروهة فقد تعرضنا لهما في الأصول و إجمال ما بيناه في الأصول من الجواب (تارة): بعدم كون العبادة فيها مكروهة حتى يشكل بأنه كيف اجتمع الوجوب مع الكراهة مع كونهما متضادين بل الكراهة انما تكون ثابتة في أمر

خارج عنها و هو إيقاعها فيه بناء على كون التركيب انضماميا فلم يجتمع الوجوب مع الكراهة، لكون

______________________________

(1) الوسائل ج- 3- الباب 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

(2) الوسائل ج- 3- الباب 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 332

متعلق الأول هو نفس العبادة و متعلق الثاني أمر خارج عنها. و (اخرى): بكون المراد من الكراهة فيها هو أقل ثوابا بمعنى أن الصلاة المأتي بها في الحمام يكون ثوابها أقل من الصلاة التي يؤتى بها في خارجه. و كيف كان و بعد فالعمدة في إثبات عدم اشتراط قصد القربة في متعلق النذر هو التمسك بالإطلاقات فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما أفاده المشهور- من اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر.

و يمكن الاستدلال على اعتبار نية القربة فيه بعدة اخبار- و هي:

1- موثق إسحاق بن عمار المتقدم لما في صدره حيث قال السائل فيه: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- إني جعلت على نفسي شكرا للّه ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال نعم. إلخ «1».

2- صحيح منصور بن حازم عن عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا قال الرجل:

(على المشي إلى بيت اللّه) و هو محرم بحجة. أو قال: (علي هدى كذا و كذا) فليس بشي ء حتى يقول: (للّه علي المشي إلى بيته) أو يقول: (للّه على كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا) «2».

3- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام. في حديث قال: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه عز و جل فليس في طلاق أو عتق أو غيره» «3». الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم-

عليهم السلام.

قال في الجواهر بعد ذكر موثق إسحاق بن عمار المتقدم: (و من هنا صح لهم الاستدلال على اشتراطها [نية القربة] بالنصوص الكثيرة كصحيح منصور بن حازم السابق و الموثق المزبور و غيرهما. و من هنا قال في المسالك «و مقتضى هذه الاخبار أن المعتبر من نية القربة جعل الفعل للّه تعالى في قبال جعله للمخلوق و ان لم يجعله غاية له. و ربما

______________________________

(1) الوسائل- ج 3، الباب 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 3- الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

(3) الوسائل- ج 3- الباب- 14- من كتاب الأيمان الحديث 10.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 333

اعتبر بعضهم جعل القربة غاية بأن يقول بعد الصيغة: «للّه» أو «قربة الى اللّه» و نحو ذلك كنظائره من العبادات ثم قال: و الأصح هو الأول، لحصول الغرض على التقديرين و عموم النص». و ذهب اليه صاحب الروضة (قده) على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (و يستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفي تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله: «للّه على» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله: «قربة الى اللّه» أو «للّه» و نحوه و يستفاد ذلك من عبارة الدروس حيث قال: (و هل يشترط فيه القربة للصيغة أو يكفي التقرب في الصيغة الأقرب الثاني). و قال في كشف اللثام في شرح قول الفاضل (ره) في القواعد: «و يشترط في الصيغة نية القربة» قال: بالمنذور و ان كان النذر نذر لجاج اتفاقا و للأصل، و النصوص، و يعطيها قوله: «للّه» و لا حاجة الى

زيادة قوله: «قربة الى اللّه» للأصل، و إطلاق النصوص، و الفتاوى. و رده صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (ان نية القربة بالمنذور غير نية القربة بالنذر على ان المنذور نية قربته إنما هو وقت أدائه لا وقت الالتزام به و لا يتم أيضا لو كان المنذور مباحا متساوي الطرفين و راجحا في الدنيا و كان الذي دعاه الى التفسير المزبور هو عدم تصور نية القربة في النذر نفسه مع عدم الأمر به على وجه يكون عبادة. بل قد سمعت لنهى عن الإيجاب للّه). و كيف كان فالأخبار المتقدمة كلها قابلة للمناقشة:

أما (في الأول):- و هو موثق إسحاق- فلوروده في مقام الطاعة و لا دلالة فيه على أنه لا ينعقد النذر إذا لم يكن متعلقة الطاعة.

و أما (في الثاني):- و هو صحيح منصور بن حازم- فلعدم ارتباطه بالمقام، لدلالته على أنه لا ينعقد النذر حتى يقول كلمة: «للّه».

و أما (في الثالث): فلاحتمال أن يكون المراد منه عدم صحة اليمين إذا كان طرف الالتزام هو اللّه تعالى. و على فرض تسليمه يكون مورده خصوص اليمين و لا يمكن التعدي منه الى النذر الا بتنقيح المناط القطعي و هو غير حاصل، لأن غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 334

ثم إن الظاهر أن مرادهم من اعتبار نية القربة فيه هو جعل طرف الالتزام هو اللّه تعالى، و ذلك لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار أزيد من ذلك.

و لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر (ره) في تنقيح البحث بعد ذكر الأقوال قال: (و تنقيح المقال أنه ان أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها

في العبادة- كما يقتضي به مضافا الى ما هنا قولهم: بعدم صحة وقوعه من الكافر، لتعذر نية القربة منه- فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها بقوله: «للّه على» الذي هو جزء صيغة الالتزام، لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات، بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة، و يبقى عليهم المطالبة بدليل كونه عبادة. ضرورة: توقفها على أمر يقتضيها و ليس. كما أنه لا دلالة في شي ء مما ذكروه من النصوص الكثيرة التي ادعوا دلالتها على ذلك. ضرورة: أنها لا تفيد سوى اعتبار كون النذر للّه لا لغيره، بمعنى أنه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام أن يقول:

«للّه على» بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير اللّه- من نبي مرسل، أو ملك مقرب- و هذا غير معنى نية التقرب و ظني و اللّه اعلم أن الاشتباه من هنا نشأ، و ذلك لأنهم ظنوا أن هذا النصوص التي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.

و لا يخفى عليك أن كون الفعل للّه بمعنى امتثالا لأمره مباين لكونه له بمعنى أنه يعتبر في التزام النذر كون الصيغة الالتزام له لا لغيره، و لا مدخلية له في نية القربة كما هو واضح، و حينئذ فالمعتبر في النذر كونه للّه بالمعنى الذي ذكرناه لا غيره و هذا يجامع نذر المباح و غيره، فان فرض إرادتهم من نية القربة المعنى المعنى المزبور- كما هو ظاهر سيد المدارك (ره) في شرح النافع حيث قال: «و يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله: «للّه» و هو المعبر عنه بنية القربة، و انما لم يذكره المصنف (ره) صريحا لأن الظاهر من حال المتلفظ بقول: «للّه» ان يكون قاصدا

معنا الى معناه، حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه. الى آخره» بل هو ظاهر ما سمعته من المسالك- فمرحبا بالوفاق، إلا أنه لا وجه للقول بعدم صحته من الكافر، لتعذر نية القربة منه، و لا لقولهم: أن نية القربة يجزي عنها قوله: «للّه» و لا نحو ذلك مما لا يخفى عليك من كلماتهم، حتى قول المصنف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 335

(ره) و غيره تفريعا على اعتبار نية القربة: «فلو قصد منع نفسه بالنذر لا للّه لم ينعقد» مع أنك قد عرفت نذر الزجر الذي معناه أن المكلف يوقعه لإرادة منع نفسه عن فعل باعتبار عظم المنذور الذي يقتضي وقوع الفعل منه الالتزام به بسبب النذر.

نعم لو لم يرد بقوله: «للّه على» معناه- و إنما ذكر لفظه لغضب و نحوه و لم يقصد ان شاء الالتزام بذلك للّه- لم ينعقد من هذه الجهة بل لعل هذا الكلام منهم مشعر بكون المراد من نية القربة- التي ذكروها، و فرعوا ذلك عليها- هو المعنى الذي ذكرنا، لا نية القربة المعتبرة في العبادات- التي هي قصد امتثال الأمر- بل لعل عبارة الدروس التي ذكرناها في نسختين كذلك أيضا. ضرورة: أن الأول الذي جعله أقرب هو نية القربة للصيغة على حسب نية العتق بخلاف الثاني الذي جعله أقرب و هو التقرب في الصيغة بأن يقول:

«للّه على» لا نية قربة أخرى و هي امتثال الأمر، فتأمل جيدا فإن المسألة دقيقة جدا).

و كيف كان فان كان مرادهم من اعتبار قصد القربة في النذر ما ذكرناه- و هو إنشاء الالتزام بالصيغة للّه تعالى بأن يكون اللّه تعالى طرف التزامه بحيث إذا لم يكن كذلك يحكم بعدم انعقاده- فهو

صحيح لا غبار عليه، و ان كان مرادهم منه ما هو المعتبر في العبادات فلا بد اقامة الدليل عليه و المفروض عدمه، و قد عرفت أن النصوص المتقدمة- التي يمكن الاستدلال بها على المدعى- كلها قابلة للمناقشة.

[أدلة اعتبار الرجحان في متعلق النذر]

قوله قده: (و إنما تعتبر في متعلقة، حيث أن اللازم كونه راجحا شرعا.)

هذا هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا.

قال في الشرائع: (و أما متعلق النذر فضابطه أن يكون طاعة. إلخ).

و في الرياض: (و ضابطه ما كان طاعة للّه مأمورا بها واجبا أو مستحبا).

و في الجواهر: (فلو نذر محرما أو مكروها لم ينعقد بلا خلاف نصا و فتوى. بل الإجماع محصلا و منقولا عن الانتصار و غيره عليه. بل و المباح المتساوي طرفاه أو كان راجحا في الدنيا. بل في الرياض: أو الدين، ناسبا له إلى إطلاق غير واحد من الأصحاب، بل عن بعضهم: نسبته الى المشهور. بل عن ظاهر المختلف في مسألة نذر صوم أول رمضان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 336

الإجماع عليه، حيث قال بعد اختياره جوازه ردا على المبسوط، و الحلي، للإجماع منا على أن النذر إنما ينعقد إذا كان طاعة بأن يكون واجبا أو مندوبا).

فلا كلام في هذه المسألة من حيث الفتوى، و لكن الكلام في دليله. و ما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع و (فيه): أنه قد بينا مرارا أن الإجماع إنما يعتمد عليه إذ لم يكن مدركيا و كان موجبا للاطمئنان بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض الوجوه الآنية، فلا يصح الاستدلال به.

(الثاني)- مقتضى الأصل للشك في انعقاده بدون الرجحان الموجب للشك في وجوب الوفاء به

فيرجع فيه الى أصل البراءة، و (فيه): أنه مقطوع بالعمومات و الإطلاقات- الدالة على وجوب الوفاء بالنذر.

(الثالث)- الأخبار الواردة في المقام، منها.

1- صحيح منصور بن الحازم المتقدم- الدال على عدم انعقاد النذر- إلا إذا قال: «للّه على المشي إلى بيته» «1».

2- موثق سماعة قال: سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة، أو نذرا، أو هديا، إن هو كلم أباه أو أمه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مآثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله؟ فقال: لا يمين في معصية اللّه انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه في الشكر إن هو عافاه اللّه من مرضه أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفر، أو رزقه رزقا فقال: للّه على كذا و كذا الشكر، فهذا على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به «2».

3- صحيح أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل

______________________________

(1) الوسائل- ج- 3- الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 1.

(2) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 337

قال: «على نذر» قال- عليه السلام-: ليس النذر شي ء حتى يسمى للّه شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا «1».

4- خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يقول:

«على نذر»؟ قال ليس بشي ء حتى يسمى شيئا أو يقول: على صوم للّه، أو يتصدق، أو يعتق، أو يهدي هديا؟ فان قال الرجل: أنا أهدى هذا الطعام فليس هذا بشي ء إنما تهدى البدن «2» و نحوها ما في الأخبار

الواردة عنهم- عليهم السلام.

و لا يخفى ما فيها من المناقشة، و ذلك لأن المقصود منها هو أنه لا ينعقد النذر إلا إذا ذكر اسم اللّه و ورودها في مقام الطاعة لا يثبت اعتبارها في انعقاد النذر بحيث حكم بعدم انعقاده في صورة عدم الطاعة كما لا يخفى.

و أما القول بان اللام في قول الناذر و هو قوله: «للّه على» يقتضي أن يكون الملتزم به محبوبا للّه تعالى، (فمدفوع) بما عرفت من أن غاية ما يدل عليه اللّام هو أنه يعتبر في الانعقاد أن يكون طرف الالتزام هو اللّه تعالى لا غيره و لا يستلزم هذا محبوبيته له تعالى.

نعم يمكن أن يستفاد من ذيل بعض الاخبار المتقدمة المتضمن للأمور العبادية لزوم كون متعلق النذر من قبيلها، حيث أنه حصر صحة النذر في أن يسمى شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا و لم يكتف في صحته بصرف التسمية بل قيده بها، فمن يدعى ظهوره في ذلك غير مجازف فتدبر. و التحقيق: هو اعتبار الرجحان في متعلقة كما أفاده المصنف (قده) و غيره من الفقهاء و يدل عليه مضافا الى ما يستفاد من ملاحظة جميع النصوص- من أن النذر يفيد الالتزام بما هو ثابت للّه على العبد قبل النذر و هو ملزم به بل لعله لا يمكن تصور كون المباح للّه عليه، فان النذر لا يجعل ما ليس للّه له كما في الجواهر. صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ليس شي ء هو للّه طاعة يجعله الرجل عليه الا ينبغي له أن يفي به و ليس من رجل جعل للّه عليه شيئا في معصية اللّه تعالى الا أنه ينبغي له أن يتركه

إلى طاعة اللّه «3». و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال في رجل حلف بيمين أنه لا

______________________________

(1) الوسائل- ج- 3- الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 2.

(2) الوسائل- ج- 3- الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 3.

(3) الوسائل- ج 3، الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 6.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 338

يكلم ذا قرابة له؟ قال: ليس بشي ء فليكلم الذي حلف عليه. و قال: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه فليس بشي ء في طلاق أو غيره «1». بناء على إرادة النذر من اليمين، و بناء على أن المراد من قوله: «لا يراد بها وجه اللّه. إلخ» هو أن المنذور يعتبر فيه أن يكون مما يراد به وجه اللّه، و ما روى عن ابن عباس قال بينما النبي- صلى اللّه عليه و آله- يخطب إذا هو برجل قائما في الشمس فسال عنه؟ قال: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم فلا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم؟ قال: مروه فليتكلم و ليستظل و ليقعد و ليتم صومه «2» و لكنه قد يناقش في تماميتها على المدعى.

أما (في صحيح أبي الصباح الكناني: فبعدم العمل بإطلاقه.

و أما (في الثاني): بعد تسليم دلالته على المدعى، فباختصاصه باليمين و لا يمكننا التعدي منه إلى النذر، لأنه قياس باطل عندنا.

و أما (في الثالث): فبارساله، و أما ما ذكر أولا من أنه مضافا. إلخ، فهو أول الكلام، و لكنه مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في أصل اعتبار الرجحان في متعلقة بعد ثبوت اتفاق الفقهاء عليه الموجب للاطمئنان بالحكم. مضافا الى النصوص المتقدمة المشعرة باشتراط قصد القربة في النذر التي لا تحصل إلا

إذا كان متعلقة طاعة.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الدروس (ره) حيث حكم بانعقاده مطلقا إذا لم يكن مرجوحا على ما نقل في الرياض و استدل (ره) لما أفاده: بخبر الحسن بن على عن أبى الحسن- عليه السلام- في جارية حلف منها بيمين فقال: للّه على أن لا أبيعها؟ فقال- عليه السلام-: «ف» للّه بنذرك و فيه دقيقة، و يشير بذلك الى ما رواه محمد أبي نصر عن الحسن بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- قلت: له أن لي جارية ليس لها منى مكان و لا ناحية و هي تحتمل الثمن إلا انى كنت حلفت فيها بيمين فقلت: «للّه على أن لا أبيعها أبدا»

______________________________

(1) صدره في باب- 11- من أبواب كتاب الايمان الحديث 12.

و ذيله في باب- 14- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 10.

(2) راجع الجواهر: ج 5 كتاب النذر ص 645.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 339

ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤنة فقال- عليه السلام-: «ف» للّه بقولك له «1».

و ربما يؤيده مضافا الى عموم الأدلة- الدالة على وجوب الوفاء بالنذر- خبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام-: إن امرأة نذرت أن تقاد مزمومة بزمام في أنفها فوقع بعيرها فحزم أنفها، فأتت عليا- عليه السلام- تخاصم فأبطله؟ فقال- عليه السلام-: إنما نذرت للّه «2».

و لكن لا يخفى ما فيها أما (في الأول): فلقصوره من حيث السند و عدم انجباره بالعمل. و على فرض صحة سنده يناقش في دلالته، لعدم صراحته في ذلك، و يحتمل أن يكون مختصا بصورة رجحان ترك بيع الجارية كما أفاده الشيخ (قده)، و يمكن حمله على

الاستحباب كما ذكر في الوسائل.

مضافا الى ما قد يقال من أن جهة السؤال هي جواز رفع اليد عن النذر الجامع للشرائط المعتبرة فيه، لأجل الطواري المذكورة فيه، لا عن صحة النذر و عدمها فيما إذا لم يكن متعلقة راجحا، فيكون موافقا لما ذكرنا من الروايات المشعرة أو الظاهرة في اعتبار الرجحان في متعلقة.

ثم، إنه على فرض تسليمه سندا و دلالة لا يقاوم الأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة و الإجماعات المحكية على فرض دلالتها على المدعى وفاقا لهم فيحمل على صورة ما إذا كان عدم البيع أرجح لجهات آخر، و ذلك لأن ترك الاستفصال في الجواب و إن كان يأباه إلا أنه لا يوجب الصراحة بل غايته الظهور في العموم و هو يقبل التخصيص بتلك الصورة جمعا بينه و بين الأخبار على فرض تسليم دلالتها على المدعى، لأنه لا يمكن رفع اليد عنها به مع ما هي عليه من الاعتبار سندا و عملا و الاستفاضة، و الاعتضاد بالشهرة. و مضافا الى صراحتها بحيث لا يمكن حملها على ما يمكن أن يجمع بينها و بينه. و مضافا الى تضمن الخبر للزوم الوفاء بالنذر مع رجحان تركه للحاجة و هو مناف لما ذكره جماعة من جواز المخالفة في هذه الصورة. بل عن بعض نفي الخلاف فيه. و عن آخر دعوى الإجماع

______________________________

(1) الوسائل ج 3، الباب- 17- من أبواب كتاب النذر الحديث 11.

(2) الوسائل ج 3، الباب- 17- من أبواب كتاب النذر الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 340

عليه على ما نقل في الجواهر.

مضافا الى ما في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أى شي ء لا نذر في معصيته؟

قال: فقال: كل ما كان فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه «1»، رواه الشيخ بإسناده عن ابن عمير إلا أنه قال: أى شي ء لا نذر فيه هذا فيدور الأمر على فرض صحة سنده بين حمله على ما ذكر و طرحه.

و أما ما ذكر من التمسك بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء بالنذر- (ففيه) أن العمومات و الإطلاقات كلها وردت في مقام بيان أصل التشريع لا في مقام بيان جميع ما يعتبر في النذر حتى يتمسك بها في دفع الشك في دخل شي ء وجودا أو عدما فيه فتدبر.

و أما في خبر يحيى بن أبى العلاء ففيه (أولا): ما يقال من عدم دلالته على خلاف ما ذكرنا، إذ الظاهر منه كون ذلك راجحا، لأن أفضل الأعمال أحمزها فهو كالحج ماشيا كما أفاده صاحب الجواهر (ره).

و (ثانيا): فلعدم ورده فيما نحن فيه لعدم دلالته على صحة هذا النذر بل الظاهر منه أنه يدل على عدم الضمان، لكونها هي التي فرطت و أذنت على أفاده صاحب الوسائل (قدس سره) فتحصل أن البناء على ما ذكره الفقهاء- قدس سرهم- من لزوم رحجان متعلق النذر متين

قوله قده: (و دعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات، لاشتراطها بالإسلام مدفوعة بإمكان إسلامه ثم إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدمته، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات و يعاقب على مخالفته و ترتب عليها وجوب الكفارة فيعاقب على تركها أيضا.).

بلا خلاف أجده في ذلك، لأن عدم إسلامه لا يوجب سلب القدرة عنه بحيث لا يتمكن من الإتيان به تكوينا حتى يقال بعدم الوجوب عليه، إذ يمكنه الإسلام كما افاده المصنف (قدس سره) ثم الإتيان بالعبادة المشروطة به بالإسلام.

[و إن أسلم صح إن أتى به]

قوله قده: (و إن أسلم صح

إن أتى به و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري

______________________________

(1) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من أبواب كتاب النذر الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 341

فيه قاعدة الجب، لانصرافها عن المقام.).

قال في الشرائع أنه لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء. و قال في الجواهر: (كما صرح به غير واحد، لما روى من أن عمر قال لرسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: انى كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية؟ فقال له النبي- صلى اللّه عليه و آله- أوف بنذرك «1» مؤيدا بالاعتبار و هو أنه لا يحسن ان يترك بسبب الإسلام ما عزم عليه في الكفر من خصال الخير التي يكون الإسلام أولى بها مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه) لا يخفى أن ما أفاده صاحب الشرائع- طاب ثراه- و غيره من الفقهاء- من عدم وجوب الوفاء عليه- مبنى على ما ذهب اليه من عدم صحته من الكافر و ليس مبنيا على صحته ليكون عدم وجوب الوفاء لقاعدة الجب. و كيف كان ما أفاده (قده)- من دعوى انصراف قاعدة الجب عن مفروض المقام- مما لا مجال له، و ذلك لعدم الانصراف أولا و بدويته على تقديره ثانيا، فلا يمكن الاعتماد عليه، لما قد تكرر منا من ان الانصراف القابل للتقييد هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح المتكلم بخروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق كان توضيحا للواضح، و لا شك في أن مفروض المقام ليس من هذا القبيل فبمقتضى إطلاق حديث الجب يحكم بعدم ثبوت الكفارة عليه بعد إسلامه لو خالفه.

اللهم إلا ان يقال: انه ورد على سبيل الامتنان و لا يجرى فيما إذا لزم منه

خلاف الامتنان في حق غيره، و لذلك قد حققنا سابقا عدم جريانه بالنسبة إلى الحقوق الراجعة إلى الناس، للزوم خلاف الامتنان، لأنه إضرار على الغير.

و أما أصل الحج النذري فإن كان موقتا بوقت خاص و مضى وقته بعد إسلامه فلا إشكال في عدم وجوبه عليه و لكن لا من جهة جريان القاعدة بل من جهة ما بيناه في محله من أن خصوصية الوقتية كخصوصية المباشرية دخيلة في متعلق النذر بحيث لو مضى ذلك الوقت يحكم بعدم وجوب الإتيان به في خارجه، لانتفاء الموقت بانتفاء وقته. نعم، مخالفته في

______________________________

(1) راجع الجواهر ج 5 كتاب النذر ص 642.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 342

الوقت توجب الكفارة عليه و لكن الإسلام يجبها، و ان لم يكن مقيدا بوقت خاص فكذلك ايضا. أما عدم ثبوت الكفارة عليه بعد إسلامه فواضح. و أما عدم وجوب الحج عليه فلما عرفت في مبحث: (ما لو استطاع الكافر في حال كفره ثم زالت عنه الاستطاعة ثم أسلم) من ان القاعدة كقاعدة نفي العسر و الحرج وردت مورد الامتنان فجريانها موقوف على الامتنان، و لذلك قلنا في ذلك المبحث بعدم جريانها بالنسبة إلى حقوق الناس لخروجها عن موضوع القاعدة تخصصا حيث ان إجرائها فيها خلاف الامتنان لأجل الإضرار بالغير.

و قلنا هناك ايضا: انه لو أتلف الكافر في حال كفره مال الغير، أو اقترض من شخص أو جنى على أحد، ثم أسلم، فلا يكون إسلامه هادما لما عليه من حقوق الناس بل يجب عليه إفراغ ذمته عنها. و قلنا ايضا: أن المتيقن من موارد جريانها فيه هو حقوق اللّه.

و كيف كان لا ينبغي الإشكال في جريانها بالنسبة إلى الحج النذري الثابت عليه على نحو

الإطلاق.

ان قلت: مورد القاعدة بحكم التبادر هو الأمور التي شرع لها القضاء. و أما غيرها كالحج النذري غير الموقت فلا تشمله القاعدة. قلت: عدم الالتزام بجريانها في الحج النذري يوجب عدم الالتزام بجريانها في الحج الواجب عليه بالاستطاعة في حال كفره فيما إذا أسلم بعد زوال الاستطاعة، فلا بد حينئذ من الحكم بوجوب الحج عليه في حال إسلامه متسكعا. و كذلك لا بد من الحكم بوجوب قضاء صلاته و صومه في حال إسلامه سواء كان القضاء بأمر جديد أم بالفرض الأول، لكونه مطلوبا على نحو تعدد المطلوب، لثبوت مصلحة في ذات العمل في الوقت و خارجه و مصلحة أخرى ثابتة له إذا أتى به في الوقت.

فالمتحصل ثبوت التلازم بين إنكار جريان القاعدة في مفروض المقام و بين إنكار جريانه في الواجبات الموسعة و الموقتة، و حيث أن المشهور حكموا بعدم وجوب الحج عليه متسكعا في ذلك المثال و نحن قويناه فنلتزم بذلك في مفروض المقام ايضا، لثبوت الملازمة بينهما.

إن قلت: قد يفرق بين المقام و بين المثال، لكون المثال من قبيل القضاء و هذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 343

بخلاف مفروض المقام، لكونه من قبيل الإسلام في الوقت، و لذلك فرق المشهور بينهما بإجرائها في المثال دون المقام.

قلت (أولا): لا فرق بينهما، لأنه كما أن الموضوع لاستقرار الحج و وجوبه عليه الى آخر العمر و لو متسكعا هو صرف الوجود من الاستطاعة المالية الممتدة من أول أعمال الموسم الى آخرها، كذلك في مفروض المقام، لأن الموضوع لاستقرار الحج النذري- و وجوب الوفاء به الى آخر العمر- ليس إلا صدور النذر منه مطلقا و جامعا للشرائط و بتمكنه من الإتيان به و هو على المفروض

تحقق فان قلنا بكون الأول من قبيل القضاء بكذلك لا بد أن نلتزم به في مفروض المقام و الا فكذلك.

(و ثانيا): انه لم يرد في الحديث لفظ القضاء حتى يقال بأن المثال من قبيل القضاء و مفروض المقام من قبيل الإسلام في الوقت بل ورد فيه لفظ: «يجب ما كان قبله» أى يقطع كل تكليف كان ثابتا على الكافر من القبل، و لذلك التزمنا في تلك المثال بأنه و لو استقر الحج عليه و وجب عليه إتيانه و لو متسكعا لكنه لما أسلم سقط عنه وجوب الحج، فكذا يحكم في مفروض المقام بعدم وجوب الحج عليه، لأنه و لو استقر ذمته بالحج النذري و لكنه بعد أن أسلم انهدم به التكليف الثابت عليه في حال كفره، لأنه تكليف قبلي و كل تكليف قبلي يجبه الإسلام، و لكنه مع ذلك كله تحتاج المسئلة الى مزيد التأمل.

[المسألة الأولى اعتبار إذن المولى و الزوج و الوالد في انعقاد يمينهم]
اشارة

قوله قده: (ذهب جماعة إلى أنه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى و في انعقاده من الزوجة اذن الزوج و في انعقاده من الولد إذن الوالد.).

قد نفي عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا الى الإجماع- جملة من النصوص الكثيرة الواردة في المقام- منها:

1- رواية ابن القداح عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لا يمين لولد مع والده

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 344

و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيده «1».

2- رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و

لا يمين في قطيعة «2».

3- خبر أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه- عليهم السلام- في وصية النبي- صلى اللّه عليه و آله- لعلى- عليه السلام- قال: و لا يمين في قطيعة رحم و لا يمين لولد مع والده، و لا لامرأة مع زوجها، و لا للعبد مع مولاه «3».

4- عن منصور بن حازم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- لا رضاع بعد فطام، و لا وصال في صيام، و لا يتم بعد احتلام و لا سمت يوما الى الليل، و لا تعرب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك، و لا يمين لولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة «4».

5- في الخصال بإسناده عن على- عليه السلام- في حديث الأربعمائة قال: و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطعية رحم، و لا يمين لولد مع والده و لا للمرأة مع زوجها و لا صمت يوما الى الليل إلا بذكر اللّه، و لا تعرب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح، «5».

قد يقال مقتضاها عدم صحة يمينهم بدون الإذن منهم، لأن عدم الصحة هنا أقرب المجازات الى نفي الماهية بعد تعذر الحقيقة مضافا الى شهادة السياق في خبر أنس، و في خبر منصور بن حازم المتضمنين لنفي النذر على المعصية المراد منه نفي الصحة إجماعا بذلك، فيكون هو المراد من النفي المتقدم عليها أيضا و اليه ذهب الفاضل (قده) في الإرشاد و الشهيد الثاني

______________________________

(1)

الوسائل- ج- 3 الباب- 10- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 1.

(2) الوسائل- ج- 3 الباب- 10- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 2.

(3) الوسائل- ج- 3 الباب- 10- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 3.

(4) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 1.

(5) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 345

في المسالك و غيرهما ممن تبعهما على ذلك، و لكن خالف في ذلك جماعة من الفقهاء حيث انهم ذهبوا الى الصحة بدون الإذن و ان كان له حلها كما عن النافع و الشرائع و الدروس. بل في المسالك، و عن المفاتيح نسبته إلى الشهرة. و احتج له في التنقيح بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء باليمين- و لكن يضعف باختصاصها بالأيمان الصحيحة، و كون اليمين بدون الاذن في مفروض المقام صحيحا أول الكلام.

و الأقوى في النظر هو القول الثاني- و هو اعتبار عدم المنع- و سيظهر لك تحقيقه- إنشاء اللّه تعالى- عند تعرض المصنف لهذا الفرع- و هو انه هل الإذن شرط أو المنع مانع- في ذيل هذه المسألة.

[لا تكفي الإجازة بعده]

قوله قده: (و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق فلا تكفي الإجازة بعده مع أنه من الإيقاعات و ادعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها، و ان كان يمكن دعوى أن القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير، مثل الطلاق و العتق و نحوهما لا مثل المقام مما كان في مال نفسه، غاية الأمر اعتبار رضى الغير فيه و لا فرق فيه بين الرضى السابق و اللاحق خصوصا إذا قلنا بكون الفضولي على القاعدة).

يمكن أن يقال باعتبار الإذن السابق و عدم كفاية الإذن المتأخر في

تحقق اليمين منهم صحيحا، كما أفاده المشهور، لعدم جريان الفضولي في الإيقاعات كما قيل، فلا يكفي في مفروض المقام الإذن المتأخر، لكونه إيقاعا، فلو حلف أحدهم بدون الإذن لم ينعقد و ان تعقب بالإجازة.

و يمكن أن يقال بعدم اعتبار الاذن السابق في الانعقاد، لما ادعى من جريان الفضولي حتى في الإيقاعات، إلا فيما قام دليل تعبدي على عدم جريانه فيه، كالعتق و الطلاق، فيحكم بانعقاد يمينهم المتعقبة بالإجازة.

و لا بد من تنقيح البحث و تحقيق ما هو الحق من الرجوع الى الأدلة و انها هل تدل على اعتبار الاذن في الانعقاد أم لا، فيكفي فيه تعقب الإجازة؟ و الظاهر أن قوله- عليه السلام-: (لا يمين للولد مع والده. إلخ) مطلق يشمل الإجازة المتأخرة كشموله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 346

للاذن السابق و مقتضى الإطلاق كفاية الإجازة المتأخرة في انعقاد يمينهم. مضافا الى ما حققناه في محله من كون الفضولي على طبق القاعدة فيجري في جميع العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالنص، فقد ظهر مما ذكرنا صحة ما ذهب اليه المصنف (قده)- من دعوى ان القدر المتيقن من الاتفاق على عدم جريان الفضولي في الإيقاعات هو ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير مثل الطلاق و العتق دون مفروض المقام مما وقع على مال نفسه غاية الأمر اعتبر رضا الغير فيه- فيكون مفروض المقام كعتق الراهن العين المرهونة، و عتق المفلس عبده بدون إذن الديان، حيث أن المشهور حكموا فيهما بالصحة مع اجازة المرتهن في الأول و اجازة الديان في الثاني، هذا كله إذا قلنا في مفروض المقام بثبوت حق للجماعة فيه. و أما إن قلنا بان اعتبار الاذن في المقام حكم تعبدي فلا

ربط له بمسألة الفضولي كي يبحث في أنه هل يكون على القاعدة أم لا فالمرجع في كفاية الإذن المتأخر في الانعقاد هو إطلاق الأدلة و ان نوقش في هذا الإطلاق فلا بد من اعتبار الإذن السابق كما أفاده جماعة من الفقهاء، لما عرفت من ان المرجع في الشك في وجوب الوفاء الناشئ من الشك في الانعقاد هو أصل البراءة.

[قيل لا يشترط الاذن و يكفي عدم المنع]

قوله قده: (و ذهب جماعة إلى انه لا يشترط الاذن في الانعقاد لكن للمذكورين حل يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو اذن بدعوى ان المنساق من الخبر المذكور و نحوه أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه جواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به و على هذا فمع النهى السابق لا ينعقد و مع الاذن يلزم و مع عدمهما ينعقد و لهم حله، و لا يبعد قوة هذا القول مع أن المقدر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة أي لا يمين مع منع المولى مثلا فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الإجمال و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة و النهى سواء كان الاذن شرطا أم النهى مانعا بعد كون مقتضى العمومات الصحة و اللزوم.).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة- و هو أن المعتبر في الانعقاد هل هو خصوص الإذن من الجماعة أم يكفي في الانعقاد عدم المنع- على قولين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 347

(الأول): ما أفاده الفاضل (قده) في الإرشاد و الشهيد الثاني في المسالك و غيرهما ممن تبعهما من اعتبار الاذن في الصحة.

(الثاني): ما

أفاده الشهيد الأول في الدروس و صاحب الشرائع- قدس سرهما- من مانعية المنع لا شرطية الاذن، فجعلوا اليمين بدونه صحيحة و النهى عنها مانعا و تبعهما المصنف (قده) و نسبه في المسالك و التنقيح الى المشهور، و احتج له كالتنقيح بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء باليمين.

قد يقال: بالقول الأول وفاقا للفاضل و الشهيد- قدس سرهما-، لما عرفت من أن مقتضى ظاهر الأدلة عدم صحة اليمين بدون إذن الجماعة، لأنه أقرب المجازات الى نفي المعنى الحقيقي الممتنع إرادته- و هو الماهية- مضافا الى شهادة سياق الخبرين المتضمنين لنفي النذر على المعصية الظاهر منه نفي الصحة إجماعا. و يمكن ان يقال بالقول الثاني و يتمسك له بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء به.

لكن الأقوى ما أفاده المصنف (قده) و الشهيد الأول و غيرهما من الفقهاء- قدس سرهم- من مانعية المنع و عدم شرطية الاذن، و ذلك لأنه لا إشكال في أن معنى قوله: (لا يمين لولد مع والده، و لا يمين للعبد مع مولاه، و لا يمين للزوجة مع زوجها) لا يصح إلا بتقدير شي ء غير الوجود، لأن ظاهره- و هو نفي اليمين مع وجودهم- ليس بمراد قطعا إذ لازمه عدم انعقاد يمينهم حتى مع الاذن و هذا خلاف ضرورة الفقه و لم يقل به أحد.

هذا مضافا الى أن ارادة الوجود توجب استدراك ذكر الوالد و السيد و الزوج، ضرورة: أن هذا العناوين من الأمور المتضايفة، إذ لا تتصف المرأة بالزوجية، و الإنسان بالولدية و العبودية، إلا بوجود الزوج و الوالد و السيد، فنفس عناوين الزوجة و العبد و الولد، تدل على وجودهم، فذكرها مستدرك.

و الحاصل: أن الأمر المقدر يدور بين الإذن ليكون معناها أنه لا يمين للولد

إلا بإذن والده: و هكذا. و بين المنع أو ما يرادفه ليصير معناها أنه لا يمين للولد مع منع أو نهى والده. و هكذا فحينئذ يدور الأمر بين اشتراط إذنهم في صحة يمينهم ان كان المقدر كلمة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 348

الإذن، و بين مانعية نهيهم عن الانعقاد ان كان المقدر كلمة المنع.

و الأظهر كون المقدر كلمة المنع و ذلك لوجوه ثلاثة:

(الأول)- أنه بناء على تقدير الاستثناء يلزم سقوط كلمة «مع» الموجود في منطوق الحديث، و هذا بخلاف ما إذا قدر كلمة المنع، لعدم سقوط شي ء منه.

(الثاني)- أنه قد حقق في محله أن التقدير خلاف الأصل، فلا بد من اختيار ما هو الأقل، و لا شك في أن تقدير المنع أقل من تقدير الاستثناء، لكون المقدر حينئذ كلمتين و هما (إلا) و (الإذن) لأن الكلام حينئذ بمنزلة قوله: «لا يمين لولد إلا بإذن والده» بخلاف كون المقدر كلمة المنع، فإنه كلمة واحدة لأن الرواية في قوة قوله: (لا يمين للولد مع منع والده.) و هكذا.

(الثالث)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) و تبعه المصنف (قده) من أن المنساق منها هو عدم انعقاد اليمين منهم مع معارضة هؤلاء و ان لم نقل بظهورها في ذلك فلا أقل من الإجمال، و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المنع لأنه لو كان الإذن شرطا لكان المنع مانعا ايضا لفقدان الشرط مع المنع، و لازم ذلك كما أفاده المصنف (قده) جواز حلهم يمين هؤلاء- و عدم وجوب الوفاء عليهم مع منعهم- و ذلك لإطلاق أدلة مانعية المنع- الشامل للمنع المتأخر كالمتقدم- فيكون الحاصل أنه لا يمين للولد و كذلك الزوجة و العبد على فعل شي ء مع منع الوالد

و الزوج و المولى عنها سواء تقدم المنع أم تأخر، فإذا لا يبقى مجال للقول بعدم صحة اليمين بدون إذنهم استنادا الى كونه أقرب المجازات الى نفي الماهية، و ذلك لما عرفت من صحتها بدون الإذن بمقتضى الإطلاقات.

هذا كله إذا قلنا بظهور الأدلة في مانعية المنع و الا فيقع لكلام في أنه هل يكون في البين أصل لفظي يرجع اليه عند الشك أو المرجع هو البراءة؟ يمكن أن يقال بأن المرجع هو العمومات- الدالة على صحة اليمين من دون اعتبار إذن أحد- فينفى اعتبار الاذن فيها.

(ان قلت) لا مجال للتمسك بالعمومات بعد تخصيصها بمخصص مجمل مردد بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 349

المتباينين، لسراية الإجمال الى العام، كما لا مجال للرجوع إلى أصالة عدم الشرطية، لمعارضتها بأصالة عدم المانعية، فحينئذ يرجع الى أصالة عدم وجوب الوفاء بالنذر التي هي محكومة بالأصلين المزبورين المتساقطين.

(قلت): إن عدم جواز التمسك بالعموم في المخصص المجمل مختص بالمجمل المردد بين المتباينين لا الأقل و الأكثر، و المقام من قبيل الثاني لا الأول، لانحلال النذر و أخويه بالمنع قطعا، إما لمانعية المنع، و اما لشرطية الإذن. و أما اعتبار الاذن في انعقادها فهو أمر زائد فيخصص العام بما هو المتيقن من الخاص و يرجع في الزائد عليه الى عموم العام كما قرر في محله و لكن لا يخلو ذلك من تأمل، فالمتحصل مما ذكرنا: عدم اعتبار الاذن في انعقاد النذر و أخويه، فينعقد بدونه. نعم، ينحل بالمنع.

ثم اعلم أنه في خصوص العبد لا يكفي صرف عدم المنع في انعقاد يمينه بل يحتاج الى الاذن، فإن كالخاتم في يد المولى و قال اللّه تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1»

و استدل الإمام- عليه السلام- بالآية الشريفة في اعتبار اذن المولى في طلاقه فقال الإمام: أ فشي ء الطلاق؟ فقال: نعم، و أنت ترى أن اليمين أيضا شي ء فيعتبر فيه ذلك.

و من هنا يمكن أن يقال باعتبار اذن الوالد و الزوج في يمين الولد و الزوجة و القول بعدم كفاية عدم منعهما في انعقاد اليمين.

بيان ذلك: أن مقتضى وحدة السياق كون الحكم في الجميع واحدا، فكما يعتبر اذن المولى في يمين العبد فكذلك يعتبر اذن الزوج و الوالد في يمين الولد و الزوجة. و (فيه): أنه و لو كان مقتضى تلك الرواية التي استشهد فيها الإمام- عليه السلام- بالآية على افتقار طلاق العبد إلى اذن مولاه هو اعتبار اذن مولاه في يمين العبد، لكن قد عرفت أن قوله- عليه السلام-: «لا يمين للعبد مع مولاه» يدل على مانعية المنع، و حمل قوله- عليه السلام-:

«لا يمين للزوجة مع زوجها» و «لا يمين للولد مع والده» على ارادة اعتبار الاذن في انعقاد يمينهما، ليتحد السياق مع قوله: «و لا يمين للعبد مولاه» ليس بأولى من العكس،

______________________________

(1) سورة النحل: الآية- 77.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 350

بأن يحمل قوله: «و لا يمين للعبد مع مولاه» على مانعية المنع، ليتحد السياق بينه و بينهما لكن قد يقال بان وحدة السياق من طرف العبد أولى من العكس، و ذلك لأنه بعد أن ثبت اعتبار الاذن في انعقاد يمين العبد يمكن القول به في الولد و الزوجة، لظهور وحدة السياق في ذلك الموجب لرفع اليد عما ذكرنا في إثبات تقدير كلمة المنع بعد وضوح عدم دليل تام على هذا التقدير، ليصادم الظهور السياقي. و (فيه): انه بصرف وحدة السياق لا يمكن إثبات

وحدة الحكم في الجميع، لعدم ورود دليل تعبدي على اعتبارها، فعليه يحكم باعتبار الإذن في انعقاد يمين العبد دون الزوجة و الولد فيكفي في انعقاد يمينهما صرف عدم المنع ثم انه على فرض تسليم اعتبار الإذن في الانعقاد فهل يمكنهم الحل بعد انعقاده منهم صحيحا أم لا؟ تنقيح البحث مبتن على أن الإذن شرط حدوثا أو حدوثا و بقاء؟ فان قلنا بالأول، فليس لهم الحل، لأنه لإطاعة للمخلوق في معصية الخالق. و إن قلنا بالثاني فلهم الحل، و القدر المتيقن اعتباره حدوثا. و أما بقاء فلا يستفاد منها ذلك. و إذا شككنا في اعتباره بقاء فندفعه بالإطلاقات، و ليس المقام من قبيل الشبهة المفهومية حتى يحكم بعدم جواز التمسك بالعمومات، لسراية إجمال المخصص الى العام، و ذلك لوضوح مفهوم الاذن فالشك متمحض في التخصيص الزائد و المرجع فيه العموم

[ان التوقف على الاذن إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج]

قوله قده: (ثم ان جواز الحل أو التوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم، بل إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى، أو الزوج، و كان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. و أما ما لم يكن كذلك فلا).

لا يخفى ان ما أفاده قده (أولا): مخالف لما يقتضيه إطلاق قوله- عليه السلام- «لا يمين للولد مع والده و هكذا. إلخ» لأن مقتضى إطلاق الأدلة على كلا المسلكين- أعنى اعتبار الاذن مطلقا أو مانعية النهي كذلك- هو الشرطية أو المانعية مطلقا سواء كان متعلق اليمين منافيا لحقوقهم أم لا و (ثانيا): ان البحث عن اعتبار الاذن و عدمه مترتب على جامعية الإيقاع في نفسه لسائر الشرائط- من رجحان المتعلق و غيره- و لذا يختص البحث

في مفروض المقام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 351

باعتبار الاذن و عدمه أو مانعية النهى و عدمها. و أما إذا تعلق اليمين بما يكون منافيا لحق المولى، أو الزوج كان الإيقاع على هذا وفاقا لشرط الرجحان فعليه يكون اعتبار الإذن لأجل تحصيل هذا الشرط لا لأجل خصوصية فيه، و حينئذ فلم يكن وجه لتخصيص إذن الجماعة المذكورين بالذكر، بل كان المعتبر في انعقادها إذن كل من كان متعلقها منافيا لحقه، لبطلان اليمين المنافية لحق من حقوق الناس، فلا اختصاص لذلك بالعبد مع مولاه؛ و الزوجة مع زوجها، بل يقال أيضا: بأنه لا يمين للزوج مع زوجته إذا كان منافيا لحق الزوجة؛ و كذلك يحكم بعدم انعقاد اليمين لكل شخص مع من له الحق، كما إذا فرضنا أنه حلف الراهن بما يكون منافيا لحق المرتهن و غيره ممن له الحق، و لا إشكال في أن هذا خلاف ظاهر الأدلة، لظهورها في كون اعتبار الإذن، أو عدم المنع لأجل خصوصية اقتضتها الأبوة، و الزوجية، و المولوية، فلا وجه لاختصاص الاعتبار بصورة المنافاة بل يكون معتبرا مطلقا، فعلى ذلك إذا حلف المملوك على ان يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة على أن تحج إذا مات زوجها أو طلقها، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن أو نحو ذلك مما لا يجب فيها طاعتهم فيها للمذكورين، فيحكم بعدم انعقادها بدون الإذن منهم على فرض اعتبار الاذن، و بجواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به على فرض مانعية المنع، و ذلك لما عرفت و كذلك الحكم فيما لو حلف الولد على أن يحج إذا

استصحبه الوالد إلى مكة مثلا. و هكذا لو حلفت الزوجة على أن تحج إذا استصحبها الزوج. و هكذا لو حلف العبد على ان يحج لو استصحبه المولى و لو لم يكن منافيا لحقوقهم.

فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) حيث قال: (ان المراد من الأخبار أنه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين). لما عرفت من أنه ينفى اعتبار ذلك إطلاق الأخبار الواردة في المقام.

و لكن قد يقال بناء على تقدير كلمة المنع في قوله- عليه السلام- «لا يمين للزوجة مع زوجها» بعدم بطلان أصل اليمين فيما إذا لم يكن متعلقها منافيا لحق الزوج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 352

و إذا انعقد لا دليل على الحل، لعدم ثبوت اشتراطه بعدم المنع الا فيما إذا كان منافيا لحق الزوج. و كذلك الحكم بالنسبة الى العبد و المولى، و ذلك لقياس المقام على العبيد و المولى الحقيقي، فإن لهم التصرف في غير ما ينافي حقوقه بلا إذن منه، و كذا العبد و الزوجة لهما التصرف في غير ما ينافي حق المولى و الزوج، فلهما الحل و المنع فيما ينافي الحق لو كان حلفا.

و لكن لا يخفى ما فيه أما (أولا): فلأنه قياس محض و هو باطل عند مذهب أهل الحق.

و أما (ثانيا): فلما عرفت من أن مقتضى إطلاق الأدلة هو اعتباره مطلقا و لو فيما إذا لم يكن متعلق يمينه منافيا لحقهم.

أما الولد مع الوالد بناء على القول بعدم شمول الأدلة للمنع المتأخر فهل ينحل بمنعه أو لا؟

تنقيح البحث مبتن على أنه هل يجب إطاعة الوالد مطلقا فيما إذا لم يكن أمره للإرشاد أو الأمر بالمعروف أولا، أو

يفصل بين ما إذا كان مخالفة أمره إيذاء له و ما إذا لم تكن كذلك في الحكم بوجوب الإطاعة في الأول دون الثاني؟ أما فيما إذا كان وفائه بيمينه موجبا لإيذاء والده فلا إشكال في انحلاله بمنعه بل يستكشف عدم انعقاده من الأول، لانتفاء شرط صحته و هو الرجحان و قد حققنا في الأصول أن الرجحان المعتبر في المتعلق ليس وجوده حال الالتزام كما أفاده صاحب الجواهر (ره) و تبعه المصنف (قده) بل يعتبر وجوده حال العمل بحيث كان متعلقة حين العمل مما رغب فيه شرعا كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فمنعه يوجب انحلال يمين الولد لكن لا من جهة تأثير المنع المتأخر فيه بل لأجل حرمة إيذاء الوالد الموجب لمرجوحية المتعلق المانعة عن صحة اليمين، و قد حقق في محله أن إيذاء الولد للوالد حرام مطلقا و لو حصل باشتغاله بعمل نفسه المباح في حد ذاته و لكن الإيذاء الحاصل منه لا يكون حراما بالنسبة إلى غير الوالد- كما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 353

إذا فرضنا أن أحدا يتأذى من اشتغال بعض إخوانه بتحصيل العلم أو غيره مما هو مباح له، و ربما يتفق ذلك للإنسان، لأنه يشتغل بالعلم و يحسد عليه بعض الناس هذا و لكن الأذية الحاصلة من الضرب، و الشتم، و الافتراء، و الكذب، حرام مطلقا سواء كان المظلوم هو الوالد أم غيره.

هذا كله فيما إذا أوجبت يمينه أذية الوالد. و أما إذا لم توجب ذلك فهل ينحل بنهيه، للزوم أطاعته عليه مطلقا أم لا، لعدم لزومها عليه يمكن أن يقال بالأول و يستدل له بوجوه:

(الأول)- قوله تعالى «وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً» «1» تقريب الاستدلال به هو أنه

لا شبهة في دلالة الآية الشريفة على وجوب الإحسان بالوالدين و من أظهر مصاديقه أطاعتهما و امتثال أوامرهما، فإذا نهاه عن الوفاء به يحكم بانحلاله. و (فيه): أن غاية دلالة الآية هو حسن الإحسان شرعا بهما و يكفي في ذلك صرف الوجود منه، و هو يتحقق بصرف الإحسان بالمال و على فرض تسليم دلالتها على الوجوب لا يكون استغراقيا، إذ لا يمكن الالتزام بوجوب كل فرد من افراد الإحسان بهما عليه، لأنه إذا اشتغل في تمام عمره بالإحسان بهما لا يمكنه استغصاء تمام افراد الإحسان، فصرف الوجود منه يكفي، و هو يتحقق بالمال و نحوه، فلا يمكن إثبات وجوب الإطاعة مطلقا عليه بهذه الآية الشريفة و (بعبارة اخرى) انها لا تدل على أزيد من البر بوالديه فلا يستفاد منها وجوب الإطاعة حتى في الأمور المباحة غير الموجبة للإيذاء.

(الثاني)- قوله تعالى ايضا «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ لِتُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا» «2» و (فيه): انه ليس معناها وجوب الإطاعة في غير الشرك بل معناها هو أن الإطاعة المستحبة، أو المباحة، أو الواجبة الثابتة في سائر الموارد تكون محرمة في هذا المورد (بعبارة اخرى) أن مفهوم الشرط هو عدم حرمة الإطاعة في غير الشرك لا وجوب

______________________________

(1) سورة- البقرة- الآية 77.

(2) سورة العنكبوت:- الآية- 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 354

الإطاعة في غير الشرك كما لا يخفى.

(الثالث)- قوله- عليه السلام-: «لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق» لدلالته على وجوب الإطاعة لو لا استلزام معصية الخالق. و (فيه): أن غاية دلالته هو عدم وجوب الإطاعة لمن يكون أطاعته واجبة في ما إذا استلزم معصية الخالق و لا يمكن القول بوجوب الإطاعة في ما إذا لم

يكن مستلزما لمعصيته مطلقا حتى فيما إذ لم يكن عمله موجبا للإيذاء. فظهر أنه لا يمكن إثبات وجوب الإطاعة مطلقا للولد بالنسبة إلى الوالد، و لكن قد حققنا سابقا أن المنع يوجب الانحلال سواء قلنا بوجوب الإطاعة أم لا و ذلك لأن ما دل على كون المنع مانعا مطلق يشمل المنع المتقدم و المتأخر.

[النذر كاليمين في المملوك و الزوجة]
اشارة

قوله قده: (و أما النذر فالمشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك و الزوجة و الحق بعضهم بهما الولد ايضا و هو مشكل لعدم الدليل عليه.).

قد عرفت اختصاص ما تقدم من الأخبار باليمين و لا كلام فيه انما الكلام في أنه هل يلحق به النذر و العهد أم لا؟ قال في الجواهر بعد ذكر الأخبار المتقدمة- الواردة في اليمين-: (الا أن مورد هذه النصوص جميعها اليمين، الا أن الأصحاب جزموا باتحاد حكم الجميع، و هو الظاهر خصوصا بعد خبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه- عليهما الصلاة و السلام- أن عليا- عليه السلام- كان يقول: «ليس على المملوك نذر الا أن يأذن له سيده» بل و خصوصا بعد معلومية اتحاد الثلاثة في المعصية و قطيعة الرحم مع اقتصاره في الأول على النذر و في الثاني على اليمين، بل يمكن دعوى القطع يكون المنشأ في ذلك الزوجية، و الوالدية، و السيدية لا كونه يمينا، و حينئذ فالمناقشة في المقام و ما الحق به من الزوجة و الولد بان المورد اليمين فإلحاق النذر و العهد به قياس ممنوع عندنا- و ان اشترك الجميع في بعض الأحكام- ضعيفة، لما عرفت مؤيدا بإطلاق اليمين على النذر في الخبر المروي عن الكاظم- عليه السلام-).

و التحقيق: عدم إمكان إلحاق غير اليمين بها الا

بتنقيح المناط القطعي أو قيام دليل تعبدي على الإلحاق و كلاهما مفقود أما (الثاني): فواضح. و أما (الأول): فلاحتمال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 355

خصوصية المورد. نعم، يمكن حصول الظن بإلحاق الحكم و لكنه لا يغني من الحق شيئا لعدم دليل على اعتباره.

ان قلت: ان معنى الثلاثة كلها واحد، و هو الالتزام الخاص الواقع بسببها بين المخلوق و الخالق، و اتحادها مفهوما يقتضي اتحادها حكما، فعليه كما يعتبر في يمين الزوجة و الولد و العبد إذن الجماعة، أو عدم المنع على كلا المسلكين كذلك يعتبر ذلك في نذرهم و عهدهم، فلا وجه لتخصيص اليمين بما ذكر.

قلت: ان كونها حقيقة واحدة أول الكلام بل الأمر بالعكس، و انها حقائق مختلفة لما نرى من ان لكل واحد منها ميزا به يمتاز عن الآخر، و لكل واحد منها سبب خاص، و لذا لا يتحقق العهد بصيغة اليمين، فعلى هذا يختلف حكمها ايضا، فلا يمكن تسرية الحكم من اليمين الى غيرها، لأنه قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق، فحينئذ إذا قطعنا بذلك فهو، و إذا شك في جواز الإلحاق و عدمه فنقول: حيث أن جميعها أمر عرفي كما سيتضح لك ذلك- إنشاء اللّه تعالى- فكلما أحرز دخله فيها- كما قام الدليل على اعتبار الاذن أو عدم المنع في اليمين منها- فلا بد من الأخذ به. و أما في غيره إذا شككنا في اعتباره فندفعه بالأصل و لكن قد يقال في خصوص النذر أنه كاليمين، و يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- تنقيح المناط،

بدعوى أنه كما ينافي سلطانهم بدون الإذن في اليمين كذلك في النذر. و (فيه): ما عرفت من عدم تنقيح المناط القطعي، إذ غاية ما يحصل منه

الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا.

(الثاني)- دعوى أن المراد من اليمين في الأخبار المتقدمة ما يشمل النذر

، لإطلاقها عليه في جملة منها، فيترتب عليه كلما يترتب على اليمين و استدل بذلك الشهيد (ره) في الدروس على ما نقل عنه، و تبعه في الاستدلال به صاحب الجواهر (ره) و لا بأس بذكر تلك الأخبار- منها:

1- خبر المروي عن مولانا الكاظم عليه- أفضل الصلاة و السلام- أنه سأل عن جارية حلف عليها سيدها ان لا يبيعها فقال: «للّه على ان لا أبيعه»؟ فقال: «ف»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 356

بنذرك «1».

2- في ذيل موثق سماعة قال: سألته عن رجل جعل عليه أيمانا ان يمشى إلى الكعبة، أو صدقة، أو نذرا أو هديا، أن هو كلم أباه أو امه أو أخاه، أو ذا رحم، أو قطع قرابة، أو مأثما يقيم عليه، أو أمرا لا يصلح له فعله؟ فقال: «لا يمين في معصية اللّه انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها ان يفي بها ما جعل اللّه عليه في الشكر ان هو عافاه اللّه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد اليه ماله، أو رده من سفر، أو رزقه رزقا فقال «للّه على كذا و كذا الشكر» فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه ان يفي به» «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- و أنت ترى انه أطلق الحلف على على النذر فيهما و إطلاق اليمين على النذر في الأخير انما يكون في كلام الامام. و منها: ما وقع الإطلاق عليه في كلام الرواة مع تقرير الامام لهم على ذلك- منها:

1- ما عن الحسن بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: قلت

له: أن لي جارية ليس لها منى مكان، و لا ناحية، و هي تتحمل الثمن الا انى كنت حلفت فيها بيمين فقلت: «للّه على ان لا أبيعها أبدا» ولى الى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤنة؟ فقال- عليه السلام-: ف للّه بقولك له «3».

2- رواية الحسن بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- في جارية حلف منها بيمين فقال: «للّه على ان لا أبيعها»؟ فقال- عليه السلام-: ف للّه بنذرك و فيه دقيقة «4».

3- رواية مسعد بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- و سئل عن رجل يحلف بالنذر و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل؟ قال- عليه السلام-:

إذا لم يجعل للّه فليس بشي ء «5» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام-

______________________________

(1) راجع الجواهر ج 5 كتاب النذر ص 645.

(2) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 4.

(3) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 11.

(4) الجواهر ج 5 كتاب النذر ص 646.

(5) الوسائل- ج 3، الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 357

تقريب الاستدلال بهذه الأخبار الأخيرة هو أن إطلاق اليمين عليه و ان كان في كلام الراوي الا ان تقرير الامام- عليه السلام- له على ذلك حجة و متى ثبت ذلك جرى الحكم الثابت لليمين عليه.

و (فيه): ان هذا الوجه أيضا كسابقه غير و أف لإثبات المدعى، لان الاستعمال أعم من الحقيقة، و يحتمل أنه كان في البين قرينة على ذلك و إطلاق أحدهما على الآخر أحيانا مع القرينة لا يوجب إرادة الآخر منه مطلقا حتى مع فقدها. نعم، إذا قطعنا بإطلاقه عليه بدونها بحيث كان المتعارف ذلك

و فهم من إطلاق اليمين النذر و كذلك العكس فيتم المدعى و لكن انا لنا القطع و المتعارف كذلك. و لذا ناقش فيه صاحب الحدائق على ما حكى عنه بأنه قد ذكر بعض الأجلة ان الظاهر من قوله: «ف للّه بنذرك» دون أن يقول: «بيمينك» إنما هو الرد عليه في تسمية النذر يمينا لا تقريرا له. و لو سلم فالتقرير على هذا الإطلاق لا يوجب كونه حقيقة فيه بل هما حقيقتان متمايزتان، لنص أهل اللغة على أن اليمين «قسم»، و النذر «و عد بشرط» فلا يتم دلالته على المدعى و أما ما أفاده في الرياض: (من أنه حيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فاما ان يكون على سبيل الحقيقة، أو المجاز و الاستعارة، و على التقديرين فدلالة المعتبرين- موثق سماعة و خبر السندي- على المقصود واضحة، لكون النذر (على الأول) من جملة أفراد الحقيقة و (على الثاني) مشاركا لها في أحكامها الشرعية التي منها انتفائها عند عدم إذن الثلاثة) (فمدفوعة)، لعدم ثبوت الإطلاق للاستعمال حتى يدل على المشاركة بينها في جميع الأحكام كما لا يخفى. فظهر بما ذكرنا أنه لا يمكن إثبات الحكم المترتب على اليمين له، فعليه يحكم بانعقاد نذر الولد و الزوجة و العبد بدون اذن الزوج و الوالد و المولى، إلا إذا قام دليل آخر على اعتباره في نذرهم كما قام ذلك بالنسبة إلى العبد. و ما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول) الإجماع، و قد جزم بعدم الخلاف فيها في محكي الحدائق و غيره و ادعى في المدارك إجماع الأصحاب عليها. و فيه ما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 358

(الثاني) قوله تعالى «عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ»

«1» و من البين أن النذر شي ء فلا يقدر عليه بدون الاذن.

(الثالث) [قول علي عليه السلام ليس على المملوك نذرا إلا بإذن سيده]

ما رواه عبد اللّه ابن جعفر في محكي قرب الاسناد عن جعفر- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام- إن عليا- عليه السلام- كان يقول: «ليس على المملوك نذرا إلا بإذن سيده» «2» ان قلت: إنه ضعيف السند إذ في سلسلته الحسين بن علوان، و هو من المخالفين، و لم يثبت توثيقه في علم الرجال، فعلى هذا لا يمكن الاعتماد عليه قلت (أولا): يكفينا في إثبات الحكم في مفروض المقام الوجه الثاني و قد استدل الامام- عليه السلام- على عدم صحة طلاقه بغير اذن مولاه بقوله تعالى «عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» و كذلك الحكم في المقام. فكما يقال بعدم نفوذ طلاقه و جميع إيقاعاته بدون إذن مولاه فكذلك يحكم بعدم انعقاد نذره بدونه و (ثانيا): أنه منجبر بالشهرة كما أفاده المصنف (قده) اللهم إلا ان يقال بعدم ثبوت استناد المشهور في افتائهم باعتبار الاذن في صحة نذره إلى ذلك، لاحتمال استنادهم في ذلك الى عموم قوله- عليه السلام-: «لا يمين للعبد مع مولاه» بل هذا هو الظاهر، لما يرونه من اتحاد الحكم في الجميع من اليمين و النذر و العهد، و يؤيد ذلك بناء الأصحاب على ثبوت الحكم في الولد حيث أنهم حكموا باعتبار الاذن في صحة نذره مع عدم ورود دليل تعبدي خاص على ذلك، فلذلك كله لا يمكن القول بانجبار سنده. نعم، مضمونه موافق لما أفاده المشهور و لكن صرف الموافقة لا يفيد في جبر الضعف كما بيناه مرارا. و يمكن أن يكون اعتمادهم في فتواهم بذلك هو الآية الشريفة و غيرها مما دل على قصور ولايته عن العمل بدون

اذن مولاه، و كيف كان سواء قلنا بجبر سنده أو لم نقل به يحكم باعتبار الاذن في نذره فعليه لا يكون اعتباره في نذره من جهة الحاقه باليمين بل من جهة

______________________________

(1) سورة النحل الآية- 77-

(2) الوسائل ج 3- الباب- 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 359

الأدلة الخاصة الواردة في خصوص نذره كقيام الدليل الخاص على اعتباره في نذر الزوجة و هو صحيح بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق، و لا صدقة، و لا تدبير، و لا هبة، و لا نذر في مالها، إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها. «1» و اشتمال الحديث على ما لا نقول به لا يقدح في العمل به كما أفاده المصنف (قده) خلافا لصاحب الجواهر (ره). فظهر بما ذكرنا أن ما أفاده المشهور- من ان النذر كاليمين في المملوك و الزوجة- متين بناء على القول باعتبار إذن الجماعة في يمينهم. و أما بناء على القول باعتبار عدم المنع كما قويناه فلا يكون حكم النذر كحكم اليمين في المملوك و الزوجة، لاعتبار الاذن على ما ذكرنا في نذرهما و اعتبار عدم المنع في يمينهما كما لا يخفى.

[الكلام في نذر الولد]

ثم انه يقع الكلام في نذر الولد في انه هل يلحق باليمين أو بنذر المملوك و لزوجة أولا؟ قال في الرياض بعد ذكر الأخبار التي أطلقت اليمين فيها على النذر: (مضافا الى التأييد بالاستقراء و التتبع الكاشف عن اشتراك النذر و اليمين في كثير من الأحكام، و لذا يقال: إنه في المعنى نفسها، و بالجملة بملاحظة جميع ما ذكرنا

يحصل الظن الاطمئناني المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر، و يستفاد منه مشاركة الولد للزوجة و المملوك في توقف نذره على اذن والده، كما صرح به العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد في الدروس، فلا وجه للاقتصار في عبائر الجماعة على ذكر الأوليين خاصة كما، لا وجه لاقتصار السيد في ح الكتاب على المملوك. إلخ) قال في الجواهر: (و يلحق بالزوجة و المملوك الولد على ما ذكره جماعة، لاشتراكه معهما في الأدلة السابقة. لكن في القواعد بعد اعتبار الاذن في الزوجة و العبد قال: «للأب حل يمين الولد». و ظاهره عدم اعتبار الاذن في الصحة، و انما له حلها. بل في الحدائق نسبته الى المشهور بل ظاهره أو صريحه كون الشهرة على ذلك في الزوجة و العبد ايضا. و في كشف اللثام: يأتي للمصنف استقرابه عدم اشتراط انعقاد نذر أحد من الثلاثة باذن أوليائهم

______________________________

(1) الوسائل ج- 3- الباب 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 360

و انما لهم الحل متى شائوا و إذا لم يأذنوا فإن زالت الولاية عنهم قبل الحل استقر المنذور في ذمتهم و (فيه): أن الفرق بينهما و بين الولد واضح، لمملوكية منافعهما دونه. نعم، قد عرفت اتحاد كيفية دلالة الدليل في الجميع، و لعله ظاهر في الاعتبار الاذن بل قد عرفت التصريح به في خبر الحسين بن علوان الذي به يستكشف المراد مما في غيره. مضافا الى ظهور ارادة نفي الصحة في غيره مما تضمنه باللفظ المزبور و لعله لذا كان المحكي عن ثاني الشهيدين اعتبار الاذن في الثلاثة، و وافقه عليه بعض من تأخر عنه. و أما المناقشة باختصاص الدليل باليمين و

لذا اقتصر عليه بعضهم. الى أن قال: فقد عرفت الجواب عنها و ان الظاهر اتحاد حكم الجميع.

يمكن أن يقال باعتبار الاذن في نذره إلحاقا له باليمين. و يستدل لذلك بوجوه:

(الأول)- دعوى تنقيح المناط. و (فيه): انه ممنوع كما عرفت سابقا.

(الثاني)- دعوى شمول اخبار اليمين للنذر، لإطلاقها عليه في جملة من الاخبار المتقدمة و (فيه): ما عرفت من أن الاستعمال أعم من الحقيقة.

(الثالث)- قوله- عليه السلام-: «أنت و مالك لأبيك» تقريب الاستدلال به أنه يدل على ان الولد و ما في يده مملوك له، فلا يقدر شرعا على شي ء بدون اذنه، فيحكم باعتبار اذنه في انعقاد نذره و (فيه): أنه لا يمكن إثبات ذلك به، إذ من المسلم عدم إمكان الأخذ بظاهر الحديث، لأنه لم يلتزم أحد بأن مال الولد ملك للوالد، بل من المقطوع به أن ماله ملك له لا لغيره. و من الظاهر عدم ثبوت الولاية له على الولد لكبير. نعم له الولاية على الولد الصغير، فحينئذ لا يمكن إثبات اعتبار الاذن في نذر الولد الكبير به، فالأقوى في النظر عدم إلحاق نذره بها خلافا لما افاده صاحب الرياض و صاحب الجواهر- قدس سرهما- و وفاقا للمصنف و صاحب كشف اللثام فعليه يحكم بانعقاد نذره بدون اعتبار اذن والده. هذا كله إذا علم بعدم جريان حكم يمين الولد على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 361

نذره. و أما إذا شككنا في ذلك فهل يحكم بالانعقاد أم لا؟ يمكن ان يقال بانعقاده و يستدل له بوجوه:

(الأول)- إطلاق الأدلة- الدالة على وجوب الوفاء بالعقد- و (فيه): ان النذر ليس من العقود حتى يتمسك بها في دفع اعتبار المشكوك، بل يكون من الإيقاعات التي لا مساس بينه

و بينها، فعلى هذا لا يمكن التمسك بها على نفي اشتراط الاذن في انعقاده.

(الثاني)- استصحاب عدم جعل الشرطية بتقريب: أن النذر قبل تشريعه لم يكن انعقاده منه مشروطا به قطعا، فإذا شك في اعتباره بعده فيحكم بعدمه، لاستصحاب عدم جعل الشرطية إذا لم يقم دليل اجتهادي على خلافه و (فيه): ما حققناه في الأصول من بطلانه مضافا الى ان هذا الشرط- و هو اعتبار الاذن- و ان لم يكن قبل جعله موجودا و لكن بعد جعله لا يعلم أنه جعل مقيدا بهذا الشرط، أو مطلقا، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الشرطية، لعدم إثباته كيفية الجعل الا على المثبتية.

(الثالث)- إطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالنذر و هو قوله تعالى «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» «1» ففي صورة الشك ندفع اعتباره به و (فيه): انه يمكن القول بأن الإطلاقات كلها وردت في مقام بيان أصل تشريع الأحكام فهي مجملة لا إطلاق لها حتى يتمسك بها لنفي المشكوك اعتباره. فالمرجع حينئذ هو الأصول الموضوعية المجعولة للشاك في الماليات و هو عدم انتقال المال، و في غيرها أصالة عدم اشتغال الذمة بالعمل ففي المقام بمقتضى أصالة عدم تحقق نذره يحكم بعدم انعقاده.

ان قلت: أنه كما يصح التمسك بإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعقد في إثبات صحة كل عقد شك في صحته لأجل احتمال دخل شي ء فيه، فكذلك يصح في مفروض المقام التمسك بإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر في صورة الشك فنحكم بانعقاده بدون اذن الوالد المشكوك اعتباره. قلت: إنه يمكن القول بعدم إمكان الالتزام بذلك في مفروض

______________________________

(1) سورة الحج: الآية- 30.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 362

المقام، للفرق بينهما، و ذلك لأن العقد كما حقق في

محله أمر عرفي و تشخيصه بيد العرف و لذا يتمسك في إثبات صحته و نفي اعتبار الزائد مما هو مشكوك اعتباره بالإطلاقات- الدالة على وجوب الوفاء به- و هذا بخلاف مفروض المقام، لا مكان القول بعدم كون النذر من العناوين العرفية بل كونه من العناوين الشرعية فعلى هذا إذا شك في اعتبار شي ء فيه يكون مرجع الشك فيه الى الشك في أصل تحقق عنوان النذر شرعا فلا يمكن التمسك بها، للزوم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و قد حقق في الأصول بطلانه فعلى هذا يفرق بينهما.

ان قلت: انه ايضا أمر عرفي، و ذلك لصدقه عرفا على نذره و لو مع عدم اذن الوالد بل و لو منعه منه، فلو لم يكن من العناوين العرفية لما كان الأمر كذلك قلت:

ليس ذلك من جهة كونه كذلك، بل لمغروسيته في أذهانهم من جهة أنسهم بالشرع فيطلقون على نذر الولد النذر و لو مع منع الوالد.

ان قلت: إنه أمر عرفي لوجوده قبل شرع محمد- صلى اللّه عليه و آله- و إلا فكيف قالت مريم- سلام اللّه عليها- «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ» «1» قلت: إنه من الواضح عدم دلالته على ذلك، لثبوته في الشرائع السابقة و في كل زمان و عصر كان مأخوذا من شرع ذلك العصر و الزمان، فالعرف من حيث هو لا يعتبره، و الظاهر أنه لم يرد في باب النذر أخبار في بيان الشرائط حتى يتمسك بإطلاقها في إثبات عدم اعتبار اذن الوالد في انعقاد نذره في صورة الشك. نعم، إذا كان هناك اخبار كذلك فيؤخذ بإطلاقها.

و لكن تحقيق المقام هو أن عدم جواز التمسك بالإطلاقات انما يكون موقوفا على عدم كونه من الحقائق العرفية الصادقة من دون

اذنه بل من العناوين الشرعية فإنه حينئذ كما عرفت لا يمكن دفع الشك في اعتباره بها، لرجوع الشك فيه الى الشك في أصل تحقق عنوانه و انطباق الإطلاق فلا يمكن التمسك بها حينئذ، لما عرفت من لزوم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و أما إذا لم نقل بكونه من العناوين الشرعية بل

______________________________

(1) سورة مريم: الآية- 37.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 363

قلنا بكونه من الحقائق الثابتة عند العرف كالبيع و نحوه كما هو الحق فإذا شك في صحته لأجل احتمال دخل شي ء فيه زائدا عما هو معلوم اعتباره ندفعه بها و هذا هو الحق كما نقول بذلك في العقود، لعدم الفرق بين مفروض المقام و بين باب العقود، لأنه كما ان العقد يكون من المفاهيم العرفية فكذلك النذر، لعدم كونه أمرا تأسيسيا في الشريعة الإسلامية، لوجوده في جميع الأزمنة حتى عند غير المتشرعة و لا اختصاص له بزماننا هذا و لذا كانت متحققة في الأمم السابقة و كانوا ينذرون في قضاء حوائجهم و مما يؤيد ذلك- اى كونه امرا عرفيا- سؤال السائل عن الامام- عليه السلام-: «انى نذرت كذا فهل يصح أولا»؟ لأنه بعد ما فرض أنه امرا عرفي يسئل عن الامام- عليه السلام- في انه هل يمضيه أو لا.

هذا كله إذا لم يكن في اخبار النذر ما وردت لبيان الشرائط و الا فلا كلام في جواز التمسك بها و لو كان من العناوين الشرعية.

و يمكن ان يقال: إن ما ورد في اعتبار إذن الزوج و المولى في انعقاد نذر الزوجة و العبد يكون واردا في مقام بيان الشرائط و لو كان إذن الوالد شرطا في انعقاد نذره لبينه الشارع المقدس، و حيث أنه

لم يبين ذلك مع أنه كان بصدد البيان ندفعه بالإطلاقات.

و أما القول بعدم جواز التمسك بها، لورودها في مقام بيان أصل تشريع الأحكام لا في مقام بيان الشرائط و (فيه): أنه لا وجه لرفع اليد عن الإطلاق بمجرد احتمال ورودها في مقام بيان أصل التشريع مع عدم وجود قرينة و لا صالح للقرينية على ذلك و الا فيلزم المناقشة في كثير من الإطلاقات و رفع اليد عنها و هو كما ترى. هذا كله بالنسبة إلى نذر الولد.

و أما عهده فكذا لا يعتبر فيه اذن والده و كذلك ليس له الحل، لعدم الدليل عليه و في صورة الشك في انعقاده بدون اذنه ندفعه بالإطلاقات- الدالة على وجوب الوفاء بالعهد- كما ندفع الشك في ما إذا شك في صحة عقد لأجل احتمال اعتبار شي ء شرعا فيه غير ما يدركه العرف بالإطلاقات- الدالة على لزوم الوفاء به- و كذلك عهد الزوجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 364

لا دليل لنا على اعتبار اذن زوجها فيه. و أما عهد المملوك فلا إشكال في اعتبار اذن المولى فيه و لكن لا من جهة إلحاق عهده بيمينه أو إلحاقه بنذره بل ما دل على قصور سلطنته، و ما دل على ولاية المالك عليه، و هو يقتضي عدم نفوذ عهده كغيره من الأمور الإيقاعية و غيرها من البيع و النكاح و الصلح. و يدل عليه قوله تعالى «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» «1» و من البين أن العهد شي ء فلا يقدر عليه بدون اذنه.

[هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا]

قوله قده: (هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان.).

لا يخفى ان الوجه في تردد المصنف (قده) في شمول الحكم المذكور- و هو اعتبار الاذن

في انعقاد يمين الزوجة للزوجة المنقطعة- ليس هو التردد في صدق الزوجة عليها لأنه لا ينبغي الشك في ان الزوجة المنقطعة زوجة حقيقة كالزوجة الدائمة سواء قلنا بكون وصف الدوام و الانقطاع نوعان من جنس واحد أم لا، بل وجه تردده و منشأ تشكيكه هو احتمال الانصراف في إطلاق الدليل و هو قوله- عليه السلام-: «لا يمين للزوجة مع زوجها» إلى الزوجة الدائمة فالمدار في تسرية الحكم من الزوجة الدائمة إليها على حسب اختيار المصنف (قده) هو الانصراف و عدمه. و لكن دعوى الانصراف لا يخلو من المناقشة و الإشكال بعد ما بيناه مرارا من أن الانصراف المعتبر لا بد أن يكون كالقرينة المحفوفة بالكلام بحيث لم يفتقر في خروج المنصرف عنه عن مدلول الكلام إلى إقامة قرينة صارفة، و لا إشكال في ان مفروض المقام ليس كذلك، فأولا: ليس في البين انصراف و ثانيا: على فرض تسليمه فبدوى لا يعتمد عليه.

فعلى ذلك لا يبقى مجال لما ذهب اليه صاحب الرياض (قده) من القطع باختصاص الحكم بالزوجة الدائمة دون المنقطعة، حيث قال في مبحث النذر في آخر مسألة ما يعتبر في الحالف: (و أما الزوجة فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائمة دون المنقطعة، لعدم تبادرها منها عند الإطلاق مضافا الى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة). و ذلك لأنها زوجة حقيقة، كالدائمة غاية الأمر أنها تفترق عنها في بعض الأحكام

______________________________

(1) سورة النحل: الآية- 77.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 365

المقررة في الشريعة، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الدليل بمجرد احتمال الانصراف، فيحكم بشمول الحكم المذكور لها [1]

[و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا]

قوله قده: (و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان)

لا

اشكال كما ذكرنا أن ترد المصنف (قده) في شمول الحكم لولد الولد ليس من

______________________________

[1] المؤلف: و لا يخفى ان شمول الحكم للزوجة المنقطعة ليس مختصا بما إذا قلنا بكون الدوام و الانقطاع حقيقة واحدة كما هو الحق- لما حقق في محله من ان الزوجية الانقطاعية عين الزوجية الدوامية، غاية الأمر ان الانقطاع نشا من قبل الشرط في ضمن العقد، و لذا قرر في محله انه لو نسي ذكر الأجل ينعقد دائما- بل نقول به و لو قلنا باختلاف ماهيتهما، لصدق هذا العنوان- و هو الزوجة التي تضمنها الدليل- عليها كصدقها على الدائمة، فيشملها الدليل، لأنها زوجة على كل تقدير كما افاده سيدنا الأستاذ دام ظله.

و اما الإشكال عليه بأنه بناء على القول باختلاف ماهية الدائمية و الانقطاعية فيلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد و هو لا يجوز (فمدفوع)، و ذلك لأنه إنما يتم الاشكال فيما إذا كان المراد من اختلاف ماهيتهما هو اختلافهما في الجنس، لكنه ليس الأمر كذلك، لأن مرادنا من اختلافهما بحسب الماهية ليس ما يتبادر الى الذهن من اختلافهما بحسب الجنس- بحيث كان عنوان الدائمية مغايرا لعنوان الانقطاعية بحسب الذات و الجنس- بل يكون المراد منه هو اختلافهما بحسب النوع و لكن جنسهما واحد، و لأجل اختلافهما بحسب النوع اختلفت آثارهما- بحيث جعل لكل منهما ميز به يمتاز عن غيرها- فالأولى ان نعبر باختلافهما بحسب الصنف لا بحسب الماهية، فيكون من الاشتراك المعنوي لا اللفظي كي يلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى، فيكون مفروض المقام من قبيل الذكورية و الأنوثية، و لذا يقال: ان الاختلاف بينهما بحسب الآثار إنما يكون من جهة اختلافهما من حيث الصنف.

فالزوجية

على هذا يكون من قبيل الإنسان الذي له أصناف مختلفة يمتاز كل منها عن الأخر، منها الدائمية، و منها الانقطاعية، فكما يعتبر اذن الزوج في انعقاد يمين الزوجة الدائمة فكذلك يعتبر في انعقاد يمين الزوجة المنقطعة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 366

جهة التردد في صدق الولد على ولد الولد، بل انما الوجه في تردده هو احتمال انصراف قوله- عليه السلام-: (لا يمين لولد مع والده) الى الولد بلا واسطة، و ذلك لأنه لا ينبغي الشك في أن ولد الولد ولد من الصلب سواء كان من الابن أم من البنت، و لكن قد عرفت أن الانصراف لا يخلو من المناقشة بعد ما كان المعتبر منه كالقرينة الحافة بالكلام بحيث لم يفتقر في خروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق إلى إقامة قرينة صارفة، و مفروض المقام ليس كذلك قطعا، فلا وجه لرفع اليد عن الإطلاق فيقال: إنه كما أن انعقاد يمين الولد يحتاج إلى إذن الوالد كذلك يحتاج إلى ذلك يمين ولد الولد.

فما حكاه سيد الرياض عن صاحب الدروس (ره) من ذهابه إلى شمول الحكم له متين، و كذا ما استقر به صاحبه حيث قال في مبحث النذر: (ان مقتضى عموم الأصل- الدال على لزوم الوفاء باليمين- و اختصاص النص و الفتاوى بعدم الصحة و التوقف على الاذن بالوالد عدم التعدية إلى الوالدة، و في شمول الحكم للجد اشكال من عدم تبادره من إطلاق الوالد، و من إطلاقه عليه كثيرا أو اشتراكهما في الأحكام غالبا و الأحوط الأول و إن كان الثاني لعله لا يخلو عن قرب و جزم به شيخنا في الدروس).

[إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج]

قوله قده: (و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب

عليه إعطاء ما زاد عن نفقة الواجبة عليه من مصارف الحج.)

لا كلام لنا في ذلك، لعدم الدليل على وجوب إعطاء أزيد من نفقته الواجبة عليه، و لو شك المولى في وجوب إعطاء أزيد منه فالمرجع هو أصالة البراءة،

قوله قده: (و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها؟ وجهان)

قد وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك، حكى عن العلامة (ره) في المنتهى و التحرير القول بأنه إذ أذن المولى لعبده في نذر الحج فنذره يجب على المولى اعانة المملوك على أداء الحج بالحمولة إن احتاج إليها، لأنه السبب في شغل ذمته على ما نقل في المدارك، و ناقش في ذلك صاحب المدارك (قده) حيث قال بعد نقل كلام العلامة: (بأنه غير واضح، لأن سببيته لشغل الذمة لا يقتضي ذلك) ثم، قال (قده): (نعم لو قيل بوجوب تمكينه من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 367

تحصيل ما يتوقف عليه الحج. لتوقف الواجب عليه لكان وجها قويا). و في الجواهر منع من وجوب التمكين من تحصيل ما يتوقف عليه الوفاء بالنذر و لو بالاستيجار على عمل و نحوه و صرف الأجرة في طريق الوفاء حيث قال- بعد نقل كلام العلامة من المنتهى عين ما نقله صاحب المدارك (قده)-: (و ان كان لا يخلوا من نظر أو منع بل لعله كذلك أيضا في وجوب تمكينه من تحصيل ما يتوقف عليه الحج الواجب باستئجار على عمل و نحوه).

المسألة مبتنية على تمامية قاعدة: (اذن في الشي ء اذن في لوازمه) و عدم تماميتها فعلى «الأولى» لا ينبغي الإشكال في وجوب تخلية سبيله على المولى، لتحصيل ما يتوقف عليه مصارف حجة، لأن اذن المولى عبده فيه مع التفاته الى توقف وفائه به على مصارف مع عدم

مالكيته لها- كما هو المفروض- اذن في لوازمه التي تكون الحج متوقفا عليها، و لا ينبغي الإشكال في أن هذه القاعدة على فرض تماميتها كبرويا قاعدة ظاهرية و يعتمد عليها، الا أن يقوم دليل تعبدي على خلافها، فعليه يحكم بعدم تأثير منعه من ذلك و بوجوب التمكين عليه لتحصيلها- و لو بان آجر نفسه بأجرة ثم صرفها في مصارفه- فعلى ذلك لا يبقى مجال للقول بأن الأجرة الحاصلة من استيجاره ملك للمولى فلا يجوز له التصرف فيها بدون اذنه، و ذلك لأنه بعد تمامية القاعدة كبرويا يحكم بسقوط حقه، بل يمكن أن يقال بجواز صرف العبد مال المولى الذي بيده في مصارف حجه فيما إذا فرض عدم تمكنه من تحصيل مصارفه.

و أما (على الثاني) فلا يمكن القول بوجوب ذلك. و الظاهر أنه لا دليل على حجيتها و لذلك لا يمكن الاعتماد عليها، و حينئذ فإن أمكنه الحج بما أعطاه المولى من نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج فهو، و الا فيحكم ببطلان نذره، لعدم قدرته عليه، فما أفاده صاحب الجواهر (ره)- من عدم وجوب التمكين عليه- متين.

و لكن قد يقال بوجوب التمكين عليه و لكن لا من جهة قاعدة: «اذن في الشي ء اذن في لوازمه» بل من جهة أن الحج بعد وجوبه عليه بالنذر الصادر منه باذن مولاه لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 368

إشكال في وجوب تحصيل مقدمته عليه- بصرف نفس وجوب الحج عليه- فإذا لا يمكن للمولى منعه، لسقوط حقه فيما إذا عارض الواجب، و عليه يجوز له أن يؤجر نفسه بأجرة ثم يصرفها في مصارفه، و من هنا ظهر قوة ما ذهب اليه صاحب المدارك «قده» حيث حكم بوجوب تمكينه، لتوقف

الواجب عليه

قوله (قده): (ثم على القول بأن لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حل حلفهم أم لا؟ وجهان)

و الظاهر أنه لا إشكال في جواز رجوعهم إليهم في حل حلفهم، الا أن يقوم دليل تعبدي على حرمته، و هو لم يثبت، و إذا شك في حرمة الرجوع و عدمها فالمرجع هو أصالة البراءة كما لا يخفى

[المسألة الثانية إذا كان الوالد كافرا]

قوله قده: (إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان أوجههما العدم للانصراف و نفي السبيل)

إطلاق قوله- عليه السلام-: «لا يمين للولد مع والده» و ان كان شاملا للوالد الكافر و مقتضاه اعتبار اذنه في انعقاد نذره و لكن لا يبعد دعوى انصرافه عنه ان لم نقل:

انه بدوي.

[المسألة الثالثة هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا]

قوله (قده): (هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان لا يبعد الشمول).

لا يخفى ان تردد المصنف (قده) في شمول الحكم المذكور- و هو اعتبار الاذن للعبد المبعض- ليس من جهة تردده في صدق العبد عليه، بل انما الوجه في تردده هو احتمال الانصراف في إطلاق الدليل، لأنه يحتمل انصراف قوله- عليه السلام- «لا يمين للعبد مع مولاه» الى العبد القن، و لكن دعوى الانصراف لا يخلو من الاشكال لما بيناه مرارا من ان الانصراف انما يقبل و يعتمد عليه إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق كان توضيحا للواضح،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 369

و مفروض المقام ليس كذلك قطعا، فعلى هذا يحكم بشمول الحكم عليه بمقتضى إطلاق الدليل، لعدم ثبوت انصراف في البين و على فرض ثبوته فهو بدوي.

و أما الإشكال بأنه ليس بمملوك على نحو الإطلاق، كما انه ليس بحر كذلك، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في حق المملوك على نحو الإطلاق (فمدفوع) بان المدار لجريان الحكم ليس إلا صدق كونه مملوكا و لا ينبغي الشك في صدق هذا العنوان على العبد المبعض فيجري عليه الحكم و لكن لا يخلو ذلك من التأمل.

[المسألة الرابعة الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى]

قوله قده: (الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى و كذا في المملوك و المالك لكن لا تلحق الأم بالأب.).

بلا خلاف أجده في ذلك و أما ما أفاده (قده)- من عدم إلحاق الأم بالأب- فكذلك لم يتعرض أحد للخلاف فيه، لاختصاص النص بالأب، و لا يمكن التعدي منه إليها كما أفاده صاحب الرياض (قده) حيث قال في مبحث النذر: (ان مقتضى عموم الدليل الدال على لزوم الوفاء

باليمين و اختصاص النص و الفتاوى على عدم الصحة و التوقف على الاذن بالوالد عدم التعدي إلى الوالدة)

[المسألة الخامسة إذا انتقل المملوك إلى غير المالك الآذن]

قوله قده: (إذا نذر، أو حلف المملوك باذن المالك ثم انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع، أو نحوه بقي على لزومه.).

قد يفصل بينما إذا كان متعلق نذره منافيا لحق المولى الثاني و عدمه، في الحكم بعدم البقاء على اللزوم في الأول، و ببقائه عليه في الثاني أما البقاء على اللزوم (في الثاني): فلعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر الصحيح، و المفروض أنه كذلك، لصدوره منه مع الإذن منه، و أما عدم البقاء على اللزوم (في الفرض الأول): فلثبوت الحكم الثابت للمولى البائع للسيد المشتري، فإذا نهاه- لمنافاته لحقه- وجب عليه إطاعته فيبطل النذر.

لكن التحقيق: أن ما أفاده المصنف (قده) متين مطلقا و ذلك لصحة نذره و لزوم الوفاء به عليه. أما صحته فلوجود المقتضى له و عدم المانع عنه، إذ ليس المانع الا كونه مملوكا لا يقدر على شي ء، و المفروض زواله باذن المولى له في إيقاعه و أما لزوم الوفاء به عليه فلعموم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 370

ما دل على لزوم الوفاء بالنذر الصحيح، فكما لا تأثير لرجوع المولى الأول عن اذنه في وجوب الوفاء به عليها فكذلك لا تأثير لنهى المولى الثاني عن الوفاء به، لأنه بعد اشتغال ذمته بما تعلق نذره به فاطاعة المولى بلا فرق بين الأول و الثاني بعد ذلك- بترك الوفاء مع وجوبه عليه- عصيان له تعالى في إطاعة المخلوق، و هو مما لا يمكن المساعدة عليه لقوله- عليه السلام-:

(لإطاعة للمخلوق في معصية الخالق) و لا يمكن التمسك بالإطلاقات- الدالة على لزوم اطاعة العبد مولاه- لاختصاصها بغير الواجبات

فتدبر.

[المسألة السادسة لو نذرت المرأة ثم تزوجت]

قوله قده: (لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية، ثم تزوجت وجب عليها العمل به و ان كان منافيا للاستمتاع بها، و ليس للزوج منعها ذلك الفعل كالحج و نحوه.).

قد يفصل كالفروع السابق بينما إذا كان متعلق نذرها منافيا لحقه، و بين ما إذا لم يكن كذلك في الحكم بعدم وجوب العمل به عليها على الأول و بوجوب العمل به عليها على الثاني: أما وجه عدم وجوب العمل به عليها إذا كان (على النحو الأول) فلدعوى اعتبار الرجحان في متعلقة حين العمل و المفروض أنه ليس كذلك لمزاحمته مع حقه فيحكم ببطلانه، و أما وجوب العمل به عليها إذا كان (على النحو الثاني) فلعموم ما دل على وجوب الوفاء به.

ان قلت: أنه قد تقدم اعتبار الاذن في انعقاد نذر الزوجة لقوله- عليه السلام-:

(لا يمين للزوجة مع زوجها) بناء على التعدي من اليمين الى النذر وفاقا للمشهور. و لما ورد في ذيل صحيح بن سنان المتقدم- الدال على عدم نفوذ جميع عقوده و إيقاعاته إلا بالإذن- فعلى هذا بصرف صيرورتها ذات زوج يحكم بعدم انعقاده منها من الأول، لفقدانه لشرط الصحة- و هو الاذن.

قلت ان الحديث و كذا صحيح ابن سنان المتقدم لا يشمل الزوج الحاصل لها بعد حصوله كي يقال بعدم انعقاده منها، لفقدانه الشرط الصحة، و ذلك لاختصاص الأدلة بالزوج حال النذر لا الزوج بعده، فعلى هذا يحكم بانعقاده منها و يجب عليها الوفاء به.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 371

و لكن الأقوى في النظر هو الحكم بوجوب العمل به عليها و ان كان متعلق نذرها ما ينافي حق زوجها كما أفاده المصنف (قده) لعموم ما دل على لزوم الوفاء بالنذر الصحيح

و لا يمكن للزوج الحاصل لها بعده منعها من العمل به فيجب عليها العمل به، لأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

هذا كله بناء على القول بكفاية رجحان المنذور حال النذر في انعقاده وفاقا للمصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما- و أما بناء على القول باعتبار رجحانه حين العمل في انعقاده كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- و هو الحق يمكن ان يقال في خصوص ما تعلق نذرها بما ينافي حق الزوج ببطلانه لصيرورة متعلقة حين العمل مرجوحا لأجل منافاته لحق الزوج فينحل نذرها.

قوله قده: (فكذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد مثلا صامت كل خميس و كان المفروض أن زيدا ايضا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها، فان حلفها أو نذرها مقدم على حلفه و أن كان متأخرا في الإيقاع، لأن حلفه لا يؤثر شيئا في تكليفها بخلاف نذرها، فإنه يوجب الصوم عليها، لأنه متعلق بعمل نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.).

قد وقع الخلاف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في مفروض المقام في أنه هل يقدم نذر الزوجة مطلقا أو يقدم نذر الزوج كذلك أو يقدم ما هو المقدم سببا أم يحكم بوجوب العمل على كل منهما بتكليفه، لعدم التنافي بين العملين غاية الأمر أنه إذا صار أحدهما غالبا في التدافع يحكم بانحلال نذر الآخر، لعدم قدرته على الامتثال؟ وجوه.

يمكن أن يقال بتقديم نذر الزوجة على نذره كما أفاده المصنف (قده) و ذلك لاشتغال ذمتها به حين لم يكن لها زوج، فوقع منها جامعا للشرائط فيكون نذرها حقيقة رافعا لموضوع التكليف عن الآخر، فحلف الرجل لا يؤثر شيئا في تكليفها، بل وجوده كالعدم، فكأنه حلف على ان يجامعها

في يوم من أيام شهر رمضان الذي لم يكن صوم ذلك اليوم واجبا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 372

عليه و كان واجبا على زوجتها فيكون نذرها بمنزلة حيضها مانعا عن انعقاد نذره، فلا يجوز له منعها من صوم ذلك اليوم، كما لا يجوز له منعها من الواجبات الأخر- كالصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات.

و يمكن المناقشة فيه بان قوله- عليه السلام-: «لا يمين للزوجة مع زوجها» مطلق و لا يختص بالزوج حال النذر بل يشمل الزوجية الحاصلة بعده، فعلى هذا يحكم ببطلان نذرها، لفقدانه الشرط الصحة- و هو اذن الزوج- بل يحكم بعدم انعقاده منها من أول الأمر من جهة أنه بالتزويج انكشف انها نذرت بلا اذن الزوج، فيكون نذرها كالعدم كما لا يخفى.

اللهم إلا ان يقال بعدم شمول الحديث للزوجية الحاصلة بعده، لاختصاصه بالزوج حال النذر فهي حين صدوره منها لم تكن ذات زوج حتى يقال بتوقف صحته منها عليه نعم، حين الوفاء به و ان كانت ذات زوج الا انه لا يعتبر اذن زوجها الذي حصل لها حين وفائها به، لما عرفت من اختصاص الحديث بالزوج حال النذر فعليه انعقد منها صحيحا و جامعا للشرائط فوجوب الوفاء به عليها- و هو صوم يوم الخميس- يمنع الرجل عن الوفاء به- و هو وطيها كل خميس- كما افاده المصنف (قده).

و لكن ذهب المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- الى تقديم نذر الرجل على نذرها و هو الأقوى في النظر، لما بيناه مرارا من أن انعقاده مشروط بان يكون متعلقة راجحا في حد نفسه في ظرف العمل، و المفروض أن متعلقة في الفرض المزبور ليس كذلك من جهة منافاته مع حقه و بذلك يستكشف

عدم انعقاده منها من أول الأمر فما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من انحلال نذرها لتعلق حق الزوج بها في ذلك اليوم مطلقا حلف أو لم يحلف- متين و ليس تقديم حلفه من جهة نفس الحلف حتى يقال بالتعارض كما لا يخفى.

و الحاصل: أنه لو حلفت على صوم يوم الخميس مثلا و قبله تزوجت فللزوج أن لا يأذن لها فحينئذ عدم الإذن يكشف عن عدم انعقاده واقعا، إذا المناط رجحان المتعلق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 373

مع حصول الشرائط واقعا و لا فرق في ذلك بين نذر الزوج لوطيها في، يوم الخميس و عدمه فإذا يظهر ضعف القول بتقديم حلف الزوجة مطلقا، و القول بتقديم ما هو المقدم، و القول بلزوم العمل على كل منهما على طبق وظيفته، كي ينحل نذر من صار مغلوبا.

و يمكن أن يقال: كون المقام من قبيل الفضولي، فيجري عليه أحكامه، و قد حقق في محله أنه يجرى في كلية العقود و الإيقاعات، لكونه على القاعدة إلا ما خرج بالدليل بيان ذلك: أنه لا إشكال في ان المرأة ألزمت على نفسها شيئا بالحلف، أو النذر بدون إذن زوجها واقعا فحين الوفاء به إذا أذن لها فيحكم بعدم انحلاله، و الا فيحكم به. و لا يخفى ما فيه لأنه بعد تسليم جريان الفضولي في الإيقاعات، كما هو الحق الا ما خرج بالنص نقول: إنه لا ربط لمفروض المقام بمسألة الفضولي، و ذلك لأنه حين صدوره منها لم تكن ذات زوج و أما الزوجية الحاصلة لها بعده فقد عرفت عدم شمولها الاخبار لاختصاصها بالزوج حال النذر فلا يكون اذنه بعده شرطا في انعقاد نذرها حتى يقال بانعقاده منها متعقبا باذنه.

هذا

كله إذا لم نقل بالتزاحم بينهما. و أما إذا قلنا بذلك فيهما فهل يقدم نذر الزوجة مطلقا، أو نذر لزوج مطلقا أو ما هو أقدم سببا، أو الحكم بوجوب العمل على كل منهما بوظيفته وجوه:

يمكن أن يقال بتقديم نذر الزوجة، لكونه أقدم سببا و (فيه): ما بيناه مرارا في الأصول من أنه لا دليل على كون ذلك من مرجحات باب التزاحم، فلا بد من إحراز الأهمية في التقديم، فان أحرز فهو، و الا فيحكم بوجوب العمل على كل واحد منهما بوظيفته، لعدم التنافي بين العملين، فان صار أحدهما غالبا في التدافع يحكم بانحلال نذر الآخر لعدم قدرتها على الامتثال.

مضافا إلى ان وجه تقديم ما هو المقدم سببا ليس إلا في حق شخص واحد، مع انه ليس بقاعدة كلية بل بينا في الأصول مناقشته في حق شخص واحد و قلنا بعدم قيام دليل تعبدي على كونه من المرجحات و لذا لم يتم لنا في الأصول وجوب تقديم سجدتي السهو الثاني على سجدتي السهو الأول فيما إذا سهى الرجل في الصلاة مرتين، كما انه لم يقل أحد في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 374

الديون الخلقية بوجوب تقديم ما هو المقدم سببا، كما إذا فرض انه استدان أولا من زيد و ثانيا من عمرو و تم الأجل بالنسبة إلى كليهما و لكن التحقيق: أن التزاحم مجرد فرض لأنه لا يخلو الأمر إما من اعتبار الرجحان حال النذر في انعقاده كما افاده صاحب الجواهر (ره) و تبعه المصنف (قده) و إما من اعتبار الرجحان حين العمل، كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فان قلنا (بالأول): فلا محالة يحكم بانحلال نذره، و إن قلنا (بالثاني): فيحكم بانحلال

نذرها، كما لا يخفى.

مضافا الى أنه يعتبر في التزاحم توجه خطابين مستقلين الى شخص واحد، بحيث كان كل واحد منهما ذا ملاك فعلى في ظرف الامتثال غاية الأمر لم يكن قادرا على امتثالهما جمعا بل كان قادرا على امتثال أحدهما و أما مفروض المقام فليس كذلك، لأنه بناء على القول بصحة نذر الزوج و الزوجة يقتضيان تكليفين متوجهين الى شخصين دون شخص واحد، فلا معارضة بين دليليهما كي نتكلم في تعيين ما هو المقدم منهما على الآخر حتى يحكم بالتخيير في صورة عدم دليل التعيين- فلا يجري في مفروض المقام أحكامه، لعدم موضوعه فيه فحينئذ إذا قلنا بمسلك المصنف فهو، و الا فإن قلنا بمسلك المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- كما نقول به فهو، و الا فلا بد لكل منهما العمل على طبق وظيفته.

و لكن يمكن أن يقال بتحقق التزاحم بين الخطابين في طرف المرأة، و هو وجوب العمل بنذرها، و وجوب اطاعة زوجها، قد يقال بتقديم دليل النذر على دليل الثاني لكونه أقدم سببا و (فيه): ما حققناه في الأصول و ما عرفته سابقا، فيقال لا بد في مقام التقديم من ملاحظة الأهمية، و إلا فالمرجع التخيير فتدبر. هذا إذا لم نقل باعتبار اذن الزوج بعد حال النذر في انعقاده، و الا فيخل نذرها، لفقدانه لشرط الصحة- و هو الإذن- فلا يتحقق في حقه التزاحم كي يرجع الى الأهم و المهم. و لكن تحقيق المطلب هو ما عرفت من انحلال نذرها، لفقدانه الرجحان حين العمل وفاقا للمحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- هذا كله إذا قلنا باعتبار اذنه في انعقاد نذرها. و أما بناء على القول بأن منع الزوج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 375

مانع يمكن ان يقال بتقديم حلفها على حلفه، لعدم تحققه حال النذر هذا بناء على القول بمانعية المنع حين صدوره و أما بناء على مانعية المنع المتأخر فيمكن أيضا أن يقال بتقديم حلفها و لو منعها الزوج، لانصراف الأدلة إلى صورة ما إذا كانت حين النذر ذات زوج لا بعده، لان النذر اسم للإيقاع لا للوفاء، و حين وقوعه منها كانت كالرجال كما لا يخفى لكن التحقيق: هو أنه بناء على القول بكفاية الرجحان حين النذر كما أفاده صاحب الجواهر و تبعه المصنف- قدس سرهما- فنذرها يقدم على نذره، و الا فيقدم نذره على نذرها كما لا يخفى،

[المسألة السابعة إذا نذر الحج من مكان معين]

قوله قده: (إذا نذر الحج من مكان معين كبلدة أو بلد آخر معين، فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته و وجب عليه ثانيا)

الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال فيه و لم يتعرض في كلام أحد من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- للخلاف فيه، و الوجه فيه واضح، لعدم صدق الوفاء بالنذر بعد عدم انطباق المنذور على المأتي به، فلا وجه للاجزاء.

[المسألة الثامنة إذا نذر أن يحج]
[إذا لم يقيده بزمان]

قوله قده: (إذا نذر أن يحج و لم يقيده بزمان فالظاهر جواز التأخير إلى ظن الموت أو الفوت)

بلا خلاف أجده في ذلك، و عليه جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في المدارك:

(قد قطع الأصحاب بأن من نذر الحج مطلقا يجوز له تأخيره الى أن يتضيق وقته بظن الوفاة. بل قال الشارح (قده): «انه لا خلاف فيه» و وجهه واضح، إذ ليس في الأدلة النقلية ما يدل على اعتبار الفورية، و الأمر المطلق انما يدل على طلب الماهية من غير اشعار بفور و لا تراخ، كما بيناه مرارا) و في كشف اللثام عن التذكرة على ما حكاه صاحب الجواهر (ره): (ان عدم الفورية أقوى، فاحتمال الفورية إما لانصراف المطلق إليها كما قيل في الأوامر المطلقة، أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب، لجواز الترك ما دام حيا أو لضعف ظن الحياة هنا فعلا، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به إلا من عام آخر، و لإطلاق بعض الأخبار الناهية عن تسويف الحج).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 376

و قال في المسالك: (لا خلاف في جواز تأخير المطلق إلا أن يظن الوفاة سواء حصل مانع أم لا) و في الجواهر: (انه هو المعروف بين الأصحاب).

و التحقيق: هو جواز

تأخيره إلى ظن الوفاة وفاقا لهم، حيث أن المفروض تعلق نذره بصرف الوجود من الحج، بحيث لو أتى به من أي سنة من سنوات عمره لحصل الوفاء بنذره، لتحقق مطلق الوجود به. و اما الوجوه التي يمكن الاستدلال بها على الفورية من انصراف إطلاق النذر الى الفور، كما قيل بذلك من سائر الأوامر المطلقة، و من استلزام عدم الفور عدم ثبوت الوجوب، لجواز الترك ما دام حيا، و من الاخبار الناهية عن تسويف الحج، فجميعها قابلة للمناقشة اما (في الأول): فلمنع الانصراف، و على فرض ثبوته فهو بدئ لا يعتمد عليه و أما (في الثاني): فلانه لا نقول بذلك مطلقا بل إنما نقول به فيما إذا كان احتمال البقاء عنده أرجح الى أن يسلب عنه الاطمئنان العادي. و اما إذا حصل له الظن بالوفاة في الأثناء فلا إشكال في حرمة التأخير عنه، و عليه الإتيان به فورا.

و أما (في الثالث): فلانصرافها الى حجة الإسلام. بل انما يقال بورودها في حجة الإسلام الثابت فيها الفورية و يظهر ذلك بالتأمل فيها. مضافا الى أن الفورية و عدمها في مفروض المقام انما يكون منوطا بقصد الناذر دون سائر الأوامر المطلقة، فإذا تعلق قصده بالطبيعة المطلقة، فيجوز له التأخير إلى ظن الوفاة، و إذا تعلق قصده بالطبيعة المقيدة، فيجب عليه اتباعه.

قوله (قده): (فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصيا، و القول بعصيانه مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير لا وجه له)

ما أفاده المصنف (قده) متين. و لكن قال صاحب الجواهر (ره) قد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره مع التمكن منه في بعضه و ان جاز له التأخير إلى وقت

آخر يظن التمكن منه، فان جواز ذلك له بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق التمكن له في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 377

الوقت الثاني لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن و لا يخفى ما فيه لعدم كون العقاب تابعا لفوت الواقع.

[و إذا قيده بسنة معينة]
[لم يجز التأخير]

قوله قده: (و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة فلو أخر عصى).

لا ينبغي الكلام في ذلك، و لم يتعرض أحد من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- للخلاف فيه، و وجهه واضح، لأن ترك الوفاء بمتعلق النذر عمدا مع تمكنه منه عصيان حرام كما لا يخفى.

[و عليه القضاء و الكفارة و إذا مات وجب قضاءه عنه]
اشارة

قوله قده: (و عليه القضاء و الكفارة، و إذا مات وجب قضاءه عنه)

و في الجواهر: (كما هو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب على ما في المدارك. بل في كشف اللثام: نسبته الى قطعهم، و ان قال للنظر فيه مجال، للأصل و افتقار وجوبه إلى أمر جديد) بلا كلام فيه من حيث الفتوى، إنما الكلام في دليله،

[أدلة وجوب قضاء الحج النذري]
اشارة

و يستدل له بوجوه:

(الأول) الإجماع.

و (فيه): بعد منعه لوجود المخالف كما عرفت قد تكرر منا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم، و في المقام يمكن أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه فلا عبرة به.

(الثاني)- استدلالهم بان الحج واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضائه

و (فيه) (أولا): ان القاعدة تقتضي عدم وجوب القضاء عنه، بعد ان كان خصوصية نفسه دخيلا في متعلق النذر، بل هذه الخصوصية و الخصوصية الوقتية معتبرة في جميع الواجبات- من الصلاة و الصوم و غيرهما- الا ان يقوم دليل تعبدي على وجوب القضاء، و دل على تعدد المطلوب كما قام ذلك في الصلاة و الصوم و حجة الإسلام فليس عليه الحج النذري بعد مضى العام المفروض، و كذلك ليس على الولي أو الوصي شي ء من نذوراته، و لكنه يعاقب، لتركه الواجب مع تمكنه من الإتيان به في وقته. نعم، إنما يجب عليه الإتيان به بنفسه إذا كان حيا، و بنائبه فيما إذا كان ميتا مع العلم بكون نذره على نحو تعدد المطلوب و هو على الفرض مشكوك فيه، فيدفع وجوبه بالأصل سواء كان حيا بعد مضى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 378

تلك السنة أم ميتا، فلا يقتضي النذر الا وجوب الأداء. و أما القضاء فلا.

و أما (ثانيا): كما أفاده صاحب المدارك (ره) فلمنع كون الحج واجبا ماليا، لأنه عبارة عن المناسك المخصوصة، و ليس بذل المال داخلا في ماهيته، و لا من ضرورياته، و توقفه عليه في بعض الصور، كتوقف الصلاة عليه في بعض الوجوه، كما إذا احتاج إلى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر و نحو ذلك، و لكن هذا قابل للإشكال و سيظهر بيانه لك في المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالى.

(الثالث)- ما في الجواهر: (من أن الخطاب بالحج من الخطابات الموجبة لثبوت متعلقاتها في الذمة

، كثبوت الدين فيها، لا أنه مثل خطاب السيد لعبده الذي يراد منه إلزام العبد بإيجاد متعلقة في الخارج من دون استتباعه لجهة وضعية و «من هنا» تخرج أجرة حجة الإسلام من أصل التركة، و بهذا المعنى كان واجبا

ماليا لا من حيث احتياجه الى المقدمات المالية. إلخ) و «فيه»: منع كون الخطاب به من الخطابات الدينية الموجبة لاشغال الذمة بمتعلقاتها على نحو ثبوت الدين غايته هو وجوب الأداء. و أما أزيد منه فلا دلالة له عليه، و هذا المعنى إنما يكون ساريا في جميع الخطابات إلا إذا قام دليل تعبدي على ثبوتها في الذمة و وجوب القضاء، و هو لم يثبت في المقام.

(الرابع) الأخبار الآتية- الدالة على وجوب القضاء فيما إذا نذر أن يحج رجلا من ماله

- و «فيه» أولا: عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بها في موردها فكيف يمكن العمل بها في غير موردها. و (ثانيا): على فرض تسليم ذلك نقول: إنه فرق بين نذر الإحجاج و نذر الحج، لأن الإحجاج دين مالي، لعدم كونه إلا بذل المال لحجة فتشمله الأخبار- الدالة على لزوم قضاء الدين- و هذا بخلاف نذر الحج لأنه ليس نذرا بصرف المال لتعلق نذره فيه بنفس الحج، و هو عبارة عن الأعمال، و ليس بذل المال داخلا في حقيقته و لا من لوازمه كما هو واضح فلا يمكن التعدي عن موردها الى مفروض المقام، لأنه قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق كما لا يخفى، فإذا ظهر بما ذكرنا ضعف ما أفاده صاحب الجواهر و المصنف- قدس سرهما- و ظهر أن إشكال صاحب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 379

المدارك «ره»- بان القضاء يحتاج إلى أمر جديد و هو مفقود- متين إن قلت: إنه يمكن إثباته بالاستصحاب. قلت: إنه لا مجال له بعد ما كان له وقت منفصل عن الأداء، و بعد ما عرفت من أن الخصوصية الوقتية معتبرة في جميع الواجبات الا ما قام دليل تعبدي على خلافها. و بالجملة أن النذر انما تعلق بفعله المباشري، و

وجوب القضاء عنه على الغير خلاف القاعدة، فتحتاج الى الدليل، و هو مفقود، و كذلك تعلق نذره بفعله المباشري في وقت خاص، و بعده لا يجب القضاء ما دام لم يقم دليل على وجوبه لدخل الخصوصية الوقتية في نذره.

إن قلت: ان المباشرية انما يكون من نحو تعدد المطلوب، كما في حجة الإسلام مع أنه مباشرى (قلت) ان ذلك فيه انما يكون لأجل الدليل و لا يمكننا التعدي عن مورده، لكون الحكم مخالفا للقاعدة فلا بد من الاقتصار عليه الا إذا حصل لنا القطع بالمناط أو كان لنا في باب النذر إطلاق أو عموم دل على ان كل منذور قابل للقضاء، و كلاهما غير حاصل في المقام. أما (الأول) فواضح، لأن غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا. و أما (الثاني) فلعدم ثبوته، كما هو المفروض، فتسرية الحكم من موردها الى مفروض المقام قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق.

إن قلت: إنه يمكن إثباته من باب سقط ما سقط و بقي ما بقي، و قد بيناه في قوله:

(على اليد ما أخذت حتى تؤدى) في صورة تلف العين، و قلنا فيه أنه حيث يكون إرجاع العين الى مالكه بجميع خصوصيتها من الشخصية و النوعية و المالية متعذرا، فيحكم بسقوط خصوصيته الشخصية عن عهدته، لتعذره، و ببقاء خصوصية النوعية و المالية على عهدته، و كذلك الأمر في مفروض المقام، لانه اشتغل ذمته بالحج مع خصوصية المباشرية و الوقتية، و حيث أنه فات منه ذلك لأجل موته فيحكم بسقوطها، للتعذر، و ببقاء أصل الحج عليه، لإمكان تداركه، فيجب القضاء عنه. قلت: إنما يتم ذلك فيما إذا لم يكن الشيئان من قبيل

القيد و المقيد بحيث حكم بانتفاء المقيد عند عدم قيده، و كان مما جرى فيه قاعدة الميسور و في المقام انما يكون كذلك، لأن الخصوصية الوقتية و المباشرية دخيلة في أصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 380

نذر حجه فبانتفائه يحكم بانتفاء مقيده- و هو أصل الحج- كما لا يخفى.

و لكنه مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في أصل وجوب القضاء بعد ثبوت اتفاق الفقهاء عليه، فان وجوبه بعد الوقت عمن مات بعد التمكن من أدائه مذكور في كلامهم و يكون عندهم من إرسال المسلمات فلا يترك الاحتياط في مقام الفتوى

[و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث]
اشارة

قوله قده: (و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث؟ قولان.)

اختار القول الأول جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما عن السرائر و الشرائع، و قضية إطلاق المقنعة و الخلاف على ما حكاه صاحب كشف اللثام.

و اختار القول الثاني جماعة أخرى من الفقهاء، و هم الصدوق (قده) و صاحب النافع على ما نقل في المستند، و أبو على و الشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط، و ابنا سعيد في المعتبر و الجامع على ما نقل في كشف اللثام.

و يمكن الاستدلال على القول الأول- و هو وجوب القضاء من أصل التركة- بوجوه:
(الأول) الإجماع،

و فيه: بعد منعه، لوجود المخالف كما عرفت أن الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركي، و من المحتمل أن يكون مدركه في المقام بعض الوجوه الآتية.

(الثاني) أنه واجب مالي و قد حصل الاتفاق بينهم على خروج الواجبات المالية من الأصل

. و فيه: ما أورده عليه صاحب المدارك قده الذي تقدم ذكره- و هو منع كونه واجبا ماليا، و انما هو أفعال مخصوصة بدنية، و ليس بذل المال داخلا في حقيقته و ماهيته، و لا من ضرورياته، و ان كان قد يحتاج الى بذله في مقدماته، كما أن في الصلاة أيضا قد يحتاج الى بذله في تحصيل الماء و الساتر و المكان و غيرها، فمجرد صرفه مقدمة له لا يوجب صيرورته واجبا ماليا، و إلا فلا بد من القول بكون الصلاة أيضا من الواجبات المالية، لتوقفها على بذل المال في بعض الوجوه، مع أنه لم يلتزم به أحد.

و لكن يمكن المناقشة فيه بأنه فرق بين مفروض المقام و بين الصلاة، لأن الحج يتوقف غالبا على بذل المال، و هذا بخلافها فلا يتم النقض بها، لوجود الفارق، بل يمكن أن يقال: إن الواجب المالي ليس إلا ما كان وجوده متوقفا على المال و كذلك وجوبه،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 381

و لا شك في كونه كذلك و لا يقدح فيه وجوبه من دون مال على أهل مكة، لأنه بحكم النادر فما ذكره صاحب المدارك (قده)- من منع كونه واجبا ماليا- كما ترى، و أما ما ذكره (قده) من النقض بالصلاة حيث أنها قد تتوقف على بذل المال كما إذا احتاج الى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر (ففيه): أن الواجب المالي إنما يكون ما إذا توقف وجوبه على المال لا ما توقف وجوده عليه، و احتياجها الى بذله في

بعض الأحيان لا يوجب كونها واجبا ماليا، لعدم كونه المعيار في ذلك، فلا يتم النقض.

مضافا الى ما في الحدائق: (من أن فرض توقف الصلاة على المال نادر جدا بخلاف الحج، فان توقفه غالبا عليه- سيما من أهل الآفاق- أمر ضروري، و الأحكام الشرعية انما تبنى على الأفراد الشائعة، فوصف الحج بكونه واجبا ماليا باعتبار توقفه عليه صحيح لا ريب فيه، و لكن الصلاة لا توصف بذلك باعتبار هذه الفروض النادرة، و انما توصف بكونها واجبا بدنيا، كما هو الشائع المتكرر في إيقاعها، و توقفها نادرا على ذلك لا يقدح في كونها واجبا، فعليه ان كان هناك إجماع أو غيره على أن الواجبات المالية تخرج من أصل التركة يشمل الحج) فتدبر.

(الثالث) [المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب دينا و الحج كذلك]

-

ما أفاده صاحب الجواهر (ره) في الرد على صاحب المدارك (قده) على ما نقل عنه: (و هو أن المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب دينا و الحج كذلك، لعدم كونه تكليفا صرفا كالصلاة و الصوم بل للأمر به جهة وضعية، فوجوبه انما يكون على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل) و يدل على كونه دينا أو بمنزلته الأخبار الواردة في المقام- منها:

1- في ذيل صحيح ضريس الآتي من قول الامام- عليه السلام-: (يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه) «1».

2- حسن معاوية في رجل توفى و أوصى أن يحج عنه؟ قال: إن كان صرورة فمن جميع المال انه هو بمنزلة الدين الواجب عليه، و ان كان قد حج فمن ثلثه «2» الى غير ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25- من أبواب وجوب

الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 382

من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام. مضافا الى أنه، يمكن ان يستدل على دينية الحج بقوله: دين اللّه أحق أن يقضى و بنفس قول الناذر و هو قوله: (للّه على كذا إن كان كذا) لأن مفاده جعل المنذور للّه تعالى و جعل نفسه مديونا له تعالى و لكن هذا قابل للمناقشة و الإشكال. و كيف كان فما أفاده صاحب الجواهر (ره) متين خلافا لما ذكره صاحب المدارك (قده)، و ذلك لأنه بعد انطباق عنوان الدينية عليه يجرى عليه حكم سائر الديون، و قد حقق في محله أن الديون كلها تخرج من أصل التركة.

ان قلت: أنه منصرف عنه. مضافا الى أن إطلاق الدين عليه في بعض الأخبار لا يدل على وجوب إخراجه من أصل التركة، لإطلاقه على الصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات البدنية أيضا مع عدم خروجها من الأصل بل من الثلث، و الدين الذي يخرج من الأصل كما في الروايات منصرف إلى أموال الناس، و لا يشمل ديون اللّه تعالى. بل قد يقال عدم كون الحج دينا إذ ليست الأحكام في الشريعة الاخطابات محضة، فإطلاق الاشتغال عليها مبنى على ضرب من المسامحة و المجاز و ليس فيها أمر وضعي حتى يسمى بالاشتغال و انما يجب العمل وجوبا تكليفيا صرفا.

قلت: إن دعوى الانصراف لا يخلو من المناقشة و الإشكال، لكونه ناشئا من أنس الذهن بالفتاوى، فلا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فهو بدوي ثانيا، إذ ليس هو بمنزلة القرينة الحافة بالكلام حتى يعتمد عليه في تقييد الإطلاق، فإذا ثبت دينيته لا يبقى مجال للشك في شمول الإطلاقات- الدالة على وجوب إخراج

الدين من أصل التركة له.

و أما ما ذكر من أنه ليست الأحكام إلا خطابات و إطلاق الاشتغال عليها يكون بالمسامحة و المجاز (ففيه): أن الاشتغال انما يصدق في كل شي ء بحسبه (فتارة): يشتغل بالأموال و (أخرى): بالأعمال عبادة كانت أو غيرها و هو (تارة): يحصل بإيجاب الشارع و (أخرى): به و بالتزام نفسك كالنذر و (ثالثة) بالشرط، فاشتغال الذمة بالعمل في جميع الأعمال ثابت لا يمكن إنكاره، فبعد أن ثبت اشتغال الذمة به يجب افراغها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 383

عنه سواء لزم منه صرف المال أم لا، و لا يلزم منه الاشتغال بالمال كي يقال: بأنه لا دليل عليه.

و لذلك يمكن أن يقال أنه لا فرق بين الواجبات المالية و الواجبات البدنية في خروجها من الأصل كما أفاده المصنف (قده) لعدم الفرق بينهما في كيفية تعلقهما بالذمة، ضرورة: أن الخطابات بأسرها تثبت المتعلقات في ذمة المكلف من دون فرق بين كون الواجب ماليا و بدنيا، فكلها مشتركة من حيث الثبوت في الذمة و اشتغالها بها، فالأحكام التكليفية كلها مستتبعة للأحكام الوضيعة، فلا فرق في لزوم القضاء بين الأحكام التكليفية و بين الأحكام الوضعية، غاية الأمر أنه في العبادات البدنية أولا ينشأ التكليف ثم يستتبعه الوضع قهرا.

و أما في العبادات المالية كالخمس و الزكاة و نحوهما فالمجعول فيها ابتداء هو الوضع ثم التكليف تبعا، فكلام المشهور- و هو لزوم خروجه من أصل التركة- يكون على وفق القاعدة و لا يحتاج في إثباته إلى دعوى الإجماع، و الدليل، و أنه دين كي يقال عليه بعدم كونه دينا، لانصراف الأخبار الى أموال الناس.

ثم انه إذا ناقشنا في تمامية هذه القاعدة فتصل النوبة إلى الانصراف و عدمه

فان قلنا بانصرافها عن الواجبات البدنية كما هو الحق فهو، و إلا فلا بد من الحكم بخروجها من أصل التركة أيضا. و أما في خصوص مفروض المقام و هو الحج النذري فلا إشكال ظاهرا في خروجه من الأصل، لأنه مثل دين أو بمنزلته كما يشير الى ذلك الأخبار المتقدمة و لا شك أن الديون تخرج من الأصل، إلا أن يقال بانصراف الدين عن مثله و هو ممنوع كما عرفت.

و يمكن الاستدلال على القول الثاني- و هو خروجه من الثلث- بصحيح ضريس

و هو أنه سأل أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحج رجلا إلى مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام، و من قبل أن يفي بنذر الذي نذر؟ قال: إن ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 384

الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه «1» و بصحيح عبد اللّه بن أبي يعفور سأل الصادق- عليه السلام-: رجل نذر للّه ان عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّه الحرام فعافى اللّه الابن و مات الأب؟ فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده قال: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه «2» و أنت ترى دلالتهما على المدعى.

أما (الصحيح الأول) فدلالته واضحة و (أما الثاني) فكذلك و قوله- عليه السلام- فيه: (الحجة على الأب يؤديها بعض ولده) يدل على

ثبوتها في ذمة أبيه فيقضى عنه، و بما أن الأولى في ذلك هو الأولاد قال: (يؤديها عنه بعض ولده) فتعيين الولد لذلك ليس أمرا تعبديا، و قوله- عليه السلام- فيه: (هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه) يعنى أنه لا بد أن يتكفل هذا العمل ابنه المريض الذي حصل له البرء منه، لأنه لم ينذر الإحجاج مطلقا بل نذر إحجاج خصوصه، فعليه الإتيان به. و أما قوله- عليه السلام-: (فهي واجبة على الأب) انما يكون لأجل أن لا يتوهم من العبارة السابقة وجوب الحج على الابن من ماله لا من مال الأب فيؤدى مصرفه من مال أبيه. و كيف كان فأنت ترى دلالتهما على أن من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه و إذا كان الأمر كذلك فيه مع كونه ماليا قطعيا فنذر الحج بنفسه أولى بخروجه من الثلث، قال في كشف اللثام بعد ذكر الصحيحين: (فان إحجاج الغير ليس إلا بذل المال بحجه فهو دين مالي محض بلا شبهة فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه اولى). و لا يخفى ما فيه:

لإعراض الأصحاب عنهما، و لم يعملوا بهما في موردهما فكيف يعمل بهما في غيره و لكن يمكن الجواب عنه بوجوه:

(الأول): حملهما على صورة كون النذر في حال المرض بناء على خروج المنجزات من الثلث، كما اختاره العلامة في المختلف على ما حكاه صاحب كشف اللثام حيث قال: (و لما خالف

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 385

ذلك الأصول حملهما في المختلف على النذر في

مرض الموت). و وجه مخالفته للأصول ظاهر لأنه لا وجه لخروجه عنه بعد كونه واجبا ماليا بل و مع فرض كونه واجبا بدنيا انما يجب منه في صورة الوصية به لا مع النذر.

و لكن لا يخفى ما في أصل الحمل، لأنه لا وجه له بعد ما عرفت من أن المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب دينا و الحج كذلك بل الإحجاج مسلما كذلك، فيخرج من الأصل فلا يعتمد عليه.

(الثاني): حملهما على صورة عدم إجراء الصيغة و (فيه): ما لا يخفى لصيرورته من قبيل الفرار من المطر الى الميزاب لعدم انعقاد النذر بلا صيغة فإذا فرض انه التزم على نفسه بالنذر شي ء بدونها فلا أثر له، فلم يشتغل ذمته بشي ء كي يحكم بلزوم إخراجه من الثلث بل و كذلك لا وجه لخروجه من الأصل أيضا حينئذ.

(الثالث): حملهما على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات (و فيه): عدم انعقاد النذر حينئذ لاعتبار القدرة على المنذور في وقته فلا قضاء كما لا أداء له.

(الرابع): حملهما على الندب، و قد اختاره صاحب المعالم في منتقى الجمان على ما حكاه صاحب الجواهر «ره» و «فيه»: انه لا مجال له أيضا بعد ثبوت كونه واجبا ماليا و اتفاق الفقهاء على وجوب إخراج الواجبات المالية من الأصل كما لا يخفى، و في الجواهر بعد ادعائه كون خطاب الحج من الخطابات الدينية على معنى ثبوته في الذمة على نحو ثبوت الدين فيها و عدم إرادة مجرد الإلزام بإيجاده في الخارج و إن لم يثبت فيها دين، قال: (و قد عرفت أنها على الوجه المزبور بل قوله- عليه السلام-: «إنما هو مثل دين عليه» رمز الى ما ذكرنا، بل إيجاب المال

في نذر الإحجاج في الصحيحين السابقين من ذلك أيضا، و كذا الصحيح عن مسمع بن عبد الملك قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- كانت لي جارية حبلى فنذرت للّه تعالى إن هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟ فقال: إن رجلا نذر للّه في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعده فأتى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 386

رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أن يحج عنه مما ترك أبوه «1» و بذلك اتجه ما سمعته من الأصحاب- من وجوب أصل القضاء- و كونه من أصل المال، لأنه واجب ديني بالمعنى الذي عرفت.

و من هنا حمل في محكي المختلف الصحيحين السابقين على النذر في مرض الموت.

الى أن قال: «و عن منتقى الجمان حملهما على الندب المؤكد الذي قد يطلق عليه لفظ الوجوب، و لعله لعدم ظهورهما في الموت بعد التمكن من النذر الذي هو مفروض المسألة بل لعل الأول منهما ظاهر في خلافه، فلا بأس بحملهما على ضرب من الندب بعد ما عرفت من التحقيق الذي لا محيص عنه). و لكن الذي يسهل الخطب هو أعراض المشهور عنهما فلا يشملهما دليل الحجية و الاعتبار و في محكي المستند: (قيل: لم يفت به أحد- يعني الحكم المذكور في الصحيحين في موردهما- بل أخرجوه من الأصل لما دل على وجوب الحق المالي من الأصل. إلخ).

[المسألة العاشرة إذا نذر الحج معلقا على أمر]

قوله قده: (إذا نذر الحج معلقا على أمر، كشفاء مريضة أو مجي ء مسافرة، فمات قبل حصول المعلق عليه هل يجب القضاء عنه أو لا؟ المسألة مبنية على أن التعليق من

باب الشرط، أو من قبيل الوجوب المعلق، فعلى الأول لا يجب. و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب. إلا أن يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول الشرط).

محصل الكلام في ذلك هو أن المعلق عليه (تارة): يكون من الأمور الخارجة عن الاختيار، كشفاء الولد، و كمجي ء المسافر، و نحوهما. و (اخرى): يكون من الأمور الاختيارية، كشراء دار إذا كان له مال بمقدار ثمنه، و كالصلاة و نحوهما و في كلتا الصورتين إذا مات بعد حصوله فيجب القضاء و الكفارة، إنما الإشكال فيما إذا حصل له الموت قبل حصوله و التحقيق: عدم وجوب القضاء عنه، و ذلك لأن المعلق عليه إن كان (من النحو الأول) فلا ينبغي الشك في امتناع أخذه في متعلق النذر و جعله قيدا للمنذور، فلا يثبت في الذمة شي ء، لخروجه عن حيز القدرة فيكون القيد راجعا الى نفس النذر فلا وجوب قبل

______________________________

(1) الوسائل ج 3- الباب- 16- من كتاب النذر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 387

حصوله، إذ الوقت إنما يكون بمنزلة الموضوع، فإذا حصل له ذلك فيجب القضاء و الا فلا، لعدم حصول شرطه. و أما إذا كان المعلق عليه (من النحو الثاني) فإن كان قصده هو اشتراط أصل النذر و هو المنشأ فلا وجوب قبل حصول المعلق عليه و إذا حصل له الموت قبل حصوله لا يجب القضاء عنه أيضا. و اما ان كان قصده تعليق المنذور فيجب القضاء إذا مات قبل حصوله.

و لا يخفى ان التعليق في الإنشاء و ان كان باطلا كما قد حقق في محله و لكن في مفروض المقام لا يكون من قبيله بل يكون من التعليق في المنشأ، و هو لا يكون

باطلا إلا في باب العقود، فيكون النذر منه كذلك صحيحا، إذ هو منوط بقصد الناذر، فله أن ينذر صوم غد أو بعده، فلا مانع من انعقاد الأمر الاستقبالي في ذلك الحال، و لكن لا مطلقا بل فيما إذا لم يأخذ زمان الاستقبالي موضوعا للوجوب بل جعله ظرفا للواجب أو جعله موضوعا و لكن كان من قصده الوجوب في ذلك الوقت.

و لكن قد يشكل فيما إذا أخذ الوقت على نحو الظرفية لكون حكمه حكم ما إذا أخذ الوقت موضوعا، و ذلك لرجوع أخذه على نحو الظرفية إلى أخذه على نحو القيدية، و لذلك لا فائدة في الإتيان بالواجب في غير ذلك الوقت لا قبله و لا بعده، و هذا عين القيدية، فعلى هذا يكون الوقت (تارة) قيدا لأصل النذر و (أخرى) قيدا للمنذور (فعلى الأول) لا وجوب قبل حصوله، لعدم موضوعه و (على الثاني) يجب، لتحقق الوجوب.

اللهم إلا أن يقال: أنه بحصول الموت قبل حصول المعلق عليه يستكشف أنه لم يكن قادرا على الوفاء به من أول الأمر فلم ينعقد نذره، فعلى هذا و لو قلنا بكون الوقت قيدا للمنذور يحكم بعدم وجوب القضاء، لعدم ثبوت النذر عليه.

[المسألة الثالثة عشرة لو نذر الإحجاج معلقا على شرط]

قوله قده: (لو نذر الإحجاج معلقا على شرط كمجي ء المسافر، أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه.).

و التحقيق أنه (تارة): يتكلم في هذه المسألة على ما تقتضيه القاعدة، و (اخرى)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 388

على ما يقتضيه الدليل.

أما (بناء على الأول): فتنقيح البحث فيه مبنى على تسليم الواجب المعلق و عدمه فان قلنا به كما حققنا إمكانه في المباحث السابقة فيجب القضاء عنه، لتحقق

الوجوب قبل حصول المعلق عليه، و ذلك لأنه كما يكشف حصول الشرط في موطنه عن تحقق الحكم في الزمن الأول فكذلك في مفروض المقام يكون حدوث الشرط بعد موته كاشفا عن ثبوته في ذمته من أول الأمر، فيجب القضاء عنه، إلا إذا كان نذره مقيدا ببقاء حياته فحينئذ لا يجب، لدخالته في موضوع نذره، هذا إذا جعل المعلق عليه قيدا للمنذور لا قيدا لأصل النذر و قد عرفت أنه لو جعل قيدا لأصل النذر لا وجوب قبله، لعدم ثبوت الحكم قبل تحقق موضوعه كما لا يخفى.

و أما مقتضى الدليل فهو وجوب القضاء عنه، لخبر مسمع بن عبد الملك قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- كانت لي جارية حبلى، فنذرت للّه عز و جل إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟ فقال: إن رجلا نذر للّه عز و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- ذلك الغلام فسأله عن ذلك فأمره رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أن يحج عنه مما ترك أبوه «1» و دلالته على المدعى واضحة و لا كلام فيه إنما الكلام في أنه هل يكون موافقا لمقتضى القاعدة حتى يتعدى عن مورده الى غيره- و هو مطلق نذر الإحجاج المعلق على شرط- أو يكون مخالفا لها كي يقتصر على موردها؟ ذهب المصنف (قده) الى كونه موافقا لها خلافا لصاحب الجواهر (ره).

و التحقيق كونه مخالفا لها وفاقا لصاحب الجواهر (ره) و من تبعه، و ذلك لأنه لا تأثير للمعلق عليه في المعلق إلا بعد وجوده، فلا يشتغل ذمته بشي ء قبل حصوله؛

لاستحالة تحقق الأثر قبل وجود المؤثر، كما لا يخفى، إلا أن يقوم دليل تعبدي على الخلاف

______________________________

(1) الوسائل ج 3، الباب- 16- من كتاب النذر الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 389

فمقتضى القاعدة في مفروض المقام عدم وجوب القضاء عنه، فالحكم في مورد الرواية بوجوب القضاء حكم تعبدي على خلاف القاعدة، و لازم ذلك هو الاقتصار على موردها، مضافا الى أن الاعتماد على هذا الخبر في مورده لا يخلو عن التأمل، لقصور سنده إلا بعد إحراز عمل المشهور به.

[المسألة الرابعة عشرة إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد]

قوله قده: (إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد.).

قد يشكل في أصل انعقاده (تارة): بأنه لا إشكال في اعتبار القدرة في متعلق النذر و هو بعد وجوب حجة الإسلام عليه بأصل الشرع غير قادر عليه شرعا، و ذلك لأن القدرة على فعل شي ء انما يكون إذا كان الترك ايضا مقدورا له بحيث إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل، و في المقام ليس كذلك، لعدم قدرته على تركه شرعا، و الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي، فلا ينعقد نذره في المقام، لعدم قدرته على متعلقه.

و (أخرى): بأنه لا إشكال في اعتبار كون متعلق نذره مملوكا للناذر، و المفروض انتفائه في المقام، لأن الأعمال بعد صيرورتها واجبا عليه بأصل الشرع صارت مملوكا له تعالى فلا ينعقد نذره، لعدم وجود شرطه- و هو كون متعلقة مملوكا له- و لا مجال للقول بجعل الأعمال ثانيا مملوكا له تعالى، لأن الأعمال بالاستطاعة صارت مملوكة له تعالى، و جعلها ثانيا مملوكا له به يوجب اللغوية كما لا يخفى، و لذلك كله ذهب جماعة من الفقهاء بعدم جواز النيابة للمستطيع، لأن الأعمال التي تصدر منه صارت مملوكا له

تعالى و لا يمكن أن يجعلها ملكا لغير اللّه تعالى بها، و لذلك ايضا حكموا بعدم انعقاد نذره فيما إذا آجر نفسه في ساعة معينة بعمل ثم نذر اشتغاله في تلك الساعة بغير ذلك العمل.

و (ثالثة): عدم ترتب أثر عليه، لعدم تعقل ثبوت عمل واحد في الذمة. مرتين أولا بالاستطاعة و ثانيا بالنذر، فتعلق النذر به بعد ثبوته في الذمة بأصل الشرع لا يفيد شيئا. و لكن كل هذه الوجوه قابلة للمناقشة.

أما (في الأول): فلوجود القدرة فيه، و ذلك لأنه لو فرضنا خروج العمل عن حيز القدرة بمجرد الخطاب الأصلي به؛ ليلزم من وجود الخطاب عدمه- بمعنى أن بسبب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 390

الوجوب يصير الحج غير مقدور- فإذا صار كذلك لا يمكن تعلق الخطاب به، لعدم قدرته عليه، فعليه ينعقد منه كذلك، لوجود شرطه- و هو كون متعلقة مقدورا له- و أما (في الثاني): فلأنه ان أريد من مملوكية الأعمال للّه تعالى ما هو المعروف كما يتصور ذلك في حق المخلوق فتعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و ان أريد من مملوكية الأعمال للّه تعالى الإضافة الإشراقية فجميع الأعمال، و كل ما يصدر عن كل انسان بل الأشياء كلها ملك له، و هو مالك الملوك، و لا يخرج عن ملكه شي ء، و هذا غير مستلزم لعدم انعقاد نذره.

و أما عدم جواز النيابة لمن كان مستطيعا فقد عرفت عدم المانع من نيابته، و قد أجبنا في المباحث السابقة عن الإيرادات التي أوردوها على ذلك.

و أما بطلان النذر في المثال فلا جل أن عمله بصيروته أجيرا صار مملوكا للمخلوق و أما في ما نحن فيه صار مملوكا للّه، و قياس المقام به قياس مع

الفارق.

و أما (في الثالث): فلانه لا مانع من القول باقتضاء النذر ثبوت شي ء زائد على الوجوب الثابت عليه بالاستطاعة، فيصير النذر سببا لأن يزيد حق اللّه تعالى على عبده المستطيع الذي نذر أن يحج حجة الإسلام، و إذا لم نقل به فلا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب الموجب لزيادة الانبعاث، بناء على القول بكونه من الأمور المشككة بحيث يقبل الزيادة كما ذهب اليه بعض الفقهاء.

و لكن قد يشكل فيه بأن تأكد ما هو ثابت في العهدة مما لا محصل له. نعم، لو قلنا بأنه عبارة عن المحبوبية فهو أمر قابل للشدة و الضعف، فلا مانع من القول باقتضائه لتأكده و لكن قد حققنا في الأصول بطلان هذا القول، لأنه أمر انتزاعي بسيط غير قابل له حيث أن مفاد إلا و أمر الواردة في الشريعة ليس إلا إيجاد النسبة بين الفاعل و الفعل، و جعله فاعل الفعل تشريعا، فبالاستطاعة تحقق هذه النسبة بينه و بين الفعل، و صار الحج واجبا عليه، و لا يجي ء شي ء زائد على ذلك من قبله- بان يجعله فاعلا تشريعيا ثانيا-، كما إذا فرضنا أنه باع شيئا فبمجرد إنشاء البيع صار بائعا و لا يحصل له ذلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 391

بعده و لو باع ألف مرة.

و لكن يمكن أن يقال جوابا عنه (تارة): بالنقض بمورد ثبوت خيارات متعددة لشخص واحد بالنسبة إلى عقد واحد، كخيار الشرط، و الغبن، و المجلس، و الحيوان، و غيرها، مع أن الخيار ليس الا حق الفسخ و كيف يملكه الشخص مرارا، بحيث يسقط بعضها و يبقى الباقي، و ثمرة تعددها هو ذلك.

و بمورد اجتماع الأغسال المتعددة على المكلف، كغسل الجنابة، و غسل مس الميت

و غسل الجمعة، و غيرها، مع أن الغسل في الجميع واحد- و هو عمل خاص الذي يشترك جميعها فيه- فكيف يثبت في ذمة المكلف مرارا عند تعدد أسبابه، مع أنه على القاعدة لا يتطرق فيه التداخل، فعليه يكون حجة الإسلام في مفروض المقام واحدا صورة و متعددا واقعا، و تشتغل به الذمة مرتين، لأن الالتزام الجائي من قبل اللّه غير الالتزام الجائي من قبل الشخص. و يترتب على ترك الالتزام الجائي من قبله العقاب و الكفارة، دون الالتزام الجائي من قبل اللّه تعالى، فان تركه يوجب العقاب فقط، فيستكشف من ترتب الآثار المختلفة على الحج في مفروض المقام تعدده بحسب الواقع.

إن قلت: إن لازمه وجوب حجين عليه. قلت: إنه يكفيه حج واحد، لكون متعلق نذره كذلك.

و لكن التحقيق: أنه ان قلنا باقتضائه ثبوت شي ء زائد على الوجوب المسبب عن الاستطاعة و لا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب فهو، و إلا فيحكم بعدم انعقاده، ثم إنه إذا قلنا بانعقاده لاقتضائه تأكد الوجوب إذا نذر أن يأتي بحجة الإسلام في العام الأول و خالف نذره بالتأخير عنه فلا إشكال في وجوب الكفارة عليه، و يجب عليه الإتيان بحجة الإسلام في العام القابل و لا يجب عليه قضائه، لعدم إمكان إعادة حجة الإسلام التي نذرها في ذلك العام، و هذا انما يكون نظير ما إذا نذر الصلاة في وقتها في ساعة معينة و تركها فيه أو نذر الإتيان بها في وقتها و خالفها في تمام الوقت، و الحكم بوجوب القضاء عليه ليس من جهة تعلق النذر بها بل من جهة أصل وجوب الصلاة، فكذلك وجوب حجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 392

الإسلام في العام القابل ليس من

جهة النذر بل من جهة أصل وجوبها كما لا يخفى.

[المسألة السابعة عشرة إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة]

قوله قده: (إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثم حصلت له فان كان موسعا أو مقيدا لسنة متأخرة قدم حجة الإسلام، لفوريتها و ان كان مضيقا بان قيده بسنة معينة و حصل فيها الاستطاعة أو قيده بالفورية قدمه.).

حاصل الكلام في هذه المسألة هو أنه (تارة) يكون نذره مطلقا و غير مقيد بسنة خاصة فلا إشكال في انعقاد نذره، لعدم المزاحمة بينه و بين حجة الإسلام، فيأتي بها في عام الاستطاعة، لفوريتها ثم يأتي في العام القابل أو غيره بحج النذري الى أن يسلب منه الاطمئنان، لأن المطلوب من نذره على المفروض هو صرف الوجود من الحج بحيث لو أتى به في أي سنة من سنوات عمره كان الوفاء به متحققا و (اخرى): يكون مقيدا بعامه فيقع الكلام في أنه هل يقدم النذر على حجة الإسلام، أو العكس أو التفصيل؟ وجوه:

يمكن ان يقال بالأول لما سلكه المصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما- في المقام من اعتبار رجحان حال النذر في انعقاده، و المفروض أن متعلقة كان راجحا حينه في حد نفسه، فانعقد منه صحيحا، فإذا حصلت الاستطاعة بعد انعقاده صحيحا لا يكاد يعقل صيرورة الحج واجبا ثانيا عليه في عام النذر لأجلها، لعدم قابلية الحج للتكرار في عام واحد ليكون مرة واجبا به، و اخرى واجبا بالاستطاعة. فبعد ثبوت الوجوب في الذمة من ناحية النذر لا يبقى مجال لثبوت الوجوب من ناحية الاستطاعة، لاشتغال الذمة بالأول و لا يكون قابلا للتكرار كي يكون ثاني وجوده محلا للحكم الآخر، فلا تصل النوبة إلى السبب الثاني كما ان الأمر كذلك في عكس المسألة- و هو ما

لو نذر بعد حصول الاستطاعة- فحيث أن الوجوب الآتي من ناحية الاستطاعة شاغل للمحل لا يبقى مجال لتأثير السبب الثاني الا أن يتعلق ببعض الخصوصيات كإتيانه ماشيا. فظهر أنه بناء على ذلك لا تصل النوبة إلى التزاحم كي يبحث في أنه هل يقدم حجة الإسلام أم النذر أم التخيير، بل يتعين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 393

عليه حج النذر من دون المزاحم.

و يمكن ان يقال بالثاني لما سلكه المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من اعتبار رجحان المنذور حين العمل في انعقاد النذر- فينحل نذره بمجرد حصول الاستطاعة لصيرورته حين العمل مرجوحا، لمزاحمته مع واجب فعلى- و هو حجة الإسلام- بل يستكشف من حين حصولها عدم ثبوت الرجحان في متعلق نذره من أول الأمر، فيتعين عليه حجة الإسلام من دون المزاحم. و لكن يمكن المناقشة في كلا وجهيهما.

أما في ما أفاده المصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما-: فلان الاستطاعة التي تكون سببا لوجوب حجة الإسلام إنما فسرت في الأخبار الواردة في تفسيرها بالزاد، و الراحلة، و خلو السرب، و غير ذلك، و أما عدم كونه مزاحما لواجب آخر فلم يؤخذ في الدليل المفسر للاستطاعة. نعم، إذا قام دليل تعبدي على اعتبار ذلك في تحققها- كما قام ذلك بالنسبة إلى الزاد و الراحلة- لكان لما أفاده المصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما- مجال واسع، إلا أنه لم يرد دليل كذلك، فعلى هذا يكون موضوع وجوب حجة الإسلام متحققا سواء حصلت الاستطاعة له بعد النذر أم قبله.

و أما ما ذكر من أنه بعد ثبوت الوجوب في الذمة من ناحية النذر فلا مجال لثبوته أيضا في الذمة من ناحية الاستطاعة (فمدفوع) لأنه لا يمنع ذلك من تأثير

سبب حجة الإسلام. غاية الأمر أنه يقع بينهما التزاحم و يحكم باشتغال الذمة بأحدهما ان لم تحرز الأهمية و بالأهم أن أحرزت.

و أما فيما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فلان الرجحان الذي هو شرط في متعلق النذر انما هو رجحان المتعلق بالنسبة الى تركه لا بالنسبة الى جميع الأضداد الخارجية، و هو على الفرض موجود فيه، فلا ينحل نذره، فعليه يكون موضوع وجوب الحج النذري متحققا، لتحقق شرطه- و هو الرجحان.

فظهر بما ذكرنا أن في مفروض المقام تحقق موضوع الوجوب في كليهما فوجب عليه الحجان. لتعدد سببهما، فأحدهما واجب لأجل النذر و الآخر لأجل الاستطاعة، إلا أنه لأجل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 394

عدم قدرته على امتثال كليهما في عام واحد لعدم قابلية الحج للتكرار، و عدم الدليل على اجزاء حج واحد عنهما- الذي يعبر عنه بالتداخل في المسبب- يقع التزاحم بينهما، و يجرى عليهما حكمه، فلا بد في مقام التقديم من ملاحظة الأهمية و المهمية، فان أحرزت أهمية حجة الإسلام فتقدم، و ان أحرزت أهمية الحج النذري، فهو يقدم، و إلا كما هو مقتضى عدم العلم بملاكات الأحكام فالمرجع التخيير، و تشخيص الأهمية انما يكون ببيان الشارع، لقصور عقولنا عن إدراكات الملاكات، فلا بد في إحراز الأهمية من ملاحظة أدلة التشريع، فإن أمكن استفادة أهمية أحدهما من الأخر فلا كلام، و إلا فلا بد من العمل بما تقتضيه قاعدة التزاحم مع عدم إحراز أهمية أحد المتزاحمين فنقول.

يمكن استفادة أهمية الحج النذري من حجة الإسلام بتقريب: ان يقال ان في ترك الحج النذري كفارة و عقاب و هذا بخلاف ترك حجة الإسلام، لثبوت العقاب فيه فقط، فهذا دليل على أهمية الحج النذري

على حجة الإسلام و (فيه): أن من الممكن أن يكون في ترك المهم كفارة بخلاف ترك الأهم، و ثبوت الكفارة فيه يحتمل أن يكون تابعا لمصلحة أخرى لا لأهمية مصلحته كي يقال بتقدمه عليها.

و يمكن أن يقال بأهمية حجة الإسلام على الحج النذري، للتوعيدات الواردة فيه التي لم ترد بالنسبة إلى غيرها، و لا أقل من احتمال الأهمية و هو كاف في تقدمها عليه كما لا يخفى ثم إنه في صورة تقديمها عليه لا يجب القضاء عليه بعنوان الحج النذري لما عرفت مرارا من دخل خصوصية الوقتية في نذره بل هي معتبرة في جميع الواجبات، إذا إذا قام دليل تعبدي على وجوبه فتدبر.

[المسألة التاسعة عشرة إذا نذر الحج و لم يقيده بحجة الإسلام و لا بغيره]

قوله قده: (إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا بغيره و كان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك، فهل يتداخلان فيكفي حج واحد عنهما؛ أم يجب التعدد أم يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟ أقوال أقواها الثاني.).

إختار القول الأول صاحب المدارك (قده) و هو محكي عن الشيخ في النهاية و الاقتصار و التهذيب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 395

و اختار الثاني صاحب الجواهر (ره) حيث قال بعد ذكر الصحيحين الدالين على كفاية حج واحد عنهما و بعد مناقشته فيهما: (و من هنا قيل و القائل المشهور: لا يجزى أحدهما عن الآخر. بل عن الناصريات الإجماع عليه، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها قاعدة تعدد المسبب بتعدد سببه المبني عليها كثير من مسائل الفقه من الكفارات و غيرها، و ان قلنا: إن أسباب الشرع معرفات، و من الغريب ما وقع عن بعض متأخري المتأخرين حتى سيد المدارك: من هدم هذه القاعدة، و دعوى

صدق الامتثال بواحد في جميع مواردها) و نسبه في المدارك ايضا الى الأكثر حيث قال: (فذهب الأكثر، و منهم الشيخ في الجمل و الخلاف، و ابن البراج، و ابن إدريس: الى أن حكمها حكم الثانية تعويلا على أن اختلاف السبب يقتضي اختلاف المسبب. إلخ) و تبعهم المصنف (قده).

و اختار الثالث الشيخ في النهاية حيث قال: (ان نوى حج النذر أجزأ عن حجة الإسلام و ان نوى حجة الإسلام لم يجزء عن المنذورة على ما حكاه صاحب المدارك (قده).

يمكن ان يقال بالقول الأول، و ذلك لأن النذر بعد انعقاده صار موجبا لتبدل الاستحباب الثابت للحج بالوجوب، و الاستطاعة أيضا صارت سببا لتبدله به، فعليه يكون سبب الوجوب متعددا و لكن مسببهما- و هو وجوب الحج- واحد، فيحكم بكفاية حج واحد عنهما، فيصير كل واحد من السببين جزء السبب، و يؤثر الجامع.

و أما الإشكال بأن تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب، ففي مفروض المقام لا بد أن يحكم بتعدد المسبب و عدم تداخله، لتعدد السبب- و هو النذر و الاستطاعة- الا ان يقوم دليل تعبدي على الخلاف (فمدفوع)، و ذلك لان التداخل في المسبب و ان كان محتاجا الى دليل تعبدي عند تعدد أسبابه، كما قام عليه في الأغسال، لكن ذلك انما يكون فيما إذا كان قابلا للتعدد و التكرار. و أما مع عدم قابليته له- كالقصاص بالقتل فيما إذا كان له أسباب مختلفة- فلا يوجب تعدد السبب فيه تعدده، لعدم قابلية المسبب للتعدد بحسب الوجود، و كزهاق الروح إذا كان مسببا عن أسباب كثيرة، و كالحدث الحاصل من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 396

الأسباب المتعددة بحيث كان لكل واحد منها دخل تام في حصوله و لم

يحصل منها الا حدث واحد- كما إذا فرضنا أنه حصل له النوم و جرى منه البول و غيرهما من الأسباب الموجبة للحدث- و ذلك لانه غير قابل للزيادة ففي جميع هذه الأمثلة لا يوجب تعدد السبب تعدد المسبب، لعدم قابليته فيها للتعدد بحسب الوجود، ففي مفروض المقام ايضا كذلك، لانه لا يكون الحج قابلا للتعدد و التكرار في عام واحد، فلا محالة يحصل التداخل و يكفيه حج واحد، و يؤثر الجامع بين السببين.

و أما القول بان مع عدم قابلية المسبب للتعدد فلا بد إما من الالتزام بعدم وجوب الحج عليه من رأسه، و إما من التزام تولد واجب ثالث من اجتماع السببين بلا اسم، و إما من التزام سقوط أحد السببين (فمدفوع).

أما (الأول) فبأنه مما لم يتفوه به أحد، لكونه خلاف ضروري المذهب و أما (الثاني): فكذلك، لكونه خلاف ضروري الفقه.

و أما (الثالث): فلأنه ترجيح بلا مرجح.

إن قلت: إنه يلزم عدم كون المأتي به حجة الإسلام و لا حج النذر فيما إذا قلنا بتأثير الجامع بينهما في وجوب الحج. أما عدم كونه من الأول، فلعدم تأثيره وحدة، و عدم كونه من الثاني فكذلك، بل هو واجب ثالث ناشى ء من اجتماع السببين، لأن عدم تأثير شي ء منهما لا يمكن، و تأثير أحدهما ترجيح بلا مرجح، فيؤثر الجامع فيه، و يتولد منه قسم ثالث، و لا يكفيه ذلك لا عن حجة الإسلام و لا عن حجة النذر و يترتب على ذلك أنه لو ترك الحج في العام الأول من الاستطاعة مع كونه مستطيعا و ناذرا للحج عدم وجوب التسكع عليه إذا زالت عنه الاستطاعة في العام القابل، لعدم كون حجه في العام الأول إذا أتى به فيه

حجة الإسلام، و الا لكان تركه في العام الأول موجبا للتسكع إذا زالت عنه الاستطاعة في العام القابل، و ذلك لعدم تأثير الاستطاعة في حد نفسه في الوجوب، بل المؤثر هو الجامع.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 396

قلت: التحقيق: هو اجزائه عن حجة الإسلام و عن الحج النذري بناء على القول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 397

بتأثير الجامع. و ذلك أما وجه أجزائه عنها، فلانه لا نعني من حجة الإسلام إلا الحج في حال كونه مستطيعا، و المفروض صدق ذلك و أما وجه أجزائه عن حج النذر، فلحصول الوفاء بمتعلقه، لأنه لم يكن متعلق نذره الا الحج، و المفروض انه تحقق ذلك وجدانا ثم انه قد يشكل في كون المأثر هو الجامع، لعدم جامع أصيل بين الاستطاعة و النذر كي يقال بأنه هو المؤثر، لأن الالتزام الجائي من طرف اللّه غير الالتزام الجائي من قبل نفسه، فالوجوب الناشي من ناحية النذر غير الوجوب الناشي من ناحية الاستطاعة فلا جامع بينهما كي يقال بأنه المؤثر، فيحكم بتأثير كليهما- بان كان كل واحد منهما جزء السبب- نظير، ما إذا ضرب سيفان على أحد بحيث كان كل واحد منهما كافيا في قتله فكل واحد منهما يصير جزء السبب، تنظير المقام بالمثال و لو كان صحيحا من جهة وقوع أحدهما جزء السبب و لكنه يفرق بينه و بين مفروض المقام، لوجود الجامع الأصيل فيه- و هو القطع بالسيف- و هذا بخلاف مفروض المقام و عليه كيف يمكن أن يكون كل من النذر و الاستطاعة جزء المؤثر بأن يؤثر كل منهما

بمقدار من التأثير، مع ان الوجوب سواء قلنا بكونه امرا انتزاعيا أو لم نقل به بسيط، و لا يمكن ان يتجزء بحيث أثر كل واحد من السببين في مقدار منه، فعليه لا معنى للقول بتأثير كل واحد منهما في مقدار من الوجوب و لا معنى ايضا للقول بتأثير الجامع، لعدم جامع أصيل بينهما، (و فيه): أن الجامع بينهما موجود، و الوجه في ذلك هو لوحدة الأثر المستندة إلى وحدة المؤثر، و هو الجامع بينهما و ان لم نعرفه.

ان قلت: انا لا نحتاج الى تصوير الجامع في وجوب الحج لكون النذر و الاستطاعة من قبيل الملاك أو الكاشف عنه- بمعنى كونهما من قبيل المقتضى لتشريع الوجوب- فعليه صار الحج في مفروض المقام واجبا لملاكات عديدة. و لا مانع من ان يكون الحكم الواحد ذا ملاكات عديدة، فعلى هذا لا نحتاج الى تصوير وجود جامع كي يقال بعدم جامع أصيل بينهما.

قلت الظاهر حسب ما يستفاد من الأدلة كون النذر و الاستطاعة موضوعين للوجوب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 398

و عدم كونهما من قبيل الملاك و المقتضى للتشريع، فلا يمكن إنشاء حكم واحد لموضوعين، فيتعدد الحكم بتعدد موضوعه، فحيث ان في مفروض المقام لا يمكن تعدد الحكم، لعدم قابليته للتعدد و التكرار، فيؤثر الجامع بينهما بناء على القول به و ان لم نقل به فنقول: إن القدر المتقين هو وجوب حج عليه و لكن لم يعلم أنه حج نذري، أو حجة الإسلام، أو حج ثالث مسبب عنهما، فمن جهة تردده بينها يحج بقصد ما في الذمة، و يكفيه حج واحد لما عرفت سابقا من تصادق العنوانين على المورد.

و لكن تحقيق المقام هو وجوب حجين عليه، لأن تعدد

الموضوع يوجب تعدد الحكم و تعدد الشرط يوجب تعدد المشروط، و ان تعدد السبب يوجب تعدد المسبب، و لا مزاحمة بينهما حتى يقال بالتداخل أو غيره. غاية الأمر أنه يأتي في العام الأول بحجة الإسلام بمقتضى ما يستفاد من الأمر، و هو وجوبها فورا ففورا ثم يأتي به بمقتضى إطلاق النذر القابل للانطباق على الحج في كل سنة، فمقتضى القاعدة عدم التداخل، لتعدد التكليف بالحج و لا مزاحمة بين التكليفين إلا فيما إذا لم يكن المسبب قابلا للتكرار. و أما في مفروض المقام فهو قابل للتكرار في عامين، و ان لم يكن قابلا له في عام واحد فيأتي بحجة الإسلام في العام الأول، لفوريتها و الحج النذري في الأعوام الآتية، لاتساع زمانه.

و لكن قد يقال بكفاية حج واحد على القاعدة، و ذلك لعدم اشتغال ذمته بوجوبين كي يحتاج كل واحد منهما إلى امتثال على حده، بل لم يتوجه اليه سوى تكليف واحد ببيان أن النذر المطلق صار سببا لتبدل استحباب أصل الحج بالوجوب، كما أن الاستطاعة أيضا صارت سببا لتبدله اليه، فنتيجة ذلك هو تبدل استحباب أصل الحج الثابت عليه بالوجوب بهذين السببين، فيكون الوجوب واحدا لا متعددا، و لكن سببه متعدد، فيكفيه حج واحد على القاعدة.

مضافا الى أن مورد اقتضاء تعدد السبب لتعدد المسبب الذي بنى عليه الفقهاء هو الأسباب الشرعية. و أما في ما نحن فيه فلا يجرى فيه، لأن سببيته للوجود المستقل و عدمه تابع لقصد الناذر، فان كان قصده أن يحج غير حجة الإسلام في عام غير عام الاستطاعة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 399

أو بعد عامها فلا يكفيه حج واحد، و لا معني للقول بالتداخل فيه. و ان كان

قصده ماهية الحج مطلقا من دون تقييدها بحجة الإسلام أو غيرها، كما هو المفروض و من دون تقييدها بسنة خاصة يكفيه حج واحد من دون احتياج الى قيام دليل تعبدي خاص على التداخل، بل قصد الناذر كذلك يكفي في البناء عليه.

فعلى هذا لا يبقى مجال للبحث في انه إذا نذر الحج و أطلق في حال الاستطاعة، أو استطاع بعد ذلك، في انه هل يتداخلان، فيكفي حج واحد عنهما، أو يجب التعدد، لأنه يكفينا في البناء عليه هو قصد الناذر.

[المسألة الحادية و العشرين]
[إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يكنه الإتيان بهما]

قوله قده: (إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يكنه الإتيان بهما، إما لظن الموت، أو لعدم التمكن إلا من أحدهما، ففي وجوب تقديم الأسبق سببا، أو التخيير، أو تقديم حجة الإسلام، لأهميتها وجوه. أوجهها الوسط، و أحوطها الأخير).

يمكن ترجيح الوجه الأول- و هو تقديم ما هو المقدم سببا بتقدم سببه- و (فيه):

أنه لا دليل على كون نفس سبق السبب زمانا من المرجحات بعد اشتغال ذمته و استقرار الوجوب عليه بالنسبة الى كل واحد منهما، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر و هذا نظير ما إذا سهى الرجل في الصلاة مرتين، فإنه لم يتم لنا وجوب تقديم سجدتي السهو الأول على سجدتي السهو الثاني من جهة تقدم سببه، و قد بينا ذلك مرارا.

و يمكن أن يقال بالوجه الثاني- و هو التخيير- كما هو الحق و يتضح وجه ذلك من أبطال ترجيحات أحدهما على الآخر.

الوجه الثالث أن يقال بتقديم حجة الإسلام عليه لاهميتها. و (فيه): ان أهميتها من الحج النذري أول الكلام، و قد بينا مرارا أن تشخيص الأهمية انما هو بنظر الشارع لا بنظرنا لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات الثابتة في متعلقات الأحكام، فلا

بد من الرجوع الى الاخبار حتى يتضح إمكان استفادة أهمية حجة الإسلام من النذر و عدمه و ما يمكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 400

الاستدلال به على ذلك هو التوعيدات التي تضمنتها الروايات على ترك حجة الإسلام، كما ورد من أنه فليمت يهوديا أو نصرانيا. و ما ورد من إطلاق عنوان الكافر عليه و لم يرد ذلك بالنسبة إلى الحج النذري. و (فيه): أنه من الممكن واقعا أن يكون في الحج النذري ملاك أقوى من الملاك الثابت لحجة الإسلام، و نحن لم نطلع عليه، لعدم علمنا بالغيب، بل يمكن أن يقال بأهمية الحج النذري منها لترتب الكفارة و استحقاق العقوبة على تركه و هذا بخلاف ترك حجة الإسلام لثبوت العقاب فيه فقط، و لكن فيه ما عرفت في المباحث السابقة من إمكان ترتب الكفارة على ترك المهم دون ترك الأهم، و يحتمل أن يكون ثبوت الكفارة فيه تابعا لمصلحة أخرى لا لأهمية ملاكه، كي يقال بتقدمه على حجة الإسلام و كيف كان فالمرجع حينئذ التخيير إلا إذا أمكننا إثبات أهمية أحدهما من الآخر، فيقدم، و ان كان مؤخرا عنه من حيث السبب.

[و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف تركته إلا لأحدهما]

قوله قده: (و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف تركته إلا لأحدهما)

قال في الجواهر: (ثم انه لو مات و كان عليه حجة الإسلام و النذر فان اتسع المال لاخراجهما فلا إشكال فيه، و لو لم يتسع إلا لأحدهما فبناء على القول بخروج المنذورة من الثلث يتجه تقديم حجة الإسلام، و ان تأخر سببها، فإنها كالدين، فلا تعارضها المنذورة المفروض كونها كالوصية نعم، على المختار يتجه التقسيط بناء على تساويهما في الخروج من الأصل، لأنهما معا حقان ماليان، و لا

ترجيح لأحدهما على الآخر خلافا لبعض، فأوجب تقديم حجة الإسلام، لأن وجوبها ثابت بأصل الشرع، و لانه كان تجب المبادرة فيها، فيجب الابتداء بإخراجها قضائهما كما ترى، نحو الاستدلال من بعضهم على ذلك بصحيح ضريس الذي فيه إخراج المنذور من الثلث، و هو غير المفروض، لكن ذلك كله إذا فرض قيام القسط بكل منهما، و إلا فالظاهر التخيير مع احتمال تقديم ما تقدم سببه.).

و لكن ذهب جماعة من الفقهاء الى تقديم حجة الإسلام في المحل المفروض على ما حكاه صاحب كشف اللثام، حيث قال في شرح قول العلامة (ره) في القواعد: «و لو اتسعت التركة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 401

لأحدهما خاصة قدمت حجة الإسلام) (كما في النهاية، و المبسوط، و السرائر، و الجامع، و الشرائع، و الإصباح، لوجوبها بأصل الشرع و التفريط بتأخيرها. إلخ) و لكن التحقيق هو التخيير كما استظهره صاحب الجواهر (ره)، لاستقرارهما في ذمته على حد سواء، إلا إذا أحرز الأهمية، فالأهم يقدم و لو كان مؤخرا زمانا.

و أما ما ذكر في وجه تقديم حجة الإسلام عليه من أنه واجب بأصل الشرع (فمدفوع) لعدم قيام دليل تعبدي على كون ذلك من المرجحات، فما ذهب اليه صاحب النهاية و المبسوط و الجامع و غيرها من تقديم حجة الإسلام ضعيف

[المسألة الثالثة و العشرين]
[إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما]

قوله قده: (إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا)

أما أصل انعقاد نذره في الفرض الذي ذكره المصنف (قده) فمما لا إشكال فيه، و ذلك لتحقق شرائطه فيه من رجحان المتعلق، و القدرة على الوفاء به، فيترتب عليه الآثار من وجوب الوفاء، و ثبوت الكفارة في

صورة المخالفة و أما وجوب القضاء على الولي فيما إذا مات فقد عرفت ما فيه و هو أن مقتضى القاعدة سقوط النذر بموت الناذر لتعلقه بفعله المباشري، و هو معتبر في جميع الواجبات، كما أن الخصوصية الوقتية معتبرة في جميعها، فعليه إذا تركهما بعد القدرة على الوفاء به يحكم بعدم وجوب القضاء عنه على وليه و لكنه يعاقب، لتركه الواجب بسوء اختياره. نعم، إذا قام دليل تعبدي على وجوبه عنه خلافا لمقتضى القاعدة فيتم ما أفاده المصنف (قده) تبعا للمشهور، أو كان نذره على نحو تعدد المطلوب و إلا فيحكم بعدم وجوبه.

ثم انه إذا علم بعدم وجوب القضاء فهو، و اما إذا شك فيه فتصل النوبة إلى الأصول العملية المقررة للشاك و مقتضاها في المقام هو البراءة. فمن هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) من وجوب القضاء عنه تبعا للمشهور.

[و إذا طرء العجز من أحدهما معينا تعين الآخر]

قوله قده: (و إذا طرء العجز من أحدهما معينا تعين الآخر و لو تركه أيضا حتى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 402

مات يجب القضاء عنه مخيرا أيضا، لأن الواجب كان على وجه التخير، فالفائت هو الواجب المخير، و لا عبرة بالتعيين العرضي، فهو كما لو كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان، و كان عاجزا عن بعض الخصال، ثم مات فإنه يجب الإخراج من تركته مخيرا و ان تعين عليه في حال حياته في إحداها، فلا يتعين في ذلك المتعين).

ما أفاده (قده) من وجوب القضاء عنه مخيرا فيما إذا مات بعد التمكن من العمل بالمتعين مما لا اشكال فيه بناء على القول بثبوت أصل القضاء و لكن الإشكال في أصل ثبوته، لدخل خصوصية نفسه في موضوع النذر و على فرض الشك في ذلك

فمقتضى البراءة أيضا عدم وجوب القضاء عنه على وليه، و قد تقدم هذا الاشكال منا مرارا.

نعم، إنما يتم القول بوجوب القضاء فيما إذا أحرز كون قصده بنحو تعدد المطلوب و لكن لا سبيل إلى إحرازه أو قام دليل تعبدي على وجوبه

[لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا]
اشارة

قوله قده: (لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا و لم يتمكن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه، بدعوى أن النذر لم ينعقد بالنسبة الى ما لم يتمكن منه بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد).

يقع الكلام في هذه المسألة من جهتين:

(الاولى) في أصل انعقاد النذر منه كذلك (الثانية) في أنه بعد تسليم انعقاده منه يقع الكلام في أنه بعد موته هل يحكم بوجوب القضاء عنه مخيرا، أو يقال باختصاص القضاء بالعدل الذي كان متمكنا منه؟

أما الكلام (في الجهة الأولى): فقد يقال بعدم انعقاده،

لأن المفروض ان الناذر إنما ألزم على نفسه كل واحد من عدلي الواجب التخييري على البدل، و هو غير مقدور له كذلك، لعدم تمكنه الا من أحدهما معينا، فمن جهة عدم واجدية نذره لشرط الصحة و هو القدرة يحكم بعدم انعقاده.

و اما أحد عدلي التخييري فهو و ان كان مقدورا للناذر لكنه لم يلتزمه بخصوصه فلا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 403

ينعقد النذر إذا لم يتمكن حينه إلا من أحدهما سواء كان عالما بذلك حين النذر أم جاهلا به.

أما مع علمه بذلك فوجه عدم انعقاده واضح. و أما مع جهله به فالوجه فيه هو انه بعدم التمكن من كلا عدلي التخييري حين العمل يستكشف عدم تمكنه مما ألزمه على نفسه من أول الأمر فيحكم بعدم انعقاده.

ان قلت: انه لا إشكال في ان المراد من القدرة الموجبة لعدم انعقاد النذر هو عدم قدرته على العمل بالمنذور، و لا يتحقق ذلك في المنذور الذي كان على نحو التخيير إلا بعد عدم القدرة على كلا طرفي التخييري.

و أما عدم القدرة على أحد العدلين فلا دليل على مانعيته من انعقاده،

ففي مفروض المقام لما كان عدم التمكن بالنسبة الى أحد العدلين لا كليهما، فيحكم بانعقاده.

قلت: إنه لا إشكال في أن الناذر قد قصد أحد العدلين على نحو التخيير، و لا شك في ان المنذور كذلك غير مقدور له فلا ينعقد.

و (بعبارة اخرى) ان متعلق النذر على المفروض هو أحد العدلين على وجه التخيير و مع عدم قدرته على أحدهما لا يكون وجوب العدل الآخر تخيير يا حتى يحكم بتحقق موضوع النذر، فلا نذر حقيقة كما لا يخفى.

نعم، إذا تعلق قصد الناذر بكل من العدلين لكن لا بنحو تكون العدلية مقومة لموضوع النذر، بل بنحو تعلق الطلب بالنكرة في مثل قوله: «جئني برجل» فينعقد النذر و يجب الوفاء به. لكنه لا سبيل إلى إحراز هذا لقصد، بل الظاهر كونه بنحو العدلية فلا ينعقد نذره، بل و مع الشك فيه ايضا، لكون المرجع حينئذ أصالة عدم انعقاد النذر المقتضية لعدم اشتغال الذمة به كما لا يخفى.

فقد ظهر مما ذكرنا قوة ما اختاره الشهيد الأول في الدروس في مسألة من نذر أن رزق ولدا ان يحجه أو يحج عنه إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد العدلين، حيث قال على ما حكى عنه: (و لو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فان مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، و لو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 404

و أما القول بان مقصود الناذر هو إتيان أحد العدلين من دون اعتبار كونه على وجه التخيير فليس نذره مقيدا بكونه واجبا على نحو التخيير حتى يحكم باعتبار التمكن من العدلين معا في انعقاده (فمدفوع) بأنه خارج عن مورد الفرض، إذا المفروض ان متعلق النذر هو

أحد العدلين على وجه التخيير، و لا شبهة في ان مجرد عدم قدرته على أحد العدلين يوجب عدم وجوب الآخر تخييريا كما لا يخفى، فما قصده الناذر لم يقع و ما وقع لم يقصد، فيحكم بعدم انعقاده.

و لكن الشهيد الأول خالف الشهيد الثاني في المسالك على ما نقله في الجواهر في مبحث النذر حيث قال: (و لو مات الولد قبل ان يفعل الوالد بأحد الأمرين بقي الفرد الآخر، و هو الحج عنه سواء كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا، لأن النذر ليس منحصرا في حجه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه. نعم، لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لأنه أحد الأمرين و الباقي منهما غير أحدهما الكلى، و هو خيرة الدروس، و لو قيل بوجوب الحج عنه كان قويا، لأن الحج عنه متعلق النذر ايضا، و هو ممكن، و نمنع اشتراط القدرة على جميع افراد المخير بينهما في وجوب أحدهما، كما لو نذر الصدقة بدرهم، فان متعلقة أمر كلي، و هو مخير في التصدق بأي درهم اتفق من ماله، و لو فرض ذهابه إلا درهما واحدا وجب التصدق به).

و استجود ما أفاده صاحب المسالك (قده) من وجوب الحج و عدم انحلال النذر بصرف عدم القدرة على أحد طرفي عدلي التخيير صاحب الرياض (ره) حيث استدل في ذيل هذا المبحث في مبحث النذر على الوجوب: (بان الحج عنه متعلق النذر ايضا و هو ممكن، و اشتراط القدرة على جميع الأفراد المخير بينها في وجوب أحدهما ممنوع و ان هو حينئذ كما لو نذر التصدق بدرهم من دراهمه، فان متعلقة أمر كلي و هو

مخير في التصدق بأيها شاء و لو فرض ذهابها إلا درهما واحدا وجب الصدقة به و لعله أحوط و أجود وفاقا للمسالك).

و لكن الأقوى في النظر هو ما أفاده الشهيد الأول في الدروس من السقوط و عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن ايضا، و قد ذكرنا وجهه في صدر المبحث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 405

مضافا الى ان الفرق بين ما أفاده صاحب الرياض و صاحب المسالك- قدس سرهما- من المثال و بين ما أفاده صاحب الدروس (ره) (واضح) لأن في المثال انما طرء عدم التمكن من أحد الأمرين بعد ان كان متمكنا من جميع الأطراف، و هذا بخلاف ما ذكره الشهيد (ره)، لأن فرضه انما يكون قبل التمكن كما عرفته في نقل كلامه فبين المثال و بين ما سمعته من الشهيد بون بعيد فلا يبقى مجال لتنظيره به كما لا يخفى.

و قد أشكل صاحب الجواهر (ره) على صاحب المسالك بعد نقل كلامه حيث قال:

(و فيه): ان الفرق واضح بين ما ذكره من المثال و بين ما سمعته من الدروس، ضرورة:

انعدام متعلق النذر الذي هو التخيير قبل حصول سبب انعقاده و هو التمكن، فلا يجدى التمكن بعد ذلك من خصوص الفرد الآخر الذي هو غير المنذور، بخلاف ما ذكره من المثال الذي هو تخيير عقلي لا منذور و بخلاف تعذر أحد الفردين بعد انعقاد النذر فتأمل و اللّه العالم):

فتحصل مما ذكرنا ان في المحل المفروض و نظائره يحكم بعدم انعقاد النذر حتى بالنسبة إلى الفرد الذي لا مانع من الإتيان به وفاقا لصاحب الدروس (قده). فظهر ضعف ما أفاده الرياض و صاحب المسالك- قدس سرهما- من انعقاده بالنسبة إلى الفرد الممكن و وجوب الوفاء

به

(الجهة الثانية) [على فرض الانعقاد هل يختص القضاء بالفرد المتمكن للميت]

في انه على فرض تسليم القول بانعقاد النذر كذلك، للقول بعدم شمول الأدلة الدالة على اعتبار القدرة في انعقاد النذر لمثل المحل المفروض فيقع الكلام في أنه هل يختص القضاء بالفرد الذي كان الميت متمكنا منه في حال حياته أولا بل للولي أن يأتي بأيهما شاء لتمكنه من جميع الأطراف فنقول: لا إشكال في وجوب القضاء عنه مخيرا و يكون بعين ما إذا نذر أحد الأمرين و فرض انه لم يكن متمكنا من أحدهما إلى مدة من الزمان و بعده تمكن منه في آخر الوقت، فكما نقول فيه بانعقاده نذره مخيرا فكذلك نحكم بوجوب القضاء عنه مخيرا كذلك في المحل المفروض، فلا يمكن المساعدة على ما أفاده المصنف (قده): (من انه يمكن ان يقال باختصاص القضاء بالعدل الذي كان متمكنا منه) لأنه على فرض القول بانعقاد نذره كذلك لا إشكال في انه يشتغل ذمته بأحد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 406

الأمرين على الترديد، فالولي مخير أيضا في مقام القضاء بأيهما شاء إذا كان له التمكن من كلا طرفي العدلين. و أما تعيين أحد الأمرين على الميت في حال حياته، فإنما كان لأجل عدم قدرته. و أما إذا كان وليه قادرا فلا مانع من القول بأنه مخير في مقام القضاء كما لا يخفى.

و لكن قد عرفت عدم انعقاده نذره كذلك فلا يجب القضاء عنه كي يبحث في انه هل يجب القضاء عنه مخيرا أم لا. ثم، أنه لو نذر أحد الأمرين و تمكن من الوفاء به في أول وقت العمل لكنه لما كان موسعا بحسب نظره أخره و طرء عليه العجز عنهما و وصلت النوبة إلى الاستغفار فيقع الكلام في أنه هل يعود

التخيير بعد رفع العجز أولا؟ فنقول: لا إشكال في انه يعود التخيير و إذا مات يحكم بوجوب القضاء عنه على نحو التخيير على فرض تسليم أصل القضاء.

[المسألة الخامسة و العشرين]
[إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر]

قوله قده: (إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و ليس عليه كفارة).

المشهور هو وجوب الإتيان بالأعمال قضاء على الولي بعنوان الميت من غير تعيين للعلم باشتغال ذمة الميت بأحدهما و وافقهم المصنف قده على ذلك و لا ثمرة للبحث عنه، لوجوب تلك الأعمال عليه مطلقا سواء كان ما اشتغلت ذمته به حج النذر أم حجة الإسلام فيأتي الولي بالأعمال بقصد ما في ذمة الميت.

اللهم الا أن يناقش في أصل وجوب القضاء بان يقال انه إذا كان ذمته مشغولة واقعا بحجة الإسلام فلا إشكال في وجوب القضاء عنه على الولي، للروايات الخاصة المتقدمة الدالة على ذلك، و هذا بخلاف ما إذا كان ذمته مشغولة بحج النذر لعدم تسلم أصل وجوب قضائه عندنا و قد ناقشنا فيه، و قلنا: إن مقتضى القاعدة هو عدم وجوب العمل على الغير من الولي و غيره بعد ان كانت خصوصية نفسه و مباشرته دخيلة في موضوع نذره و هذا لا يختص بالمقام بل يجري في جميع الواجبات من الحج و غيره سواء حصل وجوبه من الشرع أو من التزام نفس المكلف و إطلاق أمر كل واجب من الواجبات يقتضي كونه مباشريا و عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 407

حصول امتثال ذلك الأمر إلا بفعل نفسه دون فعل غيره، الا إذا قام دليل تعبدي على خلافها فحينئذ إذا شككنا في وجوب القضاء و عدمه للشك في أنه هل عليه

حجة الإسلام كي يجب القضاء عنه أم حج النذر، كي لا يجب القضاء عنه، فالمرجع هو الأصل المقرر للشاك و هو البراءة.

نعم، إذا علم بأن الناذر إنما قصد من نذره الحج على نحو تعدد المطلوب فيتم الحكم بوجوب القضاء لا على التعيين كما أفاده المصنف (قده) و لكنه لا سبيل إلى إحراز ذلك القصد منه كما لا يخفى.

إلا ان الإنصاف أنه عدم المجال للمناقشة في أصل وجوب القضاء في مفروض المقام بعد ذهاب جميع الفقهاء الى وجوبه و ارسالهم ذلك من المسلمات فوجوب القضاء لو لم يكن أقوى فلا أقل من كونه أحوط ثم، انه إذا قلنا بوجوب القضاء كما هو المشهور فيقع الكلام في ثبوت الكفارة و عدمها يمكن أن يقال بثبوت الكفارة عليه، لاحتمال أن يكون ذمته مشغولة بالحج النذري و لكن لا يخفى ما فيه، لحصول الشك في ثبوت ذلك عليه و منشأه احتمال اشتغال ذمته بحجة الإسلام التي لا كفارة في تأخيرها و لا إشكال حينئذ في أن المرجع هو البراءة كما لا يخفى. بل الأمر كذلك حتى فيما لو علم بتقصير الميت بتأخيره هذا مما لا ينبغي الكلام فيه.

[و لو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف]

قوله قده: (و لو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا، و حيث أنها مرددة بين كفارة النذر و كفارة اليمين فلا بد من الاحتياط و يكفي حينئذ إطعام ستين مسكينا، لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف).

لا يخفى أن هذه المسألة من صغريات الشك في الأقل و الأكثر الارتباطيين الذي قد اخترنا في الأصول ان المرجع فيه هو البراءة، فلا يبقى مجال لما أفاده المصنف (قده) من لزوم الاحتياط بإعطاء الأكثر كما لا

يخفى هذا كله على تقدير مغايرة كفارة النذر لكفارة الحلف بان يقال: ان كفارة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 408

النذر هي إطعام ستين مسكينا و كفارة الحلف إطعام عشرة مساكين. و أما بناء على القول باتحادهما و عدم المغايرة بينهما فلا يبقى ثمرة لهذا البحث أصلا كما لا يخفى.

[المسألة السادسة و العشرين إذا نذر الحج ماشيا]

قوله قده: (إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل، لأن المشي في حد نفسه أفضل من الركوب)

و في المدارك في شرح قول المحقق قده: «إذا نذر الحج ماشيا وجب عليه» قال:

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال في المعتبر إذا نذر الحج ماشيا وجب مع التمكن و عليه اتفاق العلماء).

و في الجواهر في شرح قول المحقق- طاب ثراه- قال: (بلا خلاف أجده فيه بل لعل الإجماع بقسميه عليه، لعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر، و خصوص صحيح رفاعة و غيره، لكن في أيمان القواعد: «لو نذر الحج ماشيا و قلنا المشي أفضل انعقد الوصف، و الا فلا» و في محكي إيضاح ولده انعقد أصل النذر إجماعا و هل يلزم مع القدرة فيه؟ قولان مبنيان على ان المشي أفضل من الركوب أو العكس. و فيه: ان المنذور الحج على هذا الوجه و لا ريب في رجحانه و ان كان غيره أرجح منه و ذلك كاف في انعقاده، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه، فلا وجه ح لدعوى عدم الانعقاد على هذا التقدير ايضا كما ان ما في كشف اللثام من حمله على حال أفضلية الركوب من المشي لبعض الأمور السابقة كذلك أيضا ضرورة: عدم اقتضاء ذكر ذلك كما هو واضح خصوصا

بعد ما عرفته من ان اقتران الركوب ببعض الأمور لا يصير سببا لعدم رجحان المشي أصلا بل أقصاها ترجيحه على المشي على نحو ترجيح قضاء حاجة المؤمن على النافلة أو بالعكس فهو من ترجيح المندوبات بعضها على بعض فلا اشكال ح في المسئلة).

لا كلام لنا فيه، و تدل عليه- مضافا الى العمومات الدالة على انعقاد نذر العبادات- الأخبار الخاصة الواردة في المقام- منها:

1- صحيح رفاعة بن موسى قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- رجل نذر ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 409

يمشى إلى بيت اللّه الحرام؟ قال- عليه السلام-: فليمش قلت: فإنه تعب قال- عليه السلام-:

فإذا تعب ركب «1».

2- عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم قال: سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّه فلم يستطع؟ قال: يحج راكبا «2».

3- عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن رفاعة و حفص قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّه حافيا؟ قال: فليمش فإذا تعب فليركب «3».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- فعليه لا يبقى مجال للشك في هذا الحكم بعد تطابق النصوص و الفتاوى على ذلك، فيحكم بانعقاد نذر الحج ماشيا و لو قلنا بأفضلية الركوب منه و لو على بعض الوجوه، لأن مجرد صيرورة الركوب كما عرفت من كلام صاحب الجواهر (ره) بمقتضى بعض الروايات الواردة في المقام التي سنذكرها في ذيل المبحث أفضل و أرجح، لبعض الأمور المترتبة عليه، كمدخليته في حصول القوة على العبادة لا يخرجه عن رجحانه الكافي في انعقاد النذر، و قد عرفت مرارا عدم اعتبار كونه أفضل

الافراد في انعقاد النذر، بل يعتبر فيه ان يكون متعلقة راجحا بالنسبة إلى عدمه و لو لم يكن أرجح بالنسبة إلى الأمور المضادة له، لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار ذلك فيه فيكفي في الانعقاد ان يكون متعلقة راجحا و ان كان غيره أفضل منه و قد عرفت جميع ذلك في المباحث السابقة.

و قد وردت جملة من الأخبار التي تدل على أفضلية المشي في حد ذاته لكن و قد وردت أيضا جملة من الأخبار التي تدل على أفضلية الركوب من المشي أحيانا، لبعض الوجوه و الاعتبارات.

أما (الطائفة الأولى) من الأخبار- فمنها:

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 3- الباب 8- من كتاب النذر الحديث 1.

(3) الوسائل ج 3- الباب 8- من كتاب النذر الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 410

1- عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ما عبد اللّه بشي ء أشد من المشي و لا أفضل «1».

2- عن هشام بن سالم قال دخلنا على أبي عبد اللّه- عليه السلام- انا و عنبة بن مصعب و بضعة عشر رجلا من أصحابنا، فقلنا: جعلنا اللّه فداك أيهما أفضل المشي أو الركوب؟ فقال: ما عبد اللّه بشي ء أفضل من المشي «2».

3- عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال: حج على بن الحسين ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة إلى مكة «3».

4- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن فضل المشي؟ فقال الحسن بن على- عليه السلام-: قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا نعلا، و ثوبا و ثوبا، و دينارا و دينارا و حج عشرين حجة ماشيا على قدميه «4».

5-

عن محمد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

ما عبد اللّه بشي ء أفضل من المشي «5».

6- عن محمد بن علي بن الحسين- عليه السلام- قال: روى انه ما تقرب العبد الى اللّه عز و جل بشي ء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين، و أن الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة و من مشى عن جمله كتب اللّه له ثواب ما بين مشيه و ركوبه، و الحاج إذا انقطع شسع نعله كتب اللّه له ثواب ما بين مشيه حافيا الى منتعل «6».

7- عن الربيع بن محمد المسلمي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ما عبد اللّه بشي ء مثل الصمت و المشي إلى بيته «7».

8- عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: ابن عباس: ما ندمت على شي ء صنعته ندمي على ان لم أحج ماشيا، لأني سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يقول: من حج بيت اللّه ماشيا كتب اللّه له سبعة آلاف حسنة من حسنات الحرم قيل: يا رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(5) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(6) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(7) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 411

و ما حسنات الحرم؟ قال: حسنته ألف ألف حسنة و قال: فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم «1».

9- عن المفضل بن عمر عن الصادق- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- ان الحسن بن علي- عليه السلام- كان أعبد الناس و أزهدهم و أفضلهم في زمانه، و كان إذا حج حج ماشيا، و رمى ماشيا، و ربما مشى حافيا «2».

و نحوها غيرها من الروايات الواضحة الدلالة على المدعى.

و أما (الطائفة الثانية) من الأخبار الدالة على أفضلية الركوب من المشي فمنها:

1- عن رفاعة في حديث قال: سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- رجل الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: الركوب أفضل من المشي، لأن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله و سلم- ركب و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن رفاعة مثله، و زاد قال: سألته عن مشى الحسن من مكة أو من المدينة؟

قال: من مكة، و سألته إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟ فقال: كان الحسن يزور راكبا «3» 2- عن هشام بن سالم انه قال: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث أيما أفضل نركب إلى مكة فنعجل فنقيم بها الى ان يقدم الماشي أو نمشي؟ فقال: الركوب أفضل «4».

3- عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن رفاعة و ابن بكير جميعا عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- انه سال عن الحج ماشيا أفضل أو راكبا؟ فقال: بل راكبا، فان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- حج راكبا «5».

4- عن سيف التمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- انه بلغنا و كنا تلك

السنة مشاة عنك انك تقول في الركوب؟ فقال: ان الناس يحجون مشاة و يركبون فقلت ليس عن هذا أسألك فقال: عن أي شي ء تسألني؟ فقلت اى شي ء أحب إليك نمشي أو أركب؟

فقال: تركبون أحب الى، فان ذلك أقوى على الدعاء و العبادة «6».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 32 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 9

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 32 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 10

(3) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(5) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

(6) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 412

5- عن عبد اللّه بن بكير قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- انا نريد الخروج إلى مكة مشاة؟ فقال لا تمشوا و اركبوا فقلت أصلحك اللّه انه بلغنا ان الحسن بن علي حج عشرين حجه ماشيا؟ قال: ان الحسن بن على كان يمشى و تساق معه محامله و رحاله «1».

6- عن على بن الحسين قال الحج راكبا أفضل منه ماشيا لأن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- حج راكبا قال: و كان الحسين بن على- عليه السلام- يمشى و تساق معه المحامل و الرحال «2» 7- عن أبي بصير عن الصادق- عليه السلام- انه سأله عن المشي أفضل أو الركوب؟

فقال: إذا كان الرجل موسرا فمشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل «3» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و لا يخفى انه لا يمكن استفادة أفضلية

الركوب من المشي في حد ذاته من هذه الأخبار كاستفادة أفضلية المشي من الركوب في حد نفسه من الطائفة المتقدمة، و ذلك لعدم دلالتها على أفضلية الركوب منه، للتعليلات الواردة فيها بان الركوب: «أقوى على الدعاء و العبادة» (و بأنه لو مشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل) و جوابه- عليه السلام- بأفضلية الركوب في سؤال من سأل: (من انه لو نعجل فنقيم بها الى ان يقدم الماشي أو نمشي) و بعضا منها.

و ان كان يستفاد منه أفضلية الركوب في حد نفسه كخبر رفاعة و غيره مما تقدم من الأخبار، و لكنه لا يصلح لمعارضته مع الطائفة المتقدمة من الأخبار الدالة على أفضلية المشي في حد ذاته بناء على فرض تسليم سنده فيحمل البعض على ما دل على أفضلية الركوب لجهات خارجية.

و لذا يمكن تقريب انقلاب النسبة بينها بأن يقال: أن الأخبار الدالة على أفضلية الركوب لأمور خارجية تخصص الأخبار الدالة على أفضلية المشي مطلقا و تقيدها بصورة خاصة، و هي ما إذا لم يستلزم المشي كسالة و ضعفا عن العبادة فحينئذ تكون الأخبار الدالة

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8 و 9

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 413

على أرجحية المشي أخص، لرجوع التخصيص الى التخصص، فإذا يخصص بها الأخبار الدالة على أفضلية الركوب مطلقا، فتصير النتيجة أن الأخبار الدالة على أفضلية الركوب مطلقا يراد منها أفضلية الركوب إذا صار موجبا للقوة على العبادة.

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الطائفة الاولى من

الأخبار تدل على أرجحية المشي في نفسه لا من جهة أخرى و هذا بخلاف الطائفة الثانية منها، لدلالتها على أرجحية الركوب لا في نفسه بل لطوار خارجية، كدخل الركوب في حصول القدرة أو ازديادها على العبادة و كوضع الحج على الجلالة و العظمة و الرفعة فارجحية الركوب إنما تكون بالوجوه و الاعتبار و لا بد من ملاحظة الشخص قوة و ضعفا فالجمع بينها بناء على فرض قبول المعارضة هو إرادة أفضلية المشي من الطائفة الأولى لمن لا مانع له منه و لم يكن مضرا بعبادته و أعماله من جهة قوة مزاجه أو لدخالته في ازدياد قوته على العبادة، كما قد يتفق ذلك بالنسبة الى بعض الأشخاص، لدخل المشي في صحة مزاجهم و إرادة أفضلية الركوب من الطائفة الثانية فيما إذا استلزم المشي مشقة شديدة و ضعفا عن عبادته.

و لكنه مع ذلك كله لو فرضنا أنه نذر الحج ماشيا و كان المشي موجبا لضعفه عن العبادة و الطاعة يحكم بانعقاده، لأن نذره كذلك و إن كان مرجوحا بالإضافة إلى الركوب، و لكن قد بينا مرارا أن المعتبر في انعقاد النذر هو كون المتعلق راجحا بالنسبة إلى عدمه و لو لم يكن أرجح بالإضافة إلى الأمور المضادة له فينعقد منه نذر الحج ماشيا مطلقا حتى في مورد ما إذا كان الركوب أفضل، لما عرفت أن المشي إلى بيت اللّه في حد نفسه أرجح من الركوب و إن كان الركوب قد يكون أرجح من المشي لبعض الوجوه و الاعتبارات، فأرجحية الركوب حينئذ من المشي في مفروض المقام لا يوجب زوال الرجحان عن المشي في نفسه حتى يقال بعدم انعقاد نذره في المقام بل يوجب أرجحية الركوب منه و

لا يعتبر في النذر أرجحية المنذور من غيره.

فظهر أن مجرد أفضلية الركوب من المشي فيما إذا صار المشي موجبا، لضعفه عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 414

العبادة لا يمنع من انعقاد نذر الحج ماشيا فما أفاده صاحب الجواهر بتمامه صحيح و لا غبار له فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب إليه العلامة في كتاب الإيمان من القواعد من عدم انعقاد نذر الحج ماشيا في مورد يكون الركوب أفضل حيث قال على ما في الجواهر:

و قد نقلناه في صدر المبحث: (لو نذر الحج ماشيا و قلنا أن المشي أفضل انعقد الوصف و الا فلا).

و يظهر ضعفه مما عرفت، كظهور ضعف ما ذهب اليه ولده فخر المحققين أيضا في الإيضاح على ما نقل في الجواهر من انعقاد أصل النذر بالنسبة إلى الحج في مفروض المقام، و ابتناء انعقاده بالنسبة إلى المشي على أفضليته من الركوب، فلو كان الركوب أفضل لم ينعقد، و ذلك لما ذكره المصنف (قده) في آخر المسألة، و أشار إليه صاحب الجواهر (ره) أيضا من عدم اعتبار كون المتعلق راجحا بجميع حدوده و قيوده، ففي مفروض المقام ينعقد نذره، لكفاية رجحان أصل الحج في صحته، و لا يعتبر في انعقاده أرجحية متعلقة كالمشي حتى يحكم بعدم الانعقاد لو كان الركوب أفضل من المشي بل نقول بانعقاده في المقام و لو بدون رجحان المشي، لما عرفت من عدم اعتبار الرجحان في المتعلق بجميع حدوده و قيوده مضافا الى أن مفروض المقام يكون المشي راجحا في حد نفسه و ان كان الركوب أفضل منه لأمور خارجية هذا. و قد أشار الى ضعفه صاحب المسالك حيث قال: (ان الحج في نفسه عبادة و هي تأدى

بالمشي و الركوب و غيرهما من أنواع الأكوان الموجبة لانتقاله الى المشاعر المخصوصة فنذره على احدى الكيفيات نذر عبادة في الجملة و ان كان غيرها أرجح منها إذ لا يشترط في انعقاد نذر شي ء كونه أعلى مراتبه من جميع أفراده و تنظيره نظير نذر الصلاة في الزمان و المكان الخاليين عن المزية أو المشتملين على مزية الناقصة عن غيرها).

نعم لو فرض مرجوحية المشي في نفسه- أي بالنسبة الى تركه لا بالإضافة إلى الأمور المضادة له- فلا إشكال في عدم انعقاد نذره ماشيا، كما إذا فرضنا ان المشي المتعلق به النذر يؤذى و الدية أو يوجب الضرر على نفسه أو نحوهما و مثله الكلام في المشي إلى المشاهد المشرفة خصوصا مشهد مولانا أبي عبد اللّه- عليه السلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 415

[المسألة السابعة و العشرين]
[لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب]

قوله قده: (لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب.).

بلا خلاف أجده في ذلك و تدل عليه العمومات الدالة على انعقاد نذر العبادات هذا في صورة ما إذا لم يقترن الركوب ببعض الأمور، كمدخليته في القوة على العبادة أو نحوها. مضافا الى ما عرفت من عدم اعتبار رجحان المتعلق بجميع حدوده و قيوده، فيكفي في الانعقاد رجحان المقيد- و هو أصل الحج- و ان لم يكن القيد راجحا- و هو الركوب- لعدم اقترانه ببعض المزايا. و أما إذا كان الركوب مقترنا ببعض الأمور- مثل إيجابه القوة على العبادة- فلا إشكال في انعقاد النذر كذلك من دون احتياج الى التمسك بعمومات الصحة كما لا يخفى.

[نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد]

قوله قده: (نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد.).

تحقيق المسألة هو انه قد عرفت في المسألة السابقة ان الركوب ليس مثل المشي في حد نفسه راجحا و انما كان رجحانه لاقترانه ببعض الجهات كعدم إيجابه الضعف عن العبادة و الطاعة و غير ذلك من الأمور و عليه ففي مفروض المقام لما كان متعلق النذر هو الركوب الذي يكون المشي أفضل منه لا الحج راكبا فيمكن ان يقال بعدم انعقاد النذر، لكونه مباحا و لا ينعقد النذر في المباحات، لما عرفت في صدر المبحث من اعتبار الرجحان في متعلق النذر خلافا للشهيد الأول ره.

هذا كله إذا فرضنا انه وقع النذر على نفس القيد فحينئذ يتم ما أفاده المصنف (قده) و أما إذا فرضنا ان النذر انما وقع على المقيد به كما إذا نذر الحج راكبا فيحكم بانعقاده و مجرد كون المشي أفضل و أرجح من الركوب لا يقتضي بطلان نذره، لما عرفت من عدم دليل على اعتبار

كون المتعلق راجحا بجميع حدوده و أوصافه، و المفروض ثبوت الرجحان في المقيد به، و هو كاف في انعقاد النذر، فلا يفرق في الحكم بانعقاد النذر بينما إذا كان الركوب أفضل و أرجح بالنسبة الى حال الناذر و عدمه فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) من عدم انعقاد النذر راكبا فيما إذا كان المشي أفضل لبعض الجهات.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 416

[و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا]

قوله قده: (و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا، و ما في صحيحة الحذاء من أمر النبي- صلى اللّه عليه و آله- بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية قضية في واقعة يمكن ان يكون لمانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها أو تضررها أو غير ذلك.).

لا بأس لنا بذكر الصحيحة و هو ما عن موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل نذر أن يمشى إلى مكة حافيا؟ فقال: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل فقال: من هذه؟ فقالوا أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: يا عقبة انطلق إلى أختك فلتركب، فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها «1» و أنت ترى دلالتها ظاهرا على عدم انعقاد النذر حافيا و لكن يمكن الجواب عنها بوجهين:

(الأول)- ما أفاده صاحب المدارك (قده) من ان أقصى ما يدل عليه هذه الرواية عدم انعقاد نذر المشي مع الحفاء و كأنه لما فيه من المشقة الشديدة، فلا يلزم

من ذلك عدم انعقاد نذر المشي مطلقا و يمكن المناقشة فيه بوجوه.

(الأول)- انه لا يمكن القول باختصاص الحكم بالحفاء فقط، بل يعم المشي أيضا لما في ذيلها: (انّ اللّه تعالى غنى عن مشيها و حفاها).

(الثاني)- انه لم يثبت عدم الرجحان في نفس الحفاء بل ثبت خلافه و هو ثبوت الرجحان فيه؛ لما تقدم في ذيل خبر محمد بن على بن الحسين: من (ان الحاج إذا انقطع شسع نعله كتب اللّه له ثواب ما بين مشيه حافيا الى منتعل) و هذا يدل على ان الحفاء راجح في حد نفسه. ثم، على فرض تسليم عدم الرجحان فيه مع ذلك لا مانع من الحكم بانعقاد نذرها حافية، لأن رجحان أصل المشي الذي في ضمن الحفاء كاف في انعقاد نذره، لما

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 417

عرفت من انه لا يلزم في الانعقاد ان يكون المتعلق راجحا بجميع حدوده و أوصافه.

(الثالث)- انه نمنع ان يكون المشي حافيا موجبا للمشقة كلية بل يكون المشي كذلك بالنسبة الى بعض أسهل من المشي مع النعال فما افاده صاحب المدارك من الجواب مما لا يمكن المساعدة عليه.

(الثاني)- ما أجاب عنه المحقق- طاب ثراه- على ما حكاه صاحب المدارك (قده) بأنها حكاية حال، فلعل النبي- صلى اللّه عليه و آله- علم منها العجز. قال في الجواهر:

(و لعله يومئ اليه مشيها بين الإبل).

و يحتمل حملها على ما إذا كان مشيها حافية منافيا لستر ما يجب ستره من المرأة. و قد احتمله صاحب الوسائل (قده) و غيره.

و يمكن ايضا حملها على بعض وجوه أخر الغير المنافية للمدعى، كحملها على صورة تضررها. مضافا

الى انه كما ترى لا تنهض دليلا على المنع مطلقا لكونها قضية في واقعة كما افاده المصنف (قده) و على فرض تسليم ذلك يختص الحكم بالنساء دون الرجال، لأن التعدي من موردها الى غيره يحتاج الى تنقيح المناط القطعي، و هو غير حاصل، لأن غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، و لكن الذي يسهل الأمر هو إعراض الأصحاب عن العمل بها، فلا مجال للاعتماد عليها، لسقوطها عن درجة الاعتبار بالإعراض.

[المسألة الثامنة و العشرين يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما]

قوله قده: (يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه لم ينعقد.).

ما أفاده (قده) متين. أما وجه عدم انعقاد نذره فيما إذا كان عاجزا عن الوفاء بمتعلق النذر فهو واضح، لانتفاء شرطه- و هو التمكن من الوفاء به- و أما وجه عدم انعقاده فيما إذا كان ضرريا فللحرمة الموجبة للمرجوحية فمتعلقه حينئذ فاقد لشرط الصحة- و هو الرجحان- فيحكم بعدم انعقاده.

ان قلت: انه ينعقد نذره كذلك، لأن المشي في حد نفسه راجح غاية الأمر أنه تقع المزاحمة بين الخطاب بوجوب الوفاء و بين الخطاب بوجوب حفظ نفسه من الضرر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 418

قلت: ان المشي و لو كان في حد نفسه راجحا و ذا مصلحة كما مر مرارا و لكن بعد صيرورته مضرا يندك رجحانه في المفسدة المترتبة عليه فيصير مرجوحا، فلا ينعقد النذر.

قوله قده: (نعم لا مانع منه إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر، لأن رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة. هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به، و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه

مسقطا للوجوب.).

توضيح المقام هو انه (تارة) ينذر الحج ماشيا مع علمه بتمكنه منه لكنه قد اتفق له الحرج من الوفاء به، و (اخرى) ينذر الحج ماشيا مع علمه بحرجية المشي له من أول الأمر.

أما (في الصورة الأولى): فلا إشكال في انحلال نذره بمجرد صيرورة المشي حرجيا عليه بل من حين طرو الحرج يكشف عدم انعقاد نذره من الأول، لأجل انه لم يكن من قصده الإتيان بالمشي العسرى و الحرجي كي يتعين عليه وجوب الوفاء به بل انما المنصرف من نذره ماشيا هو المشي المقدور بحسب العادة و (بعبارة اخرى) انه نذر الحج ماشيا باعتقاد انتفاء الحرج على نحو التقييد لا على نحو الداعي فبعد انكشاف الحرج ينكشف عدم انعقاده، فعليه لا تصل النوبة في البحث عن شمول أدلة نفي العسر و الحرج لمفروض المقام و عدمه.

أما (في الصورة الثانية): فيمكن ان يقال بانحلال نذره أيضا، لإطلاق أدلة الحرج و لكن الظاهر اختصاص أدلة نفي الحرج برفع الأحكام الشرعية الموجبة للحرج أحيانا من غير ناحية المكلف، كما إذا كان هناك حكم شرعي، و كان امتثاله حرجيا عليه، فحينئذ لا إشكال في ارتفاعه بها. و أما في مفروض المقام فلا تشمله تلك الأدلة، و الوجه فيه هو أنه قد تكرر منا سابقا ان هذه الأدلة إنما وردت في مقام الامتنان و لذا تختص بالحرج الناشي من أحكام الشارع دون الحرج الآتي من قبل المكلف لإقدامه عليه فلا امتنان في رفع ما ألزمه المكلف على نفسه باختياره فما ثبت بعنوان الحرج مع العلم لا يمكن رفعه بها لأن مقتضى الشي ء لا يكون رافعا له، فعليه يحكم بانعقاد نذر ما هو حرجي. فظهر أنه لا تصل النوبة إلى

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 419

أدلة نفي الحرج في كلتا الصورتين أما الصورة الأولى فلعدم انعقاد النذر من أول الأمر كما عرفت و أما الصورة الثانية فلخروجها عن موضوعها، لما عرفت من انه لما ورد في مقام الامتنان يحكم باختصاصه بالحرج الناشئ من تشريع الشارع، فلا يعم الحرج الجائي من إلزام المكلف شيئا على نفسه. ثم أنه قد علل المصنف (قده) حكمه بانعقاد النذر في الصورة الثانية بأن رفع الحرج انما يكون من باب الرخصة لا العزيمة.

و الحق ان جميع المقامات يكون كذلك لورودها امتنانا و هو مناف لرفع الملاك فيرفع به الإلزام الذي يحصل به الامتنان، فيصحح العمل بقصد الملاك الواقعي، و لذلك التزمنا به في الوضوء فيما إذا كان حرجيا عليه.

ان قلت: ان عدم تقييد الواقع بها في صورة ما إذا كان الوضوء حرجيا يستلزم وقوع التخيير بين الوضوء و التيمم مع انه لم ينهض دليل على التخيير بين البدل و المبدل.

قلت: ان ذلك لا يوجب رفع اليد عن القاعدة المستفادة من الأخبار إلا ان يقوم دليل تعبدي على خلافها فتدبر.

[المسألة التاسعة و العشرين]
[مبدء وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين الى الميقات]

قوله قده: (في كون مبدء وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر، أو الناذر، أو أقرب البلدين الى الميقات، أو مبدء الشروع في السفر، أو أفعال الحج؟ أقوال: و الأقوى أنه تابع للتعيين، أو الانصراف و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: (للّه على ان أحج ماشيا) و من حين الشروع في السفر إذا قال: (للّه على ان امشى إلى بيت اللّه) أو نحو ذلك.).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في مبدء وجوب المشي إذا نذر الحج ماشيا على أقوال كثيرة:

(الأول): أنه بلد النذر و اختاره الشيخ (قده) في المبسوط و

العلامة (ره) في التحرير و المحقق- طاب ثراه- في الشرائع و صاحب الإرشاد على ما نقل في الجواهر.

(الثاني): انه بلد الناذر و اختاره الشهيد الأول (ره) في الدروس و مال اليه صاحب الحدائق- رضوان اللّه تعالى عليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 420

(الثالث): أنه الأقرب من بلدي النذر و الناذر الى الميقات و قد نقله صاحب الجواهر (ره) عن بعض.

(الرابع): انه البلد الذي يقصد فيه الى الحج و اختاره الفاضل الهندي في كشف اللثام (الخامس): انه حين الشروع في أفعال الحج و اختاره السيد (ره) في المدارك و ربما بنى على ذلك الشهيد الثاني في المسالك و ذهب اليه صاحب الجواهر (ره).

و الأقوى في النظر هو ما أفاده المصنف (قده) تبعا لصاحب المدارك و غيره و هو ان مبدأه هو الموضع الذي قصد الناذر المشي منه، لأن الميزان في تعيين مبدء المشي هو قصد الناذر و بدون التعيين حين النذر فهو تابع للانصراف، و مع عدمهما فأول أفعال الحج، و قد علله صاحب الجواهر في مبحث النذر: (بأن المشي حال من الحج و الحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة، لأن ذلك هو المفهوم شرعا فلا يجب الوصف و هو المشي إلا حالة الحج و الاشتغال بأفعاله، لأن ذلك هو مقتضى الوصف، كما إذا قلت ضربت زيدا راكبا أو ماشيا فإنه إنما يصدق حقيقة حال الفعل لا قبله و لا بعده) و من هنا يظهر ضعف باقي الأقوال الموجودة في المسألة و تمام الكلام فيه موكول الى محله.

[منتهاه مع عدم التعيين رمى الجمار لا طواف النساء]

قوله قده: (كما ان الأقوى ان منتهاه مع عدم التعيين رمى الجمار، لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور.).

اختلفت كلمات الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في منتهى

المشي الواجب على قولين:

(الأول)- طواف النساء و قيل: انه المشهور، و استظهره الشهيد الأول (ره) في الدروس.

(الثاني)- رمي الجمار، و هو خيرة صاحب الجواهر و صاحب المدارك و صاحب المسالك و غيرها من الفقهاء- قدس سرهم- و تبعهم المصنف (قده).

و الحق في المقام هو أن منتهاه رمى الجمار، و يدل على ذلك جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 421

1- عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عليهما السلام قال: قال أبو عبد اللّه: في الذي عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا «1».

2- صحيح جميل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي «2».

3- صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي ء «3».

4- صحيح الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال- عليه السلام-: إذا رمى الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكبا، فقد انقضى مشيه و ان مشى فلا بأس «4» 5- عن المفيد في المقنعة قال: سأل- عليه السلام- عن الماشي متى يقطع مشيه؟ فقال:

إذا رمى جمرة العقبة فلا حرج عليه أن يزور البيت راكبا «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- و أما خبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- متى ينقطع مشى الماشي؟ قال: إذا أفاض من عرفات «6» فيمكن حمله على أمور غير منافية للمدعى كحمله على صورة ما إذا أفاض و رمى بقرينة الأخبار المتقدمة، و كحمله على

صورة ما إذا كان مشيه تطوعا و عدم وجوبه بنذر و شبهه. مضافا الى أنه لم يعرف القائل به من الفقهاء فلا مجال للاعتماد عليه.

ثم، لا يخفى أن كفاية المشي إلى الفراغ من الرمي إنما يكون فيما إذا لم يكن قصد الناذر المشي الى ما بعد ذلك، و إلا يجب عليه متابعة قصده، و لم يكن ايضا دليل تعبدي على خلاف الأخبار المتقدمة كما لا يخفى فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما استظهره الشهيد الأول (ره) في

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(4) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(5) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(6) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 422

الدروس من كون منتهاه هو طواف النساء، لأنه على إطلاقه لا يستقيم إلا إذا كان من قصد الناذر ذلك هذا كله مما لا ينبغي الإشكال فيه.

إلا انه يقع الكلام في ان هذه الأخبار هل يكون موافقة للقاعدة أم مخالفة لها و الظاهر كونها مخالفة لها، لأن القاعدة تقضى ان يكون الميزان في تعيين منتهى المشي منوطا بقصد الناذر و لكنها وردت خلافا لها، لتعيينها منتهى المشي رمى الجمرة.

و لكن يمكن ان يقال بكونها على وفق القاعدة فلا بد لنا حينئذ من الالتزام بأحد الأمور إما من حملها على صورة ما إذا كان قصد الناذر

ذلك و هو المشي إلى ما بعد رمى الجمار و إما من حملها على صورة ما إذا نذر مشى الحج مطلقا من دون تعيين منتهاه، كما إذا فرضنا ان الناذر لا يعلم بخصوصيات الحج التي منها آخر المناسك، فتلك الاخبار تبين منتهاه و انه رمى الجمار و إما من الالتزام بدلالتها على عدم ثبوت الرجحان في المشي بعد رمى الجمار، فتخصص بها الروايات المتقدمة الدالة على أرجحية المشي مطلقا. فبالتزام كل واحد من هذه الأمور يكون دلالتها على وفق القاعدة لا على خلافها كما لا يخفى.

[المسألة الثلاثين]
[لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه ان يركب البحر]

قوله قده: (لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه ان يركب البحر، لمنافاته لنذره.).

بلا خلاف أجده في ذلك و الظاهر انه المتسالم به بين الأصحاب.

[و إن اضطر اليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره]

قوله قده: (و إن اضطر اليه، لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره، كما انه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد.).

بلا إشكال في ذلك، لعدم تمكنه من المشي مع ان التمكن من الوفاء معتبر في النذر، فمن حين عدم تمكنه من الوفاء بنذره يستكشف عدم انعقاده من أول الأمر. هذا مما لا كلام فيه إنما الكلام فيما إذا نذر ان يحج ماشيا و كان في بعض الطريق مانع عن المشي فهل يحكم بعدم انعقاد نذره أم لا؟ فنقول: (تارة) يكون حين النذر عالما بذلك و (اخرى): لا يكون عالما به فان كان عالما به و وقع نذره على هذا الفرض ابتداء بان يقول الناذر: (للّه على ان أحج ماشيا) مع علمه باحتياجه الى الركوب في بعض الطريق فحينئذ لا إشكال في انعقاد نذره، فينحصر المشي الواجب حينئذ في المقدار الممكن من المشي و لا مانع من الركوب الذي اتفق احتياجه إليه في الأثناء، و لكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 423

كان بمقدار لم يكن مضرا بصدق انه حج ماشيا و أما (الفرض الثاني): و هو ما إذا لم يكن عالما حين النذر باحتياجه الى الركوب في بعض الطريق، فيمكن ان يقال بانعقاد نذره، لانصراف نذره الى ما هو المتعارف و هو إمكان المشي في بعض الطريق لا تمامها، فيتعين عليه المشي فيما يمكنه المشي و يركب فيما لا يمكنه المشي لمانع من البحر أو غيره و لا يضر ذلك بنذره، كما انه لا يضر

فيما إذا اتفق له الركوب بمقدار لا يضر بصدق مشيه ذاهبا.

و يمكن ان يقال بعدم انعقاد نذره حينئذ، لعدم تمكنه من المشي في تمام المسافة مع ان التمكن من الوفاء به معتبر في انعقاد نذره كما هو واضح.

و لكن التحقيق هو انعقاد نذره، للانصراف إلى العادة فيمشي فيما يمكنه المشي و يركب فيما لا يمكنه المشي، لأجل البحر أو غيره، فلا مانع له من الركوب و لا يضر بصحة نذره كما لا يخفى.

[و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور انه يقوم فيه]

قوله قده: (و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور انه يقوم فيه، لخبر السكوني، و الأقوى عدم وجوبه. لضعف الخبر عن إثبات الوجوب و التمسك بقاعدة الميسور لا وجه له، و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.)

قال في الجواهر: (و كيف كان ففي المتن و القواعد و غيرهما انه يقوم في مواضع العبور المضطر إليه، كالسفينة و نحوها بل في الحدائق انه المشهور) و يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- قاعدة الميسور بتقريب: ان المشي يتضمن القيام و الحركة، و لا يسقط الميسور منهما- و هو القيام- بالمعسور- و هو الحركة- و (فيه): أولا: ان القيام من دون ان يكون مستلزما لقطع المسافة لا يصدق عليه المشي عرفا فلا يكون الميسور من افراد المشي ثم على فرض جريانها فالميسور في مفروض المقام هو التحرك في السفينة لا القيام، كما افاده المصنف (قده) بل التحقيق أن التحرك في السفينة أيضا ليس ميسورا للمشي، كالقيام لأن الحركة و ان كانت مقومة للمشي لكن مع عدم استلزامها لقطع المسافة لا يصدق عليها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 424

انها ميسور للمشي عرفا.

هذا كله إذا قلنا بان المراد من

الميسور هو الميسور العرفي. و أما إذا قلنا بان المراد منه هو الميسور الشرعي فلا إشكال في عدم كون القيام في السفينة و لا التحرك فيها ميسورا للمشي، لعدم دليل عليه، و كيف كان القيام ليس ميسورا للمشي لا عرفا و شرعا.

مضافا: إلى انه قد ذكرنا مرارا ان القدر المتيقن من موارد جريانها هو الموارد التي عمل بها الأصحاب فيها دون الموارد التي لم يثبت عملهم بها فيها و في المقام لم يثبت عملهم بها بل الظاهر عدمه.

(الثاني)- ما رواه، الكليني (ره) عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر- عليه السلام- عن أبيه عن آبائه- عليهم السلام- أن عليا- عليه السلام- سئل عن رجل نذر ان يمشى إلى البيت، فعبر في المعبر؟ قال- عليه السلام-: فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه «1».

و يمكن المناقشة فيه بأنه ضعيف من حيث السند، كما أفاده المصنف و غيره من الفقهاء و جبر سنده بعمل الأصحاب غير معلوم فلا عبرة به.

و لكن التحقيق ان مجرد عدم عمل الأصحاب به لا يوهن الخبر و لا يسوغ رفع اليد عنه بعد كون السكوني الموجود في سلسلة سنده ممن اعتمد عليه الأصحاب هذا.

مضافا إلى انه عمل به جماعة من الفقهاء و أفتوا بمضمونه و وجوب؟؟؟؟

منهم صاحب المستند (قده) و غيره من الأصحاب و هذا كاف في جبر سنده إذا حصل لنا الوثوق و الاطمئنان بذلك كما يحصل لنا الوثوق في جبر سند الخبر الضعيف الذي عمل به تمام الأصحاب، و الظاهر حصوله في مفروض المقام مع وجود السكوني فيه، فحينئذ يدل الخبر على وجوب القيام تعبدا خلافا لمقتضى القاعدة، لأن مقتضى القاعدة هو وجوب المشي في غير

محل العبور و عدم وجوب المشي في المعبر، و على فرض تسليم عدم جبر ضعفه يتعين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 37- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 425

طرحه، فلا يبقى مجال لما أفاده العلامة في التحرير و التذكرة و القواعد من الحكم باستحباب القيام، لأنه مما لا وجه له بعد طرح الخبر، لأنه بعد القول بان نذر المشي ينصرف إلى يصلح المشي فيه عملا بالمتعارف فلا يكون مواضع العبور داخلة في النذر، فوجوب القيام في مواضع العبور أو استحبابه يحتاج إلى عناية التعبد، و المفروض أنه غير حاصل، و كذا لا يبقى مجال لما أفاده المحقق- طاب ثراه- في المعتبر و لا بأس بذكر ما أفاده فيه على ما حكاه صاحب المدارك قال صاحب المدارك (قده) نقلا عن المعتبر بعد ذكر الخبر:

(و هل هو على وجه الوجوب؟ فيه وجهان أحدهما نعم، لأن المشي يجمع بين القيام و الحركة فإذا فات أحدهما تعين الآخر، و الأقرب أنه على الاستحباب، لأن نذر المشي ينصرف إلى ما يصح المشي فيه فيكون موضع العبور مستثنى بالعادة و ما قربه (ره) جيد) و قد جعله الشهيد الثاني في المسالك أصح حيث قال: (قد ذهب جماعة إلى أن ذلك على الوجوب كذلك و الا صح الاستحباب خروجا من خلافهم)، و قد ظهر ضعف ذلك بما عرفت من عدم الدليل عليه بعد طرح الرواية كما لا يخفى.

[المسألة الحادية و الثلاثين إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا]

قوله قده: (إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا فان كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة و لا كفارة إلا إذا تركها ايضا، و ان كان المنذور الحج ماشيا في سنة

معينة فخالف و أتى به راكبا وجب عليه القضاء و الكفارة.).

توضيح، المقام هو انه (تارة) يكون نذر الحج ماشيا مقيدا بسنة معينة و (اخرى) لا يكون كذلك.

فان كان (على النحو الأول) و خالف و أتى به راكبا فلا يحسب حجه حج النذر، لانتفاء قيد المنذور- و هو المشي-، و يتعين عليه الكفارة للمخالفة، كما أفاده المصنف و غيره من الفقهاء- قدس سرهم- و لا قضاء عليه خلافا لما أفاده المصنف و غيره، لفوات محل النذر، و انتفاء المقيد بانتفاء قيده وقتا كان أم غيره واضح، إلا أن يقوم دليل تعبدي على وجوبه فإنه يكشف عن تعدد المطلوب، كما هو شأن كل واجب موقت- كالصلاة و الصوم و غيرهما من الواجبات- فلا يبقى بمقتضى القاعدة غير العقاب، فيسقط الأصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 426

و خصوصية الوقتية.

و ان كان (على النحو الثاني) و خالف و حج راكبا فلا إشكال في وجوب الإعادة عليه كما لا إشكال أيضا في عدم ثبوت الكفارة عليه، كما أفاده المصنف (قده). أما لزوم الإعادة عليه في العام القابل أو غيره فلعدم إتيانه بالمنذور- و هو الحج ماشيا. و أما عدم ثبوت الكفارة عليه بتأخيره فلانتفاء المخالفة بعد فرض كون النذر مطلقا، فيبقى المنذور في ذمته إلى أن يفي به ثم إنه لا بد في هذه المسألة من البحث في جهتين:

(الاولى) أنه هل يكون الحج الذي أتى به راكبا مع نذره الحج ماشيا صحيحا أم لا و قد مال صاحب المدارك (قده) إلى عدم صحته لا بعنوان النذر و لا بعنوان النافلة حيث قال بعد حكمه بوجوب اعادة الحج ثانيا: (و يستفاد من الحكم بوجوب اعادة الحج كون الحج المأتي به

فاسدا) و كأنه وجهه بأنه غير مطابق للمنذور فلا يقع عن النذر، لعدم المطابقة و لا عن غيره، لعدم النية كما هو المقدور و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، فالأمر بإتيان الحج ماشيا يقتضي النهي عن الإتيان به راكبا، فيصير الحج مع الركوب منهي عنه، و هو موجب للفساد. و (فيه): ما حقق في الأصول من منع الاقتضاء. مضافا إلى انه لو سلمناه لا يستلزم البطلان، لأن المنهي عنه على المفروض هو الركوب و ليس ذلك داخلا في حقيقة الحج حتى يوجب تعلق النهى به بطلانه من رأسه، بل هو أمر مباين لأفعال الحج. نعم، قد يقارنها.

(الثاني)- ما ورد من انه: (لا تطوع في وقت الفريضة) بتقريب: أن الواجب عليه هو الحج ماشيا فعلا. و أما راكبا فهو تطوع فلا يمكن، لأنه ممنوع شرعا.

و (فيه): أولا: اختصاصه بالصلاة، و التعدي منها الى غيرها قياس باطل عند أهل الحق، فالتعدي منوط بتنقيح المناط القطعي و لا سبيل إلى ذلك بعد احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم. نعم، يحصل منه الظن بالحكم لكنه لا يغني من الحق شيئا.

(و ثانيا): انه بعد تسليم التعدي لا يكون الحكم ثابتا مطلقا بل يختص بما إذا أضرت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 427

النافلة بالفريضة كما في الخبر و في المقام ليس كذلك، لعدم كون نفس أعمال الحج مضرة بها لعدم قدرته على الواجب و هو الحج ماشيا فعلا، لضيق الوقت، و لا يقدر على الرجوع إلى بلده فيأتي به ماشيا، ففات منه الفريضة و ليس قابلا للتدارك، فعليه لا تكون النافلة مضرة بالفريضة حتى يحكم ببطلانه.

(الثالث) ما أفاده صاحب المدارك سابقا. و

(فيه): ان الحكم بلزوم اعادة الحج أعم من الفساد و لا إشكال في ان حكمهم بذلك انما نشأ من عدم حصول القيد- و هو الحج ماشيا-، و هذا لا يكون مستلزما لفساد أصل حجه مع استجماعه للشرائط. و أما ما ذكر من ان الحج النذري لم يقع و غيره لم يقصد ففيه ما أفاده المصنف (قده) من انه لا إشكال في ان الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف في صحته و عدم صحته من حيث النذر لا يوجب عدم صحتها من حيث الأصل تنظيرا بما إذا صام أياما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع المعتبرة في صوم الكفارة فإن ذلك لا يوجب بطلان الصيام في الأيام السابقة و انما يوجب عدم احتسابها كفارة.

(الثانية) انه بعد إثبات صحة حجه راكبا يقع الكلام في انه هل يجزيه عن الحج المنذور ماشيا في سنة معينة أم لا بل يقع نافلة؟ احتمل المحقق- طاب ثراه- في المعتبر الصحة و إجزائه عن المنذور و ان وجبت الكفارة بالإخلال بالمشي قال: (لأن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج و لا هو من صفاته بحيث يبطل بفواته بل غايته أنه أخل بالمشي المنذور، فان كان مع القدرة وجب عليه كفارة خلف النذر) على ما نقل في المدارك.

و احتمله العلامة (ره) أيضا في المنتهى و التحرير و المختلف. بل لعله الظاهر من ايمان القواعد و التحرير و الإرشاد على ما حكاه في كشف اللثام. و في كشف اللثام: (انه قوى إلا ان يجعل المشي شرطا في عقد النذر كما فصل في المختلف) بل قال ايضا: انه يجزى ما ذكر في المطلق لأنه لما نوى بحجه

المنذور وقع عنه و انما أخل بالمشي قبله و بين أفعاله فلم يبق محل للمشي المنذور ليقضى إلا ان يطوف و يسعى راكبا فيمكن بطلانهما فيبطل الحج حينئذ ان تناول النذر المشي فيهما. و قريب من ذلك ما في المدارك فإنه قده بعد ان حكى ما سمعته عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 428

المعتبر قال: (و هو انما يتوجه إذا كان المنذور الحج أو المشي فيه غير مقيد أحدهما بالآخر و المفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك).

و لكن لا يخفى ما في احتمال المحقق و غيره من الفقهاء من المناقشة و الإشكال، لأن المشي و أن لم يكن من صفات الحج و لا من شروطه و لكنه دخيل في تحققه بعنوان المنذور، فإذا أخل به لا بتحقق الوفاء بنذره، لعدم تحقق متعلق نذره فلا يجزى المأتي به عن المنذور، فان كان نذره مقيدا بسنة معينة حينئذ فيجب عليه الكفارة، لمخالفة متعلق نذره. و أما وجوبه ثانيا عليه في العام القابل فقد ناقشنا فيه، و قد تقدم. و ان كان نذره مطلقا فيجب عليه الإعادة، لعدم إتيانه بالمنذور و لا تجب عليه الكفارة، لعدم موجبها- اعنى المخالفة- بعد كون النذر مطلقا كما لا يخفى، فحينئذ لا يبقى مجال لما احتملوه.

نعم ما أفاده صاحب كشف اللثام (قده): من اجزاء حجة راكبا عن منذورة- و هو الحج ماشيا- لا يخلو من قوة، لأنه لو لم يجعل الناذر المشي شرطا بان نذر مثلا الحج ثم نذر ان يمشى في الحج المنذور فلا مانع من البناء على كفاية حجه عن المنذور و هذا بخلاف ما إذا جعله الناذر شرطا و كيف كان فالحكم بالإجزاء على نحو الإطلاق في

مفروض المقام لا يخلو من المناقشة و الإشكال.

[المسألة الثانية و الثلاثين لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو كما لو ركب الكل]

قوله قده: (لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو كما لو ركب الكل، لعدم الإتيان بالمنذور، فيجب عليه القضاء و الإعادة ماشيا، و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له).

ما أفاده المصنف (قده) متين لكن وجوب الإعادة يختص بما إذا كان نذره مطلقا و لم يكن مقيدا بسنة معينة، و أما إذا كان مقيدا بها فقد عرفت المناقشة فيه.

[المسألة الثالثة و الثلاثين لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره]

قوله قده: (لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره، لتمكنه منه، أو رجائه سقط و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أولا بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة على أقوال:

(الأول، وجوبه راكبا مع سياق بدنة، و قد حكى صاحب الجواهر (ره) نسبته

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 429

الى الشيخ (قده) و جماعة من الفقهاء- قدس سرهم- و استدلوا بصحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّه و عجز أن يمشى؟ قال:

فليركب و ليسق بدنة، فان ذلك يجزى عنه إذا عرف اللّه منه الجهد «1» و بصحيحة ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل حلف ليحج ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه؟ قال- عليه السلام-: فليركب و ليسق الهدى «2» و يشهد له أيضا عن حميد عن ثابت عن أنس ان النبي- صلى اللّه عليه و آله- رأى رجلا يتهادى بين ابنيه و بين رجلين قال: ما هذا؟ قالوا نذر أن يحج ماشيا قال: ان اللّه عز و جل غنى عن تعذيب نفسه مروه فليركب و ليهد «3» و ما في محكي مختلف من الاستدلال عليه بالاحتياط و إجماع الطائفة.

(الثاني): وجوبه بلا

لزوم سوق بدنة. و في كشف اللثام أنه يحتمله كلام الشيخين و القاضي في نذر النهاية و المقنعة و المهذب، للأصل و انتفاء القدرة على المنذور رأسا، لأنه كان مشروطا بالمشي فيتعذر بتعذر الشرط، و يحتمله عبارة الكتاب كما فهمه الموضح لكن يخالف اختياره في الايمان)، و هو خيرة المفيد، و ابن الجنيد، و يحيى بن سعيد، و الشيخ في نذر الخلاف على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) قال في الجواهر بعد ذكر القائلين به:

(لانتفاء القدرة على المنذور فلا يستوجب جبرا و لذا تركه في صحيح رفاعة بن موسى قال:

قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّه؟ قال: فليمش قلت:

فإنه تعب؟ فقال: إذا تعب ركب «4» و يدل عليه أيضا صحيح ابن مسلم سأل أحدهما- عليهما السلام- عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت اللّه تعالى فلم يستطع؟ قال- عليه السلام-: يحج راكبا «5» و ما عن محمد بن على بن الحسين قال: روى أن من نذر أن يمشى إلى بيت اللّه حافيا مشى فإذا تعب ركب «6» و لكنه مختص بصورة الحفاء و في خبر عنبسة التصريح

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8

(4) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(5) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(6) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 430

بعدم وجوبه، و هو ما عن محمد ابن أبي نصر البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: قلت: له يعني لأبي عبد اللّه عليه السلام اشتكى ابن لي فجعلت للّه على ان هو برء ان أخرج الى مكة ماشيا و خرجت أمشي حتى انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل على شي ء؟ قال: فقال لي: اذبح فهو أحب إلى قال: قلت له:

أي شي ء هو إلى لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: من جعل للّه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه و كان اللّه أعذر لعبده «1» و روى مثله أيضا. و ما عن سماعة و حفص قال:

سألنا أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّه حافيا؟ قال: فليمش فإذا تعب ركب «2». هذا مختص بصورة الحفاء. و ما عن محمد ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل عليه المشي إلى بيت اللّه فلم يستطع؟ قال: فليحج راكبا «3» و عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر- عليه السلام- و أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

إذا حلف الرجل ان لا يركب، أو نذر ان لا يركب، فإذا بلغ مجهوده ركب قال: و كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يحمل المشاة «4» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- هذا كله مضافا الى استدلالهم بأصالة البراءة (الثالث): سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة و توقع المكنة فيما إذا كان مطلقا و قد نسب ذلك إلى العلامة في الإرشاد و جماعة من الفقهاء، و قد نسبه صاحب المدارك إلى ابن

إدريس أيضا حيث قال على ما نقل في المدارك: (إن كان النذر مطلقا وجب على الناذر توقع المكنة من الصفة، و إن كان مقيدا بسنة معينة سقط الفرض، لعجزه عنه) و لكن قال صاحب الجواهر: (ان العبارة المحكية عن ابن إدريس خلاف ذلك قال: و من نذر ان يحج ماشيا ثم عجز عنه فليركب و لا كفارة عليه و لا يلزمه شي ء على الصحيح من المذهب و هو مذهب شيخنا المفيد في المقنعة). و قيل كما عن الفاضل في المختلف: (إن كان النذر

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 6

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 10

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 11

(4) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 431

موقتا ركب و لا شي ء عليه و ان كان مطلقا توقع المكنة).

و هذا القول موافق لما تقضيه القاعدة، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده فيحكم بسقوط وجوب الحج بمجرد طرو عجزه عن المشي هذا إذا كان مقيدا بعام معين و أما إذا كان مطلقا فعليه توقع المكنة من المشي فان لم يحصل له فيحكم ايضا بسقوطه، لعجزه.

(الرابع): وجوب الركوب مع تعيين السنة و توقع المكنة مع عدم اليأس في صورة الإطلاق هذا ما ذهب اليه ابن إدريس على ما في الجواهر و الشهيد الثاني في المسالك.

(الخامس): وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين و توقع المكنة مع الإطلاق قال صاحب المدارك في ذيل المبحث: (و المعتمد ما ذهب اليه ابن إدريس ان

كان العجز قبل التلبس بالإحرام، و إن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله و سياق البدنة و سقوط الفرض بذلك عملا بظاهر النصوص المتقدمة، و التفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج و العمرة مع التلبس بهما، و استلزام إعادتهما المشقة) هذه خلاصة الأقوال في المسألة.

قوله قده (و مقتضى القاعدة و ان كان هو القول الثالث إلا ان الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان مضافا الى خبر عنبسة لدال على عدم وجوبه صريحا فيه.).

ذهب صاحب المدارك (قده) الى القول الأول حسب ما يستفاد من ظاهر كلماته، و قد أشكل على صحيحة رفاعة الدالة على عدم وجوب السياق و كذا أشكل على خبر عنبسة الدال صريحا على عدم وجوبه بأن الرواية الأولى و هي صحيحة رفاعة لا تنافي وجوب السياق لأن عدم ذكره لا يعارض ما دل على الوجوب، و بان الرواية الثانية ضعيفة السند، لأن راويها واقفي ناووسي و لكن في ذيل المبحث فصل بين ما إذا طرء العجز قبل التلبس بالإحرام و بين ما إذا طرء بعده في الحكم بسقوط الحج من رأس على الأول و بوجوب إكماله راكبا و سياق بدنة على الثاني.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 432

و ذهب صاحب الجواهر (ره) الى الثاني خلافا لما أفاده صاحب المدارك حيث قال بعد ذكر نقل الأقوال: (و كيف كان فقد عرفت ان المروي في الصحيحين هو الأول و هو [وجوب الركوب مع سياق بدنة] و لكن الذي يقوى ان السياق فيهما ندب، لما عرفته من خبر عنبسة و غيره.

و ما في ك من عدم التنافي بين ما دل على الوجوب و بين صحيحة رفاعة و ابن مسلم- لان عدم الذكر أعم من ذلك.

و أما خبر عنبسة فهو ضعيف السند، لأن راويه واقفي- في غير محله، إذ عدم الذكر في مقام البيان لا ينكر ظهوره في عدم الوجوب و خبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا، و كذا ما فيها ايضا من ان المعتمد ما ذهب اليه ابن إدريس ان كان العجز قبل التلبس بالإحرام و ان كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله و سياق البدنة و سقوط الفرض بذلك عملا بظاهر النصوص المتقدمة و التفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج و العمرة مع التلبس بهما و استلزام إعادتهما هنا المشقة الشديدة ضرورة: عدم هذا التفصيل في النصوص بل يمكن القطع بعدمه فيها و الأمر بإتمام الحج و العمرة أعم من الاجتزاء به عن النذر و لذا لم يجزيا عن حج الإسلام لو فسدا و ان وجب إتمامهما أيضا كما هو واضح، فلا ريب في ان الأقوى هو الثاني عملا بالنصوص المستفيضة من غير فرق بين النذر المطلق و المعين، و بين من عرف من نفسه العجز عن المشي قبل الشروع و بين من عرض له ذلك في الأثناء، و بين العجز المأيوس من ارتفاعه و غيره حتى لو علم التمكن في عام آخر في وجه و خروج جملة من ذلك عن القواعد غير قادح بعد صلاحية المعتبرة لذلك سندا و دلالة و عملا).

و التحقيق انه لا إشكال في انحلال نذره على القاعدة بمجرد طرو العجز عن المشي بل من حين عدم تمكنه من الوفاء به يستكشف عدم انعقاد نذره من

أول الأمر مع فرض كونه موقتا بسنة معينة، فمقتضى القاعدة هو القول الثالث الذي اختاره ابن إدريس على ما حكاه صاحب المدارك (قده) إلا إذا كان أجيرا. على أصل الحج و نذر الأجير ان يحج بعنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 433

المنوب عنه ماشيا، فإذا طرء عليه العجز عن المشي فمقتضى القاعدة و ان كان سقوط نذره بالنسبة الى مشيه، لعدم قدرته عليه، و لكن يجب عليه الإتيان بالحج راكبا، لكونه أجيرا عليه، و كذا إذا كان عليه حجة الإسلام و فرض انه نذر ان يأتي بها ماشيا و طرأ عليه العجز عن المشي بحيث لم يكن قادرا عليه، فحينئذ يحكم بانحلال نذره بالإضافة إلى المشي، و أما أصل حجة الإسلام فيحكم بوجوب الإتيان بها راكبا و كذا الحال فيما إذا نذر الحج مطلقا ثم نذر ان يحج ماشيا و طرء عليه العجز عنه فينحل على القاعدة نذره الثاني بالإضافة إلى المشي لعدم قدرته و بمقتضى نذره الأول يحكم بوجوب الإتيان به راكبا، لإطلاقه القابل للانطباق على الحج المأتي به راكبا أو ماشيا.

هذا كله بحسب مقتضى القاعدة مما لا كلام فيه انما الكلام في أصل مفروض المقام و هو سقوط الحج بمجرد طرو العجز عن المشي على القاعدة في انه هل يكون في البين ما يوجب رفع اليد عن مقتضى القاعدة أولا؟ قد تقدمت جملة من الاخبار الدالة بظاهرها على وجوبه راكبا بعد عجزه عن المشي خلافا لمقتضى القاعدة و اعتبر في بعضها أمر زائد و هو سياق بدنة.

و لكن هذه الاخبار كلها لا تنهض لإثبات هذا الحكم المخالف للقاعدة و هو وجوب الركوب و سياق بدنة، لإمكان ورودها في مقام توهم الحذر، لأنه

قد يتوهم ممنوعية الركوب شرعا بعد العجز عن المشي، فتدل على انه لا بأس عليه بإتيان الحج راكبا بعد سقوط نذره بالعجز عن المشي و لكن لا يخفى انه لا يحسب الحج الذي يأتي به راكبا حجا واجبا، لأنه انحل بالعجز عن المشي بل يحسب حجا ندبيا، فلا تكون الأخبار مخالفة للقاعدة، و أما الأمر في بعضها بسياق بدنة فمحمول على الندب لخلو جملة من الاخبار عنه و تصريح خبر عنبسة بعدم وجوبه فترفع اليد بهما عن ظاهر الاخبار الآمرة به.

و أما ما أفاده صاحب المدارك من قصور سند خبر عنبسة لكون راويه واقفيا ففيه:

ما أجاب به عنه في الجواهر من ان عنبسة موثق و الموثق حجة مضافا الى ان الراوي عن عنبسة انما هو البزنطي الذي أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه فما أفاده صاحب الجواهر و المصنف- قدس سرهما- من حمل الأمر في بعضها بسياق بدنة على الندب متين، و قد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 434

ظهر مما ذكرنا ضعف ما أفاده صاحب الجواهر و المصنف- قدس سرهما- من وجوب الركوب فحينئذ يتعين القول الثالث- و هو سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة و توقع المكنة فيما إذا كان مطلقا و لكن يمكن الاستدلال على وجوب الركوب بوجوه:

(الأول) الإجماع، و قد ادعاه العلامة (ره) في المختلف على ما حكى عنه و (فيه): بعد منعه بوجود المتخالف كما عرفت نقول على فرض تسليمه أن الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركى، و من المحتمل أن يكون مدركه الأخبار التي قد عرفت المناقشة فيها، أو بعض الوجوه الآتية.

(الثاني)- قاعدة الاحتياط، و هو أيضا قد نسب إلى العلامة (ره) في المختلف و (فيه): انه

لا وجه للاستدلال بها مع رجوع الشك في ذلك الى الشك في أصل التكليف و قد حقق في محله أن المرجع فيه هو البراءة (الثالث)- قاعدة الميسور. و (فيه): انه يمكن المناقشة فيها بوجهين:

أما (أولا) فلاحتمال كون العمل بها منوطا بوجود قيد كان معلوما عندهم، و لذا حكموا بجريانها في الموارد التي كان القيد موجودا فيها دون الموارد الفاقدة له، فلا بد في إجرائها في كل مورد من إحراز عمل الأصحاب به فيه، و الا فلا محيص عن التوقف و عدم إجرائها فيه.

و أما (ثانيا): فلأنه ان أريد من الميسور في القاعدة هو الميسور الشرعي فلا سبيل لنا إلى إحراز ذلك- و هو كون الركوب ميسورا للمشي- لا بدليل يدل على بقاء الحكم بعد معسورية المشي عليه و لا بغيره. و ان أريد منه الميسور العرفي فلان الركوب ليس ميسورا للمشي عرفا، إذ المعسور في المقام- و هو المشي- ليس من جنس الميسور- و هو الركوب- حتى يقال بإمكان الأخذ بها في المقام، لأن الميسور هو الركوب و المعسور هو المشي و هما متضادان فالمعاندة بينهما واضحة، فلا مجال لجريانها في المقام فقاعدة الميسور بما هي لا تنهض دليلا لإثبات وجوب الركوب.

نعم، إذا تعلق نذره بالسير الى الحج فإذا سقط المشي بالعجز عنه يحكم بوجوب أصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 435

السير عليه و يحكم أيضا بوجوب الركوب عليه مقدمة له. و لكنه لا يخفى أن الحكم بوجوب الركوب عليه ليس من جهة جريان قاعدة الميسور بل من جهة كونه مقدمة لواجب مطلق كما لا يخفى و لكن هذا الفرض خارج عما نحن فيه كما هو واضح.

و لكن يمكن المناقشة فيهما: اما (في الوجه

الأول) فلانه من البعيد جدا وجود قيد في مصب القاعدة غير واصل إلينا مع وجوده عندهم، و شدة اهتمامهم بضبط الروايات بما لها من القيود خصوصا في مثل هذا الأمر المهم الجاري في كثير من المقامات، فعدم وصول قيد معتبر في جريان القاعدة يكشف عن عدمه كما لا يخفى فما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- احتمال احتفاف مصب القاعدة بقيد لم يصل إلينا و لكن كان معلوما عندهم مما لا يمكن المساعدة عليه.

و اما (في الوجه الثاني) فلانه من المعلوم عدم ارادة الميسور الشرعي حتى يقال بعدم السبيل إلى إحرازه بل المراد منه هو الميسور العرفي فلا بد من المراجعة إلى العرف كما يراجع إليه في الأجناس و الفصول و غيرهما فالمتبع في المقام هو نظر العرف و الظاهر ان الحج مع الركوب ميسور عرفي للحج عن مشى و لكن هذا لا يخلو من التأمل.

(الرابع)- مما يمكن الاستدلال به على وجوب الركوب بعد عجزه عن المشي هو ما ورد في ذيل صحيح الحلبي المتقدم و هو قوله عليه السلام: (فان ذلك يجزى عنه) و لا يمكن حمله على ما عرفت من حمل باقي الأخبار عليه من وقوع أمره في مقام توهم الخدر لأن التعبير بقول: (فإنه يجزيه عنه مع الركوب) صريح في اشتغال ذمته بالحج النذري حتى بعد عجزه عن المشي لكن حجه راكبا موجب لفراغ ذمته عنه، فيدل على خلاف القاعدة و به نرفع اليد عما هو مقتضى القاعدة من سقوط الحج بمجرد طرو العجز عن المشي فيتعين حينئذ القول الثاني- و هو وجوب الركوب بلا سياق بدنه- بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى على الاستحباب.

[المسألة الرابعة و الثلاثين إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي]

قوله قده: (إذا

نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 436

أو خوف أو عدو أو نحو ذلك فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أولا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان و لا يبعد التفصيل بين المرض و مثل العدو باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني و ان كان الأحوط الإلحاق مطلقا).

تارة يتكلم في هذه المسألة بما تقتضيه القاعدة و (اخرى) بما تقتضيه الأخبار أما مقتضى القاعدة فلا إشكال في انحلال نذره فكما ينحل نذره بمجرد طرو العجز عن المشي فكذلك ينحل بمجرد طرو سائر العوارض من المرض و الخوف و العدو و غيرها فعلى القاعدة لا فرق بينهما و اما الركوب فقد عرفت عدم وجوبه، لما بينا من ان الأمر بالركوب في الروايات المتقدمة إلا صحيحة الحلبي واردة في مقام توهم الحذر. نعم، على تقدير؟؟؟؟ وجوب الركوب تعبدا فالأقوى هو لزوم الاكتفاء بموردها- و هو صورة العجز- لأنه حكم التعبدي قام على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار على مورده، فإذا طرء عليه العجز يحكم بوجوب الركوب عليه دون ما إذا طرأ عليه الخوف أو العدو و لكن التفصيل بين المرض و غيره في الحكم باللحوق في الأول دون الثاني ليس ببعيد كما اعترف به المصنف (قده)، و لكن يمكن أن يقال بشمول الأخبار الدالة على وجوب الركوب جميعها لأن جميعها وجب عجزه عن المشي كما لا يخفى، لصدق عنوان العجز من المشي على المريض و غيره و هو كاف في ترتب الحكم عليه و هو لزوم الركوب هذا آخر ما أردنا إيراده في الجزء الأول من الكتاب و نسأله تعالى التوفيق لإتمام باقي الأجزاء و

قد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الأوصياء أمير المؤمنين على عليه السلام بقلم مؤلفه العبد الفاني محمد إبراهيم الجناتى التاشى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين و يتلوه إنشاء اللّه تعالى الجزء الثاني

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.